" رد العارية متى شاء " وإن كانت مؤقتة والمدة باقية لأنها مبرة من المعير وارتفاق من المستعير فلا يليق بها الإلزام .
ورد المعير بمعنى رجوعه كما في المحرر ولو عبر به لكان أولى كما عبر به في الوديعة .
إلا إذا .
كانت العارية لازمة كمن " أعار " أرضا " لدفن " لميت محترم وفعل المستعير " فلا يرجع " أي المعير في موضعه الذي دفن فيه وامتنع على المستعير ردها فهي لازمة من جهتهما " حتى يندرس أثر المدفون " بأن يصير ترابا لا يبقى منه شيء غير عجب الذنب وهو مثل حبة خردل في طرف العصعص لا جميع العصعص ولما كان لا يكاد يتحقق بالمشاهدة لم يتعرض المصنف لاستثنائه فإنه لا يبلى أبدا .
وإنما امتنع الرجوع محافظة على حرمة الميت ولهما الرجوع قبل وضعه فيه لا بعد وضعه وإن لم يوار بالتراب كما رجحه في الشرح الصغير خلافا لما قاله المتولي من جواز الرجوع .
وليس في الروضة وأصلها تصريح بترجيح .
قال الأذرعي وكلام النهاية والبسيط يوافق كلام المتولي ولم أر من صرح بخلافه اه .
وصورة ذلك بعد البلى إذا أذن المعير في تكرار الدفن وإلا فقد انتهت العارية وإذا امتنع الرجوع قبل البلى لا يستحق المعير أجرة كما صرح بذلك البغوي و الماوردي وغيرهما لأن العرف غير قاض به والميت لا مال له وللمعير سقي شجر بالأرض التي بها القبر إن أمن ظهور شيء من الميت وإلا امتنع عليه ولو أظهره السيل من قبره قال الماوردي و الروياني يجب إعادته لأنه قد صار حقا له مؤبدا .
قال ابن الرفعة وقد يوجه بأن دفنه على الفور وفي تأخيره إلى حفر غيره ونقله إليه تأخير للواجب .
ويؤخذ من ذلك أن السيل إن حمله إلى موضع مباح يمكن دفنه فيه من غير تأخير منع إعادته وهو كذلك وعلى المعير لولي الميت مؤنة حفر ما رجع فيه قبل الدفن لأنه المورط له .
فإن قيل لو بادر المعير إلى زراعة الأرض بعد تكريب المستعير لها لم يلزمه أجرة التكريب كما في فتاوى البغوي فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن الدفن لا يمكن إلا بالحفر بخلاف الزراعة فإنها ممكنة بدون التكريب ولا يلزمه الطم لما حفره لأنه بالإذن .
تنبيه : .
أورد على حصره الاستثناء فيما ذكره مسائل منها ما لو كفن الميت أجنبي وقلنا إن الكفن باق على ملك الأجنبي كما هو الأصح في زيادة الروضة في كتاب السرقة فهو عارية لازمة كما قاله في الوسيط أي من الجانبين فلو نبش الميت سبع وأكله فقد انتهت العارية فيرجع إلى المعير ولا يسمى راجعا في العارية .
ومنها ما لو قال أعيروا داري بعد موتي لزيد شهرا لم يكن للمالك وهو الوارث الرجوع قبل الشهر كما قالاه في التدبير .
ومنها ما لو نذر المعير أن لا يرجع إلا بعد سنة مثلا أو نذر أن يعيره سنة مثلا امتنع الرجوع قبل السنة قاله الرافعي في التدبير .
ومنها ما لو أعار سفينه فوضع المستعير فيها متاعا ثم طلبها المعير في اللجة لم يجب لذلك لأجل الضرر لا للزومها قاله البندنيجي و الروياني قال ابن الرفعة ويظهر أن له الأجرة من حين الرجوع كما لو أعاره أرضا لزرع فرجع قبل انتهائه .
