" يشترط " فيه " تخصيص الثمر بهما " أي المالك والعامل فلا يجوز شرط بعضه لغيرهما " واشتراكهما فيه " فلا يجوز شرط كل الثمرة لأحدهما " والعلم " أي علمهما " بالنصيبين بالجزئية " وإن قل كجزء من ألف جزء " كالقراض " في جميع ما سبق ومما سبق الصحة فيما إذا قال بيننا وفيما إذا قال على أن لك النصف .
وقول المصنف بالجزئية قد يوهم الفساد هنا وليس مرادا .
ولو ساقاه على نوع بالنصف وآخر بالثلث صح العقدان إذا عرفا قدر كل من النوعين وإلا فلا لما فيه من الغرر فإن المشروط فيه الأقل قد يكون أكثر وإن ساقاه على النصف من كل منهما صح وإن جهلا قدرهما .
وخرج بالثمر الجريد والكرناف والليف فلا يكون مشتركا بينهما بل يختص به المالك كما جزم به في المطلب تبعا للماوردي وغيره قال ولو شرط جعله بينهما على حسب ما شرطناه في الثمن فوجهان في الحاوي اه .
والظاهر منهما الصحة كما نقله الزركشي عن الصيمري .
ولو شرط للعامل بطل قطعا .
ولا يصح كون العوض غير الثمر فلو ساقاه بدراهم أو غيرها لم تنعقد مساقاة ولا إجارة إلا إذا فصل الأعمال وكانت معلومة .
ولو ساقاه على نوع بالنصف على أن يساقيه على آخر بالثلث فسد الأول للشرط الفاسد وأما الثاني فإن عقده جاهلا بفساد الأول فكذلك وإلا فيصح .
تنبيه : .
لا قلب في كلام المصنف كما قال بعض الشراح من أن حقه أن يقول يشترط تخصيصهما بالثمر لأن المصنف مشى هنا على الاستعمال العرفي من دخول الباء على المقصور عليه ومشى في باب القراض حيث قال فيه ويشترط اختصاصهما بالربح على الاستعمال اللغوي من دخول الباء على المقصور وقد نبه على الاستعمالين بعض المحققين فقال في قوله تعالى " إياك نعبد " معناه نخصك بالعبادة ولو قيل نخص العبادة بك كان استعمالا عرفيا .
والأظهر صحة المساقاة بعد ظهور الثمر .
لأنه أبعد عن الغرر للوثوق بالثمر فهو أولى بالجواز .
والثاني لا يصح لفوات بعض الأعمال " لكن " محل الصحة " قبل بدو الصلاح " إذا جعل عوض العامل من الثمرة الموجودة لبقاء معظم العمل أما بعده فلا يجوز قطعا وكذا لو ساقاه على النخل المثمر وعلى ما يحدث من ثمر العام .
ويشترط في الشجر المساقى عليه أن يكون مغروسا كما مر .
و .
على هذا " لو ساقاه على ودي " وهو بواو مفتوحة وداخل مكسورة ومثناة تحتية مشددة صغار النخل " ليغرسه ويكون الشجر لهما لم يجز " إذا لم ترد المساقاة على أصل ثابت وهي رخصة فلا تتعدى موردها ولأن الغرس ليس من أعمال المساقاة فأشبه ضم غير التجارة إلى عمل القراض .
تنبيه : .
ليس الشجر بقيد فلو قال ولك نصف الثمرة لم يصح أيضا .
وإذا عمل في الصورتين فله أجرة المثل على المالك إن توقعت الثمرة في المدة وإلا فلا في الأصح وله أجرة الأرض أيضا إن كانت له .
ولو كان الغراس للعامل والأرض للمالك فلا أجرة له ويلزمه أجرة الأرض .
ولو كان .
الودي " مغروسا " وساقاه عليه " وشرط له جزءا من الثمر على العمل فإن قدر " في عقد المساقاة عليه " مدة يثمر " الودي " فيها غالبا " كخمس سنين " صح " العقد ولا يضر كون أكثر المدة لا ثمر فيها كما لو ساقاه خمس سنين .
