زمانا ومكانا جمع ميقات والميقات في اللغة الحد والمراد به ههنا زمان العبادة ومكانها .
وقد بدأ بالزمان فقال " وقت إحرام الحج " لمكي أو غيره " شوال وذو القعدة " بفتح القاف أفصح من كسرها وجمعه ذوات القعدة وسمي بذلك لقعودهم عن القتال فيه . " .
وعشر ليال " بالأيام بينها وهي تسعة " من ذي الحجة " بكسر الحاء أفصح من فتحها وجمعه ذوات الحجة سمي بذلك لوقوع الحج فيه .
وقد فسر ابن عباس وغيره من الصحابة رضي الله تعالى عنهم قوله تعالى " الحج أشهر معلومات " بذلك أي وقت الإحرام به أشهر معلومات إذ فعله لا يحتاج إلى أشهر .
وأطلق الأشهر على شهرين وبعض شهر تنزيلا للبعض منزلة الكل أو إطلاقا للجمع على ما فوق الواحد كما في قوله تعالى " أولئك مبرءون مما يقولون " أي عائشة وصفوان . " .
وفي ليلة النحر " وهي العاشرة " وجه " أنها ليست من وقته لأن الليالي تبع للأيام ويوم النحر لا يصح فيه الإحرام فكذا ليلته .
وظاهر كلامه أنه لا يصح إحرامه بالحج إذا ضاق زمن الوقوف عن إدراكه وبه صرح الروياني قال وهذا بخلاف نظيره في الجمعة لبقاء الحج حجا بفوات الوقوف بخلاف الجمعة . " .
فلو أحرم به " أي الحج حلال " في غير وقته " كأن أحرم به في رمضان أو أحرم مطلقا " انعقد " إحرامه بذلك " عمرة " مجزئة عن عمرة الإسلام " على الصحيح " وعبر في الروضة بالمذهب سواء أكان عالما أم جاهلا لأن الإحرام شديد التعلق واللزوم فإذا لم يقبل الوقت ما أحرم به انصرف إلى ما يقبله وهو العمرة ولأنه إذا بطل قصد الحج فيما إذا نواه بقي مطلق الإحرام والعمرة تنعقد بمجرد الإحرام كما مر والثاني لا ينعقد عمرة بل يتحلل بعمل عمرة ولا يكون ذلك مجزئا عن عمرة الإسلام كما لو فاته الحج وتحلل بعمل عمرة لأن كل واحد من الزمانين ليس وقتا للحج وخرج بحلال ما لو كان محرما بعمرة ثم أحرم بحج في غير أشهره فإن إحرامه لم ينعقد حجا لكونه في غير أشهره ولا عمرة لأن العمرة لا تدخل على العمرة كما ذكره القاضي أبو الطيب .
وإنما عبر المصنف بالصحيح دون المذهب مع أن المسألة ذات طرق إشارة إلى ضعف الخلاف .
تنبيه .
لو أحرم قبل أشهر الحج ثم شك هل أحرم بحج أو عمرة فهو عمرة أو أحرم بحج ثم شك هل كان إحرامه في أشهره أو قبلها قال الصيمري كان حجا لأنه تيقن إحرامه الآن وشك في تقدمه قاله في المجموع .
والميقات الزماني للعمرة جميع السنة كما قال " وجميع السنة وقت لإحرام العمرة " وجميع أفعالها ففي الصحيحين أنه A اعتمر ثلاث مرات متفرقات في ذي القعدة أي في ثلاثة أعوام أو أنه اعتمر عمرة في رجب كما رواه ابن عمر وإن أنكرته ( 1 / 472 ) عليه عائشة وأنه قال عمرة في رمضان تعدل حجة وفي رواية لها حجة معي .
وروي أنه اعتمر في رمضان وفي شوال فدلت السنة على عدم التأقيت .
وقد يمتنع الإحرام بها في أوقات منها ما لو كان محرما بعمرة كما تقدم ومنها ما لو كان محرما بحج فإن العمرة لا تدخل على الحج ومنها ما إذا أحرم بها قبل نفره لاشتغاله بالرمي والمبيت فهو عاجز عن التشاغل بعملها .