ومنها ما لو أعاره دابة أو سلاحا أو نحو ذلك للغزو فالتقى الصفان فليس له الرجوع في ذلك حتى ينكشف القتال قاله الخفاف في الخصال .
ومنها ما لو أراد الصلاة المفروضة فأعاره ثوبا ليستر به عورته أو ليفرشه في مكان نجس ففعل وكان الرجوع مؤديا إلى بطلان الصلاة قال الإسنوي فيحتمل منعه وهو متجه ويحتمل الجواز وتكون فائدته طلب الأجرة اه .
ونقل الزركشي في الخادم عن البحر أنه ليس للمعير الاسترداد ولا للمستعير الرد إلا بعد فراغ الصلاة وفي شرح المهذب عن الماوردي وغيره أن المعير لو رجع في الصلاة نزعه وبنى ولا إعادة عليه بلا خلاف اه .
والأولى كما قال شيخي أن يقال في استعارة السترة للصلاة إن استعارها ليصلي فيها الفرض فهي لازمة من جهتهما أو لمطلق الصلاة فهي لازمة من جهة المستعير فقط إن أحرم فيها بفرض وجائزة من جهتهما إن أحرم بنفل ويحمل ما ذكر على هذا التفصيل .
ومنها ما لو استعار سترة يستتر بها في الخلوة فهي لازمة من جهة المستعير أيضا .
ومنها ما لو استعار دارا لسكنى المعتدة فهي لازمة من جهة المستعير أيضا .
ومنها ما لو استعار سلاحا ونحوه ليدفع به عما يجب الدفع عنه كما هو مبين في كتاب الصيال .
ومنها ما إذا استعار ما يدفع به أذى الحر والبرد المهلكين .
ومنها ما إذا استعار ما ينجو به من الغرق ويطفيء به الحرق ( 2 / 271 ) ويقاس بذلك ما في معناه .
وإذا أعار للبناء أو الغراس ولم يذكر مدة .
بأن أطلق " ثم رجع " بعد أن بنى المستعير أو غرس " إن كان " المعير " شرط " عليه " القلع " فقط أو شرطه " مجانا " أي بلا أرش لنقصه " لزمه " قلعه عملا بالشرط فإن امتنع فللمعير القلع .
ويلزم المستعير تسوية الحفر إن شرطت وإلا فلا .
تنبيه : .
قوله مجانا كذا هو في الروضة وكتب الرافعي قال السبكي و الإسنوي والصواب حذفه كما فعله جمهور الأصحاب فإنه يقتضي لولا الذي قدرته فيه أنه لا يؤمر بالقلع مجانا إلا عند التنصيص عليه وليس مرادا فإنه خلاف ما نص عليه في الأم والمختصر .
ولعل المصنف احترز به عما لو شرط القلع وغرامة الأرش فإنه يلزمه ولو اختلف المعير والمستعير هل شرط القلع بأرش أو لا فقال الأذرعي الظاهر تصديق المعير كما لو اختلفا في أصل العارية لأن من كان القول قوله في شيء كان القول قوله في صفته .
وإلا .
أي وإن لم يشرط عليه القلع " فإن اختار المستعير القلع قلع " بلا أرش لأنه ملكه وقد رضي بنقصانه " ولا يلزمه تسوية الأرض في الأصح " في المحرر لأن الإعارة مع العلم بأن للمستعير أن يقلع رضا بما يحدث من القلع .
قلت الأصح تلزمه .
التسوية " والله أعلم " لأنه قلع باختياره .
ولو امتنع منه لم يجبر عليه فيلزمه إذا قلع رد الأرض إلى ما كانت عليه ليرد كما أخذ وهذا هو الأظهر في الشرحين وقال في الروضة إنه قول الجمهور وإن ما في المحرر ضعيف وقال السبكي إن كان الكلام في حفر حصلت في مدة العارية لأجل الغرس والبناء فالأمر كما في المحرر وإن كان في حفر حصلت من القلع زائدة على ما حصل قبل ذلك فالراجح وجوب التسوية ثم قال فتلخص للفتوى الفرق بين الحفر لأجل الغراس والبناء وبين الحفر للقلع وهذا الحمل متعين .
