وما يذكر معه من التزاحم على الحقوق والتنازع فيها هو لغة قطع النزاع و شرعا عقد يحصل به ذلك .
وهو أنواع صلح بين المسلمين والكفار وبين الإمام والبغاة وبين الزوجين عند الشقاق وصلح في المعاملة وهو مقصود الباب والأصل فيه قبل الإجماع قوله تعالى " والصلح خير " وخبر الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا رواه ابن حبان وصححه .
والكفار كالمسلمين في ذلك وإنما خصهم بالذكر لانقيادهم إلى الأحكام غالبا .
والصلح الذي يحل الحرام أن يصالح على خمر ونحوه أو من دراهم على أكثر منها والذي يحرم الحلال أن يصالح زوجته على أن لا يطلقها ونحو ذلك ولفظه يتعدى للمتروك ب من و عن وللمأخوذ ب على والباء غالبا .
وهو قسمان أحدهما يجري بين المتداعيين وهو نوعان أحدهما صلح على إقرار فإن جرى على عين غير المدعاة .
كما إذا ادعى عليه دارا فأقر له بها وصالحه عنها بمعين كثوب " فهو بيع " للعين المدعاة من المدعي للمدعى عليه " بلفظ الصلح " ويسمى صلح المعاوضة " تثبت فيه أحكامه " أي البيع " كالشفعة والرد بالعيب ومنع تصرفه " في المصالح عليه " قبل قبضه واشتراط التقابض إن اتفقا " أي المصالح عنه والمصالح عليه " في علة الربا " وغير ذلك من أحكامه كاشتراط التساوي إذا كان جنسا ربويا واشتراط القطع في بيع الزرع الأخضر وجريان التحالف ( 2 / 178 ) عند الاختلاف وفساده بالغرر والشرط الفاسد والجهل لأن حد البيع يصدق على ذلك .
أما إذا صالح على دين فإنه إن كان ذهبا أو فضة فهو بيع أيضا وإن كان عبدا أو ثوبا مثلا موصوفا بصفة السلم فهو سلم وسكت الشيخان عن ذلك لظهوره .
ولو أبدل المصنف عين ب غير لدخل ذلك لكن لا ينعقد السلم بلفظ البيع كما تقدم في بابه .
أو .
جرى الصلح من العين المدعاة " على منفعة " لغير العين المدعاة كخدمة عبد مدة معلومة " فإجارة تثبت أحكامها " أي الإجارة في ذلك لأن حد الإجارة يصدق على ذلك .
أما إذا صالح على منفعة العين المدعاة فإنها إعارة تثبت أحكامها فإن عين مدة فإعارة مؤقتة وإلا فمطلقة .
أو .
جرى الصلح " على بعض العين المدعاة " كربعها " فهبة لبعضها " الباقي " لصاحب اليد " عليها فتثبت " أحكامها " أي الهبة المقررة في بابها من اشتراط القبول وغيره لصدق حدها على ذلك فتصح في البعض المتروك بلفظ الهبة والتمليك ونحوهما .
ولا يصح بلفظ البيع .
له لعدم الثمن " والأصح صحته بلفظ الصلح " ك صالحتك من الدار على ربعها لأن الخاصية التي يفتقر إليها لفظ الصلح هي سبق الخصومة وقد حصلت .
والثاني لا يصح لأن لفظ الصلح يتضمن المعاوضة ولا عوض هناك للمتروك ومحال أن يقابل الإنسان ملكه بملكه .
وحمله الأول على الهبة تنزيلا لهذا اللفظ في كل موضع على ما يليق به كلفظ التمليك ويسمى هذا صلح الحطيطة .
ولو قال من غير سبق خصومة صالحني عن دارك .
مثلا " بكذا " فأجابه " فالأصح بطلانه " لأن لفظ الصلح يستدعي سبق الخصومة سواء أكانت عند حاكم أم لا .
والثاني يصح لأنه معاوضة فلم يشترط فيه ذلك قياسا على البيع .
ومحل الخلاف عند عدم النية فأما إذا استعملاه ونويا البيع فإنه يكون كتابة بلا شك كما قال الشيخان وإن رده في المطلب .
ولو صالح من دين .