والثمرة يغلب وجودها في الخامسة خاصة فإن اتفق أنه لم يثمر لم يستحق العامل شيئا كما لو ساقاه على النخيل المثمرة فلم تثمر .
وإلا .
أي وإن قدر مدة لا يثمر فيها غالبا " فلا " تصح لخلوها عن العوض كالمساقاة على شجرة لا تثمر فإن وقع ذلك وعمل العامل لم يستحق أجرة إن علم أنها لا تثمر في تلك المدة وإلا استحق ويرجع في المدة المذكورة لأهل الخبرة بالشجر في تلك الناحية كما يقتضيه كلام الدارمي .
وقيل إن تعارض الاحتمالان .
في الإثمار وعدمه وليس أحدهما أظهر " صح " العقد لأن الثمر مرجو كالقراض ( 2 / 327 ) فإن الربح مرجو الحصول فإن أثمرت استحق وإلا فلا شيء له .
وأجاب الأول بأن هذا عقد على عوض غير موجود ولا الظاهر وجوده فأشبه السلم فيما لا يوجد غالبا وعلى هذا فله الأجرة وإن لم يثمر لأنه عمل طامعا .
وفهم من الأول أنه لا يغني لفظ أحدهما عن الآخر ولكن لو أتى بلفظ يشملهما ك عاملتك على النخل والبياض بالنصف فيهما كفى بل حكى فيه الإمام الاتفاق .
وله مساقاة شريكه في الشجر إذا .
استقل الشريك بالعمل فيها و " شرط " المالك " له " أي الشريك " زيادة على حصته " كأن يكون الشجر بينهما نصفين فيشرط له ثلثي الثمرة ليكون السدس عوض عمله فإن شرط له مقدار نصيبه أو دونه لم يصح إذ لا عوض لاستحقاقه ذلك بالملك بل شرط عليه في مسألة ما دون نصيبه أن يترك بعض ثمرته أيضا .
فإن عمل لم يستحق أجرة لأنه لم يطمع في شيء وإن شرط له كل الثمرة فسد العقد لكن يستحق الأجرة لأنه عمل طامعا وقيده الغزالي كإمامه تفقها بما إذا لم يعلم الفساد وعدم التقييد أوجه كما مر في القراض .
أما إذا لم يستقل الشريك بالعمل بأن شرط معاونته له في العمل فإن العقد يفسد كما لو ساقى أجنبيا بهذا الشرط فإن عاونه واستوى عملهما فلا أجرة لأحد منهما على الآخر وكذا لا أجرة للمعاون إذا زاد عمله بخلاف الآخر إذا زاد عمله فله أجرة عمله بالحصة على المعاون لأنه لم يعمل مجانا .
واستشكل السبكي مسألة الكتاب بأن عمل الأجير يجب كونه في خالص ملك المستأجر قال والخلاص من هذا أن يقال صورة المسألة إذا قال ساقيتك على نصيبي حتى لا يكون العمل المعقود عليه واقعا في المشترك وبهذا صور أبو الطيب المسألة تبعا لما أفهمه كلام المزني لكن كلام غيرهما يقتضي عدم الفرق وهو ظاهر كلام الكتاب اه .
والذي ينبغي أن يقال إن قال ساقيتك على كل الشجر لم يصح أو قال ساقيتك على نصيبي أو أطلق صح والظاهر كما قال شيخنا صحة مساقاة أحد الشريكين على نصيبه أجنبيا ولو بغير إذن شريكه الآخر .
ولو ساقى الشريكان ثالثا لم يشترط معرفته بحصة كل منهما إلا إن تفاوتا في المشروط له فيشترط معرفته بحصة كل منهما .
ويشترط .
لصحة المساقاة " أن لا يشرط " المالك في عقدها " على العامل ما ليس من جنس أعمالها " التي جرت عادة العامل بها كحفر بئر فإن شرطه لم يصح العقد لأنه استئجار بعوض مجهول واشتراط عقد في عقد .
تنبيه : .
