هو لغة الثبوت والدوام ومنه الحالة الراهنة أي الثابتة .
وقال الماوردي هو الاحتباس ومنه " كل نفس بما كسبت رهينة " .
و شرعا جعل عين مال وثيقة بدين يستوفي منها عند تعذر وفائه .
والأصل فيه قبل الإجماع قوله تعالى " فرهان مقبوضة " وخبر الصحيحين أنه A رهن درعه عند يهودي يقال له أبو الشحم على ثلاثين صاعا من شعير لأهله ثم قيل إنه افتكه قبل موته لخبر نفس المؤمن معلقة بدينه أي محبوسة في القبر غير منبسطة مع الأرواح في عالم البرزخ وفي الآخرة معوقة عن دخول الجنة حتى يقضى عنه وهو A منزه عن ذلك .
والأصح أنه لم يفتكه لقول ابن عباس توفي النبي A ودرعه مرهونة عند يهودي والخبر محمول على غير الأنبياء تنزيها لهم أو على من لم يخلف وفاء أي وقصر .
أما من لم يقصر بأن مات وهو معسر وفي عزمه الوفاء فلا تحبس نفسه .
فإن قيل هلا اقترض رسول الله A من المسلمين أجيب بأنه A فعل ذلك بيانا لجواز معاملة أهل الكتاب وقيل لأنه لم يكن عند أحد من مياسير أهل المدينة من المسلمين طعام فاضل عن حاجته .
والوثائق بالحقوق ثلاثة شهادة ورهن وضمان .
فالأولى لخوف الجحد والأخيرتان لخوف الإفلاس وأركان الرهن أربعة صيغة وعاقد ومرهون ومرهون به .
وقد بدأ المصنف C تعالى بالأول فقال " لا يصح إلا بإيجاب وقبول " أو ما يقوم مقامهما على الشرط المعتبر في البيع لأنه عقد مالي فافتقر إليهما كالبيع .
والقول في المعاطاة والاستيجاب مع الإيجاب والاستقبال مع القبول هنا كالبيع وقد مر بيانه .
وصورة المعاطاة هنا كما ذكره المتولي أن يقول له أقرضني عشرة لأعطيك ثوبي هذا رهنا فيعطي العشرة ويقبضه الثوب .
فإن شرط فيه .
أي الرهن " مقتضاه كتقدم المرتهن به " أي المرهون عند تزاحم الغرماء ليستوفي منه دينه " أو " شرط فيه " مصلحة للعقد كالإشهاد " به " أو ما لا غرض فيه " كأن يأكل الرقيق المرهون كذا " صح العقد " في الأقسام الثلاثة كالبيع ولغا الشرط الأخير ( 2 / 122 ) وإن شرط ما يضر المرتهن " وإن لم ينتفع به الراهن كشرط أن لا يبيعه إلا بعد شهر أو بأكثر من ثمن المثل أو لا يبيعه عند المحل أو يكون مضمونا أو لا يقدم به " بطل الرهن " أي عقده لإخلال الشرط بالغرض منه .
وإن نفع .
الشرط " المرتهن وضر الراهن كشرط " زوائد المرهون أو " منفعته للمرتهن بطل الشرط " لحديث كل شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل .
وكذا .
يبطل " الرهن في الأظهر " لمخالفة الشرط مقتضى العقد كالشرط الذي يضر المرتهن .
والثاني لا يبطل بل يلغو الشرط ويصح العقد لأنه تبرع فلم يؤثر فيه ذلك كالقرض وتقدم الفرق بينهما .
ولو شرط ما يضر الراهن أو المرتهن في بيع بطل البيع أيضا لفساد الشرط ومحل البطلان إذا أطلق المنفعة فإن قيدها وكان الرهن مشروطا في بيع كقوله وتكون منفعته لي سنة فهو جمع بين بيع وإجارة في صفقة وهو جائز .
ولو شرط أن تحدث زوائده .
أي المرهون كصوفه وثمره وولده " مرهونة فالأظهر فساد الشرط " لأنها معدومة ومجهولة .
والثاني لا لأن الرهن عند الإطلاق إنما لم يتعد للزائد لضعفه فإذا قوي بالشرط سرى .
واحترز بالزوائد عن الأكساب فإن اشتراطها باطل على القولين .
قال الماوردي ولو شرط أن تكون المنافع مرهونة بطل قطعا .
و .
الأظهر " أنه متى فسد " الشرط المذكور " فسد العقد " يعني أنه يفسد بفساد الشرط .
وهذان القولان هما القولان في فساد الرهن بفساد شرط المنافع للمرتهن وقد مر توجيههما فلو قال كشرط منفعته للمرتهن أو " أن تحدث زوائده مرهونة إلخ " كان أخصر وأوضح .
ثم شرع في الركن الثاني وهو العاقد فقال " وشرط العاقد " من راهن ومرتهن " كونه مطلق التصرف " أي بأن يكون من أهل التبرع مختارا كما في البيع ونحوه .
فلا يرهن الولي .
أبا كان أو غيره .
مال الصبي والمجنون ولا يرتهن لهما .
أما الراهن فلأنه يمنع من التصرف في المرهون فهو جبس لمالهما بغير عوض .
وأما الارتهان فلأن الولي في حال الاختيار لا يبيع إلا بحال مقبوض قبل التسليم فلا ارتهان .
والسفيه والمجنون كالصبي فيما ذكر فلو قال ولا يرهن الولي مال محجوره لشمله أو يقول الولي ويطلق .
إلا لضرورة أو غبطة ظاهرة .
فيجوز له الرهن والإرتهان فيهما دون غيرهما .
مثالهما للضرورة أن يرهن على ما يقترض لحاجة المؤنة ليوفي مما ينتظر من غلة أو حلول دين أو نفاق متاع كأسد وأن يرتهن على ما يقرضه أو يبيعه مؤجلا لضرورة نهب أو نحوه .
ومثالهما للغبطة أن ما يساوي مائة على ثمن ما اشتراه بمائة نسيئة وهو يساوي مائتين وأن يرتهن على ثمن ما يبيعه نسيئة لغبطة كما سيأتي في باب الحجر .
وإنما يجوز بيع ماله مؤجلا لغبطة من أمين غني وبإشهاد وأجل قصير في العرف ويشترط كون المرهون وافيا بالثمن فإن فقد شرط من ذلك بطل البيع .
وإن باع ماله نسيئة أو أقرضه لنهب ارتهن جوازا إن قاضيا وإلا فوجوبا فإن خاف تلف المرهون فالأولى أن لا يرتهن لأنه قد يتلف ويرفعه إلى حاكم يرى سقوط الدين بتلف المرهون .
تنبيه : .
قد علم مما تقرر أنه لو عبر بما قدرته لكان أولى من التعبير بمطلق التصرف الذي فرع عليه قوله فلا يرهن الولي لأنهم صرحوا بأنه مطلق التصرف في مال محجوره غير أنه لا يتبرع به وحيث جاز الرهن والإرتهان جاز للأب والجد أن يعاملاه بأنفسهما ويتوليا الطرفين وليس لغيرهما ذلك .
ورهن المكاتب وارتهانه كالولي فيما ذكر وكذا العبد المأذون له في التجارة إن أعطاه سيده مالا وإلا فإن اتجر بجاهه بأن قال له سيده اتجر بجاهك ولم يعطه مالا فكمطلق التصرف ما لم يربح فإن ربح بأن حصل في يده مال كان كما لو أعطاه مالا .
قال الزركشي وحيث منعنا المكاتب فيستثنى رهنه وارتهانه مع السيد وما لو رهن على ما يؤدي به النجم الأخير لإفضائه إلى العتق .
ثم شرع في الركن الثالث وهو المرهون فقال " وشرط الرهن " أي المرهون " كونه عينا " يصح بيعها " في الأصح " فلا يصح رهن دين ولو ممن هو عليه لأنه غير مقدور على تسليمه .
والثاني يصح رهنه تنزيلا له منزلة العين .
ولا يصح رهن منفعة جزما كأن يرهن سكنى داره مدة لأن المنفعة تتلف فلا يحصل بها استيثاق .