قال الجويني وليس لنا مسلم مكلف حلال ولا ينعقد إحرامه بالعمرة إلا هذا واعترضه المصنف بأنه لو أحرم بها وهو مجامع لا تنعقد على الصحيح .
ويؤخذ من هذا امتناع حجتين في عام واحد وهو إجماع كما نقله القاضي أبو الطيب .
وقد يؤخذ منه أيضا صحة إحرامه بالعمرة إذا قصد ترك الرمي والمبيت وليس كذلك .
أما إحرامه بها بعد نفره فصحيح وإن كان وقت الرمي بعد النفر الأول باقيا لأن بالنفر خرج من الحج وصار كما لو مضى وقت الرمي نقله القاضي أبو الطيب عن نص الأم وقال في المجموع لا خلاف فيه .
ويسن الإكثار منها ولو في العام الواحد فلا تكره في وقت ولا يكره تكرارها فقد أعمر A عائشة في عام مرتين واعتمرت في عام مرتين بعد وفاته وفي رواية ثلاث عمر .
قال في الكفاية وفعلها في يوم عرفة ويوم النحر ليس بفاضل كفضله في غيرهما لأن الأفضل فعل الحج فيهما .
وحكى الطبري ثلاثة أوجه في الطواف والاعتمار أيهما أفضل ثالثها إن استغرق زمن الاعتمار بالطواف فالطواف أفضل وإلا فالاعتمار .
ثم شرع في المكاني فقال " والميقات المكاني للحج " ولو بقران " في حق من بمكة " من أهلها وغيرهم " نفس مكة " للخبر الآتي . " .
وقيل كل الحرم " لأن مكة وسائر الحرم في الحرمة سواء فلو أحرم بعد فراقه بنيان مكة ولم يرجع إلى مكة إلا بعد الوقوف كان مسيئا على الوجه الأول دون الثاني . " .
وأما غيره " وهو من لم يكن بمكة إذا أراد الحج أخذا مما يأتي . " .
فميقات المتوجه من المدينة ذو الحليفة " تصغير الحلفة بفتح المهملة واحد الحلفاء مثل قصبة وقصباء وهو النبات المعروف .
قال الشيخان وهو على نحو عشر مراحل من مكة فهي أبعد المواقيت من مكة .
وقال الغزالي وهو على ستة أميال من المدينة وصححه في المجموع وغيره .
وقيل سبعة .
قال في المهمات والصواب المعروف المشاهد أنها على ثلاثة أميال أو تزيد قليلا وهو المعروف الآن بأبيار علي رضي الله تعالى عنه .
والأفضل كما قال السبكي لمن هذا ميقاته أن يحرم من المسجد الذي أحرم منه A . " .
و " المتوجه " من الشام " بالهمز والقصر ويجوز ترك الهمز والمد مع فتح الشين ضعيف وأوله كما في صحيح ابن حبان نابلس وآخره العريش .
وقال غيره وحده طولا من العريش إلى الفرات وعرضا من جبل طيء من نحو القبلة إلى بحر الروم وما سامت ذلك من البلاد وهو مذكر على المشهور . " .
و " من " مصر " وهي المدينة المعروفة تذكر وتؤنث وتصرف ولا تصرف وهو الفصيح وحدها طولا من برقة التي في جنوب البحر الرومي إلى أيلة ومسافة ذلك قريب من أربعين يوما وعرضه من مدينة أسوان وما سامتها من الصعيد الأعلى إلى رشيد وما حاذاها من مساقط النيل في البحر الرومي ومسافة ذلك قريب من ثلاثين يوما .
سميت باسم من سكنها أولا وهو مصر بن قيصر بن سام بن نوح .
ولو مات المطيع أو رجع عن الطاعة أو مات المطاع فإن كان بعد إمكان الحج استقر الوجوب في ذمة المطاع وإلا فلا ولو كان له مال أو مطيع ولم يعلم بالمال ولا بطاعة المطيع ثم علم بذلك وجب عليه الحج اعتبارا بما نفس الأمر . " .
و " من " المغرب الجحفة " وهي قرية كبيرة بين مكة والمدينة .