كان الأولى أن يقدم المصنف على هذه المسألة بيان أعمال المساقاة ليعرف أن شرط غيرها مفسد كما جرى على ذلك في كتاب القراض حيث قال فيه ووظيفة العامل كذا ثم قال فلو قارضه ليشتري حنطة إلخ .
ويشترط أيضا أن لا يشترط على المالك في العقد ما على العامل كذا قالاه ومقتضاه أنه لو شرط السقي على المالك أن العقد يبطل وهو كذلك وبه صرح في البحر وسيأتي التنبيه : على ذلك .
ثم شرع في الركن الرابع وهو العمل فقال " و " يشترط " أن ينفرد " العامل " بالعمل " فلو شرط عمل المالك معه فسد بخلاف ما لو شرطا عمل غلام المالك معه بلا شرط يد ولا مشاركة في تدبير فإنه يصح على المذهب المنصوص ولا بد من معرفته بالرؤية أو الوصف ونفقته على المالك بحكم الملك .
وإن شرطت في الثمرة بغير تقدير جزء معلوم لم يصح لأن ما يبقى يكون مجهولا أو شرطت على العامل وقدرت صح لأن العمل عليه فلا يبعد أن تلزمه مؤنة من يعمل معه وهو كاستئجار من يعمل معه ولو لم يقدر صح أيضا والعرف كاف لأنه يتسامح بمثله في المعاملات .
وإن شرط العامل عمل الغلام في حوائج نفسه أو استئجار معاون له بجزء من الثمر أو من غيرها من مال المالك لم يصح العقد أما في الأولى فظاهر وأما في الثانية فلأن قضية المساقاة أن تكون الأعمال ومؤنها على العامل أما إذا جعلت الأجرة من مال العامل فإنها تصح .
و .
يشترط أيضا أن ينفرد " باليد في الحديقة " ليتمكن من العمل متى شاء فلو شرط كونها في يد المالك أو بيدهما لم يصح .
فائدة : .
الحديقة أرض ذات شجر قاله الليث .
وقال أبو عبيدة وهي الحائط أي البستان .
وقال الغزالي إنما يقال حديقة البستان عليه حائط .
و .
يشترط " معرفة العمل " جملة لا تفصيلا كما يشعر به قوله " بتقدير المدة كسنة أو أكثر " إلى مدة تبقى فيها العين غالبا للاستغلال فلا تصح مطلقة ولا مؤبدة لأنها عقد لازم فأشبهت الإجارة .
تنبيه : .
قد يفهم كلامه أنها لا تجوز على أقل من سنة وليس مرادا بل أقل مدتها ما يطلع فيها الثمر ويستغنى ( 2 / 328 ) عن العمل .
وإنما ذكر السنة لأنها محل وفاق وفيما زاد عليها فيه خلاف .
فإذا ساقاه أكثر من سنة صح وإن لم يبين حصة كل سنة فإن فاوت بين السنين لم يضر ووقع في الروضة لم يصح وهو تحريف .
وإن شرط ثمر سنة معينة من السنين والأشجار بحيث تثمر كل سنة لم يصح العقد وإن ساقاه عشر سنين مثلا لتكون الثمرة بينهما ولم تتوقع إلا في العاشرة صح وتكون السنين بمثابة الأشهر من السنة الواحدة وفارقت ما قبلها لأنه شرط له فيها سهم من جميع الثمرة بخلافه في تلك فإن أثمر قبل العاشرة فلا شيء للعامل في الثمرة لأنه لم يطمع في شيء .
تنبيه : .
السنة المطلقة في التأجيل عربية فإن شرطا رومية أو غيرها وعرفا صح وإلا فلا .
وإن انقضت المدة وعلى النخيل طلع أو بلح فللعامل حصته منه وعلى المالك التعهد إلى الجداد وإن قال صاحب المرشد إن التعهد عليهما لأن الثمرة مشتركة بينهما ولا يلزم العامل أجرة لتبقية حصته على الشجر إلى حين الإدراك لأنه يستحقها ثمرة مدركة بحكم العقد وإن أدرك الثمر قبل انقضاء المدة لزم العامل أن يعمل البقية بلا أجرة فإن لم يحدث الثمر إلا بعد المدة فلا شيء للعامل .