ومحل ( 2 / 123 ) المنع في الإبتداء فلا ينافي كون المرهون دينا أو منفعة بلا إنشاء كما لو مات عن المنفعة وعليه دين أو أتلف المرهون فبدله في ذمة الجاني رهن على الأرجح في زوائد الروضة ولا رهن عين لا يصح بيعها كوقف ومكاتب وأم ولد .
ويصح رهن المتاع .
كرهن كله من الشريك وغيره ولا يحتاج إلى إذن الشريك ويقبض بتسليم كله كما في البيع فيكون بالتخلية في غير المنقول وبالنقل في المنقول .
ولا يشترط إذن الشريك في القبض إلا فيما ينقل لأنه لا يحصل قبضه إلا بالنقل كما مر .
ولا يجوز نقله بغير إذن الشريك فإن أبى الإذن فإن رضي المرتهن بكونه في يد الشريك جاز وناب عنه في القبض وإن تنازعا نصب الحاكم عدلا يكون في يده لهما ويؤجره إن كان مما يؤجر وتجري المهايأة بين المرتهن والشريك كجريانها بين الشريكين .
و .
يصح رهن " الأم " قال الشارح من الإماء " دون ولدها " غير المميز .
وعكسه .
أي رهنه دونها لأن الملك فيهما باق فلا تفريق وهو في الأم عيب يفسخ به البيع المشروط فيه الرهن إن جهل المرتهن كونها ذات ولد .
فإن قيل ما فائدة قول الشارح من الإماء مع أن المتن أعم من ذلك أجيب بأنه حمل كلامه على كلام الأصحاب إذ كلامهم في الأمة وأيضا جميع الأحكام الآتية إنما تتأتى فيها .
وعند الحاجة .
إلى توفية الدين من ثمن المرهون " يباعان " معا حذرا من التفريق بينهما المنهي عنه .
ويوزع الثمن .
عليهما كما قال " والأصح أن تقوم الأم وحدها " إذا كانت هي المرهونة فتقوم موصوفة بكونها ذات ولد حاضنة له .
فإذا قيل قيمتها مائة مثلا حفظ .
ثم .
تقوم " مع الولد " فإذا قيل قيمتهما مائة وخمسون مثلا " فالزائد " على قيمتها وهو خمسون " قيمته " فيوزع الثمن على هذه النسبة فيكون للمرتهن ثلثا الثمن يقضى منه الدين وللرهن الثلث لا تعلق المرتهن به .
والأصح في صورة رهن الولد دونها أن التقويم ينعكس فيقوم الولد وحده محضونا مكفولا ثم مع أمه فالزائد قيمة الأم وحكم الولد مع الأب وغيره ممن يمتنع التفريق بينهما كحكمه مع الأم .
ورهن الجاني والمرتد كبيعهما .
وتقدم في البيع أنه لا يصح جميع الجاني المتعلق برقبته مال بخلاف المتعلق بها قود أو بذمته مال وفي الخيار أنه يصح بيع المرتد .
وإذا صح رهن الجاني لا يكون مختارا للفداء بخلاف بيعه على وجه لأن محل الجناية باق في الرهن بخلافه في البيع .
ورهن المحارب صحيح أيضا كبيعه .
ورهن المدبر .
وهو المعلق عتقه بموت سيده باطل على المذهب وإن جاز بيعه لما فيه من الغرر لأن السيد قد يموت فجأة فيبطل مقصود الرهن .
وقيل يجوز كبيعه قال في الروضة وهو قوي في الدليل .
وقيل على قولين مبنيين على أن التدبير وصية أو تعليق عتق بصفة فإن قلنا بالأول جاز وكان رجوعا أو بالثاني فلا وهذه الطريقة أقرب إلى القياس .
و .
رهن " المعلق عتقه بصفة تتقدم على حلول الدين " بأن يتيقن الحلول بعد وجود الصفة .
وكذا لو احتمل الأمران أو علمت المقارنة أو لم تعلم بل كان " يمكن سبقها حلول الدين باطل على المذهب " إذا لم يشرط بيعه قبل وجدوها لما فيه من الغرر لأنه رهن ما لا يمكن الاستيفاء منه .
وقيل فيه قول آخر إنه يجوز وهو مخرج من رهن ما يتسارع إليه الفساد .
وفرق الأول بأن الظاهر في هذا من جهة الراهن بيعه إذا خشي تلفه وجعل ثمنه رهنا .
والظاهر في ذلك بقاؤه على الوفاء به لغرضه في تحصيل العتق فإن شرط بيعه قبل وجود الصفة أو تيقن حلوله قبلها بأن رهنه بحال أو مؤجل يحل قبل وجودها بزمن يسع البيع صح الرهن جزما .
ولا بد من هذا القيد فيما إذا كان الدين حالا وإذا كان كذلك فالمدبر لا يعلم فيه ذلك فسقط ما قيل إن التدبير تعليق عتق بصفة على الأصح فكان ينبغي أن يصح بالدين الحال كالمعلق عتقه بصفة كما قاله البلقيني أو يمنع فيهما كما قاله السبكي وقال إنه مقتضى إطلاق النصوص اه .
وفرق بعضهم بأن العتق في المدبر آكد منه في المعلق عتقه بصفة بدليل أنهم اختلفوا في جواز بيعه دون المعلق بصفة أي ولأن بعض المذاهب يمنع صحة بيع المدبر فإن لم يبع المعلق عتقه بصفة حتى وجدت عتق كما رجحه ابن المقري بناء على أن العبرة في العتق المعلق بحال التعليق لا بحال وجود الصفة وللمرتهن الخيار بالعتق في فسخ البيع المشروط فيه الرهن إن جهل التعليق كما في رهن الجاني .
ولو رهن ما يسرع فساده .
بمؤجل ( 2 / 124 ) يحل بعد الفساد أو معه أو قبله بزمن لا يسع البيع .
فإن أمكن تجفيفه كرطب .
يجيء منه ثمر أو عنب يجيء منه زبيب أو لحم طري يتقدد .
فعل .
حفظا للرهن والمجفف له هو المالك ومؤنته عليه كما قاله صاحب المطلب .
أما إذا كان يحل قبل فساده بزمن يسع البيع فإنه يباع على حاله .
وإلا .
أي وإن لم يكن تجفيفه كالثمرة التي لا تجفف واللحم الذي لا يتقدد والبقول ينظر " فإن رهنه بدين حال أو مؤجل يحل قبل فساده " بزمن يسع بيعه فيه على العادة " أو " يحل بعد فساده أو معه لكن " شرط " في هاتين الصورتين " بيعه " عند إشرافه على الفساد " وجعل الثمن رهنا " مكانه " صح " الرهن في الصور كلها لانتفاء المحذور .
فإن قيل شرط جعل ثمنه رهنا ينافيه ما يأتي من أن الإذن في بيع المرهون بشرط جعل ثمنه رهنا لا يصح .
أجيب بأن ذلك اغتفر هنا للحاجة .
ويباع .
المرهون وجوبا في الصورتين الأخيرتين " عند خوف فساده " عملا بالشرط وحفظا للوثيقة وكذا يباع في الصورتين الأولتين كما في الروضة وأصلها .
ويكون ثمنه رهنا .
مكانه في الصور كلها بلا إنشاء عقد .
وإن شرط منع بيعه .
قبل الحلول " لم يصح " الرهن لمنافاة الشرط المقصود التوثق .
وإن أطلق .
بأن لم يشرط واحدا منهما " فسد " الرهن " الأظهر " لتعذر الوفاء منه لأن البيع قبل المحل لم يؤذن فيه وليس من مقتضى الرهن .
وهذا ما عزاه الرافعي في الشرح الكبير إلى تصحيح العراقيين وهو المعتمد .
والثاني يصح وعزاه الرافعي في الشرح الصغير إلى تصحيح الأكثرين وقال الإسنوي إن الفتوى عليه .
ويباع عند تعرضه للفساد لأن الظاهر أنه لا يقصد إتلاف ماله .
وإن لم يعلم هل يفسد .
المرهون " قبل " حلول " الأجل صح " الرهن المطلق " في الأظهر " لأن الأصل عدم فساده قبل الحلول .