قال في المجموع على نحو ثلاث مراحل من مكة .
وقال الرافعي على خمسين فرسخا من مكة .
وبينهما تفاوت بعيد والمعروف المشاهد ما قاله الرافعي .
سميت بذلك لأن السيل نزل عليها فأجحفها وهي الآن خراب ويقال لها مهيعة بوزن مرتبة ومهيعة بوزن معيشة . " .
ومن تهامة اليمن " بكسر التاء اسم لكل من نزل عن نجد من بلاد الحجاز واليمن إقليم معروف . " .
يلملم " ويقال له ألملم وهو أصله قلبت الهمزة ياء ويرمرم براءين وهو موضع على مرحلتين من مكة . " .
ومن نجد اليمن ونجد الحجاز قرن " بسكون الراء ويقال له قرن المنازل وقرن الثعالب وهو جبل على مرحلتين من مكة ووهم الجوهري في تحريك الراء وفي قوله إن أويسا القرني منسوب إليه وإنما هو ( 1 / 473 ) منسوب إلى قرن قبيلة من مراد كما ثبت في مسلم .
ونجد في الأصل المكان المرتفع ويسمى المنخفض غورا وإذا أطلق نجد فالمراد نجد الحجاز . " .
ومن المشرق " العراق وغيره " ذات عرق " وهي قرية على مرحلتين من مكة وقد خربت والعقيق وهو واد فوق ذات عرق لأهل العراق وخراسان أفضل من ذات عرق لأنه أحوط ولما روى ابن هشام أنه A وقت لأهل المشرق العقيق رواه الترمذي وحسنه لكن رده في المجموع ففيه ضعف ولهذا لم يجب العمل به لكن يستحب لاحتمال صحته .
والأصل في المواقيت خبر الصحيحين أنه A وقت لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرن المنازل ولأهل اليمن يلملم وقال هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة وخبر الشافعي رضي الله تعالى عنه أنه A وقت لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام ومصر والمغرب الجحفة وخبر النسائي وغيره بإسناد صحيح كما في المجموع أنه A وقت لأهل الشام ومصر الجحفة ولأهل العراق ذات عرق .
وقيل إن ذات عرق إنما كان باجتهاد عمر رضي الله تعالى عنه والذي في الشرح والروضة عن ميل الأكثرين أنه بالنص وقال في المجموع إنه الصحيح عند جمهور الأصحاب .
والذي في شرح المسند للرافعي مذهب الشافعي أنه باجتهاد عمر ولم يذكر غيره وقال المصنف في شرح مسلم إنه الصحيح وهو ما نص عليه في الأم .
والراجح الأول لصحة الحديث المتقدم .
ويستثنى من إطلاق المصنف الأجير فإن عليه أن يحرم من ميقات الميت أو المستأجر الذي يحج عنه فإن مر بغير ذلك الميقات أحرم من موضع بإزائه إذا كان أبعد من ذلك الميقات من مكة .
حكاه في الكفاية عن الفوراني وأقره " .
فائدة : .
قال بعضهم سألت أحمد بن حنبل في أي سنة أقت النبي A مواقيت الإحرام قال عام حج . " .
والأفضل أن يحرم من أول الميقات " وهو الطرف الأبعد من مكة فهو أفضل من الإحرام من وسطه ومن آخره ليقطع الباقي محرما نعم يستثنى ذو الحليفة كما مر .
قال الأذرعي وهذا حق إن علم أن ذلك المسجد هو المسجد الموجود آثاره والظاهر أنه هو ا . ه " " .
ويجوز من آخره " لوقوع الاسم عليه والعبرة بالبقعة لا بما بني ولو قريبا منها . " .
ومن سلك طريقا " في بر أو بحر " لا ينتهي إلى ميقات " مما ذكر " فإن حاذى " بذال معجمة أي سامت " ميقاتا " منها بمفرده يمنة أو يسرة لا من ظهره أو وجهه لأن الأول وراءه والثاني أمامه . " .