ولا يجوز التوقيت .
لمدة المساقاة " بإدراك الثمر في الأصح " لجهالته بالتقدم تارة والتأخر أخرى .
والثاني ينظر إلى أنه المقصود والمراد بالإدراك كما قاله السبكي الجداد .
ثم شرع في الركن الخامس وهو الصيغة فقال " وصيغتها " أي المساقاة أو " ساقيتك على هذا النخل " أو العنب " بكذا " من ثمره كنصفه لأنه الموضوع لها .
أو سلمته إليك لتتعهده .
أو اعمل في نخيلي أو تعهد نخيلي بكذا لأدائه معناه .
وهذه الثلاثة يحتمل أن تكون كناية وأن تكون صريحة قاله في الروضة كأصلها .
ومقتضى كلام الإمام والماوردي والشاشي وغيرهم الأول وقال ابن الرفعة الأشبه الثاني وهو ظاهر كلام ابن المقري وغيره وهو الظاهر .
تنبيه : .
أفهم قوله بكذا أنه لا بد من ذكر العوض فلو سكت عنه لم يصح .
وفي استحقاقه الأجرة وجهان أوجههما عدم الاستحقاق .
ولو ساقاه بلفظ الإجارة لم يصح على الأصح في الروضة كأصلها قالوا لأن لفظ الإجارة صريح في عقد آخر فإن أمكن تنفيذه في محله نفذ فيه كما سيأتي وإلا فالإجارة فاسدة .
قال الإسنوي وتصحيح عدم الانعقاد مشكل مخالف للقواعد فإن الصريح في بابه إنما يمنع أن يكون كناية في غيره إذا وجد نفاذا في موضوع وقوله لزوجته أنت علي كظهر أمي ناويا الطلاق فلا تطلق ويقع الظهار بخلاف قوله لأمته أنت طالق فهو كناية في العتق لأنه لم يجد نفاذا في موضوعه ومسألتنا من ذلك اه .
ولما كان الإشكال قويا قلت تبعا لشيخنا قالوا فإن وجدت الإجارة بشروطها كأن استأجره بنصف الثمرة الموجودة أو كلها بعد بدو الصلاح وكذا قبله بشرط القطع ولم يكن النصف شائعا كأن شرط له ثمرة معينة صح ولو قال ساقيتك بالنصف مثلا ليكون أجرة لك لم يضر لسبق لفظ المساقاة .
ويشترط .
فيها " القبول " لفظا من الناطق للزومها كإجارة وغيرها وتصح بإشارة الأخرس المفهمة ككتابته .
دون تفصيل الأعمال .
فيها فلا يشترط التعرض له في العقد " ويحمل المطلق في كل ناحية على العرف الغالب " فيها في العمل إذ المرجع في مثله إلى العرف هذا إذا عرفاه فإن جهلاه أو أحدهما أو لم يكن عرف وجب التفصيل .
تنبيه : .
قضية كلامه أن الحمل المذكور يجري وإن عقد بغير لفظ المساقاة وهو كذلك وبه صرح ابن يونس وإن كان كلام الروضة قد يفهم أنه لا يجري إلا في لفظها .
و .
يجب على " العامل " عند الإطلاق " ما " أي عمل " يحتاج إليه لصلاح الثمر واستزادته مما يتكرر في كل سنة " في العمل ولا يقصد به حفظ الأصل " كسقي " إن لم يشرب بعروقه ويدخل في السقي توابعه من إصلاح طرق الماء وفتح رأس الساقية وسدها عند السقي فلو شرط السقي على المالك فقيل يجوز ونص عليه في البويطي لأن المساقاة تجوز على النخل البعلي وهو الذي يشرب بعروقه والمشهور ( 2 / 329 ) أن ما على العامل إذا شرط على المالك يبطل العقد .