والثاني يفسد لجهلنا إمكان البيع عند المحل وهو نظير ما صححه في المعلق عتقه بصفة لا يعلم تتقدم أو تتأخر .
وفرق الأول بأن سبب الفساد ثم وهو التعليق موجود عند ابتداء الرهن بخلافه هنا وبأن علامة الفساد هنا تظهر دائما بخلافها ثم وبأن الشخص ليس له غرض في إتلاف ماله وله غرض في عتقه لتشوف الشارع إليه .
ولو أذن الراهن للمرتهن في بيع المرهون ففرط بأن تركه أو لم يأذن له وترك الرفع إلى القاضي كما بحثه الرافعي وقواه المصنف ضمن .
فإن قيل سيأتي أنه لا يصح بيع المرتهن إلا بحضرة المالك فينبغي حمل الصورة الأولى عليه .
أجيب بأن بيعه ثم إنما امتنع في غيبة المالك لكونه للاستيفاء وهو متهم بالاستعجال في ترويج السلعة بخلافه هنا فإن غرضه الزيادة في الثمن ليكون وثيقة له .
ولو رهن الثمن مع الشجر صح مطلقا إلا إن كان الثمر لا يتجفف فله حكم ما يسرع إليه الفساد فيصح تارة ويفسد أخرى ويصح في الشجر مطلقا ووجهه عند فساده في الثمرة البناء على تفريق الصفقة .
وإن رهن الثمرة مفردة فإن كانت لا تتجفف فهي كما يتسارع إليه الفساد وقد تقدم حكمه وإن كانت تتجفف جاز رهنها ولو قبل بدو الصلاح وبغير شرط قطع لأن حق المرتهن لا يبطل باحتياجها بخلاف البيع فإن حق المشتري يبطل .
ولو رهنها بمؤجل يحل قبل الجداد وأطلق الرهن بأن لم يشرط القطع ولا عدمه لم يصح لأن العادة في الثمار الإبقاء إلى الجداد فأشبه ما لو رهن شيئا على أن لا يبيعه عند المحل إلا بعد أيام ويجبر الراهن على إصلاحها من سقي وجداد وتجفيف ونحوها فإن ترك إصلاحها برضا المرتهن جاز لأن الحق لهما لا يعدوهما وهما مطلقا التصرف وليس لأحدهما منع الآخر من قطعها وقت الجداد أما قبله فلكل منهما المنع إن لم تدع إليه ضرورة .
ولو رهن ثمرة يخشى اختلاطها بدين حال أو مؤجل يحل قبل الاختلاط أو بعده بشرط قطعها قبله صح إذ لا مانع وإن أطلق الرهن صح على الأصح فإن اختلط قبل القبض حيث صح العقد انفسخ لعدم لزومه أو بعده فلا ثم إن اتفقا على كون الكل أو البعض رهنا فذاك وإلا فالقول قول الراهن في قدره بيمينه .
ورهن ما اشتد حبه من الزرع كبيعه فإن رهنه مع الأرض أو منفردا وهو بقل فكرهن الثمرة مع ( 2 / 125 ) الشجرة أو منفردة قبل بدو الصلاح وقد مر .
وإن رهن ما لا يسرع فساده فطرأ ما عرضه للفساد .
قبل الحلول " كحنطة ابتلت لم ينفسخ الرهن بحال " وإن تعذر تجفيفها لأن الدوام أقوى من الإبتداء .
ألا ترى أن الآبق لا يصح بيعه ولو أبق بعد البيع وقبل القبض لم ينفسخ فكذا هنا وسواء طرأ قبل القبض أم بعده بل يجبر الراهن عند تعذر تجفيفه على بيعه وجعل ثمنه رهنا مكانه حفظا للوثيقة .
ويجوز أن يستعير شيئا ليرهنه .
بدينه لأن الرهن توثق وهو يحصل بما لا يملكه بدليل الإشهاد والكفالة بخلاف بيع ملك غيره لنفسه لا يصح لأن البيع معاوضة فلا يملك الثمن من لا يملك المثمن .
وشمل كلامهم الدراهم والدنانير فتصح إعارتهما لذلك وهو المتجه كما قاله الإسنوي وإن لم تصح إعارتهما لغير ذلك .
وهو .
أي عقد الاستعارة بعد الرهن " في قول عارية " أي باق عليها لم يخرج عنها من جهة المعير إلى ضمان الدين في ذلك الشيء وإن كان يباع فيه كما سيأتي .
والأظهر أنه ضمان دينا .
من المعير " في رقبة ذلك الشيء " المرهون لأنه كما يملك أن يلزم ذمته دين غيره فينبغي أن يملك إلزام ذلك عين ماله لأن كلا منهما محل حقه وتصرفه فعلم أنه لا تعلق للدين بذمته حتى لو مات لم يحل الدين ولو تلف المرهون لم يلزمه الأداء .
فيشترط .
على هذا " ذكر جنس الدين " ككونه ذهبا أو فضة " وقدره " كعشرة أو مائة " وصفته " من صحة وتكسر وحلول وتأجيل لاختلاف الأغراض بذلك كما في الضمان .
وكذا المرهون عنده .
فيشترط ذكره " في الأصح " لما مر .
والثاني لا يشترط لضعف الغرض فيه .
ولا يشترط شيء مما ذكر على قول العارية .
ومتى خالف ما عينه له بطل الرهن على القولين للمخالفة لا إن رهن بأقل مما عينه له كأنه عين له ألف درهم فرهنه بمائة فلا يبطل لرضا المعير به في ضمن رضاه بالأكثر .
هذا إذا كان من جنسه فلو قال ارهنه بمائة دينار فرهنه بمائة درهم لم يصح لاختلاف الأغراض بذلك ولو رهنه بأزيد مما عينه بطل في الجميع لا في الزائد فقط للمخالفة وإن خالف في ذلك بعض المتأخرين ولو استعاره ليرهنه عند واحد فرهنه عند اثنين أو عكسه لم يصح لاختلاف الأغراض بذلك إذ في الأولى قد يبيع أحد المرتهنين المرهون دون الآخر فيتشقص الملك على المعير وفي الثانية لا ينفك منه شيء بأداء بعض الدين بخلاف ما لو رهنه من اثنين فإنه ينفك بأداء نصيب أحدهما ما يخصه من المرهون .
ولو قال له المالك ضمنت ما لفلان عليك في رقبة عبدي من غير قبول المضمون له كفى وكان كالإعارة للرهن .
فلو تلف .
المرهون المعار بعد رهنه أو بيع في جنايته " في يد المرتهن فلا ضمان " على المرتهن بحال لأنه أمين ولا على الراهن على قول الضمان لأنه لم يسقط الحق عن ذمته ويضمنه على قول العارية .
أما إذا تلف في يد الراهن فعليه ضمانه لأنه مستعير ولم يتم عليه حكم الضمان .
ولو أعتقه المالك فكإعتاق المرهون فينفذ قبل قبض المرتهن له مطلقا وبعده من الموسر دون المعسر .
ولو أتلفه إنسان أقيم بدله مقامه كما قال الزركشي إنه ظاهر كلامهم .
ولا رجوع للمالك بعد قبض المرتهن .
على القولين وإلا لم يكن لهذا الرهن معنى إذ لا وثوق به .
وأفهم جواز الرجوع قبل قبضه وهو كذلك على القولين لعدم لزومه وللمرتهن حينئذ فسخ بيع شرط فيه رهن ذلك إن جهل الحال .
وإذا كان الدين مؤجلا وقبض المرتهن المعار فليس للمالك إجبار الراهن على فكه " فإذا حل الدين أو كان حالا " وأمهله المرتهن فللمالك ذلك فإن طالبه وامتنع من أداء الدين " روجع المالك للبيع " فقد يريد فداءه لأن المالك لو رهن عن دين نفسه لوجبت مراجعته فهنا أولى .
و .
بعد ذلك " يباع " المعار " إن لم يقض الدين " من جهة المالك أو لراهن على القولين وإن لم يأذن المالك وسواء أكان الراهن معسرا أم موسرا كما يطالب الضامن في ( 2 / 126 ) الذمة مع يسار الأصيل وإعساره .
ثم يرجع المالك .