يجوز الاعتياض عنه " على " غيره " عين " أو دين قال الإسنوي أو منفعة " صح " لعموم الأدلة سواء أعقد بلفظ البيع أو الصلح أو الإجارة أما ما لا يصح الاعتياض عنه كدين السلم فإنه لا يصح .
تنبيه : .
قوله على عين وقع في نسخة المصنف تبعا للمحرر ولو عبر ب غير كما قدرته في كلامه لكان أولى لأن لفظه عين تنافي كما قال الفزاري تفصيله الآتي بقوله فإن كان العوض عينا إلى قوله أو دينا .
وقال السبكي إنه يوجد في بعض نسخ المحرر على عوض وهو الصواب لتقسيمه إياه بعد إلى عين ودين اه .
وأجاب الشارح عن هذا كما سيأتي التنبيه : عليه .
فإن توافقا .
أي الدين المصالح عنه والعوض المصالح عليه " في علة الربا " كالصلح عن فضة بذهب " اشترط قبض العوض في المجلس " حذرا من الربا فإن تفرقا قبل قبضه بطل الصلح .
ولا يشترط تعيينه في العقد على الأصح " وإلا " قال الشارح أي وإن لم يتوافق المصالح منه الدين والمصالح عليه في علة الربا فجعله منقطعا عن الأول ومثله بقوله كالصلح عن فضة بحنطة أو ثوب .
فإن كان العوض عينا لم يشترط قبضه في المجلس في الأصح .
كما لو باع ثوبا بدراهم في الذمة لا يشترط قبض للثوب في المجلس .
والثاني يشترط لأن أحد العوضين دين فيشترط قبض الآخر في المجلس كرأس مال السلم .
أو .
كان العوض " دينا " كصالحتك عن دراهمي التي عليك بكذا " اشترط تعيينه في المجلس " ليخرج عن بيع الدين بالدين .
وفي قبضه .
في المجلس " الوجهان " أصحهما لا يشترط وإن كانا ربويين اشترط لما سبق الاستبدال عن الثمن .
ولو أحال المصنف عليه لاستغنى عن هذا التفصيل .
وإن كان العوض منفعة قبضها بقبض محلها فيه .
قال الإسنوي ويتجه تخريج اشتراطه على الخلاف فيما إذا لو صالح على عين .
وإن صالح من دين على بعضه .
كربعه " فهو إبراء عن باقيه " لأنه معناه فتثبت فيه أحكامه .
وعلم من كلامه أن الصلح عن ( 2 / 179 ) ينقسم إلى معاوضة وحطيطة كالعين وأفهم أنه لا يشترط قبض الباقي في المجلس لأنه لم يجعل هذا العقد معاوضة بل إبراء .
وهل يعود الدين إذا امتنع المبرأ من أداء الباقي أم لا وجهان أصحهما عدم العود .
ويصح بلفظ الإبراء والحط ونحوهما .
كالوضع والإسقاط لما في الصحيحين عن كعب بن مالك طلب من عبدالله بن أبي حدرد دينا له عليه فارتفعت أصواتهما في المجلس حتى سمعهما رسول الله A فخرج إليهما ونادى يا كعب فقال لبيك يا رسول الله فأشار بيده أن ضع الشطر فقال قد فعلت فقال A قم فاقضه .
وإذا جرى ذلك بصيغة الإبراء ك أبرأتك من خمسمائة من ألف الذي لي عليك أو نحوهما مما تقدم ك وضعتها أو أسقطتها عنك لا يشترط القبول على المذهب سواء أقلنا الإبراء إسقاط أم تمليك .
و .
يصح " بلفظ الصلح في الأصح " ك صالحتك عن الألف الذي لي عليك على خمسمائة والخلاف كالخلاف في الصلح من العين على بعضها بلفظ الصلح فيؤخذ توجيهه مما تقدم .
وهل يشترط القبول في هذه الحالة فيه خلاف مدركه مراعاة اللفظ أو المعنى والأصح على ما دل عليه كلام الشيخين هنا اشتراطه ولا يصح هذا الصلح بلفظ البيع كنظيره في الصلح عن العين .
تنبيه : .
مقتضى كلام المصنف البطلان فيما لو كانت الخمسمائة المصالح بها معينة وهو ما رجحه القاضي والإمام وقطع به القفال وصوبه في المهمات وجرى عليه ابن المقري لأن تعيينها يقتضي كونها عوضا فيصير بائعا الألف بخمسمائة .