تنبيه : .
محل الخلاف كما قاله ابن الملقن إذا كانت الحفر الحاصلة في الأرض على قدر الحاجة فإن كانت زائدة على حاجة القلع لزمه طم الزائد قطعا .
وإن لم يختر .
أي المستعير القلع " لم يقلع " أي المعير " مجانا " لأنه وضع بحق فهو محترم " بل للمعير الخيار بين أن يبقيه بأجرة " أي أجرة مثله " أو يقلع ويضمن أرش النقص " وهو قدر التفاوت ما بين قيمته قائما ومقلوعا كما في الكفاية .
قيل أو يتملكه .
أي بعقد ولا يلحق بالشفيع كما يؤخذ في كلام الرافعي .
بقيمته .
أي مستحق القلع حين التملك كما قاله العمراني فإن قيمته تنقص على هذا التقدير .
ووجه مقابله إن ذلك بيع فلا بد فيه من التراضي .
وتخييره بين الثلاث هو المعتمد وفاقا للإمام و الغزالي وصاحب الحاوي الصغير والأنوار وغيرهم ومقتضى كلام الروضة وأصلها في الصلح خلافا لما فيها هنا من تخصيص التخيير بالأول والثالث .
وأما وقع في الكتاب تبعا لأصله من التخيير بين التبقية بالأجرة وبين القلع مع غرامة الأرش دون التملك بالقيمة لم يذكراه في الشرحين والروضة وجها فضلا عن تصحيحه بل لم يذكره غيرهما إلا ما يوهمه كلام التنبيه : بل قال الزركشي تبعا للبلقيني ليس في المسألة خلاف كما زعمه الشيخان بل الكل متفقون على التخيير بين الثلاث ونسبه الإمام إلى كافة الأصحاب .
تنبيه : .
محل التخيير بين الثلاث إذا كان في الأرض نقص وكان المعير غير شريك ولم يكن على الغراس ثمر لم يبد صلاحه وإلا فيتعين القلع في الأول والتبقية بأجرة المثل في الثاني وتأخير التخيير إلى بعد الجداد كمال الزرع في الثالث لأن له أمدا ينتظر وإذا لم يرض الشريك في الثاني بالأجرة أعرض الحاكم عنهما .
ومحله أيضا إذا لم يوقف البناء والغراس وإلا قال ابن الرفعة وغيره فيتعين تبقيتهما بالأجرة و الزركشي يتخير بين ذلك وبين قلعهما بالأرش وهذا أوجه .
ومحله أيضا إذا لم يوقف الأرض وإلا فيتخير بين الثلاث لكن لا يقلع بالأرش إلا إذا كان أصلح للوقف من التبقية بالأجرة ولا يتملك بالقيمة إذا كان في شرط الواقف جواز تحصيل مثل ذلك البناء والغراس من ريعه وبذلك ( 2 / 272 ) أفتى ابن الصلاح في نظيره من الإجارة .
فرع لو قطع شخص غصنا .
له ووصله بشجرة غيره فثمرة الغصن لمالكه لا لمالك الشجرة كما لو غرسه في أرض غيره ثم إن كان الوصل بإذن المالك فليس له قطعة مجانا بل يتخير المالك بين أن يبقيه بالأجرة أو يقلعه مع غرامه أرش النقص ولا يتملكه بالقيمة وإن قلنا فيما مر أنه يتملك بالقيمة البناء والغراس للفرق الواضح .
فإن لم يختر .
أي المعير واحدة من الخصال التي خير فيها " لم يقلع مجانا " أي ليس له ذلك " إن بذل " بالذال المعجمة أي أعطى " المستعير الأجرة " لانتفاء الضرر " وكذا إن لم يبذلها في الأصح " لأن المعير مقصر بترك الاختيار راض بإتلاف منافعه .