على الراهن " بما بيع به " المرهون لانتفاع الراهن به في دينه سواء بيع بقيمته أم بأكثر أم أقل بقدر يتغابن الناس بمثله .
هذا على قول الضمان وأما على قول العارية فيرجع بقيمته إن بيع بها أو بأقل كذا بأكثر عند الأكثرين لأن العارية بها تضمن .
وقال القاضي أبو الطيب وجماعة يرجع بما بيع به لأنه ثمن ملكه قال الرافعي وهذا أحسن .
زاد في الروضة هذا هو الصواب .
وإن قضى من جهة الراهن انفك الرهن ورجع المالك في عين ماله فإن قضاه المالك انفك الرهن ورجع بما دفعه على الراهن إن قضى بإذنه وإلا فلا رجوع له كما لو أدى دين غيره في غير ذلك .
فإن قيل الرهن بالإذن كالضمان به فيرجع وإن قضى بغير الإذن أيضا .
أجيب بأن محل ذلك إذا قضى من ثمن المرهون كما مر أما إذا قضى من غيره كما هنا فلا .
وحاصله قصر الرجوع فيهما على محل الضمان وهو هنا رقبة المرهون وثم ذمة الضامن فإن أنكر الراهن الإذن فشهد به المرتهن للمعير قبل لعدم التهمة ويصدق الراهن في عدم الإذن لأن الأصل عدمه .
ولو رهن شخص شيئا من ماله عن غيره يأذنه صح ويرجع عليه إن بيع بما بيع به أو بغير إذنه صح ولم يرجع عليه بشيء كنظيره في الضمان فيهما .
ولو قال المديون لغيره أرهن عبدك مثلا بديني من فلان فرهنه فهو كما لو قبضه ورهنه .
ثم شرع في الركن الرابع وهو المرهون به مترجما بفصل فقال .
فصل شرط المرهون به كونه دينا .
فلا يصح الرهن بالعين مضمونة كانت كالمغصوب كما سيأتي أو أمانة كالمودوع ومال القراض لأنه تعالى ذكر الرهن في المداينة فلا يثبت في غيرها ولأنها لا تستوفي من ثمن المرهون وذلك مخالف لغرض الرهن عند البيع .
ومن هنا يؤخذ بطلان ما جرت به عادة بعض الناس من كونه يقف كتابا .
وبشرط أن لا يعار أو لا يخرج من مكان يحبسه فيه إلا برهن وبه صرح الماوردي وإن أفتى القفال بخلافه .
وبحث السبكي بحثا حسنا وهو أن الواقف إن عنى الوقف الشرعي لم يصح أو اللغوي وهو أن يكون المرهون تذكرة صح وإن لم يعرف له إرادة فالأقرب صحته ويحمل على الثاني تصحيحا للكلام ما أمكن .
واعترض الزركشي قوله إن الأقرب صحته وحمله على اللغوي بأن الأحكام الشرعية لا تتبع اللغة إذ كيف يحكم بالصحة مع أنه لا يجوز له حبسه شرعا وأي فائدة في الصحة حينئذ اه .
وضعف بعضهم ما أفتى به القفال بأن الراهن أحد المستحقين والراهن لا يكون مستحقا إذ المقصود بالرهن الوفاء من ثمن المرهون عند التلف وهذا الموقوف لو تلف بغير تعد ولا تفريط لم يضمن وعلى إلغاء الشرط لا يجوز إخراجه برهن لتعذره ولا بغيره فكأنه قال لا يخرج مطلقا .
نعم إن تعسر الانتفاع به في المحل الموقوف فيه ووثق بمن ينتفع به فيغير ذلك المحل أنه يرده إلى محله بعد قضاء حاجته جاز إخراجه كما أفتى به بعض المتأخرين .
ويشترط في الدين ثلاثة شروط أحدها كونه " ثابتا " فلا يصح بغيره سواء أوجد سبب وجوبه كنفقة زوجته في الغد أم لا كرهنه على ما سيقرضه كما سيأتي لأن الرهن وثيقة حق فلا تقدم عليه كالشهادة .
فلو ارتهن قبل ثبوت الحق وقبضه كان مأخوذا على جهة سوم الرهن فإذا استحقت المنفعة أو استقرض لم يصر رهنا إلا بقبض جديد .
ثانيها كونه معلوما للعاقدين فلو جهلاه أو أحدهما لم يصح كما في الضمان ذكره المتولي وغيره ونص الأم بشهد له .
ثالثها كونه " لازما " فلا يصح بما لا يلزم ولا يؤول إلى اللزوم كمال الكتابة كما سيأتي لأنه لا فائدة في الوثيقة مع تمكن المديون من إسقاط الدين .
ثم شرع المصنف في بعض محترزات الشروط التي ذكرها فقال " فلا يصح بالعين المغصوبة والمستعارة في الأصح " لما مر والثاني يصح كضمانها لترد بجامع التوثق .
وفرق الأول بأن ضمانها لا يجر لو لم تتلف إلى ضرر بخلاف الرهن بها فيجر إلى ضرر دوام الحجر في المرهون .
تنبيه : .
لو عبر بالعين المضمونة لكان أخصر وأشمل لتناوله المأخوذ ببيع فاسد والمأخوذ بسوم والمبيع والصداق قبل القبض بل لو اقتصر على العين لكان أولى ليشمل غير المضمون كالمودوع كما مر .
وهذه المسائل خرجت عن ( 2 / 127 ) الصحة بقوله دينار .
ولا بما سيقرضه .
لما مر وعن ذلك الدخل في الدين بتجوز احترز بقوله ثابتا .
ولو .
امتزج الرهن بسبب ثبوت الدين كأن " قال أقرضتك هذه الدراهم وارتهنت بها عبدك فقال اقترضت ورهنت أو قال بعتكه بكذا وارتهنت الثوب به فقال اشتريت ورهنت صح في الأصح " لأن شرط الرهن في ذلك جائز فمزجه أولى لأن التوثق فيه آكد لأنه قد لا يفي بالشرط .
والثاني لا يصح قال الرافعي وهو القياس لأن أحد شقي العقد قد تقدم على ثبوت الدين .
وأجاب الأول بأن ذلك اغتفر لحاجة التوثق وبهذا يعلم أنه لا حاجة هنا في صورة البيع إلى تقدير وجود الثمن وانعقاد الرهن عقبه بخلاف ما لو قال أعتق عبدك عني بكذا فأعتقه عنه فإنه يقدر الملك له ثم يعتق عليه لاقتضاء العتق تقدم الملك .
وهذا الترتيب الذي ذكره المصنف شرط وضابطه أن يتقدم الخطاب بالقرض مثلا على الخطاب بالرهن وجواب القرض على جواب الرهن .
وقال بعتك أو زوجتك أو أجرتك بكذا على أن ترهنني كذا فقال اشتريت أو تزوجت أو استأجرت ورهنت صح كما رجحه ابن المقري وإن لم يقل الأول بعد ارتهنت أو قبلت لتضمن هذا الشرط الاستيجاب .
ومن صور مزج الرهن أن يقول بعني عبدك بكذا ورهنت به هذا الثوب فيقول بعت وارتهنت .
ولا يصح .
الرهن " بنجوم الكتابة " لما سلف .
ولا يجعل الجعالة قبل الفراغ .
من العمل لأن لهما فسخها متى شاء .
فإن قيل الثمن في مدة الخيار كذلك مع أنه يصح كما سيأتي .
أجيب بأن موجب الثمن البيع وقد تم بخلاف موجب الجعل وهو العمل .
وعن المسألتين احترز بقوله لازما .
وصورة المسألة أن يقول من رد عبدي فله دينار فيقول شخص ائتني برهن وأنا أرده ومثله إن رددته فلك دينار وهذا رهن به ولو قال من جاء به فله دينار وهذا رهن به لم يصح .
وقيل يجوز بعد الشروع .
في العمل لانتهاء الأمر فيه إلى اللزوم ما بعد الفراغ منه فيصح قطعا للزوم الجعل به .
ويجوز .
الرهن " بالثمن في مدة الخيار " لأنه آيل إلى اللزوم والأصل في وضعه اللزوم بخلاف جعل الجعالة .