ومقتضى كلام أصل الروضة الصحة وجرى عليه البغوي و المتولي و الخوارزمي وهو المعتمد لأن الصلح من الألف على بعضه إبراء للبعض واستيفاء للباقي فلا فرق بين المعين وغيره .
ولو صالح من .
دين " حال على مؤجل مثله " جنسا وقدرا وصفة " أو عكس " أي صالح من مؤجل على حال مثله كذلك " لغا " الصلح لأنه وعد في الأولى من الدائن بإلحاق الأجل وصفة الحلول لا يصح إلحاقها وفي الثانية وعد من المديون بإسقاط الأجل وهو لا يسقط .
والصحة والتكسير كالحلول والتأجيل .
فإن عجل .
الدين " المؤجل صح الأداء " وسقط الأجل لصدور الإيفاء والاستيفاء من أهلهما .
نعم إن ظن المؤدي صحة الصلح لم يسقط الأجل واسترد ما عجله كمن ظن أن عليه دينا فأداه فبان خلافه فإنه يسترد كما قال السبكي قطعا .
وهذه المسألة فرد من أفراد قاعدة متكررة وهي إذا شرط عليه شيء من التصرفات لا يلزمه الوفاء به كما لو شرط بيعا في بيع ففعل المشروط عليه جاهلا ببطلان العقد المشروط كأن أتى بالبيع الثني فهل ينفذ لكونه تصرفا صحيحا في نفسه أو لا لكونه وفاء بالشرط الفاسد فيه خلاف .
وقد اضطرب الترجيح في هذه القاعدة كما بينه في المهمات ثم قال وقد تظافرت نصوص الشافعي على البطلان فلتكن الفتوى عليه ولا عبرة بما عداه .
ولو صالح من عشرة حالة على خمسة مؤجلة برىء من خمسة وبقيت خمسة حالة .
لأنه سامح بحط البعض ووعد بتأجيل الباقي والوعد لا يلزم والحط صحيح .
ولو عكس .
بأن صالح من عشرة مؤجلة على خمسة حالة " لغا " الصلح لأن صفة الحلول لا يصح إلحاقها والخمسة الأخرى إنما تركها في مقابلة ذلك فإن لم يحصل الحلو لا يصح الترك والصحة والتكثير كالحلول والتأجيل .
تنبيه : .
قد علم مما تقرر أن أقسام الصلح ستة البيع والإجارة والعارية والهبة والسلم والإبراء .
وبقي منها أشياء أخرى منها الخلع ك صالحتك من كذا على أن تطلقني طلقة .
ومنها المعاوضة من دم العمد ك صالحتك من كذا على ما تستحقه على من قصاص .
ومنها الجعالة ك صالحتك من كذا على رد عبدي .
ومنها الفداء كقوله للحربي صالحتك من كذا على إطلاق هذا الأسير .
ومنها الفسخ كأن صالح من السلم فيه على رأس المال وكأنه تركها كغيره لأخذها مما ذكر .
النوع الثاني الصلح على الإنكار .
أو السكوت من المدعى عليه كما قاله في المطلب عن سليم الرازي وغيره كأن ادعى ( 2 / 180 ) عليه شيئا فأنكره أو سكت ثم صالح عنه .
فيبطل إن جرى على نفس المدعى .
كأن يدعي عليه دارا فيصالح عليها بأن يجعلها للمدعي أو للمدعى عليه كما يصدق بذلك عبارة المصنف وكلا الصورتين باطل .
وفي الروضة وأصلها إن جرى على غير المدعى كأن يصالحه عن الدار بثوب أو دين .
قال الشارح وكأن نسخة المصنف من المحرر عين فعبر عنها بالنفس ولم يلاحظ موافقة ما في الشرح فهما مسألتان حكمهما واحد اه .
غيري حتى أسقيك نسأل الله سبحانه وتعالى من فضلهويريد بذلك دفع اعتراض المصحح .
وقال الدميري عبارة المحرر غير وكأن الراء تصحفت على المصنف بالنون فعبر عنها بالنفس .
فإن قيل التعبير بالنفس لا يستقيم لأن على والباء يدخلان على المأخوذ و من و عن على المتروك .
