ذكر الشيخ في التنبيه : هذا الباب عقب القراض لمشاركه له في اتحاد المقصود وهو تحصيل الربح بالإذن في التصرف .
وذكره الشافعي رضي الله تعالى عنه هنا وترجم له بمداينة العبيد وتبعه الرافعي ثم تبعهما المصنف .
قال الإمام تصرفات ( 2 / 99 ) الرقيق ثلاثة أقسام ما لا ينفذ وإن أذن فيه السيد كالولايات والشهادات وما ينفذ بغير إذنه كالعبادات والطلاق والخلع وما يتوقف على إذنه كالبيع والإجارة وهذا هو مقصود الباب .
وقد شرع المصنف في بيان ذلك فقال " العبد " قال ابن حزم لفظ العبد يشمل الأمة فكأنه قال الرقيق الذي يصح تصرفه لنفسه لو كان حرا كما قاله الماوردي .
إن لم يؤذن له في التجارة لا يصح شراؤه بغير إذن سيده في الأصح .
لأنه محجور عليه لحق سيده والثاني يصح لتعلق الثمن بالذمة ولا حجر لسيده فيها ونسب هذا الماوردي إلى الجمهور وقطع بعضهم بالأول .
ولو كان لرجلين عبد فأذن له أحدهما في التجارة لم يصح حتى يأذن له الآخر كما لو أذن له في النكاح لا يصح حتى يأذن له الآخر .
و .
على الأول " يسترده " أي المبيع " البائع " أي له طلب رده " سواء كان في يد العبد أو " يد " سيده " لأنه لم يخرج عن ملكه ويسترد الثمن السيد إذا أداه الرقيق من ماله لما ذكر ومؤنة الرد على من في يده العين كما مرت الإشارة إليه في الباب السابق .
تنبيه : .
كان الأولى أن يقول سواء أكان في يد العبد أم سيده فحذف الهمزة والإتيان بأو لغة قليلة .
فإن تلف .
المبيع " في يده " أي العبد " تعلق الضمان بذمته " فيطالب به بعد العقد لثبوته برضا مالكه ولم يأذن فيه السيد والضابط فيما يتلفه العبد أو يتلف تحت يده إن لزم بغير رضا مستحقه كإتلاف أو تلف بغصب تعلق الضمان برقبته ولا يتعلق بذمته في الأظهر وإن لزم برضا مستحقه كما في المعاملات فإن كان بغير إذن السيد تعلق بذمته يتبع به بعد عتقه سواء أرآه السيد في يد العبد فتركه أم لا أو بإذنه تعلق بذمته وكسبه ومال تجارته .
أو .
تلف " في يد السيد فللبائع تضمينه " أي السيد لوضع يده عليه " وله " أي البائع " مطالبة العبد " أيضا " بعد العتق " لتعلقه بذمته لا قبله لأنه معسر .
ولو قبضه السيد وتلف في يد غيره كان للبائع مطالبة السيد أيضا .
واقتراضه .
وكذا سائر عقود المعاوضات ما عدا النكاح " كشرائه " في جميع ما مرص .
أما النكاح فلا يصح جزما .
وقول الزركشي وغيره قد يستثنى من ذلك ما لو باع المأذون مع ماله فإنه لا يشترط تجديد إذن من المشتري على الأظهر في النهاية كما قاله ابن الرفعة أي لأن علم المشتري بأن العبد مأذون له منزل منزلة إذنه في بيع المال الذي اشتراه مع ضعيف لأن بيع السيد الرقيق المأذون حجر له كما سيأتي وسكوت السيد لا يكفي كما سيأتي أيضا .
وإن أذن له .
سيده " في التجارة تصرف " بالإجماع كما نقله الرافعي لأن المنع لحق السيد وقد زال قال وشرط في التنبيه : أن يكون العبد بالغا رشيدا وهو معنى قول الماوردي المتقدم ولا ينافي ذلك قول الأذرعي لم أجده في الحاوي في مظانه .
وقوله والعقل يبعد أن لا يصح إذنه لعبده الفاسق والمبذر ممنوع إذ لا يزيد بالإذن على تصرف الحر .
بحسب الإذن .
لأن تصرفه مستفاد من الإذن فاقتصر على المأذون فيه ولا يشترط قبول الرقيق .
فإن أذن .
له " في نوع " كالثياب أو في وقت كشهر كذا أو في بلد " لم يتجاوزه " كالوكيل وعامل القراض .
قال الإسنوي وفهم من تعبيره بإن الشرطية أن تعيين النوع لا يشترط لأنها تستعمل فيما يجوز أن يوجد وأن لا يوجد ولا تستعمل فيما لا بد منه إذا قال والأمر كذلك اه .