وظاهر أن الكلام حيث قلنا ملك المشتري المبيع ليملك البائع الثمن كما أشار إليه الإمام ولا شك أنه لا يباع المرهون في الثمن ما لم تمض مدة الخيار دخلت المسألة في قوله لازما بتجوز .
قال الإسنوي وغيره ولا يغني عن الثابت اللازم لأن الثبوت معناه الوجود في الحال .
واللزوم وعدمه صفة للدين في نفسه لا يتوقف على وجود الدين كما يقال دين الفرض لازم ودين الكتابة غير لازم فلو اقتصر على الدين اللازم لورد عليه ما سيقرضه ونحوه مما لم يثبت .
وقال ابن الصلاح ولأن الالتزامات لا يكتفى بها في المخاطبات وهما وصفان مقصودان يحترز بهما عن عدم الثبوت واللزوم .
ولا فرق في الدين بين المستقر كدين القرض وثمن المبيع المقبوض وغير المستقر كثمن المبيع قبل قبضه .
والأجرة قبل الانتفاع في إجارة العين والصداق قبل الدخول أما الأجرة في إجارة الذمة فلا يصح الرهن بها لعدم لزومها في الذمة إذ يلزم قبضها في المجلس قبل التفرق فهي كرأس مال السلم .
ويصح بالمنفعة في إجارة الذمة لأنها في إجارة العين لأنها في الأولى دين بخلافها في الثانية .
ويصح بمال المسابقة لأن الأصل في عقدها اللزوم لا بالدية قبل الحلول لأنها لم تثبت ولهذا تسقط بطرو الموت والجنون بخلافها بعد الحلول لثبوتها في الذمة .
ولا بالزكاة ولو بعد الحلول لعدم ثبوتها قبله ولعدم الدين بعده كما اقتضاه كلام الإسنوي و ابن المقري لتعلقها بالعين شركة .
والمعتمد الجواز بعد الحول كما في أصل الروضة لأن الزكاة قد تجب في الذمة ابتداء كزكاة الفطر ودواما بأن تلف المال بعد الحول .
وبتقدير بقائه فالتعلق به ليس على سبيل الشركة الحقيقية لأن له أن يعطي من غيرها بغير رضا المستحقين قطعا فصارت الذمة كأنها منظور إليها .
و .
يجوز " بالدين " الواحد " رهن بعد رهن " لأنه زيادة في الوثيقة ويصيران كما لو رهنهما معا .
ولا يجوز أن يرهنه المرهون .
قال الشارح بالنصب مفعول ( 2 / 128 ) ثان .
عنده بدين آخر .
مع بقاء رهنه الأول " في الجديد " وإن وفى بالدينين وكانا من جنسين كما لا يجوز رهنه عند غير المرتهن .
والقديم الجواز ونص عليه في الجديد أيضا كما تجوز الزيادة على الرهن بدين واحد .
وفرق الأول بأن الدين يشغل الرهن ولا ينعكس والزيادة في الرهن شغل فارغ فيصح والزيادة في الدين شغل مشغول فلا يصح .
نعم لو جنى الرقيق المرهون ففداه المرتهن بإذن الراهن ليكون رهنا بالدين والفداء جاز لأنه من مصالح الرهن لتضمنه استيفاءه ومثله لو أنفق المرتهن على المرهون بإذن الحاكم لعجز الراهن عن النفعة أو غيبته ليكون مرهونا بالدين والنفقة وكذا لو أنفق عليه بإذن الراهن كما قاله القاضي أبو الطيب والروياني وإن نظر فيه الزركشي .
ولو رهن الوارث التركة التي عليها الدين ولو غير مستغرق لها من غريم الميت بدين آخر لم يصح كالعبد الجاني وتنزيلا للرهن الشرعي منزلة الرهن الجعلي .
ولا يلزم .
الرهن من جهة الراهن " إلا بقبضه " أي المرهون لقوله تعالى " فرهان مقبوضة " فلو لزم بدون القبض لم يكن للتقييد به فائدة ولأنه عقد تبرع يحتاج إلى القبول فلا يلزم إلا بالقبض كالهبة والقرض .
ولا ترد الوصية لأنها إنما تحتاج إلى المقبول فيما إذا كان الموصى له معينا فللراهن الرجوع فيه قبل القبض أما المرتهن لنفسه فلا يلزم في حقه بحال وقد يتصور فسخه للرهن بعد قبضه كأن يكون الرهن مشروطا في بيع ويقبضه قبل التفرق من المجلس ثم يفسخ البيع فينفسخ الرهن تبعا .
قال الرافعي في باب الخيار والمراد بالقبض القبض المعهود في البيع ولا بد أن يكون القبض والإقباض كاثنين .
ممن يصح .
منه " عقده " أي عقد الرهن فلا يصح شيء منهما من غيره كصبي ومجنون ومحجور سفه .
وتجري فيه .
أي في كل من القبض والإقباض " النيابة " كالعقد " لكن لا يستنيب " المرتهن في القبض " الراهن " ولا نائبه في الإقباض لئلا يؤدي إلى اتحاد القابض والمقبض .
خرج بذلك ما لو كان الراهن وكيلا في عقد الرهن فقط أو وليا فرشد موليه مثلا فإنه يجوز للمرتهن أن يستنيبه في القبض لانتفاء العلة مع أن عبارة المصنف تقتضي عدم الصحة في ذلك فلو قال لكن لا يستنيب مقبضا من راهن أو نائبه لكان أولى وكان ينبغي أن يقول ولا عكسه لأن الراهن لو قال للمرتهن وكلتك في قبضه لنفسك لم يصح .
فإن قيل أطلقوا أنه لو أذن له في قبضه صح وهو إنابة في المعنى .
أجيب بأن إذنه إقباض منه لا توكيل .
ولا .
يستنيب " عبده " أي الراهن ولو كان مأذونا له في التجارة أو مدبرا لأن يده كيد مولاه .
وفي المأذون له وجه .
أنه يصح لانفراده باليد والتصرف كالمكاتب .
وفرق الأول بأن السيد متمكن من الحجر عليه وأم الولد كالقن .
فإن قيل لو وكل رجل العبد في شراء نفسه من مولاه صح مع أنه لا يصح فيما لو وكل مولاه فليست هنا يد العبد كيد مولاه .
أجيب بأن شراء العبد نفسه من مولاه صحيح في الجملة لتشوف الشارع إلى العتق فلم ينظروا فيه إلى تنزيل العبد منزلة مولاه في ذلك .
ويستنيب مكاتبه .
لاستقلاله باليد والتصرف كالأجنبي ومثله المبعض إذا كان بينه وبين سيده مهايأة ووقع القبض في نوبته وإن وقع التوكيل في نوبة السيد ولم يشترط فيه القبض في نوبته .
ولو رهن .
ماله بيد غيره منه كأن رهن " وديعة عند مودع أو مغصوبا عند غاصب " أو مؤجرا عند مستأجر أو مقبوضا بسوم عند مستام أو معارا عند مستعير " لم يلزم " هنا الرهن " ما لم يمض زمن إمكان قبضه " أي المرهون كنظيره في البيع لأنه لو لم يكن في يده لكان اللزوم متوقفا على هذا الزمان وابتداء زمن إمكان القبض من وقت الإذن فيه لا العقد .
وأفهم أنه لا يشترط ذهابه إليه وهو الأصح .
والأظهر اشتراط إذنه .
أي الراهن " في قبضه " لأن يده كانت عن غير جهة الرهن ولم يقع تعرض للقبض عنه .
والثاني لا يشترط لأن العقد مع صاحب اليد يتضمن الإذن .
ولو رهن الأب ماله عند طفله أو عكسه اشترط فيه مضي زمن الإمكان وقصد الأب للقبض كالإذن فيه .
ولا يبرئه ارتهانه عن الغصب .
وإن لزم لأنه وإن كان ( 2 / 129 ) عقد أمانة فالغرض منه التوثق وهو لا ينافي الضمان بدليل ما لو رهنه شيئا فتعدى فيه فإنه لا يبطل الرهن وكذا لا يبرأ المستعير بالرهن وإن منعه المعير الانتفاع لما مر ويجوز له الانتفاع بالمعار الذي ارتهنه لبقاء الإعارة وإن رجع المعير فيه امتنع ذلك عليه وللغاصب إجبار الراهن على إيقاع يده عليه ليبرأ من الضمان ثم يستعيره منه بحكم الرهن وليس للراهن إجباره على رد المرهون إليه ليوقع يده عليه ثم يستعيره منه المرتهن بحكم الرهن إذ لا غرض له في براءة المرتهن .