أجيب بأن ذلك جرى على الغالب كما مرت الإشارة إليه وبأن المدعى المذكور مأخوذ ومتروك باعتبارين غايته أن إلغاء الصلح في ذلك للإنكار ولفساد الصيغة باتحاد العوضين .
وإنما امتنع الصلح على غير إقرار خلافا للأئمة الثلاثة قياسا على ما لو أنكر الخلع والكتابة ثم تصالحا على شيء .
ولأن المدعي إن كان كاذبا فقد استحل من المدعى عليه ماله وهو حرام وإن كان صادقا فقد حرم عليه ماله الحلال فدخل في قوله A إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا .
فإن قيل الصلح لم يحرم الحلال ولم يحلل الحرام بل هو على ما كان عليه من التحريم والتحليل .
أجيب بأن الصلح هو المجوز له الإقدام على ذلك في الظاهر وأما فيما بينه وبين الله تعالى فسيأتي .
ولو أقيمت عليه بينة بعد الإنكار جاز الصلح كما قاله الماوردي لأن لزوم الحق بالبينة كلزومه بالإقرار .
ولو أقر ثم أنكر جاز الصلح وإذا تصالحا ثم اختلفا في أنهما تصالحا على إقرار أو إنكار فالذي نص عليه الشافعي أن القول قول مدعي الإنكار لأن الأصل أن لا عقد .
فإن قيل لو تنازع المتعاقدان هل وقع العقد صحيحا أو فاسدا كان القول قول مدعي الصحة كما مر فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن الظاهر والغالب جريان البيع على الصحة والغالب وقوع الصلح على الإنكار ولو ادعى عليه عينا فقال رددتها عليك ثم صالحه وقال البغوي في فتاويه إن كانت في يده أمانة لم يصح الصلح لأن القول قوله فيكون صلحا على إنكار وإن كانت مضمونة فقوله في الرد غير مقبول وقد أقر بالضمان فيصح الصلح ويحتمل بطلانه فإنه لم يقر أن عليه شيئا اه .
والأول أظهر .
وإن صالح على الإنكار فإن كان المدعي محقا فيحل له فيما بينه وبين الله تعالى أن يأخذ ما يبذل له قاله الماوردي وهو صحيح في صلح الحطيطة وفيه فرض كلامه .
وما إذا صالح عن غير المدعى ففيه ما يأتي في مسألة الظفر قاله الإسنوي قال ولو أنكر فصولح ثم أقر كان الصلح باطلا قاله الماوردي .
فإن قيل إذا أقر بأنه كان ملكا للمصالح حال الصلح فينبغي الصحة لاتفاقهما على أن العقد جرى بشروطه في علمهما أو في نفس الأمر .
أجيب بأن شرط صحة الصلح الإقرار وهو منتف حال العقد .
ويصح إبراء المنكر ولو بعد التحليف ولو تصالحا بعد التحليف لم يصح كما لو تصالحا قبله .
وكذا .
يبطل الصلح " إن جرى على بعضه في الأصح " أي المدعى كما لو كان على غير المدعى .
والثاني يصح لاتفاقهما على أن البعض مستحق للمدعى ولكنهما مختلفان في جهة الاستحقاق واختلافهما في الجهة لا يمنع الأخذ .
ويستثنى من محل الوجهين ما إذا كان المدعى دينا وتصالحا عن ألف على خمسمائة في الذمة فإنه لا يصح جزما لأن الصحيح إنما هو تقدير الهبة وإيراد الهبة على ما في الذمة ممتنع بخلاف ما إذا صالحه على خمسمائة معينة فإنه لا يصح جزما لأن الصحيح إنما هو تقدير الهبة وإيراد الهبة على ما في الذمة ممتنع بخلاف ما إذا صالحه على خمسمائة معينة فإنه لا يصح في الأصح .
ويستثنى من بطلان الصلح على الإنكار مسائل منها اصطلاح الورثة فيما وقف بينهم كما سيأتي إذ لم يبذل أحد عوضا من خالص ملكه .
ومنها ما إذا أسلم على أكثر من أربع نسوة ومات قبل الاختيار أو طلق إحدى زوجتيه ومات قبل البيان أو التعيين ووقف الميراث بينهن فاصطلحن .