ويستفيد بالإذن في التجارة كل ما يندرج تحت اسمها وما كان من لوازمها وتوابعها كالنشر والطي وحمل المتاع إلى الحانوت ورد بعيب ومخاصمة نفي عهدة والمراد المخاصمة الناشئة عن المعاملة أما مخاصمة الغاصب والسارق ونحوهما فلا كما صرح به الرافعي في عامل القراض وهذا مثله .
فإن لم ينص على شيء تصرف بحسب المصلحة في كل الأنواع والأزمنة والبلدان .
ولو أعطاه ألفا وقال له اتجر فيه فله أن يشتري بعين الألف وبقدره في ذمته ولا يزيد .
فإن اشترى في ذمته ثم تلف الألف قبل تسليمه ( 2 / 100 ) للبائع لم ينفسخ عقده بل للبائع الخيار إن لم يوفه السيد وإن اشترى بعينه انفسخ العقد كما لو تلف المبيع قبل القبض .
ولو قال له اجعله رأس مالك وتصرف واتجر فله أن يشتري بأكثر من الألف وله أن يأذن له في التجارة من غير إعطاء مال فيشتري بالإذن في الذمة ويبيع كالوكيل .
ولا يحتاج في الإذن في الشراء في الذمة إلى تقييد بقدر معلوم لأنه لا يثبت في ذمة السيد بخلاف الوكيل .
وليس له .
بالإذن في التجارة " نكاح " لنفسه ولا لرقيق التجارة لأن اسمها لا يتناوله .
ولا يؤجر نفسه .
بغير إذن سيده لأنه لا يملك التصرف في رقبته فكذا في منفعته فإن أذن له جاز وله أن يؤجر مال التجارة أثيابها ورقيقها ودوابها .
ولا يأذن لعبده .
أي الذي اشتراه للتجارة " في تجارة " بغير إذن سيده لعدم الإذن له في ذلك فإن أذن له فيه جاز وينعزل الثاني بعزل السيد له وإن لم ينزعه من يد الأول وإضافة عبد التجارة إليه لتصرفه فيه .
وهذا في التصرف العام فإن أذن له في تصرف خاص كشراء ثوب جاز كما صححه الإمام وجزم به الغزالي و ابن المقري وإن كان في مقتضى كلام البغوي المنع لأنه يصدر عن رأيه وإنه لا غنى له عن ذلك وفي منعه منه تضييق عليه .
ولا يتصدق .
ولو عبر ب يتبرع كان أعم ليشمل الهبة والعارية وغيرهما لأنه ليس من أهل التبرع .
ولا يتخذ دعوة وهي بتثليث الدال كما قاله ابن مالك وفتحها أشهر الطعام المدعو إليه .
ولا ينفق على نفسه من مال التجارة وقول ابن الرفعة لو غاب السيد فالوجه الجواز للعرف المطرد به محمول على عدم وجدان حاكم يراجعه في ذلك .
ولا يسافر بمال التجارة إلا بإذن السيد ولا يبيع بدون ثمن المثل ولا نسيئة قال المتولي وله أن يشتري بالنسيئة بلا إذن .
ولا يعامل سيده .
ولا رقيقه المأذون له في التجارة ببيع وشراء وغيرهما لأن تصرفه للسيد ويد رقيق السيد كالسيد بخلاف المكاتب .
ولا يتمكن من عزل نفسه بخلاف الوكيل .
ولا يشتري من يعتق على سيده فإن أذن له صح الشراء وعتق إن لم يكن الرقيق مديونا وإلا ففيه التفصيل في إعتاق الراهن المرهون بين الموسر والمعسر كما جرى عليه ابن المقري تبعا للإسنوي .
ولا ينعزل بإباقه .
قطعا لأنه معصية لا توجب الحجر .
وله التصرف في البلد الذي أبق إليه على الصحيح إلا أن خص السيد الإذن ببلده فإن عاد إلى الطاعة تصرف جزما .
ولو أذن لأمته في التجارة ثم استولدها لم تنعزل لبقائهاعلى ملكه واستحقاقه منافعها .
ولا يصير .
الرقيق " مأذونا له بسكوت سيده على تصرفه " لأن ما الإذن فيه شرط لا يكفي فيه السكوت كبيع مال غيره وهو ساكت .
ويقبل إقراره بديون المعاملة .
ولو لأصله وفرعه لقدرته على الإنشاء وهذه المسألة أعادها المصنف في باب الإقرار والكلام عليها هناك أنسب .
ولو أحاطت به الديون فأقر بشيء أنه استعاره قبل منه وقيل لا ذكره شريح في روضه .
فرع لو باع السيد العبد .
