وتفريقها ثلاثة أقسام لأنها إما في الإبتداء أو في الدوام أو في اختلاف الأحكام وتأتي في كلامه على هذا الترتيب .
وقد شرع في القسم الأول منها فقال لو " باع " في صفقة واحدة حلا وحرما كأن باع مذكاة وميتة أو " خلا وخمرا " أو شاة وخنزيرا " أو عبده وحرا أو " عبده " عبد غيره أو مشتركا بغير إذن " الشريك " الآخر صح " البيع " في ملكه " من الخل والمذكاة والشاة وعبده وحصته من المشترك وبطل في غيره " في الأظهر " إعطاء لكل منهما حكمه .
والثاني يبطل فيهما .
وفي علته وجهان أحدهما الجمع بين حلال وحرام لقول ابن عباس ما اجتمع حرام وحلال إلا وغلب الحرام الحلال .
والثاني جهالة العوض الذي يقابل الحلال .
ويستفاد من تمثيل المصنف بالمشترك أن العلة الصحيحة هي الأولى لأن الحصة من الثمن معلومة وجرى على ذلك في المجموع .
فإن قيل ما صححه المصنف تبعا للرافعي خلاف مذهب الشافعي فإنه إذا كان للمجتهد في المسألة قولان وعلم المتأخر منهما كان الأول مرجوعا عنه فيكون مذهبه هو الثاني وقد رجع الشافعي عن القول بالصحة كذا ذكره الربيع في الأم وعبر بقوله إن البطلان هو آخر قوليه .
قال الإسنوي وهي دقيقة غفلوا عنها .
وقال الأذرعي إذا كان راوي المذهب قد شهد بذلك ففي النفس حزازة من ترجيح الصحة مع ذلك أجيب بأن قول الربيع إن البطلان آخر قوليه يحتمل أن يكون آخرهما في الذكر لا في الفتوى وإنما يكون المتأخر مذهب الشافعي إذا أفتى به أما إذا ذكره في مقام الاستنباط والترجيح ولم يصرح بالرجوع عن الأول فلا مع أن هذه اللفظة وهي آخر قوليه يحتمل أنها كانت أحد قوليه بالدال فقصرت فقرئت بالراء .
تنبيه : .
قول المصنف بغير إذن الآخر قال الإسنوي إنه يعود إلى المشترك فإنه مع الإذن يصح جزما ولا يصح عوده إليه وإلى عبد الغير معا لأنه إذا أذن له وباعه ولم يفصل الثمن لم يصح للجهل به حالة العقد وإن فصله صح جزما لكن ليس مما نحن فيه لأن الكلام في الصفقة الواحدة وتلك صفقتان .
وقال ابن شهبة الظاهر عوده إليهما فإنه يصدق أنه إذا أذن كان الحكم بخلاف ذلك وهو صحيح ومحل القول بالصحة إذا كان كل من ملكه وغيره معلوما وإلا فلا يصح ولو كان الجهل في غير ملكه فقط لتعذر التقسيط .
وعلى الأظهر " فيتخير المشتري إن جهل " الحال لضرر التبعيض وهو كما في المطلب على الفور لأنه خيار نقص فإن كان عالما فلا خيار له لتقصيره ( 2 / 41 ) فإن أجاز " البيع أو كان عالما بالحال " فبحصته " أي المملوك له " من المسمى باعتبار قيمتها " لأنهما أوقعا الثمن في مقابلتهما جميعا فلا يلزم المشتري في مقابلة أحدهما إلا قسطه .
تنبيه : .
ظاهر عبارة المصنف أنا نعتبر قيمة الخمر والخنزير عند من يرى لهما قيمة وهو احتمال للإمام صححه الغزالي .
والصواب كما صححه المصنف أنا نقدر الخمر خلا والميتة مذكاة والخنزير شاة والحر رقيقا فإذا كانت قيمتها ثلاثمائة والمسمى مائة وخمسين وقيمة المملوك مائة فحصته من المسمى خمسون .
وينبغي أنه لو مات الأب أن يباع الولد للضرورة كما قاله بعض المتأخرين .
وفي قول بجميعه .
لأن العقد لا يتوجه إلا إلى ما يجوز بيعه فكان الآخر كالمعدوم .
وعلى الأول لو لم يكن الحرام مقصودا كالدم فالظاهر كما قال الإسنوي إن الإجازة بكل الثمن كما يقتضيه كلامهم في الخلع والكتابة .
وأجمعوا على جواز تفريق الصفقة في الطلاق والعتق ونحوهما مما هو مبني على السراية والتغليب واتفقوا على منعه فيما إذا كان كل واحد قابلا للعقد لكن امتنع لأجل الجمع كنكاح الأختين .
والخلاف فيما عدا ذلك ويجري في أبواب كثيرة من البياعات والإجارات والأنكحة والشهادات وغيرها واستثنى من ذلك مسائل منها ما إذا أجر الراهن العين المرهونة مدة تزيد على محل الدين فإنه يبطل في الجميع على الأصح عند الشيخين .
ومنها ما إذا استعار شيئا ليرهنه بدين فزاد عليه فإنه يبطل في الكل على الأصح .