والثاني يقلع لأنه بعد الرجوع لا يجوز الانتفاع بماله مجانا .
ثم .
على الأصح " قيل يبيع الحاكم الأرض وما فيها " من بناء وغراس " ويقسم بينهما " على ما يذكره بعد فصلا للخصومة .
والأصح أنه .
أي الحاكم " يعرض عنهما حتى يختارا شيئا " أي يختار المعير ماله اختياره ويوافقه المستعير عليه لينقطع النزاع بينهما .
تنبيه : .
في نسخة المصنف إثبات الألف في يختارا كما رأيتها بخطه وهو ما في المحرر ولكن الذي في أكثر نسخ الشرحين وفي الروضة بخط المصنف يختار بغير ألف وصحح بخطه على موضع سقوط الألف قال السبكي وهو أحسن وقال الإسنوي إنه الصواب لأن اختيار المعير كاف في فصل الخصومة اه .
وقال الأذرعي إن الوجه إثباتها .
ثم حكى عن جماعة أنهم عبروا عن الوجه الأصح بأن يقال لهما انصرفا حتى تصطلحا على شيء قال فأفهم ذلك أن قوله يختارا أثبت في النقل وأعم ولم أر في شيء من نسخ الشرحين إسقاط الألف اه .
وهذا أوجه وهو الذي حليت عليه عبارة المصنف تبعا للشارح فإن المعير قد يختار ما لا يجبر عليه المستعير ولا يوافقه عليه .
ثم فرع المصنف على الإعراض عنهما حتى يختارا فقال " وللمعير دخولها والإنتفاع بها " في مدة المنازعة لأنها ملكه وله الاستظلال بالبناء والغراس قال الإمام والظاهر لزوم الأجرة مدة التوقف .
وجزم في البحر بأن لا أجرة له وهو أوجه لأن الخبرة في ذلك إليه .
ولا يدخلها المستعير بغير إذن .
من المعين " للتفرج " لأنه لا ضرورة به إليه فكان كالأجنبي .
تنبيه : .
التفرج لفظة مولدة لعلها من انفراج الهم وهو انكشافه كما قاله المصنف في تحريره ولو قال بدلها بلا حاجة لكان أولى .
ويجوز .
الدخول " للسقي " للغراس " والإصلاح " له أو للبناء صيانة لملكه عن الضياع ويجوز أيضا لأخذ ثمر أو جريد أو نحو ذلك من غراسه .
نعم لو تعطل نفع الأرض على مالكها بدخوله لم يلزمه أن يمكنه من دخولها إلا بأجرة كما نقله الرافعي عن التتمة وأقره .
تنبيه : .
فهم مما تقرر في المعير عدم جواز الإستناد إلى البناء والغراس وبه قطع القاضي أبو الطيب و ابن الصباغ وغيرهما وحكاه القاضي حسين ثم استشكله بما مر في الصلح من جواز هذا في جدار الأجنبي .
وأجيب بحمل ما هنا على ما فيه ضرر فإذا لا فرق وإن فرق بأن المعير حجر على نفسه لعدم اختياره فلهذا منع بخلاف الأجنبي .
ولكل .
من المعير والمستعير " بيع ملكه " من صاحبه ومن غيره كسائر الأملاك فإن باع المعير لثالث يتخير المشتري كما كان يختير البائع وإن باع المستعير كان المعير على خيرته وللمشتري الفسخ إن جهل الحال ولو باعا معا بثمن واحد جاز للضرورة ويوزع الثمن عليهما قال المتولي كما في رهن الأم دون الولد وقال البغوي يوزع الثمن على قيمة الأرض مشغولة بالغراس أو البناء وعلى حصة ما فيها وحده فحصة الأرض للمعير وحصة ما فيها للمستعير وبهذا جزم ابن المقري في روضه .
وقيل ليس للمستعير بيعه لثالث .
لأن ملكه غير مستقر فإن للمعير تملكه بالقيمة .