أحرم من محاذاته " لخبر البخاري عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن أهل العراق أتوا عمر فقالوا يا أمير المؤمنين إن رسول الله A حد لأهل نجد قرنا وهو جور أي مائل عن طريقنا وإن أردنا قرنا شق علينا قال فانظروا حذوها من طريقكم فحد لهم عمر ذات عرق ولم ينكر عليه أحد فإن اشتبه عليه موضع المحاذاة اجتهد .
ويسن له أن يستظهر خلافا للقاضي أبي الطيب حيث أوجبه . " .
أو " حاذى " ميقاتين " طريقه بينهما أو كانا معا في جهة واحدة " فالأصح أنه يحرم من محاذاة " أقربهما إليه وإن كان الآخر أبعد إلى مكة إذ لو كان أمامه ميقات فإنه ميقاته وإن حاذى ميقاتا أبعد فكذا ما هو بقربه فإن استويا في القرب إليه أحرم من محاذاة " أبعدهما " من مكة وإن حاذى الأقرب إليها أو لا كأن كان الأبعد منحرفا أو وعرا فإن قيل فإذا استويا في القرب إليه فكلاهما ميقات .
أجيب بأن ميقاته الأبعد إلى مكة وتظهر فائدته فيما لو جاوزهما مريدا للنسك ولم يعرف موضع المحاذاة ثم رجع إلى الأبعد أو إلى مثل مسافته سقط عنه الدم لا إن رجع إلى الآخر فإن استويا في القرب إليها وإليه أحرم من محاذاتهما إن لم يحاذ أحدهما قبل الآخر وإلا فمن محاذاة الأول ولا ينتظر محاذاة الآخر كما أنه ليس للمار على ذي الحليفة أن يؤخر إحرامه إلى الجحفة .
ومقابل الأصح في كلام المصنف أنه يخير إن شاء أحرم من الموضع المحاذي لأبعدهما وإن شاء لأقربهما .
قال الماوردي وهو الصحيح وقول الجمهور لأنه لم يمر على ميقات منصوص عليه فتركه وقد أحرم محاذيا الميقات . " .
وإن لم يحاذ " ميقاتا ( 1 / 474 ) مما سبق " أحرم على مرحلتين من مكة " إذ لا ميقات أقل مسافة من هذا القدر .
والمراد تقدم المحاذاة في علمه لا في نفس الأمر كما قاله شارح التعجيز لأن المواقيت تعم جهات مكة فلا بد أن يحاذي أحدها . " .
ومن مسكنه بين مكة والميقات فميقاته " للنسك " مسكنه " قرية كانت أو حلة أو منزلا منفردا فلا يجاوزه حتى يحرم ولا يلزمه الرجوع إلى الميقات لقوله A في الخبر السابق فمن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ . " .
ومن بلغ " يعني جاوز " ميقاتا " من المواقيت المنصوص عليها أو موضعا جعلناه ميقاتا وإن لم يكن ميقاتا أصليا " غير مريد نسكا ثم أراده فميقاته موضعه " ولا يكلف العود إلى الميقات للخبر السابق . " .
ومن بلغه " أي وصل إليه " مريدا " نسكا " لم تجز مجاوزته " إلى جهة الحرم " بغير إحرام " بالإجماع ويجوز إلى جهة اليمنة أو اليسرة ويحرم من مثل ميقات بلده أو أبعد كما ذكره الماوردي . " .
فإن " خالف " وفعل " ما منع منه بأن جاوزه إلى جهة الحرم " لزمه العود ليحرم منه " لأن الإحرام منه كان واجبا عليه فتركه وقد أمكنه تداركه فيأتي به .
تنبيه .
قوله ليحرم منه يقتضي تعيينه حتى لا يقوم غيره مقامه وليس مرادا بل لو عاد إلى مثل مسافته من ميقات آخر جاز قاله الماوردي وغيره .
ويؤيده أن المفسد لما أوجبوا عليه القضاء من الميقات الذي أحرم منه في الأداء قالوا إنه يجوز له تركه والإحرام من مثل مسافته من موضع آخر حتى ادعى في زيادة الروضة عدم الخلاف فيه .