وفي استثناء هاتين الصورتين كما قاله بعض المتأخرين نظر لأن القاعدة في تفريق الصفقة أن يعقد على شيئين موجودين أحدهما حل والآخر حرم والمنفعة شيء واحد فلا وجه فيها إلا القول بالصحة أو البطلان والصحة متعذرة لعدم الإذن من جهة المرتهن وفي الصورة الثانية تصرف في ملك الغير على وجه لم يأذن له فيه فبطل صيانة لحق الغير .
ومنها ما إذا فاضل في الربويات فإنه يبطل في الكل .
ومنها ما إذا زاد في العرايا على القدر الجائز فإنه يبطل في الكل .
ومنها ما لو زاد في خيار الشرط على ثلاثة أيام فإنه إن كان في صلب العقد لم ينعقد جزما أو في خيار المجلس يبطل قطعا .
ومنها ما إذا أوصى من لا وارث له بأكثر من الثلث فإنه يصح في الثلث قطعا .
قال الزركشي ومنها ما لو قدم الباطل كأن قال بعتك الحر والعبد فإنه يبطل في الكل لأن العطف على الباطل باطل كما قالوه فيما لو قال نساء العالمين طوالق وأنت يا زوجتي لا تطلق لعطفها على من لم يطلق اه .
وليس هذا كما قال شيخي قياسه وإنما قياسه أن يقول هذا الحر مبيع منك وعبدي فإنه لا يصح بخلاف المثال المذكور فإنه يصح في العبد لأن العامل في الأول عامل في الثاني .
وقياسه في الطلاق أن يقول طلقت نساء العالمين وزوجتي فإنها تطلق في هذه الحالة .
و .
إذا لم يجب إلا الحصة " لا خيار للبائع " لأنه المفرط حيث باع ما لا يملكه وطمع في ثمن ما لا يستحقه .
ثم شرع في القسم الثاني منها فقال " ولو باع عبديه " مثلا " فتلف أحدهما قبل قبضه " انفسخ البيع فيه و " لم ينفسخ في الآخر على المذهب " وإن لم يقبضه " بل يتخير " المشتري بين الفسخ والإجازة .
فإن أجاز فبالحصة .
من المسمى باعتبار قيمتهما لأن الثمن قد توزع عليهما في الابتداء والقسم عليهما فلا يتغير بهلاك أحدهما .
وقوله " قطعا " تبع فيه المحرر وفي الشرح والروضة عن أبي إسحق طرد القولين فيه .
أحدهما بجميع الثمن وضعف بالفرق بين ما اقترن بالعقد وبين ما حدث بعد صحة العقد مع توزيع الثمن فيه عليهما ابتداء .
وقضية كلامه أنه لا خيار للبائع وهو كذلك كما صرح به في المجموع ولكنه مشكل لأن علة المنع فيما تقدم التفريط وهو مفقود هنا .
والطريق الثاني ينفسخ في أحد القولين وإن قبض المشتري أحد العبدين .
ولو تلف المقبوض وغيره لم يثبت للمشتري الخيار فيما تلف في يده كما صححه في المجموع بل عليه حصته من الثمن لأن العقد استقر بقبضه .
وفي معنى ما في المتن ما لو باع عصيرا صار بعضه خمرا قبل قبضه قاله الدارمي .
ثم شرع في القسم الثالث فقال " ولو جمع في صفقة مختلفي الحكم كإجارة وبيع " كأن يقول ( 2 / 42 ) أجرتك داري شهرا وبعتك ثوبي هذا بدينار " أو " إجارة و " سلم " كأن يقول أجرتك داري شهرا أو بعتك صاع قمح في ذمتي سلما بكذا " صحا في الأظهر ويوزع المسمى على قيمتهما " أي قيمة المؤجر من حيث الأجرة وقيمة المبيع أو المسلم فيه .
ووجه الاختلاف بين البيع والإجارة اشتراط التأقيت فيها وهو مبطل للبيع والإجارة تنفسخ بالتلف بعد القبض دونه .
والاختلاف بين الإجارة والسلم اشتراط قبض العوض في المجلس في السلم دونها .
والثاني يبطلان لأنه قد يعرض لاختلاف حكمهما باختلاف أسباب الفسخ والانفساخ ما يقتضي فسخ أحدهما فيحتاج إلى التوزيع .
ويلزم الجهل عند العقد بما يخص كلا منهما من العوض وذلك محذور .
وأجاب الأول بأنه لا محذور في ذلك ألا ترى أنه يجوز بيع ثوب وشقص من دار في صفقة وإن اختلفا في حكم الشفعة واحتيج إلى التوزيع بسببها ويؤخذ مما مثل به أن محل الخلاف أن يكون العقدان لازمين فلو جمع بين لازم وجائز كبيع وجعالة لم يصح قطعا كما ذكره الرافعي في المسابقة أو كان العقدان جائزين كشركة وقراض صح قطعا لأن العقود الجائزة بابها واسع .