وأما ما يشرب بعروقه فحكى الماوردي فيه ثلاثة أوجه أحدها أن سقيها على العامل .
والثاني على المالك .
والثالث أي وهو الظاهر يجوز اشتراطه على المالك وعلى العامل فإن أطلق صح ويكون على العامل .
وتنقية .
بئر و " نهر " أي مجرى الماء من الطين ونحوه " وإصلاح الأجاجين التي يثبت فيها الماء " وهي الحفر حول الشجر يجتمع فيها الماء ليشربه شبهت بالأجاجين التي يغسل فيها .
وتلقيح .
للنخل وهو وضع شيء من طلع الذكور في طلع الإناث وقد يستغني بعض النخيل عن الوضع المذكور لكونها تحت ريح الذكور فيحمل الهواء ريح الذكور إليها .
وتنحية .
أي إزالة حشيش مضر كما في الروضة ولو عبر بالكلأ لكان أولى لأن الكلأ يقع على الأخضر واليابس والحشيش لا يطلق إلا على اليابس على المشهور .
و .
تنحية " قضبان مضرة " بالشجر وقطع الجريد وصرفه عن وجوده العناقيد لتصيبها الشمس ويتيسر قطفها عند الإدراك وتقليب الأرض بالمساحي ونحو ذلك مما هو مذكور في المطولات لاقتضاء العرف ذلك .
تنبيه : .
إنما قيدت كلامه بعمل ليخرج الطلع الذي يلقح به والقوصرة التي يجعل فيها العناقيد حفظا عن الطيور والزنابير والمنجل والمعول بكسر ميميهما والثور وآلته من المحراث وغيره فإن ذلك على المالك لأنه عين وإنما يكلف العامل العمل .
وإنما اعتبر التكرار لأن ما لا يتكرر يبقى أثره بعد فراغ المساقاة وتكليفه العامل إجحاف به .
و .
عليه أيضا " تعريش " أي إصلاح العريش التي " جرت به عادة " لتلك البلد التي يطرح الكروم فيها على العريش وهو أن ينصب أعوادا ويظللها ويرفع العنب عليها .
قال المتولي ونصب الأقصاب فيما يكون على القصب .
وكذا .
عليه " حفظ الثمر " على الشجر من السراق ومن الطيور والزنابير بجعل كل عنقود في وعاء يهيئه المالك كقوصرة وعن المشمش بجعل حشيش أو نحوه فوقه عند الحاجة .
و .
عليه " جداده " أي قطعه وحفظه في الجرين من السراق ونحوهم " وتجفيفه في الأصح " لأنها من مصالحه .
والخلاف راجع للمسائل الثلاث لكنه في الروضة عبر في الثانية والثالثة بالصحيح .
والثاني ليس عليه لأن الحفظ خارج عن أعمال المساقاة وكذا الجداد والتجفيف لأنهما بعد كمال الثمر .
تنبيه : .
قيد في الروضة وأصلها الوجوب في التجفيف على العامل بما إذا اطردت العادة به أو شرطاه وليس هذا القيد من محل الخلاف وألحق ابن المقري بالتجفيف في ذلك الحفظ والجداد وهو ظاهر وإذا لزم التجفيف وجب تسوية الجرين ونقله إليه وتقليبها في الشمس إن احتيج إليه .
وكل ما وجب على العامل كان له استئجار المالك عليه وكل ما وجب على المالك لو فعله العامل بإذن المالك استحق الأجرة .
فإن قيل ينبغي أن لا يستحق أجرة بمجرد الإذن كما لو أمر بغسل ثوبه .
أجيب بأن إذنه في ذلك بمنزلة أمره بقضاء دينه لا كأمره بغسل ثوبه .
و .
كل " ما قصد به حفظ الأصل " أي أصل الثمر وهو الشجر " ولا يتكرر كل سنة كبناء الحيطان " للبستان " وحفر نهر جديد " له وإصلاح ما انهار من النهر ونصب الدولاب والأبواب " فعلى المالك " لاقتضاء العرف ذلك وعليه أيضا خراج الأرض الخراجية .
