لما شابهت القراض في العمل في شيء ببعض نمائه وجهالة العوض والإجارة في اللزوم والتأقيت جعلت بينهما .
وهي مأخوذة من السقي بفتح السين وسكون القاف المحتاج إليه فيها غالبا لا سيما في الحجاز فإنهم يسقون من الآبار لأنه أنفع أعمالها وأكثرها مؤنة .
وحقيقتها أن يعامل غيره على نخل أو شجر عنب ليتعهده بالسقي والتربية على أن الثمرة لهما .
والأصل فيها قبل الإجماع خبر الصحيحين أنه A عامل أهل خيبر وفي رواية دفع إلى يهود خيبر نخلها وأرضها بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع .
والحاجة داعية إليها لأن مالك الأشجار قد لا يحسن تعهدها أو لا يتفرغ له ومن ( 2 / 323 ) يحسن ويتفرغ قد لا يملك الأشجار فيحتاج ذاك إلى الاستعمال وهذا إلى العمل ولو اكترى المالك لزمته الأجرة في الحال وقد لا يحصل له شيء من الثمار ويتهاون العامل فدعت الحاجة إلى تجويزها .
وأركانها خمسة عاقد ومورد العمل والثمار والعمل والصيغة .
ثم شرع في شرط الركن الأول فقال " تصح من جائز التصرف " لنفسه لأنها معاملة على المال كالقراض .
تنبيه : .
لو قال إنما تصح لكان أولى ليفيد الحصر .
ولصبي ومجنون .
وسفيه " بالولاية " عليهم عند المصلحة للاحتياج إلى ذلك .
تنبيه : .
لو عبر بالمحجور عليه لكان أخصر وأحصر لشموله ما قدرته .
وهذا الشرط يعتبر أيضا في العامل وفي معنى الولي ناظر الوقف وكذا الإمام في بساتين بيت المال وما لا يعرفه مالكه وكذا بساتين الغائب كما قاله الزركشي قال ومقتضى كلام الماوردي أنه ليس لعامل القراض المساقاة فإن عمله في حق المالك لا في حق نفسه بخلاف المساقي " .
ثم شرع في الركن الثاني وهو مورد العمل فقال " وموردها " أصالة أي ما ترد صيغة عقد المساقاة عليه " النخل " للخبر السابق ولو ذكورا كما اقتضاه إطلاق المصنف وصرح به الخفاف ويشترط فيه أن يكون مغروسا معينا مرئيا .
و .
مثله " العنب " لأنه في معنى النخل بجامع وجوب الزكاة وتأتي الخرص .
تنبيه : .
إنما لم يقل الكرم بدل العنب لورود النهي عن تسميته به قال A لا تسموا العنب كرما إنما الكرم الرجل المسلم رواه مسلم .
قيل سمي كرما من الكرم بفتح الراء لأن الخمر المتخذة منه تحمل عليه فكره أن يسمى به وجعل المؤمن أحق بما يشتق من الكرم يقال رجل كرم بإسكان الراء وفتحها أي كريم .
وثمرات النخل والأعناب أفضل الثمار وشجرهما أفضل الشجر بالاتفاق .
واختلفوا في أيهما أفضل والراجح أن النخل أفضل لورود أكرموا عماتكم النخل المطعمات في المحل وإنها خلقت من طهينة آدم .
والنخل مقدم على العنب في جميع القرآن ومر في زكاة الفطر أن التمر خير من الزبيب .
وشبه A النخلة بالمؤمن وأنها تشرب برأسها وإذا قطع ماتت وينتفع بأجزائها وهي الشجرة الطيبة المذكورة في القرآن فكانت أفضل .
وليس في الشجر شجر فيه ذكر وأنثى يحتاج الأنثى فيه إلى الذكر سواه وشبه A عين الدجال بحبة العنب لأنها أصل الخمرة وهي أم الخبائث .