وأجاب الأول بأن هذا لا يمنع البيع كما في بيع الشقص المشفوع ( 2 / 273 ) .
تنبيه : .
قد يفهم كلامه أن للمعير بيعه لثالث قطعا وليس مرادا بل فيه وجه صححه الماوردي و الروياني لأن مدة بقاء البناء والغرس مجهولة .
ولو أجر المعير الأرض فالمتجه كما قال الإسنوي الصحة إن أمكن التفريغ قبل مضي زمن لمثله أجرة .
والعارية المؤقتة .
لبناء أو غراس أو غيره " كالمطلقة " فيما مر من الأحكام إذا انتهت المدة أو رجع فيها لكن في المؤقتة يجوز له أن يغرس ويبني المرة بعد الأخرى ما لم تنقص المدة أو يرجع المعير وفي المطلقة لا يفعل ذلك إلا مرة واحدة .
فإن قلع ما بناه أو غرسه لم يكن له إعادته إلا بإذن جديد إلا إن صرح له بالتجديد مرة بعد أخرى ذكره الشيخان في الكلام على الزرع وغير الغراس والبناء في معناهما .
فإن فعل عالما أو جاهلا برجوعه أو بعد انقضاء المدة قلع مجانا وكلف تسوية الأرض كالغاصب في حالة العلم وكذلك ما نبت بحمل السيل إلى أرض غيره في حالة الجهل .
وفي قول له القلع فيها .
أي المؤقتة " مجانا إذا رجع " بعد المدة ويكون هذا فائدة التأقيت ومقابله يقول فائدته طلب الأجرة .
تنبيه : .
محل هذا القول بعد المدة كما قدرته وهو بعدها لا يحتاج إلى رجوع فكان الأولى التعبير بالإنتهاء دون الرجوع .
وإذا أعاره .
أرضا " لزراعة " مطلقا " ورجع " المعير " قبل إدراك الزرع .
فالصحيح أن عليه الإبقاء إلى الحصاد " لأنه محترم وله أمد ينتظر بخلاف البناء والغراس .
ومقابل الأصح وجهان أحدهما له قلعه ويغرم أرش النقص والثاني له التملك بالقيمة في الحال .
وعلى الأول إن كان الزرع مما يعتاد قلعه فصيلا كلف القلع وكذا إن لم ينقص بالقلع كما في المطلب وإن لم يعتد قلعه .
و .
الصحيح وفي الروضة الأصح " أن له الأجرة " من وقت الرجوع إلى الحصاد لأن الإباحة انقطعت بالرجوع فأشبه ما إذا أعار دابة ثم رجع في الطريق فإن عليه نقل متاعه إلى مأمن بأجرة المثل .
والثاني لا أجرة له لأن منفعة الأرض إلى الحصاد كالمستوفاة بالزرع .
ثم أشار إلى ما هو كالمستثنى مما قبله بقوله " فلو عين " المعير " مدة " للزراعة " ولم يدرك " أي الزرع " فيها لتقصيره " أي المستعير " بتأخير الزراعة قلع " المعير الزرع " مجانا " لما أشار إليه من كونه مقصرا ويلزمه أيضا تسوية الأرض وإن قصر بالزرع ولم يقصر بالتأخير كأن كان على الأرض سيل أو ثلج أو نحو ذلك لا يمكن معه الزرع ثم زرع بعد تمكنه وهو لا يدرك في المدة فالحكم كذلك .
أما إذا لم يحصل منه تقصير فإنه لا يقلع مجانا بل يكون كما لو أعار مطلقا سواء أكان عدم الإدراك لحر أم برد أم مطر أم لقلة المدة المعينة أم لأكل الجراد رؤوس الزرع فنبت ثانيا .
قال الإسنوي وذكر الرافعي في الإجارة أنه إذا أبدل الزرع المعين بغيره كان كالتقصير بالتأخير فيأتي مثله هنا أيضا .
ولو حمل السيل .