ويبرئه .
عن الغصب " الإيداع في الأصح " لأن الإيداع ائتمان وهو ينافي الضمان بدليل أنه لو تعدى في الوديعة لم يبق أمينا بخلاف الرهن .
والثاني لا يبرئه كالرهن ورد بما مر .
ولو أبرأ الغاصب من ضمان المغصوب وهو باق لم يبرأ لأن الأعيان لا يبرأ منها إذ الإبراء إسقاط ما في الذمة أو تمليكه .
وكذا لو أبرأه عن ضمان ما يثبت في ذمته بعد تلفه لأنه إبراء عما لم يجب .
ولو أجره المغصوب أو قارضه فيه أو وكله في التصرف فيه أو زوجه إياه لم يبرأ لما علم مما مر في رهنه منه .
نعم إن تصرف في مال القراض أو فيما وكل فيه بريء لأنه سلمه بإذن مالكه وزالت عنه يده وكذا كل من كانت يده ضمان كالمستعير والمستام .
وقد علم مما تقرر أن هذا الحكم لا يختص بالارتهان ولا بالغصب .
ويحصل الرجوع عن الرهن قبل القبض بتصرف يزيل الملك كهبة مقبوضة .
وبيع وإعتاق لزوال محل الرهن " وبرهن مقبوض وكتابة " لتعلق حق الغير به .
تنبيه : .
تقييده تبعا للرافعي الهبة والرهن بالقبض يقتضي أن ذلك بدون قبض لا يكون رجوعا وهو موافق لتخريج الربيع وتنظيره في الأصح .
والذي نقله السبكي وغيره عن النص أنه رجوع وهو المعتمد وقال الأذرعي والصواب على المذهب حذف لفظ القبض في الهبة والرهن جميعا لأنها زيادة موهمة .
وقضية إطلاق المصنف تبعا لغيره الكتابة أنه لا فرق فيها بين الصحيحة والفاسدة في الجزم بها وإلحاق الفاسد بالتدبير في جريان الخلاف أشبه لأنها تعليق عتق بصفة .
وكذا تدبير .
يحصل به الرجوع " في الأظهر " لأن مقصوده العتق وهو مناف للرهن .
والثاني لا لأن الرجوع عن التدبير ممكن .
وبإحبالها .
منه أو من أبيه كما في فتاوى القاضي لتعلق العتق به .
لا الوطء .
بغير إحبال وإن أنزل وكانت ممن تحبل لأنه ليس سببا لزوال الملك .
و .
لا " التزويج " إذ لا تعلق له بمورد الرهن سواء أكان المزوج عبدا أم أمة بل رهن المزوج ابتداء صحيح كالإجارة ولو حل الدين المرهون قبل انقضائها لأن رهن المؤجر وبيعه صحيحان .
ولو مات العاقد .
الراهن أو المرتهن " قبل القبض " للمرهون " أو جن " أو أغمي عليه " أو تخمر العصير أو أبق العبد " قبل القبض فيهن أيضا " لم يبطل الرهن في الأصح " أما الموت فلأن مصير الرهن إلى اللزوم فلا يتأثر بموته كالبيع في زمن الخيار ووجه مقابله أنه جائز كالوكالة .
وعلى الأول يقوم وارث الراهن مقامه في الإقباض ووارث المرتهن مقامه في القبض .
وأما الإغماء والجنون فمرتبان على الموت فإن قلنا لا يبطل ثم فهنا أولى وإلا فوجهان وعلى الأصح يقوم من ينظر في مال المجنون مقامه في القبض والإقباض .
والمغمى عليه تنتظر إفاقته وحجر الفلس أو السفه على أحدهما كالجنون على المذهب وأما في التخمر والإباق فبالقياس على ما لو كان بعد القبض لاغتفار ما يقع في الدوام ووجه مقابله اختلاله في حال ضعف الرهن وعدم لزومه .
وعلى الأول يبطل حكم الرهن للعصير ولو بعد القبض ما دام متخمرا لخروجه عن المالية فإن تخلل عاد رهنا كما عاد ملكا .
وللمرتهن الخيار في البيع المشروط فيه الرهن سواء تخلل أم لا إن كان قبل القبض لنقصان الخل عن العصير في الأول وفوات المالية في الثاني أما بعد القبض فلا خيار له لأنه متخمر في يده فلو قبضه خمرا وتخلل استأنف القبض لفساد القبض الأول بخروج العصير عن المالية لا العقد لوقوعه حال المالية ولا بطلان قطعا في الموت أو الجنون أو الإباق بعد القبض .
ولو ماتت الشاة المرهونة في يد الراهن أو المرتهن فدبغ المالك ( 2 / 130 ) أو غيره جلدها عاد ملكا للراهن ولم يعد رهنا لأن ماليته حدثت بالمعالجة بخلاف الخل .
فإن قيل قد يحدث بها أيضا كنقله من شمس إلى ظل وعكسه وقد يقع الجلد في مدبغه من غير معالجة .
أجيب بأن ذلك نادر فألحق بالغالب .
نعم إن أعرض عنه المالك فدبغه غيره فهو له وخرج عن الرهن كما صرح به الأذرعي .
وليس للراهن المقبض تصرف .
مع غير المرتهن بغير إذنه " يزيل الملك " كالهبة والبيع والوقف لأنه لو صح لفاتت الوثيقة .
وأما معه أو بإذنه فسيأتي أنه يصح .
لكن .
إذا لم يصح تصرفه " في إعتاقه أقوال أظهرها ينفذ " بالمعجمة " من الموسر " بقيمة المرهون .
وبحث البلقيني بأن المعتبر اليسار بأقل الأمرين من قيمة المرهون ومن قدر الدين وهو كما قال الزركشي التحقيق دون المعسر لأنه عتق يبطل به حق الغير ففرق فيه بين الموسر والمعسر كعتق الشريكين فإن أيسر ببعضها عتق القدر الذي أيسر بقيمته .
وإقدام الموسر على العتق جائز كما اقتضاه نص الشافعي كما قاله البلقيني وغيره واقتضاه كلام الرافعي وغيره في باب النذر وإن نقل الرافعي عن الإمام في بحث التنازع في جناية المرهون أنه يمتنع إقدامه عليه .
والثاني ينفذ مطلقا ويغرم المعسر إذا أيسر القيمة وتصير رهنا .
والثالث لا ينفذ مطلقا وإن احترز بقوله في إعتاقه عن الحكم بعتقه لا بإعتاق الراهن بل بالسراية كما إذا رهن نصف عبد ثم أعتق باقيه فإنه يعتق إن نفذنا إعتاقه وكذا إن لم ننفذه في الأصح .
لكن يشترط اليسار على الأصح لأن هذا حكم من الشرع بعتقه لا إعتاقه .
و .
على الأول " يغرم قيمته " جبرا لحق المرتهن وتعتبر قيمته " يوم " أي وقت " عتقه " وتصير " رهنا " أي مرهونة من غير حاجة إلى عقد وإن حل الدين أو تصرف في قضاء دينه إن حل .
وإذا لم ننفذه .
لكونه معسرا أو على القول بأنه لا ينفذ مطلقا " فانفك " الرهن بإبراء أو غيره " لم تنفذ في الأصح " لأنه أعتقه وهو لا يمكن إعتاقه فأشبه ما لو أعتق المحجور عليه بالسفه ثم زال عنه الحجر .
والثاني ينفذ لزوال المانع .
وعلى الأول لو بيع في الدين ثم ملكه لم يعتق أيضا كما فهم من المتن بطريق الأولى .
ولو استعار من يعتق عليه ليرهنه ثم رهنه ثم ورثه هل يعتق عليه لأنه عتق قهري من الشرع أو لا لتعلق الوثيقة به والأوجه أن يقال إن كان موسرا عتق وإلا فلا .
ولو علقه .