ومنها ما لو تداعيا وديعة عند رجل فقال لا أعلم لأيكما هي أو دارا في يدهما فأقام كل بينة ثم اصطلحا .
وقوله .
بعد إنكاره " صالحني على الدار " مثلا " التي تدعيها ليس إقرارا في الأصح " لاحتمال أن يريد قطع الخصومة لا غير .
والثاني إقرار لتضمنه الاعتراف كما لو قال ملكي .
ودفع بما مر .
وعلى الأول يكون الصلح بعد هذا الالتماس صلح إنكار .
أما إذا قال ذلك ابتداء قبل إنكاره فإنه يبطل جزما ولو قال يعني ( 2 / 181 ) العين التي تدعيها أو هبنيها أو زوجني هذه الأمة أو أبرئني مما تدعيه فإقرار لأنه صريح في التماس التملك .
أو قال أعرني أو أجرني لم يكن إقرارا في أحد وجهين يظهر كما قال شيخنا ترجيحه لأن الإنسان قد يستعير ملكه ويستأجره من مستأجره .
ولكن يظهر كما قال شيخنا أيضا أنه إقرار بأنه مالك للمنفعة .
ولو قال صالحني عن دعواك فليس بإقرار جزما .
القسم الثاني .
من الصلح " يجري بين المدعي والأجنبي .
فإن قال " الأجنبي " وكلني المدعى عليه في الصلح " عن المدعى به " وهو مقر لك " به في الظاهر أو فيما بيني وبينه ولم يظهره خوفا من أخذ المالك له كما صرح بالقسمين في المحرر " صح " الصلح بينهما لأن دعوى الإنسان الوكالة في المعاملات مقبولة ومحله كما قال الإمام و الغزالي إذا لم يدع المدعى عليه الإنكار بعد دعوى الوكالة فإن ادعاه كان عزلا فلا يصح الصلح عنه .
ثم إن كان المدعى عينا وصالح على بعض المدعى أو على عين للمدعى عليه أو على دين في ذمة المدعى عليه صح وصار المصالح عنه ملكا للموكل له إن كان الأجنبي صادقا في الوكالة وإلا فهو شراء فضولي وقد مر حكمه في كتاب البيع .
ويرد على إطلاق اعتبار الإقرار ما لو قال الأجنبي وكلني في المصالحة لقطع الخصومة وأنا أعلم أنه لك فإنه يصح الصلح في الأصح عند الماوردي وجزم به في التنبيه : وأقره في التصحيح وجريت عليه في شرحه .
قال في الروضة ولو قال هو منكر ولكنه مبطل فصالحني له على عبدي هذا لتنقطع الخصومة بينكما وكان المدعى دينا فإن المذهب صحة الصلح وإن كان المدعى عينا لم يصح على الأصح والفرق أنه لا يمكن تمليك الغير عين مال بغير إذن ويمكن قضاء دينه بغير إذنه .
ولو صالح الوكيل عن الموكل على عين مال نفسه أو على دين في ذمته بإذنه صح العقد ووقع للآذن ويرجع المأذون عليه بالمثل في المثلي والقيمة في المتقوم لأن المدفوع قرض لا هبة .
وخرج بقول المصنف وكلني إلخ ما لو تركه فهو شراء فضولي فلا يصح كما مر .
وبقوله وهو مقر لك ما لو اقتصر على قوله وكلني في مصالحتك فلا يصح بناء على الأصح في أن قوله صالحني عما تدعيه ليس إقرارا .
ولو كان المدعى دينا فقال الأجنبي وكلني المدعى عليه بمصالحتك على نصفه أو ثوبه فصالحه صح كما لو كان المدعى عينا .
أو على ثوبي هذا لم يصح لأنه بيع شيء بدين غيره وهذا هو المعتمد كما جزم به ابن المقري تبعا للمصنف خلافا للزركشي ومن تبعه في التسوية بين الدين والعين .
تنبيه : .
يرد على إطلاق المصنف اعتبار التوكيل ما لو قال الأجنبي صالحني عن الألف الذي لك على فلان على خمسمائة فإنه يصح سواء أكان بإذنه أم لا لأنه قضاء دين غيره بغير إذنه جائز قاله في زيادة الروضة .
ولو صالح .