أو نحوه كهواء " بذرا " لغيره " إلى أرضه فنبت " فيها " فهو " أي النابت " لصاحب البذر " بإعجام الذال لأنه عين ماله تحول إلى صفة أخرى فلم يزل ملكه عنه فيجب رده إليه إن حضر وعلمه وإلا فيرده إلى القاضي لأنه نائب الغائب ويحفظ المال الضائع .
تنبيه : .
شمل إطلاقه ما لو كان المحمول لا قيمة له كحبة أو نواة لم يعرض عنها مالكها وهو الأصح كما في زيادة الروضة .
والأصح أنه .
أي المالك " يجبر على قلعه " أي ما ذكر لأن مالك الأرض لم يأذن له .
والثاني لا يجير لأنه غير متعد فهو كالمستعير .
وعلى الأول يلزمه تسوية الأرض لأن ذلك لتخليص ملكه ولا أجرة عليه للمدة التي قبل القلع كما في المطلب لعدم فعله .
أما إذا أعرض عنها مالكها وكان ممن يصح إعراضه فهي لمالك الأرض .
تنبيه : .
قول المصنف بذرا أي ما سيصير مبذورا تسمية لاسم المفعول بالمصدر ففيه تجوز من وجهين فلو لم ينبت المحمول الذي لم يعرض عنه مالكه لزم رده إليه إن حضر وإلا فللقاضي كما مر .
ثم شرع في الاختلاف بين المالك وذوي اليد فقال " ولو ركب " شخص " دابة " لغيره " وقال لمالكها أعرتنيها فقال " له مالكها " بل أجرتكها " مدة ( 2 / 274 ) كذا بكذا .
أو اختلف مالك الأرض وزارعها كذلك فالمصدق المالك على المذهب .
إذا اختلفا بعد مضي مدة لمثلها أجرة والدابة باقية لأن المنافع تصح المعاوضة عليها كالأعيان .
ولو اختلفا في العين بعد تلفها كأن أكل طعام غيره وقال كنت أبحته لي وأنكر المالك فإنه يصدق بيمينه فكذا هنا فيحلف على النفي والإثبات وله أجرة المثل في الأصح المنصوص وقيل المسمى وقيل الأقل منها .
والمراد بتصديق المالك في استحقاق الأجرة لا في أنه يصدق في عقد الإجارة حتى يتمكن الآخر من أخذ المنافع إذا كان الاختلاف في أول المدة أو في أثنائها فإن نكل المالك لم يحلف الراكب ولا الزارع لأنهما لا يدعيان الإعارة وليست لازمة وقيل يحلفان ونسب للقاضي حسين للتخليص من غرم .
والثاني يصدق الراكب والزارع لأن المالك وافقهما على إباحة المنفعة لهما والأصل براءة ذمتهما من الأجرة التي يدعيها .
والثالث يصدق المالك في الأرض دون الدابة لأن الدواب يكثر فيها الإعارة بخلاف الأرض .
أما إذا لم تمض مدة لمثلها أجرة فالمصدق الراكب والزارع فيحلف ما أجرتني لأنه لم يتلف شيئا حتى نجعله مدعيا لسقوط بدله .
وإن وقع ذلك بعد تلف الدابة فإن تلفت عقب الأخذ فالراكب مقر بالقيمة لمنكرها فترد برده أو بعد مضي مدة لمثلها أجرة فالراكب مقر بالقيمة لمنكر لها وهو يدعي الأجرة فيعطي قدر الأجرة من القيمة بلا يمين ويحلف للزائد فيما إذا زادت على القيمة .
وكذا .
يصدق المالك على المذهب " لو قال " الراكب أو الزارع " أعرتني فقال " المالك " بل غصبت مني " وقد مضت مدة لمثلها أجرة والعين باقية لأن الأصل عدم الإذن فيحلف ويستحق أجرة المثل .
والثاني أن القول قول المستعير لأن الظاهر أن تصرفه بحق .
فإن تلفت العين .