وجوزها القديم في سائر الأشجار المثمرة .
كالتين والتفاح للحاجة واختاره المصنف في تصحيح التنبيه : والجديد المنع لأنها رخصة فنختص بموردها ولأنه لا زكاة في ثمرها فأشبهت غير المثمرة ولأنها تنمو من غير تعهد بخلاف النخل والعنب .
وعلى المنع لو كانت هذه الأشجار بين النخل أو العنب فساقي عليها معه تبعا جاز وإن كانت كثيرة كما هو مقتضى كلام الروضة وإن قيدها الماوردي بالقليلة كما تجوز المزارعة تبعا للمساقاة .
تنبيه : .
احترز المصنف بالأشجار وهي ما لها ساق عما لا ساق له كالبطيخ وقصب السكر وبالمثمرة عن غيرها كالتوت الذكر وما لا يقصد ثمره كالصنوبر فلا تجوز المساقاة عليه على القولين وعلى الجديد لا تجوز على المقل على الأصح في الروضة وإن قال في المهمات الفتوى على الجواز .
فإن قيل قد قلتم غير الشجر هو الذي لا ساق له وقد قال تعالى " وأنبتنا عليه شجرة من يقطين " .
أجيب بأنها كانت شجرة على خلاف العادة في القرع معجزة لسيدنا يونس صلى الله عليه وعلى سائر الأنبياء وسلم كما كانت تأتيه وعلة صباحا ومساء يشرب من لبنها حتى قوي .
ولا تصح المخابرة وهي عمل .
العامل في " الأرض " أي المعاملة عليها كما عبر به في المحرر ولو عبر به لكان أولى لأن العمل من وظيفة العامل فلا يفسر العقد به .
ببعض ما يخرج منها .
كنصف " والبذر من العامل ولا " تصح " المزارعة ( 2 / 324 ) وهي هذه المعاملة " أي المخابرة " و " لكن " البذر " فيها يكون " من الما للنهي عن الأولى في الصحيحين وعن الثانية في مسلم .
والمعنى في المنع فيهما أن تحصيل منفعة الأرض ممكنة بالإجارة فلم يجز العمل عليها ببعض ما يخرج منها كالمواشي بخلاف الشجرة فإنه لا يمكن عقد الإجارة عليه فجوزت المساقاة للحاجة .
واختار في الروضة جوازهما مطلقا تبعا لابن المنذر و الخطابي وغيرهما .
وتأولوا الأحاديث على ما إذا شرط لواحد زرع قطعة معينة ولآخر أخرى واختاره الماوردي .
ولا تصح المشاطرة المسماة أيضا بالمناصبة بموحدة بعد صاد مهملة كالتي تفعل بالشام وهي أن يسلم إليه أرضا ليغرسها من عنده والشجر بينهما .
وفي فتاوى القفال أن الحاصل في هذه الصورة للعامل ولمالك الأرض أجرة مثلها عليه .
ومن زارع على أرض بجزء من الغلة فعطل بعض الأرض أفتى المصنف بأنه يلزمه أجرة ما عطل منها وخالفه الشيخ تاج الدين الفزاري وقال بعدم اللزوم وهو أوجه .
فلو كان بين النخل .
أو العنب " بياض " وهو أرض لا زرع فيها ولا شجر " صحت المزارعة عليه مع المساقاة على النخل " أو العنب تبعا للمساقاة وتعسر الإفراد وعليه حمل خبر الصحيحين أول الباب .
تنبيه : .
اقتصر المصنف هنا وفي الروضة على ذكر النخل وكان الأولى له ذكر العنب معه كما قدرته فإنه قال في التصحيح إنه الصواب .
وإنما يجوز ذلك " بشرط اتحاد العامل " فيهما فلا يصح أن يساقي واحدا ويزارع آخر لأن الاختلاف يزيل التبعية .