أي عتق المرهون في حال الرهن بفكاك الرهن وانفك عتق إذ لم يوجد حال الرهن إلا التعليق وهو لا يضر .
أو علقه " بصفة " أخرى كقدوم زيد " فوجدت " بعد انفكاك الرهن بأن انفك مع وجودها أو قبله عتق أيضا لما مر .
أو وجدت " وهو رهن فكالإعتاق " فيما مر فيفصل فيه بين الموسر وغيره لأن التعليق مع وجود الصفة كالتنجيز .
أو .
وجدت " بعده " أي بعد فكاك الرهن أو معه " نفذ " العتق " على الصحيح " والثاني يقول التعليق باطل كالتنجيز في قول .
ولو رهن نصف عبده مثلا ثم أعتق نصفه فإن أعتق نصفه المرهون عتق مع باقيه إن كان موسرا أو غير المرهون أو أطلق عتق غير المرهون من الموسر وغيره ويسري إلى المرهون على الموسر أخذا مما مر .
وينفذ عتق المرهون من الموسر عن كفارته لا عن كفارة غيره بسؤاله لأنه بيع إن وقع بعوض وإلا فهبة وهو ممنوع منها .
فإن قيل يرد على ذلك ما لو مات الراهن فانتقلت العين إلى وارثه فأعتقها عن مورثه وكذا إن لم يرهنه ولكن مات وعليه دين فإنه ينتقل إلى الوارث مرهونه ومع ذلك يجوز إعتاقه عن مورثه كما هو حاصل كلام الرافعي في باب الوصية وعلله بأن إعتاقه كإعتاقه .
أجيب بأن الوارث خليفة مورثه ففعله كفعله في ذلك ولأن الكلام في إعتاق الراهن نفسه وفي الرهن الجعلي لا غيرهما ومعلوم أن الإعتاق على المرتهن جائز كالبيع منه .
فرع المبعض إذا كان له .
على سيده دين فرهن عنده نصفه صح ولا يجوز أن يعتقه إلا بإذنه إذا كان معسرا فإن كان موسرا صح بغير إذنه كالمرتهن الأجنبي فبهما .
ولا .
يصح " رهنه لغيره " أي غير المرهون عنده لمزاحمته حق ( 2 / 131 ) الأول فيفوت مقصود الرهن .
وأما الرهن عنده فتقدم الخلاف فيه .
ولا التزويج .
من غيره لأنه يقل الرغبة وينقص القيمة سواء في ذلك العبد والأمة زوج الأمة لزوجها الأول أم لغيره خلية كانت عند الراهن أو مزوجة .
فإن زوج فالنكاح باطل لأنه ممنوع منه قياسا على البيع وأما التزويج منه فيصح كما قال الزركشي .
واحترز بذلك عن الرجعة فإنها تصح لتقدم حق الزوج .
ولا الإجارة .
من غيره " إن كان الدين حالا أو يحل قبلها " أي قبل انقضاء مدتها لأنها تنقص القيمة وتقل الرغبات عند الحاجة إلى البيع .
فإن حل بعدها أو مع انقضائها صحت إذا كان المستأجر ثقة لانتفاء المحذور حاله البيع ويصح أيضا إذا احتمل التقدم والتأخر والمقارنة أو اثنين منها كما هو قضية كلام المصنف وإن قال الإسنوي فيه نظر .
أما الإجارة منه فتصح ويستمر الرهن وخرج بذلك الإعارة فتجوز إذا كان المستعير ثقة .
ولا الوطء .
لما فيه من النقص في البكر وخوف الإحبال فيمن تحبل وحسما للباب في غيرها .
نعم لو خاف الزنا لو لم يطأ جاز له وطؤها كما بحثه الأذرعي .
واحترز بالوطء عن بقية التمتعات كاللمس والقبلة فيجوز كما جزم به الشيخ أبو حامد وجماعة وقال الروباني وجماعة بحرمتها خوف الوطء .
قال شيخنا وغيره وقد يجمع بينهما بحمل الثاني على ما إذا خاف الوطء والأول على ما إذا أمنه اه .
وهو جمع حسن .
فإن وطيء .
ولو عالما بالتحريم فلا حد عليه ولا مهر وإذا أحبل " فالولد حر " نسيب لأنها علقت به في ملكه وعليه أرش البكارة إن افتضها لإتلافه جزءا من المرهون .
وإن شاء قضاه من الدين أو جعله رهنا ويعزر العالم بالتحريم .
وفي نفوذ الاستيلاد أقوال الإعتاق .
السابقة أظهرها ينفذ من الموسر دون المعسر ويفعل في قيمتها ما تقدم ويباع على المعسر منها بقدر الدين وإن نقصت بالتشقيص رعاية لحق الإيلاد بخلاف غيرها من الأعيان المرهونة بل يباع كله دفعا للضرر عن المالك لكن لا يباع شيء من المستولدة إلا بعد أن تضع ولدها لأنها حامل بحر وبعد أن تسقيه اللبأ وجد مرضعة خوفا من أن يسافر بها المشتري فيهلك ولدها .
وإن استغرقها الدين أو عدم من يشتري البعض بيعت كلها بعدما ذكر للحاجة إليه في الأولى وللضرورة في الثانية وليس للراهن أن يهبها المرتهن بخلاف البيع لأن البيع إنما جوز للضرورة .
فإن لم تنفذه فانفك .
الرهن من غير بيع " نفذ " الاستيلاد " في الأصح " بخلاف نظيره في الإعتاق لأنه قول يقتضي العتق في الحال فإذا رد لغا والإيلاد فعل لا يمكن رده وإنما يمنع حكمه في الحال لحق الغير فإذا زال حق الغير ثبت حكمه .
أما إذا انفك ببيع فإن الإيلاد لا ينفك إلا إذا ملك الأمة .
ولو ملك بعضها فهل يسري إلى باقيها إذا كان موسرا لم أر من ذكره والظاهر أنه يسري كمن ملك بعض من يعتق عليه وهو نظير المسألة بلا شك .
فلو ماتت .
هذه الأمة التي أولدها الراهن " بالولادة " أو نقصت بها وهو معسر حال الإيلاد ثم أيسر " غرم قيمتها " وقت الإحبال في الأولى تكون " رهنا " من غير إنشاء مكانها والأرش في الثانية يكون رهنها معها كذلك " في الأصح " لأنها تسبب في هلاكها أو نقصها بالإحبال بغير استحقاق وله أن يصرف ذلك في قضاء دينه .
والثاني لا يغرم لعبد إضافة الهلاك أو النقص إلى الوطء ويجوز كونه من علل وعوارض .
وموت أمة الغير بالولادة من وطء شبهة يوجب قيمتها لما مر لا من وطء زنا ولو بإكراه لأنها لا تضاف إلى وطئه لأن الشرع قطع نسب الولد عنه .
ولو وطيء حرة بشهة فماتت بالولادة لم يجب عليه دينها لأن الوطء سبب ضعيف وإنما أوجبنا الضمان في الأمة لأن الوطء بسبب الاستيلاء عليها والعلوق من آثارها فأدمنا به اليد والاستيلاء والحرة لا تدخل تحت اليد والاستيلاء .
ولا شيء عليه في موت زوجته أمة كانت أو حرة بالولادة لأنه تولد من مستحق .
وله .
أي الراهن " كل انتفاع لا ينقصه " أي المرهون .
والأفصح تخفيف القاف قال تعالى " ثم لم ينقصوكم شيئا " ويجوز تشديدها .
كالركوب .
والاستخدام " والسكنى " لخبر الدارقطني والحاكم الرهن مركوب ومحلوب وخبر البخاري الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا .
وقيس على ذلك ما أشبهه كلبس وإنزاء فحل على أنثى يحل الدين قبل ظهور حملها أو تلد قبل حلوله بخلاف ما إذا كان يحل قبل ولادتها أو بعد ظهور حملها فليس له الإنزاء عليها لامتناع بيعها دون حملها لأنه غير مرهون .