الأجنبي عن العين " لنفسه " بعين ماله أو بدين في ذمته " والحالة هذه " أي أن الأجنبي قائل بأنه مقر لك بالمدعى أو نحو ذلك مما مر " صح " الصلح للأجنبي وإن لم تجر معه خصومة لأن الصلح ترتب على دعوى وجواب خلافا للجويني في قوله يأتي فيه الخلاف فيما إذا قال من غير سبق خصومة صالحني .
وكأنه اشتراه .
بلفظ الشراء .
أما إذا صالح الأجنبي عن الدين ففيه الخلاف في بيع الدين لغير من عليه ولو قال صالحني عن الألف الذي لك على فلان على خمسمائة صح ولو بلا إذن لجواز الاستقلال بقضاء دين الغير كما مر .
تنبيه : .
أشار المصنف بقوله وكأنه اشتراه إلى اشتراط كونه بيد المدعى عليه بوديعة أو عارية أو نحو ذلك مما يجوز بيعه معه فلو كان مبيعا قبل القبض لم يصح .
وعبارة الروضة كما لو اشتراه قال ابن الملقن وهي أولى من عبارة الكتاب لأنه شراء حقيقة فلا معنى للتشبيه اه .
والظاهر كما قال ابن شهبة أن التشبيه في كلتا العبارتين فليست إحداهما أولى من الأخرى .
وإن كان .
المدعى عليه " منكرا وقال الأجنبي هو مبطل في إنكاره " لأنك صادق عندي فصالحني لنفسي فإن كان المدعى به عينا " فهو شراء مغصوب فيفرق بين قدرته على انتزاعه " فيصح " وعدمها " فلا يصح ( 2 / 182 ) ويكفي للصحة قوله أنا قادر على انتزاعه .
وإن كان المدعى به دينا ففيه الخلاف السابق .
أما إذا صالحه على المدعى عليه لتنقطع الخصومة عنه كأن قال صالحني له بعبدي هذا صح الصلح عن الدين لا عن العين لأنه لا يمكنه أن يملك غيره عينا بغير إذنه بخلاف قضاء دينه كما مر .
وإن لم يقل هو مبطل .
مع قوله هو منكر وصالح لنفسه أو للمدعى عليه " لغا الصلح " لأنه اشترى منه ما لم يثبت ملكه له .
تنبيه : .
شمل كلامه امتناع ثلاث صور إحداها أن يقول هو محق .
الثانية لا أعلم حاله .
الثالثة لم يذكر شيئا .
وهذه الثالثة قال الإسنوي لم يصرح بها في الروضة ولا في أصلها وقال السبكي إن الأمر فيها كما يفهمه إطلاق الكتاب .
ولو وقف مكانا وأقر به لمدع له غرم قيمته لإحالته بينه وبينه بوقفه فإن أنكر وصالح عنه أجنبي جاز الصلح لأنه بذل مال في قربة .
ولو صالح متلف العين مالكها نظر فإن كان بأكثر من قيمتها من جنسها أو بمؤجل لم يصح الصلح لأن الواجب قيمة المتلف حالة فلم يصح الصلح على أكثر منها ولا على مؤجل لما في ذلك من الربا وإن كان بأقل من قيمتها أو بأكثر بغير جنسها جاز لفقد المانع .
ولو أقر بمحصل فصالح عنه وهما يعرفانه صح الصلح وإن لم يسمه أحد منهما كما لو قال بعتك الشيء الذي أعرفه أنا وأنت .
ولو وكل المنكر في الصلح عنه أجنبيا جاز كما قاله أبو العباس وجرى عليه ابن المقري لأن الإنكار حرام للكذب والإضرار فإن أراد إزالة الضرر جاز كمن أذنب ذنبين وأراد التوبة من أحدهما وكالوارث يجهل أمر التركة فله التوكيل في الصلح لإزالة الشبهة عنه وقيل لا يجوز وجرى عليه أبو إسحق لأنه مع الإنكار ألجأ إلى بيعه منه ولا يحل لأحد أن يلجىء غيره إلى بيع ماله وإنكار حق الغير حرام فلو بذل للمنكر مالا ليقر بالمدعى ففعل لم يصح الصلح لبنائه على فاسد ولا يلزم المال وبذله لذلك وأخذه حرام ولا يكون مقرا بذلك في أحد وجهين يظهر ترجيحه كما جزم به ابن كج وغيره