وليس المراد باتحاده اشتراط كونه واحدا بل أن لا يكون من ساقاه غير من زارعه فلو ساقى جماعة وزارعهم بعقد واحد صح .
و .
بشرط " عسر إفراد النخل بالسقي و " عسر إفراد " البياض بالعمارة " وهي الزراعة لانتفاع النخل بسقي الأرض وتقليبها .
وعبر في الروضة بالتعذر ومراده التعسر كما هنا فإن أمكن ذلك لم تجز المزارعة لعدم الحاجة .
تنبيه : .
لو كان بين النخل بياض بحيث تجوز المزارعة عليه تبعا للمساقاة وكان فيه زرع موجود ففي جواز المزارعة وجهان بناء على القولين في جواز المساقاة على ثمرة موجودة .
وقضيته كما قال الزركشي ترجيح الجواز فيما لم يبد صلاحه فحينئذ لا اختصاص للتعبير بالبياض المجرد .
وتبع المصنف في الجمع بين عسر إفراد النخل بالسقي والبياض بالعمارة الروضة كأصلها والذي اقتصر عليه الجمهور ذكر عسر إفراد النخل بالسقي والعمل واقتصر الغزالي في كتبه على عسر إفراد البياض المتخلل بالعمارة وما قاله المصنف أوجه .
والأصح أنه يشترط .
في عهد المساقاة والمزارعة " أن لا يفصل " بضم أوله وفتح ثالثه بخطه أي لا يفصل العاقدان " بينهما " بل يؤتى بهما على الاتصال لتحصل التبعية فلو ساقاه على النصف مثلا فقبل ثم زارعه على البياض لم تصح المزارعة لأن تعدد العقد يزيل التبعية .
والثاني يجوز الفصل بينهما لحصولهما لشخص واحد .
تنبيه : .
محل الخلاف كما قال الدارمي حيث بقي من مدة المساقاة ما يمكن فيه المزارعة وإلا امتنع جزما .
و .
الأصح أنه يشترط " أن لا يقدم المزارعة " على المساقاة لأنها تابعة والتابع لا يقدم على متبوعه .
والثاني يجوز تقديمها وتكون موقوفة إن ساقاه بعدها بأن صحتها وإلا فلا .
وفهم من الأول أنه لا يغني لفظ أحدهما عن الآخر ولكن لو أتى بلفظ يشملهما ك عاملتك على النخل والبياض بالنصف فيهما كفى بل حكى فيه الإمام الاتفاق .
قال الدارمي ويشترط أيضا بيان ما يزرعه بخلاف إجارة الأرض للزراعة لأنه هناك شريك فلا بد من علمه به بخلاف الآخر إذ لا حق له في الزرع .
والأصح " أن كثير البياض كقليله " في صحة المزارعة عليه لأن الغرض عسر الإفراد والحاجة لا تختلف .
والثاني لا لأن الكثير لا يكون تابعا ( 2 / 325 ) .
تنبيه : .
النظر في الكثير إلى مساحة الأرض ومغارس الشجر لا إلى زيادة النماء على الأصح في زيادة الروضة .
و .
الأصح " أنه لا يشترط تساوي الجزء المشروط من الثمر " في المساقاة " والزرع " في المزارعة بل يجوز أن يشرط للعامل نصف التمر وربع الزرع مثلا .
والثاني يشترط لأن التفاضل يزيل التبعية وصحح هذا المصنف في نكت التنبيه : .
و .
الأصح " أنه لا يجوز أن يخابر تبعا للمساقاة " لعدم ورود ذلك .
والثاني يجوز ذلك كالمزارعة .
وأجاب الأول بأن المزارعة في معنى المساقاة من حيث أنه ليس على العامل فيها إلا العمل بخلاف المخابرة فإنه يكون عليه العمل والبذر .
فإن أفردت أرض .