تنبيه : .
قوله كبناء الحيطان قد يوهم أن وضع الشوك على الجدار والترقيع اليسير الذي يتفق في الجدار ليس على المالك وليس مرادا بل الأصح أن ذلك بحسب العادة .
وتعبيره ب جديد قد يشعر بأن ما انهار من النهر يكون على العامل وليس مرادا بل هو على المالك وما نقله السبكي عن النص من إن الثاني على المالك محمول على ما إذا اطردت العادة من كونهما على المالك أو العامل .
والمساقاة لازمة .
أي عقد لازم من الجانبين كالإجارة بجامع أن العمل فيهما في أعيان تبقى بحالها بخلاف القراض لا تبقى أعيانه بعد العمل فأشبه الوكالة .
فإن قيل القول بلزومها مشكل ( 2 / 330 ) أنها إذا وردت على الذمة أشبهت بيع الدين بالدين لأن العمل دين على العامل والثمرة وإن لم تكن دينا إلا أنها معدومة فهي في معنى الدين وبيع الدين بالدين مجمع على بطلانه وقال السبكي لم يتبين لي دليل قوي على لزومها وكنت أود لو قال أحد من أصحابنا بعدم لزومها حتى كنت أوافقه .
أجيب عن الأول بأن بيع الدين بالدين قد جوز للحاجة كما في الحوالة وهذه أولى لشدة الحاجة إليها وعن الثاني بما مر من القياس على الإجارة .
ويملك العامل فيها حصته بالظهور بخلاف القراض لأن الربح فيه وقاية لرأس المال بخلاف الثمرة نعم إن عقدت المساقاة بعد ظهور الثمرة ملكها بالعقد .
وفي فروع ابن القطان أن العامل لو قطع الثمرة قبل أن تبلغ كان متعديا قال ولا شيء له .
والأول ظاهر والثاني لا يأتي على القول بأن العامل يملك حصته بالظهور .
ثم فرع على اللزوم قوله " فلو هرب العامل " أو مرض أو عجز بغير ذلك " قبل الفراغ " من عملها " وأتمه المالك " بنفسه أو ماله " متبرعا " بالعمل أو بمؤنته عن العامل " بقي استحقاق العامل " كتبرع الأجنبي بأداء الدين .
تنبيه : .
لا يختص الحكم المذكور بالهرب بل لو تبرع عنه بحضوره كان كذلك .
وقوله وأتمه المالك ليس بقيد بل لو تبرع عنه بجميع العمل كان كذلك .
والمالك أيضا ليس بقيد فلو فعله أجنبي متبرعا عن العامل فكذلك سواء أجهله المالك أم علمه ولا يلزم المالك إجابة الأجنبي المتطوع .
وقد يفهم من قيد التبرع أنه لو عمل في مال نفسه ولم يقصد التبرع عنه لم يستحق العامل وكذا لو تبرع الأجنبي عن المالك كما في الجعالة ويحتمل أن يقال يستحق ويفرق بينه وبين الجعالة باللزوم وهذا هو الظاهر وإن قال السبكي الأقرب الأقرب الأول .
وإلا .
بأن لم يوجد متبرع " استأجر الحاكم عليه " بعد رفع الأمر إليه وثبوت كل من المساقاة وهرب العامل وتعذر طلبه كأن لم يعرف مكانه .
من يتمه .
من مال العامل ولو كان ماله عقارا .
وهل تجعل نفس الأرض أو بعضها أجرة أو تباع ويجعل منها أجرة يجب على الحاكم أن يفعل ما فيه المصلحة فإن لم يكن له مال فإن كان بعد بدو الصلاح باع نصيب العامل كله أو بعضه بحسب الحاجة واستأجر بثمنه وإن كان قبل بدو الصلاح سواء أظهرت الثمرة أم لا اقترض عليه من المالك أو أجنبي أو بيت المال إن لم يجد من يعمل بأجرة مؤجلة مدة إدراك الثمر لتعذر بيع بعضه وحده للحاجة إلى شرط قطعه وتعذره في الشائع واستأجر بما اقترضه ويقضيه العامل بعد زوال المانع أو يقضيه الحاكم من نصيبه من الثمرة بعد بدو الصلاح فإن وجد العمل بذلك استغنى عن الاقتراض وحصل الغرض .