المأذون له أو أعتقه صار محجورا عليه لأن إذنه له استخدام لا توكيل وقد خرج عن أهليته .
وفي معنى ذلك ما يزيل الملك كهبة ووقف وفي كتابته وجهان أوجههما وجزم به في الأنوار أنها حجر وإجارته كما بحثه شيخنا كذلك .
وتحل ديونه المؤجلة عليه بموته كما تحل الديون التي على الحر بموته وتؤدى من الأموال التي كانت بيده .
ومن عرف رق عبد لم يعامله .
أي لم تجز له معاملته حفظا لما له " حتى يعلم الإذن " له " بسماع سيده أو بينة أو شيوع بين الناس " لأن الأصل عدم الإذن .
والمراد بالعلم غلبة الظن لأن البينة والشيوخ لا يفيدان إلا الظن .
قال السبكي وينبغي جوازه بخبر عدل واحد لحصول الظن به وإن لم يكف عند الحاكم إلحاقا له بالشفعة وكما يكفي سماعه من السيد والشيوع .
وتبعه الأذرعي ثم قال ويكفي خبر من يثق به من عبد وامرأة بل يظهر أنه أولى من شيوع لا يعرف أصله .
وذكر نحوه الزركشي قال وهل المراد بالبينة ما يقام عند الحاكم أو إخبار عدلين له الظاهر الثاني .
وهذه الأبحاث كلها ظاهرة لأن المقصود أن يغلب على الظن إذن السيد .
وفي الشيوع وجه .
أنه لا يكفي لأن ( 2 / 101 ) الحجر محقق والزوال مشكوك فيه لأنه قد ينشأ من غير أصل فإن لم يعرف رقه ولا حريته جاز له معاملته لأن الأصل والغالب في الناس الحرية .
ولا يكفي قول العبد .
أنا مأذون لي لأنه منهم .
فلو عامله فبان مأذونا له صح كمن باع مال أبيه ظانا حياته فبان ميتا ومثله عامل من أنكرت وكالته أو من عرف سفهه ثم تبين أنه في الأولى وكيل وفي الثانية رشيد .
ولو قال المأذون له حجر علي سيدي لم تصح معاملته وإن كذبه سيده لأن العقد باطل بزعم العاقد فلا يعامل بقول غيره وتكذيب الآذن لا يستلزم الإذن له كما لو قال ابتداء لا أمنعك من التصرف لا يستلزم ذلك لأن عدم المنع أعم من الإذن .
نعم لو قال كنت أذنت له وأنا باق عليه جازت معاملته وإن أنكر الرقيق ذلك كما ذكره الزركشي .
ويؤخذ منه أن محل منع معاملته فيما إذا كذبه السيد أن يكون المعامل له سمع الإذن من غير السيد وإلا جازت معاملته قال شيخنا بل ينبغي أن يقال حيث ظن كذب العبد جازت معاملته ثم إن تبين خلافه بطلت وإلا فلا .
وهو حسن .
ولمن علمه مأذونا له وعامله أن لا يسلم إليه العوض حتى يقيم بينة بالإذن خوفا من خط إنكار السيد وينبغي كما قال الزركشي تصويرها بما إذا علم الإذن بغير البينة وإلا فليس له الامتناع لزوال المحذور والأصل دوام الإذن .
تنبيه : .
كان الأولى للمصنف أن يقول ومن عرف رق شخص لأن العبد معلوم الرق .
فإن باع مأذون له .
شيئا " وقبض الثمن فتلف في يده فخرجت السلعة مستحقة رجع المشتري ببدلها " أي بدل ثمنها فهو حذف مضاف فليس سهو كما قيل وفي الروضة وأصلها والمحرر وبعض نسخ المنهاج ببدله أي الثمن وهو أوضح .
على العبد .
ولو بعد العتق لأنه المباشر للعقد فتتعلق به العهدة كعامل المضاربة والوكيل فإن لرب الدين مطالبتهما ولو بعد العزل سواء دفع لهما رب المال الثمن أم لا وإذا غرما رجع بخلاف العبد إذا غرم بعد عتقه لا يرجع على سيده على الأصح في الروضة لأن ما غرمه مستحق بالتصرف السابق على عتقه وتقدم السبب كتقدم المسبب فالمغروم بعد العتق كالمغروم قبله وهكذا كما لو أعتق السيد عبده الذي أجره في أثناء مدة الإجارة لا يرجع عليه بأجرة مثله للمدة التي بعد العتق .
وله .
أي المشتري " مطالبة " السيد به " أيضا " لأن العقد له فكأنه البائع والقابض للثمن .
وقيل لا .
يطالبه لأنه بالإذن قد أعطاه استقلالا وقصر طمع الذي يعامله على ما في يده وذمته .