قراح أو بياض متخلل بين النخل أو العنب بالمخابرة فالمغل للعامل لأن الزرع يتبع البذر وعليه للمالك أجرة مثل الأرض أو " بالمزارعة فالمغل للمالك " لأنه نماء ملكه " وعليه للعامل أجرة " مثل " عمله و " عمل " دوابه و " عمل ما يتعلق به من ما يتعلق به من " آلاته " كالبقر إن كانت له سواء حصل من الزرع شيء أم لا أخذا من نظيره في القراض وذلك لأنه لم يرض ببطلان منفعته إلا ليحصل له بعض الزرع فإذا لم يحصل له وانصرف كل المنفعة إلى المالك استحق الأجرة .
فإن قيل المنقول عن المتولي في نظيره من الشركة الفاسدة فيما إذا أتلف الزرع بآفة أنه لا شيء للعامل لأنه لم يحصل للمالك شيء وصوبه المصنف فيكون الحكم هناكذلك .
أجيب بأن العامل هنا أشبه به في القراض من الشركة على أن الرافعي قال في كلام المتولي لا يخفى عدوله عن القياس الظاهر .
ولو كان البذر منهما فالغلة لهما ولكل على الآخر أجرة ما انصرف من منافعه على حصة صاحبه .
ثم شرع في حيلة تسقط الأجرة وتجعل الغلة مشتركة بين المالك والعامل في الصورة السابقة فقال " وطريق جعل الغلة لهما في صورة إفراد الأرض بالمزارعة ولا أجرة " لأحدهما على الآخر تحصل بصورتين إحداهما " أن يستأجره " أي المالك العامل " بنصف البذر " شائعا " ليزرع له النصف الآخر " في الأرض " ويعيره نصف الأرض " شائعا .
ومن هنا يؤخذ جواز إعارة المشاع المفيدة إسقاط الأجرة بخلاف ما إذا لم يعره نصفها واستأجره لزراعة نصف البذر فزرع جميعه فإنه يلزمه أجرة نصف الأرض .
والطريق الثاني ما أشار إليه بقوله " أو يستأجره " أي العامل " بنصف البذر " شائعا " ونصف منفعة الأرض " كذلك " ليزرع " له " النصف الآخر " من البذر " في النصف الآخر " بفتح الخاء ويجوز كسرها على معنى المتأخر " من الأرض " فيكونان شريكين في الزرع على المناصفة ولا أجرة لأحدهما على الآخر لأن العامل يستحق من منفعة الأرض بقدر نصيبه من الزرع والمالك من منفعته بقدر نصيبه من الزرع .
فإن قيل ما الفرق بين الطريقين أجيب بأنه في الأولى جعل الأجرة عينا وفي الثانية عينا ومنفعة وفي الأولى متمكن من الرجوع بعد الزراعة في نصف الأرض ويأخذ الأجرة وفي الثانية لا يتمكن .
ويفترقان أيضا في أنه لو فسد منبت الأرض في المدة لزمه قيمة نصفها على الأول دون الثاني لأن العارية مضمونة .
تنبيه : .
قد توهم عبارته الحصر في الطريقين وليس مرادا بل من ذلك أن يقرض المالك العامل نصف البذر ويؤجره نصف الأرض بنصف عمله ونصف منافع دوابه وآلاته ومنه أن يعيره نصف الأرض والبذر منهما ثم يعمل العامل فالمغل بينهما ولا تراجع لأن كلا منها متطوع لكن البذر في هذا ليس كله من المالك .
وطريق جعل الغلة لهما في المخابرة ولا أجرة أن يستأجر العامل نصف الأرض بنصف البذر ونصف عمله ومنافع دوابه وآلاته أو بنصف البذر ويتبرع بالعمل والمنافع ولا بد في هذه الإجارات من رعاية الرؤية وتقدير المدة وغيرهما من شروط الإجارة .
ثم شرع في الركن الثالث وهو الثمار مترجما له بفصل فقال ( 2 / 326 )