وإنما قال مختلفي الحكم ولم يقل عقدين مختلفي الحكم كما عبر به في المحرر ليشمل بيع عبدين بشرط الخيار في أحدهما أكثر من الآخر فإنه على القولين مع أن الحكم مختلف والعقد واحد .
تنبيه : .
المراد بالإجارة مع السلم إجارة العين فإن إجارة الذمة يشترط فيها القبض كالسلم .
وشمل كلامه ما إذا اشتمل العقد على ما يشترط فيه التقابض وما لا يشترط كصاع بر وثوب بصاع شعير .
أو بيع ونكاح .
ومستحق الثمن والمهر واحد كقوله زوجتك بنتي وبعتك عبدها وهي في حجره أو زوجتك أمتي وبعتك ثوبي .
صح النكاح .
لأنه لا يفسد بفساد الصداق .
وفي البيع والصداق القولان .
السابقان أظهرهما صحتهما ويوزع المسمى على قيمة المبيع ومهر المثل .
والثاني بطلانهما ويجب مهر المثل .
والمصنف أعاد هذه المسألة في كتاب الصداق بأبسط مما ذكره هنا .
أما إذا اختلف المستحق كقوله زوجتك بنتي وبعتك عبدي بكذا فإن البيع لم يصح ولا الصداق كما لو كان لكل منهما عبد فباعاهما بثمن واحد كمامر .
ويصح النكاح بمهر المثل ولو جمع بين بيع وخلع صح الخلع وفي البيع والمسمى القولان .
تنبيه : .
شرط التوزيع في صورة المتن أن يكون حصة النكاح مهر المثل فأكثر فإن كان أقل وجب مهر المثل كما في المجموع إلا إن أذنت الرشيدة في قدر المسمى فيعتبر التوزيع مطلقا .
وتتعدد الصفقة بتفصيل الثمن .
من البائع " كبعتك ذا بكذا وذا بكذا " فيقبل فيهما سواء أفصل المشتري في القبول أم لا على الأصح وله رد أحدهما بالعيب فلو قال بعتك عبدي بألف وجاريتي بخمسمائة فقبل أحدهما بعينه لم يصح كما سيأتي في تعدد البائع والمشتري وإن قال القاضي الظاهر الصحة .
وبتعدد البائع .
كبعناك هذا بكذا والمبيع مشترك بينها فيقبل فيهما وله رد نصيب أحدهما بالعيب .
فلو قبل المشتري نصيب أحدهما بنصف الثمن لم يصح في الأصح كما قاله البغوي وتبعه الشيخان لأن اللفظ يقتضي جوابهما جميعا وإن صحح السبكي تبعا للمتولي الصحة .
وكذا بتعدد المشتري .
كبعتكما هذا بكذا " في الأظهر " قياسا على البائع .
والثاني لا لأن المشتري يبني على الإيجاب السابق .
ولو قبل أحدهما نصفه بنصف الثمن لم يصح إن قلنا بالاتحاد وكذا إن قلنا بالعدد على الأصح وإن صحح السبكي الصحة كما مر .
ومحل ما ذكره المصنف في غير العريا والشفعة أو فيهما فتتعدد بتعدد المشتري قطعا وكذا بتعدد البائع في الأظهر عكس ما هنا .
ولو وكلاه أو وكلهما فالأصح اعتبار الوكيل .
لأنه العاقد وأحكام العقد من الخيار وغيره تتعلق به .
والثاني اعتبار الموكل لأن الملك له .
وهذا هو الأصح في أكثر نسخ المحرر فأصلحه في المنهاج واعتذر عنه في الدقائق .
ولم يتقدم في كلام المصنف ما يعود عليه الضمير المذكور ومعناه لو وكل اثنان واحدا أو وكل الواحد اثنين .
ومحل ما قاله في غير الرهن والشفعة أما فيهما فالأصح ( 2 / 43 ) اعتبار الموكل لا الوكيل اعتبارا باتحاد الدين والملك وعدمه فلو وكل اثنان واحدا في رهن عبدهما عند زيد بما له عليهما من الدين ثم قضى أحدهما دينه انفك نصيبه .
خاتمة : .
قال في الإحياء يحرم أخذ المال من السلطان إذا كان أكثر ما في بيت المال حراما كما هو الغالب .
قال المصنف وهذا شاذ ليس مذهبا بل المذهب الكراهة اه .
أي بل الممنوع أن يتحقق أن ما أخذه من الحرام كما مرت الإشارة إليه ومن ذلك مبايعة من في يده الحلال والحرام كالظلمة والمكاسين والمنجمين والذي يضرب بالنفير والحصى والرمل فكل ما يأخذه هؤلاء بهذا الفعل حرام .
ولو نهب متاع مخصوص ووجد من ذلك شيئا يباع واحتمل أن يكون من المنهوب فالورع تركه .
والورع لمن اشترى شيئا للأكل أو غيره أن يشتريه بثمن في ذمته فإنه يملكه قطعا بخلاف ما اشتراه بالعين فإنه لا يقطع بأنه ملكه .
وقد يقال في الأول يحتمل أن لا يكون ملكا للبائع فلا يملكه المشتري إلا أن يتحقق ملك البائع له بنحو اصطياد