وإذا أخذ الراهن المرهون للانتفاع الجائز فتلف في يده من غير تقصير لم يضمنه كما قال الروياني ( 2 / 132 ) لا البناء والغراس " في الأرض المرهونة ولو كان الدين مؤجلا ولم يلتزم قلعهما عند فراغ الأجل لنقص القيمة بذلك فإن التزم ذلك جاز له كما نص عليه في الأم وجرى عليه الدارمي وهو كما قال بعض المتأخرين ظاهر إذا لم يحدث قلعه نقصا في الأرض ولا تطول مدته بحيث تضر بالمرتهن .
وله زراعة ما يدركه قبل حلول الدين أو معه كما بحثه شيخنا إن لم ينقص الزرع قيمة الأرض إذ لا ضرر على المرتهن وإذا حل الدين قبل إدراكه لعارض ترك إلى الإدراك .
فإن .
كانت قيمتها تنقص بذلك الزرع أو كان الزرع مما يدرك بعد الحلول أو " فعل " البناء والغراس " لم يقلع " ما ذكر " قبل " حلول " الأجل " لاحتمال قضاء الدين من غير الأرض " وبعده " يقلع " إن لم تف الأرض " أي قيمتها " بالدين وزادت به " أي القلع ولم يأذن الراهن في بيعه مع الأرض ولم يحجر عليه بفلس لعلق حق المرتهن بأرض فارغة .
أما إذا وفت قيمة الأرض بالدين أو لم تزد بالقلع أو أذن الراهن فيما ذكر أو حجر عليه فلا يقلع بل يباع مع الأرض في الأخيرتين ويوزع الثمن عليهما ويحسب النقص في الثالثة على الزرع أو البناء أو الغراس إن كانت قيمة الأرض فيها بيضاء أكثر من قيمتها مع ما فيها .
وليس للراهن السفر بالمرهون وإن قصر سفره لما فيه من الخطر بلا ضرورة فإن دعت ضرورة إلى ذلك كأن جلا أهل بلد لخوف أو قحط أو نحو ذلك كان له السفر به .
ثم إن أمكن الانتفاع .
بالمرهون بما أراده الراهن منه " بغير استرداد " له كأن يرهن رقيقا له صنعة يمكنه أن يعملها عند المرتهن .
لم يسترده .
من المرتهن لأجل عملها عنده .
وإلا .
أي وإن لم يمكن الانتفاع به بغير استرداد كأن يكون دارا يسكنها أو دابة يركبها أو عبدا يخدمه " فيسترد " للحاجة إلى ذلك .
نعم لا يسترد الجارية إلا إذا أمن من غشيانها لكونه محرما لها أو ثقة وله أهل .
ثم ما لا يدوم استيفاء منافعه عند الراهن يرده عند عدم الحاجة إليه فيرد عبد الخدمة والدابة إلى المرتهن ليلا ويرد الحارس نهارا .
تنبيه : .
ظاهر عبارة المصنف تشمل ما لو كان الرقيق يحسن الخياطة وأراد السيد الراهن أن يأخذه للخدمة أنه لا يمكن من أخذه وليس مرادا فلو زاد ما قدرته في كلامه لكان أولى .
ويشهد .
المرتهن على الراهن بالاسترداد للانتفاع في كل استرداده " إن اتهمه " شاهدين كما قاله الشيخان قال في المطلب أو رجلا وامرأتين لأنه في المال .
وقياسه الإكتفاء بواحد ليحلف معه فإن وثق به لم يكلف الإشهاد .
قال الشيخان لا كل مرة أي لا يشهد أصلا فهو نفي للمقيد بقيده كقولهم لا ضب فيها ينحجر أي لا ضب ولا انحجار .
فسقط ما قيل إن ظاهر كلامهما الإشهاد في بعض المرات وإنه مخالف لقول الحاوي .
ويشهد له ظاهر العدالة .
فرع لا تزال يد البائع .
عن المحبوس بالثمن لاستيفاء منافعه لأن ملك المشتري غير مستقر بل يستكسب في يده المشتري .
وله .
أي الراهن " بإذن المرتهن ما معناه " من التصرفات والانتفاعات من غير بدل لأن المنع كان لحقه وقد زال بإذنه فيحل الوطء فإن لم تحبل فالرهن بحاله وإن أحبلها أو أعتق أو باع أو وهب نفذ وبطل الرهن .
قال في الذخائر فلو أذن له في الوطء فوطيء ثم أراد العود إلى الوطء منع لأن الإذن يتضمن مرة إلا أن تحبل من تلك الوطأة فلا منع لأن الرهن قد بطل اه .
وظاهر كلام الأصحاب أن له الوطء فيمن لم تحبل ما لم يرجع المرتهن .
وله .
أي المرتهن " الرجوع " عن الإذن " قبل تصرف الراهن " لأن حقه باق كما للمالك أن يرجع قبل تصرف الوكيل .
فإن تصرف .
بعد رجوعه بغير إعتاق وإيلاد وهو موسر " جاهلا برجوعه فكتصرف وكيل جهل عزله " من موكله وسيأتي في ( 2 / 133 ) بابه أن الأصح عدم النفوذ فإن كان عالما برجوعه فلا ينفذ قطعا .
وأما تصرفه بالإعتاق والإحبال إذا كان موسرا فنافذ كما علم مما مر .
وللمرتهن الرجوع فيما وهب الراهن أو رهن بإذن المرتهن قبل قبض الموهوب أو المرهون لأنه إنما يتم بالقبض .
ولا رجوع فيما أذن له في بيعه في زمن الخيار لأن البيع مبني على اللزوم والخيار دخيل فيه إنما يظهر أثره في أثره في حق من له الخيار .
ومتى تصرف بإعتاق أو نحوه وادعى الإذن وأنكره المرتهن صدق بيمينه لأن الأصل عدم الإذن وبقاء الرهن .
فإن نكل حلف الراهن وكان كما لو تصرف بإذنه فإن لم يحلف الراهن وكان التصرف بالعتق أو الإيلاد حلف العتيق والمستولدة لأنهما ينبتان الحق لأنفسهما بخلافه في نكول المفلس أو وارثه حيث لا يحلف الغرماء لأنهم يثبتون الحق للمفلس أولا .
ولو أذن في بيته .
أي المرهون فباعه والدين مؤجل فلا شيء له على الراهن ليكون رهنا مكانه لبطلان الرهن أو حال قضي حقه من ثمنه وحمل إذنه المطلق على البيع في غرضه .
وإن أذن له في البيع أو الإعتاق " ليعجل المؤجل من ثمنه " أو من غير الثمن في البيع أو من قيمته أو من غيرها في الإعتاق بأن شرط ذلك " لم يصح البيع " لفساد الإذن سواء كان الدين حالا أو مؤجلا .
تنبيه : .
لو عبر المصنف بقوله بشرط أن يعجل كما قدرته في كلامه تبعا للمحرر والحاوي لكان أولى فإنه لا يلزم من عبارة المصنف الاشتراط وقد قال السبكي في هذه الصورة الذي يظهر أنه ليس بشرط فلا يلتفت إليه ويصح الإذن والبيع .
قال فالوجه حمله على أنه صرح بالشرط كما صوره الأصحا .
قال ولا شك أنه لو قالأذنت لك في بيعه لتعجل ونوى الاشتراط كان كالتصريح به وإنما النظر إذا أطلق هل نقول ظاهره الشرط أو لا والأقرب المنع .
وكذا لو شرط .
في الإذن في بيعه أو إعتاقه " رهن الثمن " أي القيمة أي جعله مرهونا مكانه لم يصح " في الأظهر " وإن كان الدين حالا لما ذكر وفساد الشرط بجهالة الثمن عند الإذن .
والثاني يصح البيع ويلزم الراهن الوفاء بالشرط ولا تضر الجهالة في البدل لأن الرهن قد ينتقل من العين إلى البدن شرعا كما لو أتلف المرهون فجاز أن ينتقل إليه شرطا .
ولو قال المرتهن للراهن اضرب المرهون فضربه فمات لم يضمن لتولده من مأذون فيه فإن قال له أدبه فضربه فمات فعليه ضمانه لأن المأذون فيه هنا ليس مطلق الضرب بل ضرب تأديب وهو مشروط بسلامة العاقبة كما لو أدب الزوج زوجته أو الإمام إنسانا كما سيأتي إن شاء الله تعالى في ضمان المتلفات