وهو كما قال الأزهري الدخول في حج أو عمرة أو فيهما أو فيما يصلح لهما ولأحدهما وهو المطلق ويطلق أيضا على نية الدخول فيما ذكر ومنه قول المصنف بعد هذا أركان الحج خمسة الإحرام فالمراد هنا هو القسم الأول وهو الدخول فيما ذكر أي بالنية .
وكان الشيخ عز الدين يستشكل حقيقة الإحرام فإن قيل له إنه النية اعترض بأنها شرط فيه وشرط الشيء غيره .
وقال القرافي أقمت عشر سنين لا أعرف حقيقة الإحرام وسمي بذلك إما لاقتضائه دخول الحرم من قولهم أحرم إذا دخل الحرم كأنجد إذا دخل نجدا أو لاقتضائه تحريم الأنواع الآتية . " .
ينعقد " الإحرام " معينا بأن ينوي حجا أو عمرة أو كليهما " بالإجماع ولما روى مسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت خرجنا مع رسول الله A فقال من أراد أن يهل بحج وعمرة فليفعل ومن أراد أن يهل بحج فليفعل ومن أراد أن يهل بعمرة فليفعل .
ولو نوى حجتين أو نصف حجة انعقد حجة أو عمرتين أو نصف عمرة انعقد عمرة قياسا على الطلاق في مسألتي النصف والفاء للإضافة إلى ثنتين في مسألتي الحجتين والعمرتين لتعذر الجمع بينهما بإحرام واحد فصح في واحدة كما لو نوى بتيمم فريضتين لا يستبيح به إلا واحدة كما مر في بابه .
وفارق عدم الانعقاد في نظيرهما من الصلاة بأن الإحرام يحافظ عليه ما أمكن ولهذا لو أحرم بالحج في غير أشهره انعقد عمرة كما مر . " .
و " ينعقد أيضا " مطلقا " وذلك " بأن لا يزيد على نفس الإحرام " بأن ينوي الدخول في النسك الصالح للأنواع الثلاثة أو يقتصر على قوله أحرمت .
وروى الشافعي رضي الله تعالى عنه أنه A خرج هو وأصحابه مهلين ينتظرون القضاء أي نزول ( 1 / 477 ) الوحي فأمر من لا هدي معه أن يجعل إحرامه عمرة ومن معه هدي أن يجعله حجا .
ويفارق في الصلاة حيث لا يجوز الإحرام بها مطلقا بأن التعيين ليس شرطا في انعقاد النسك ولهذا لو أحرم بنسك نفل وعليه نسك فرض انصرف إلى الفرض ولو قيد الإحرام بزمن كيوم أو يومين أو أكثر انعقد مطلقا كما في الطلاق وهذا هو المعتمد وإن قال في المجموع ينبغي في هذا وفي مسألتي النصف عدم الانعقاد لأنه من باب العبادات والنية الجازمة شرط فيها بخلاف الطلاق فإنه مبني على الغلبة والسراية ويقبل الأخطار ويدخله التعليق . " .
والتعيين أفضل " من الإطلاق وحكى هذا عن نص الأم ليعرف ما يدخل عليه قالوا ولأنه أقرب إلى الخلاص . " .
وفي قول الإطلاق " أفضل من التعيين وحكى هذا عن نص الإملاء لأنه ربما حصل له عارض من مرض أو غيره فلا يتمكن من صرفه إلى ما لا يخاف فوته . " .
فإن أحرم " إحراما " مطلقا في أشهر الحج صرفه بالنية " لا باللفظ فقط " إلى ما شاء من النسكين أو إليهما " معا إن صلح الوقت لهما " ثم اشتغل " بعد الصرف " بالأعمال " فلا يجزىء العمل قبله كما أشعر به التعبير ب ثم لكن لو طاف ثم صرفه للحج وقع طوافه عن القدوم وإن كان من سنن الحج ولو سعى بعده احتمل الإجزاء لوقوعه تبعا واحتمل خلافه وهو الأوجه لأنه ركن فيحتاط له وإن وقع تبعا فإن لم يصلح بأن فات وقت الحج صرفه للعمرة كما قاله الروياني .
وعن القاضي حسين يحتمل أن يتعين عمرة كما لو أحرم قبل أشهر الحج ويحتمل أنه يبقى على ما كان وعليه التعيين فإن عين عمرة مضى فيها أو حجا كان كمن فاته الحج والأول أوجه .
ولو ضاق الوقت فالمتجه كما قال الإسنوي وهو مقتضى كلام الأصحاب أن له صرفه إلى ما شاء ويكون عند صرفه إلى الحج كمن أحرم بالحج في تلك الحالة .
قال القاضي ولو أحرم مطلقا ثم أفسده قبل التعيين فأيهما عينه كان مفسدا له . " .
وإن أطلق " الإحرام " في غير أشهره " أي الحج " فالأصح " وعبر في الروضة بالصحيح " انعقاد عمرة فلا يصرفه إلى الحج في أشهره " أي الحج لأن الوقت لا يقبل غير العمرة والثاني ينعقد بهما فله صرفه إلى عمرة .
وبعد دخول أشهر الحج إلى النسكين أو أحدهما فإن صرفه إلى الحج قبل أشهره كان كإحرامه به قبلها فينعقد عمرة على الصحيح . " .
وله " أي لعمرو مثلا " أن يحرم كإحرام زيد " كأن يقول أحرمت بما أحرم به زيد أو كإحرامه ولأن أبا موسى رضي الله تعالى عنه أهل بإهلال كإهلال رسول الله A فلما أخبره قال له أحسنت طف بالبيت وبالصفا والمروة وأحل وكذا فعل علي رضي الله تعالى عنه وكلاهما في الصحيحين . " .