ولو استأجر الحاكم المالك أو أذن له في الإنفاق فأنفق ليرجع رجع كما لو اقترض منه ومتى تعذر الاقتراض وغيره قبل خروج الثمرة وبعد بدو صلاحها لم يفسخ المالك لأجل الشركة .
ولا تباع الثمرة بشرط القطع لتعذر قطعها للشيوع إلا إن رضي المالك ببيع الجميع فيصح البيع وقول الروضة هنا وأن يشتري المالك نصيب العامل بغير شرط القطع لأن لصاحب الشجر أن يشتري الثمر قبل بدو الصلاح بغير شرط القطع ضعيف بل قال الزركشي ما وقع في أصل الروضة هنا سبق قلم .
وإن كان ذلك قبل خروج الثمرة فله الفسخ وللعامل أجرة ما عمل .
تنبيه : .
يستأجر الحاكم أيضا إذا كان العامل حاضرا وامتنع من العمل كما قاله صاحب المعين اليمني .
وظاهر كلام المصنف أنه يكتري وإن كانت المساقاة واردة على العين والذي جزم به صاحب المعين اليمني و النشائي المنع في الواردة على العين لتمكن المالك من الفسخ وهذا هو الظاهر .
وقولهم استقرض واكترى عنه يفهم أنه ليس له أن يساقي عنه وهو كذلك .
فإن لم يقدر .
أي المالك " على " مراجعة " الحاكم " إما لكونه فوق مسافة العدوى أو حاضرا ولم يجبه إلى ما التمسه " فليشهد على " العمل بنفسه أو " الإنفاق إن أراد الرجوع " بما يعمله أو ينفقه لأن الإشهاد حال العذر كالحكم ويصرح في الإشهاد بإرادة الرجوع فإن لم يشهد كما ذكر فلا رجوع له وإن لم يمكنه الإشهاد فلا رجوع له أيضا لأنه عذر نادر ( 2 / 331 ) .
تنبيه : .
متى أنفق وأشهد ثم اختلف المالك والعامل في قدر النفقة ففي المصدق منهما احتمالان للإمام رجح السبكي منهما قول المالك .
ولم يصرح الشيخان بالمسألة وكلامهما في هرب الجمال يقتضي تصديق العامل فإنهما رجحا قبول قول الجمال وعللاه بأن المنفق لم يستند إلى ائتمان من جهة الحاكم فيكون هنا كذلك .
ولو مات .
العامل المساقي في ذمته قبل تمام العمل " وخلف تركة أتم الوارث العمل منها " بأن يستأجر عليه لأنه حق وجب على مورثه فيؤدي من تركته كغيره .
وفي معنى التركة نصيبه من الثمرة قاله القاضي وغيره .
وله أن يتم العمل بنفسه أو بماله .
إن اختار ويستحق المشروط ولا يجب عليه الوفاء من عين التركة كغيره من الديون وعلى المالك تمكينه إن كان عارفا بعمل المساقاة أمينا وإلا استأجر الحاكم من التركة فإن لم يخلف تركة لم يقترض عليه لأن ذمته خربت بخلاف الحي .
أما إذ كانت المساقاة على عين العامل فإنها تنفسخ بالموت كالأجير المعين ولا تنفسخ بموت المالك في أثناء المدة بل يتم العامل ويأخذ نصيبه .
ولو ساقى البطن الأول البطن الثاني ثم مات الأول في أثناء المدة وكان الوقف وقف ترتيب فينبغي أن تنفسخ كما قاله الزركشي لأنه لا يكون عاملا لنفسه قال ويلغز به فيقال مساقاة تنفسخ بموت العاقد أي المالك .
واستثنى من ذلك الوارث أي إذا ساقى المورث من يرثه ثم مات المورث فإن المساقاة تنفسخ لما مر .