بما يوجب ضمان العارية قبل ردها " فقد اتفقا على الضمان " لأن كلا من المغصوب والمستعار مضمون " لكن الأصح أن العارية تضمن بقيمة يوم التلف لا بأقصى القيم ولا بيوم القبض " وهما مقابل الأصح .
فإن كان ما يدعيه المالك .
بالغصب " أكثر " من قيمة يوم التلف " حلف للزيادة " لأن غريمه ينكرها وأما المتفق عليه فيأخذه بلا يمين لموافقة غريمه على استحقاقه وإليه يشير قوله حلف للزيادة ولا يضر اختلاف الجهة .
تنبيه : .
قضية كلام الشيخين في كتبهما أنه لا فرق في ضمانه بالقيمة بين المتقوم والمثلي قال الإسنوي وهو كذلك ففي الحاوي والمهذب والبحر إن ضمناه المتقوم بالأقصى أوجبنا المثل في المثلي وإن ضمناه بقيمة يوم التلف وهو الأصح ففي المثلي القيمة أيضا فما في كتب الشيخين ماش على الصحيح وجزم به في الأنوار واقتضاه كلام جمع وحينئذ يصير مستثنى من قاعدة أن المثلي يضمن بالمثل .
وقال ابن أبي عصرون يضمن المثلي بالمثل وجرى عليه السبكي وقال شيخنا وهو الأوجه .
وقول المصنف لكن إلخ مسألة مستقلة وهي أن العارية هل تضمن بقيمة يوم التلف بغير الاستعمال المأذن فيه أو بالأقصى أو بيوم القبض وفيه أوجه أصحها بقيمة يوم التلف فلا وجه للاستدراك .
تتمة لو قال المالك غصبتني وقال الراكب أجرتني صدق المالك بيمينه لأن الأصل بقاء استحقاق المنفعة فيسترد العين إن كانت باقية وله فيما إذا انقضت مدة لها أجرة أخذ قدر المسمى بلا يمين لأن الراكب مقر له به ويحلف للزائد على المسمى وقيمة المعين إن تلفت .
ولو قال المالك غصبتني وقال ذو اليد أودعتني صدق المالك بيمينه وأخذ القيمة إن تلفت العين وأجرة المثل إن مضت مدة لها أجرة .
ولو ادعى لمالك الإجارة وذو اليد الغصب فإن لم تتلف العين ولم تمض مدة لها أجرة صدق ذو اليد بيمينه فإن مضت فالمالك مدع للمسمى وذو اليد مقر له بأجرة المثل فإن لم يزد المسمى عليها أخذه بلا يمين وإلا حلف للزائد .
ولو ادعى المالك الإعارة وذو اليد الغصب فلا معنى لنزاع فيما إذا كانت العين باقية ولم تمض مدة لها أجرة وإن مضت فذو اليد مقر بالأجرة لمنكرها وإن تلفت قبل مضي مدة لها أجرة فإن لم يزد أقصى القيم على قيمة يوم التلف أخذ القيمة بلا يمين وإلا فالزيادة مقر بها ذو اليد لمنكرها وإن مضت مدة لها أجرة فالأجرة مقر بها ذو اليد لمنكرها .
خاتمة لو اختلف المعير والمستعير في رد العارية فالقول قول المعير بيمينه لأن الأصل عدم الرد مع أن المستعير قبض العين لمحض حق نفسه .
ولو استعمل المستعير العارية جاهلا برجوع المعير لم يلزمه أجرة .
فإن قيل الضمان لا فرق فيه بين الجهل وعدمه .
أجيب بأن ذلك عند عدم تسليط المالك وهنا بخلافه والأصل بقاء السلطة وبأنه المقصر بترك الإعلام .
فإن قيل الجواب الثاني مشكل بوجوب الدية على الوكيل إذا اقتص جاهلا بعزل المستحق .
أجيب بأنه مقصر بتوكله في القود لأنه غير مستحق إذ العفو فيه مطلوب فضمن زجرا له عن التوكل فيه ( 2 / 275 )