فإن لم يكن زيد محرما " أو كان كافرا بأن أتى بصورة الإحرام أو محرما إحراما فاسدا " انعقد إحرامه مطلقا " لأنه قصد الإحرام بصفة خاصة فإذا بطلت بقي أصل الإحرام ولغت إضافته لزيد . " .
وقيل إن علم عدم إحرام زيد لم ينعقد " إحرامه كما لو علق فقال إن كان محرما فقد أحرمت فلم يكن محرما .
وفرق الأصح بأن في المقيس عليه تعليق أصل الإحرام فليس جازما به بخلاف المقيس فإنه جازم بالإحرام فيه . " .
وإن كان زيد محرما " بإحرام صحيح " انعقد إحرامه كإحرامه " من تعيين أو إطلاق ويتخير في المطلق كما يتخير زيد ولا يلزمه صرفه إلى ما يصرفه زيد .
ولو عين زيد قبل إحرامه عمرو حجا انعقد إحرام عمرو مطلقا وكذا لو أحرم زيد بعمرة ثم أدخل عليها الحج فينعقد لعمرو عمرة لا قرانا ولا يلزمه إدخال الحج على العمرة إلا أن يقصد به التشبيه في الحال في الصورتين فيكون في الأولى حاجا وفي الثانية قارنا .
ولو أحرم قبل صرفه في الأولى وقبل إدخال الحج في الثانية وقصد التشبيه به في حال تلبسه بإحرامه الحاضر والآتي ففي الروضة عن البغوي ما يقتضي أنه يصح وهو المعتمد .
قال الأذرعي وفيه نظر لأنه في معنى التعليق بمستقبل إلا أن يقال أنه جازم في الحال .
ويغتفر ذلك في الكيفية دون ( 1 / 478 ) الأصل فصورة المسألة فيما إذا لم يخطر له التشبيه بإحرام زيد في الحال ولا في أوله .
فإن خطر له التشبيه بأوله أو بالحال فالاعتبار بما خطر له قطعا ولو أخبره زيد بما أحرم ووقع في نفسه خلافه عمل بما أخبره على الأصح في زيادة الروضة لأنه لا يعلم إلا من جهته .
ولو علق إحرامه على إحرام زيد في المستقبل كأن قال إذا أو نحوها ك متى أو إن أحرم زيد فأنا محرم لم ينعقد إحرامه مطلقا كما لو قال إذا جاء رأس الشهر فأنا محرم لا يصح إحرامه مطلقا لأن العبادة لا تعلق بالأخطار أو قال إن كان زيد محرما فأنا محرم وكان زيد محرما انعقد إحرامه وإلا فلا تبعا له .
قال الرافعي ويجوز أن يصح في الأولى كهذه إلا أن تلك تعليق بمستقبل وهذه تعليق بحاضر وما يقبل التعليق من العقود يقبلها جميعا .
وأجيب بأن المعلق بحاضر أقل غررا لوجوده في الواقع فكان قريبا من أحرمت كإحرام زيد في الجملة بخلاف المعلق بمستقبل . " .
فإن تعذر معرفة إحرامه " وعبر في الحاوي الصغير ب تعسر ولعل مراده التعذر وسواء علم أنه أحرم أم جهل حاله " بموته " أو جنونه أو غير ذلك كغيبة بعيدة " جعل " عمرو " نفسه قارنا " بأن ينوي القران ولم يجتهد وكذا إن نسي المحرم ما أحرم به لأن كل منهما تلبس بالإحرام يقينا فلا يتحلل إلا بيقين الإتيان بالمشروع فيه كما لو شك في عدد الركعات لا يجتهد .
والفرق بينه وبين الأواني والقبلة أن أداء العبادة ثم لا يحصل بيقين إلا بعد فعل محظور وهو أن يصلي لغير القبلة أو يستعمل نجسا فلذلك جاز التحري وهنا يحصل الأداء بيقين من غير فعل محظور . " .
وعمل أعمال النسكين " ليتحقق الخروج عما شرع فيه فتبرأ ذمته من الحج بعد إتيانه بأعماله لأنه إما محرم به أو مدخل له على العمرة ولا تبرأ ذمته من العمرة لاحتمال أنه أحرم بالحج ويمتنع إدخالها عليه ولا دم عليه إذ الحاصل له الحج فقط واحتمال حصول العمرة لا يوجبه إذ لا وجوب بالشك ولكن يستحب له ذلك .
ولو اقتصر على نية الحج وأتى بأعماله أجزأه عن الحج فقط ولا دم عليه أيضا فالواجب لتحصيل الحج نيته أو نية القران وهي أولى لتحصل البراءة من العمرة أيضا على وجه .
أو اقتصر على أعمال الحج من غير نية حصل التحلل الأول لا البراءة من شيء منهما لشكه فيما أتى به أو اقتصر على عمل العمرة لم يحصل التحلل أيضا وإن نواها لاحتمال أنه أحرم بحج ولم يتم أعماله مع أن وقته باق .
ولو أحرم كإحرام زيد وبكر صار مثلهما في إحرامهما إن اتفقا فيما أحرما به وإلا صار قارنا فيأتي بما يأتيان به .
نعم إن كان إحرامهما فاسدا انعقد إحرامه مطلقا كما علم مما مر أو أحرم أحدهما فقط فالقياس كما قال شيخنا إن إحرامه ينعقد صحيحا في الصحيح ومطلقا في الفاسد . "