وقيل إن كان في يد العبد وفاء فلا .
يطالبه لحصول الغرض بما في يده وإلا فيطالب .
ولو اشترى .
المأذون " سلعة ففي مطالبة السيد بثمنها هذا الخلاف " بتعليله " ولا يتعلق دين التجارة برقبته " لأنه ثبت برضا مستحقه كالصداق ولا بمهر الأمة المأذونة لأنه بدل بضعها وهو لا يتعلق به الديون فكذا بدله .
ولا تتعلق أيضا بسائر أموال السيد كأولاد المأذون .
ولا بذمة سيده .
وإن أعتقه أو باعه لأنه وجب بمعاوضة مقصودة أذن فيها السيد فيكون متعلقا بالكسب كالنفقة في النكاح .
فإن قيل ما ذكر مخالف لقوله قبل ذلك بنحو سطر أن السيد يطالب ببدل الثمن التالف في يد العبد وبثمن السلعة التي اشتراها أيضا وقد وقع الموضعان كذلك في الشرح والمحرر والروضة وقال السبكي سبب هذا التناقض أن المذكور أولا هو طريقة الإمام وقال في البسيط إنها ظاهر المذهب وأشار في المطلب إلى تضعيفها وثانيا هو طريقة الأكثرين من العراقيين والخراسانيين ونص الأم يشهد له فجمع الرافعي بينهما فلزم منه ما لزم وتبعه الإسنوي و الأذرعي على ذلك .
أجيب بأنه لا يلزم من المطالبة بشيء ثبوته في الذمة بدليل مطالبة القريب بنفقة قريبه والموسر بنفقة المضطر واللقيط إذا لم يكن له مال والمراد أنه يطالب ليؤدي مما في يد العبد لا من غيره ولو مما كسبه العبد بعد الحجر عليه وصارت كالوارث في التركة يطالب بالوفاء بقدرها فقط وفائدة مطالبة السيد بذلك إذا لم يكن في يد العبد مال احتمال أنه يؤديه لأن له به علقة في الجملة وإن لم يلزم ذمته فإن أداه برئت ذمة العبد وإلا فلا .
بل يؤدى من مال ( 2 / 102 ) التجارة .
أصلا وربحا لاقتضاء العرف والإذن ذلك .
وكذا من كسبه .
الحاصل قبل الحجر عليه " بالاصطياد ونحوه " كالاحتطاب " في الأصح " لتعلقه به كما يتعلق به المهر ومؤن النكاح .
والثاني لا كسائر أموال السيد .
وعلى الأول إن بقي بعد الأداء شيء من الدين يكون في ذمة الرقيق إلى أن يعتق فيطالب به أما كسبه بعد الحجر فلا يتعلق به في الأصح في أصل الروضة لانقطاع حكم التجارة بالحجر .
ولا يملك العبد بتمليك سيده في الأظهر .
الجديد لأنه ليس أهلا للملك لأنه مملوك فأشبه البهيمة .
والثاني وهو القديم يملك لقوله A من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع رواه الشيخان دل إضافة المال إليه على أنه يملك .
وأجاب الأول بأن إضافته فيه للاختصاص لا للملك إذ لو كانت للملك لنافاه جعله لسيده وعلى القول بالملك هو ملك ضعيف يملك السيد انتزاعه منه ولا تجب فيه الزكاة وليس للعبد التصرف فيه إلا بإذن السيد .
واحترز بقوله بتمليك سيده عن الأجنبي فإنه لا يملك بتمليكه جزما قاله الرافعي في الوقف في الكلام على الموقوف عليه وفي الظهار وفي تكفير العبد بالصوم وأجرى فيه الخلاف الماوردي و القاضي .
والمدبر والمعلق عتقه بصفة وأم الولد كالقن فلا يملكون شيئا بخلاف المبعض والمكاتب .
ولو ملك المبعض ببعضه الحر مالا فاشترى به جارية ملكها ولم يحل له وطؤها ولو بإذن سيده لأن بعضه مملوك والوطء يقع بجميع بدنه لا ببعضه الحر فقط وليس للمكاتب وطء أمته ولو بالإذن لضعف ملكه وللخوف من هلاك الأمة بالطلق .
خاتمة لو قبل الرقيق ولو سفيها هبة أو وصية بلا إذن صح وإن نهاه سيده على القبول لأنه اكتساب لا يعقب عوضا كالاحتطاب ودخل ذلك في ملك السيد قهرا نعم إن كان الموهوب أو الموصى به أصلا للسيد أو فرعا له تجب عليه نفقته حال القبول لنحو زمانة أو صغر لم يصح القبول ونظيره قبول الولي لموليه ذلك