ولو ثبتت خيانة عامل .
فيها بإقراره أو ببينة أو يمين مردودة " ضم إليه مشرف " إلى أن يتم العمل ولا تزال يده لأن العمل حق عليه ويمكن استيفاؤه منه بهذا الطريق فتعين سلوكه جمعا بين الحقين وأجرة المشرف عليه .
نعم لو لم تثبت الخيانة ولكن ارتاب المالك فيه فإنه يضم إليه مشرف وأجرته حينئذ على المالك .
فإن لم يتحفظ به .
أي المشرف أزيلت يده بالكلية و " استؤجر " عليه " من مال العامل " من يتم العمل تعذر استيفاء العمل الواجب عليه منه والقدرة عليه بهذا الطريق .
نعم إن كانت المساقاة على عينه فظاهر كما قال الأذرعي أنه لا يستأجر عنه بل يثبت للمالك الخيار .
ولو خرج الثمر .
بعد العمل " مستحقا " لغير المساقي كأن أوصى بثمن الشجر المساقى عليه أو خرج الشجر مستحقا " فللعامل على المساقي أجرة المثل " لعمله لأنه فوت منافعه بعوض فاسد فيرجع ببدلها .
هذا إذا عمل جاهلا بالحال فإن علم الحال فلا شيء له وكذا إذا كان الخروج قبل العمل .
ولو اختلفا في قدر المشروط للعامل ولا بينة لأحدهما أو لهما بينتان وسقطتا تحالفا وفسخ العقد كما في القراض وللعامل على المالك أجرة عمله إن فسخ العقد بعد العمل وإن لم يثمر الشجر وإلا فلا أجرة له وإن كان لأحدهما بينة قضي له بها .
وتصح الإقالة في المساقاة كما قاله الزركشي قال فإن كان هناك ثمرة لم يستحقها العامل .
خاتمة بيع المالك شجر المساقاة قبل خروج الثمر لا يصح لأن للعامل حقا فيها فكأن المالك استثنى بعضها وأما بعده فصحيح ويكون العامل مع المشتري كما كان مع البائع وليس للبائع بيع نصيبه من الثمرة وحدها بشرط القطع لتعذر قطعه لشيوعه .
وقول القاضي في فتاويه إذا شرط المالك على العامل أعمالا تلزمه فأثمرت الأشجار والعامل لم يعمل بعض تلك الأعمال استحق من الثمرة بقدر ما عمل فإن عمل نصف ما لزمه استحق نصف ما شرط له مبني على أن العامل ليس بشريك والراجح أنه شريك فيستحق حصته وإن لم يعمل وبذلك أفتى شيخي .
والمساقي المالك في ذمته أن يساقي غيره ثم إن شرط له مثل نصيبه أو دونه فذلك ظاهر أو أكثر صح العقد فيما يقابل قدر نصيبه دون الزائد تفريقا للصفقة ولزمه للزائد أجرة المثل فإن كانت المساقاة على عينه وعامل غيره انفسخت بتركه العمل لا بمجرد العقد وكانت الثمرة للمالك ولا شيء للعامل الأول والثاني عليه الأجرة إن جهل الحال وإلا فلا .
ولو أعطى شخص آخر دابة ليعمل عليها أو يتعهدها وفوائدها بينهما لم يصح العقد لأنه في الأولى يمكنه إيجار الدابة فلا حاجة إلى إيراد عقد عليها فيه ( 2 / 332 ) غرر وفي الثانية الفوائد لا تحصل بعمله .
ولو أعطاها له ليعلفها من عنده بنصف درها ففعل ضمن له المالك العلف .
وقول الروضة بدل النصف نسب إلى سبق قلم وضمن الآخر المالك نصف الدر وهو القدر المشروط له لحصوله بحكم بيع فاسد ولا يضمن الدابة لأنها غير مقابلة بعوض فإن قال لتعلفها بنصفها ففعل فالنصف المشروط مضمون على العالف لحصوله بحكم الشراء الفاسد دون النصف الآخر