ويقتضي أيضا وجوب تأخير الإحرام إلى العود وليس مرادا أيضا لأنا إذا قلنا إن العود بعد الإحرام مسقط للدم وهو الصحيح كما سيأتي كان له أن يحرم ثم يعود إلى الميقات محرما لأن المقصود قطع المسافة محرما كالمكي إذا أراد الاعتمار فإنه يجوز له أن يحرم من مكة ثم يخرج إلى الحل على الصحيح .
ويقتضي أيضا عدم وجوب العود إذا أحرم فإنه جعل العلة في عوده إنشاء الإحرام وقد زال ذلك وليس مرادا أيضا بل يجب عليه العود ولو بعد الإحرام .
ولا فرق فيما قال المصنف بين أن يكون قد جاوز عامدا أو ساهيا عالما أو جاهلا لأن المأمورات لا يفترق الحال فيها بين العمد وغيره كنية الصلاة لكن لا إثم على الناسي والجاهل .
وصورة السهو لا تدخل في عبارته لأن الساهي عن الإحرام يستحيل أن يكون في تلك الحالة مريدا للنسك .
وربما يتصور بمن أنشأ سفره من بلده قاصدا له وقصده مستمر فسها عنه حين المجاوزة .
ثم استثنى من لزوم العود قوله " إلا إذا ضاق الوقت " عن العود إلى الميقات " أو كان الطريق مخوفا " أو كان معذورا لمرض شاق أو خاف الانقطاع عن رفقة فلا يلزمه العود في هذه الصورة بل يريق دما .
تنبيه .
لو عبر بقوله إلا لعذر كضيق الوقت وخوف الطريق لكان أخصر وأشمل والظاهر كما قال الأذرعي تحريم العود لو علم أنه لو عاد لفات الحج .
وقضية كلامهم أنه يلزمه العود إذا كان ماشيا ولم يتضرر بالمشي .
قال الإسنوي وفيه نظر ويتجه أن يقال إن كان على دون مسافة القصر لزمه وإلا فلا كما قلنا في الحج ماشيا ا . ه " .
قال ابن العماد والمتجه لزوم العود مطلقا لأنه قضاء لما تعدى فيه فأشبه وجوب قضاء الحج الفاسد وإن بعدت المسافة ا . ه " .
هذا ظاهر إن كان قد تعدى بمجاوزة الميقات كما يؤخذ من تعليله وإلا فالمتجه كلام الإسنوي . " .
فإن لم يعد " لعذر أو غيره " لزمه دم " بتركه الإحرام من الميقات .
قال ابن عباس من نسي من نسكه شيئا أو تركه فليهرق دما رواه مالك وغيره بإسناد صحيح .
وشرط لزومه أن يحرم بعمرة مطلقا أو بحج في تلك السنة بخلاف ما إذا لم يحرم أصلا لأن لزومه إنما هو لنقصان النسك لا بدل له وبخلاف ما إذا أحرم بالحج في سنة أخرى لأن إحرام هذه السنة لا يصلح لإحرام غيرها .
وقضية كلامه كأصله أن الكافر إذا جاوز الميقات مريدا للنسك ثم أسلم وأحرم دونه يكون كالمسلم وهو كذلك خلافا للمزني ( 1 / 475 ) .
تنبيه .
يستنثى من كلامه ما لو مر الصبي أو العبد بالميقات غير محرم مريدا للنسك ثم بلغ أو عتق قبل الوقوف فلا دم عليه على الصحيح قاله ابن شهبة في العبد وابن قاسم فيهما في شرحيهما على الكتاب . " .
وإن أحرم " من جاوز الميقات بغير إحرام " ثم عاد " إليه " فالأصح أنه عاد قبل تلبسه بنسك سقط الدم " عنه لأنه قطع المسافة من الميقات محرما وأدى المناسك كلها بعده فكان كما لو أحرم منه سواء أكان دخل مكة أم لا .
وقيل لا يسقط إذا عاد بعد وصوله إليها .
وقيل إلى مسافة القصر وفي قول لا يسقط مطلقا . " .
وإلا " بأن عاد بعد تلبسه بنسك ولو طواف قدوم " فلا " يسقط عنه الدم لتأدي النسك بإحرام ناقص .
تنبيه .
ظاهر كلامهما يقتضي أن الدم وجب ثم سقط بالعود وهو وجه حكاه الماوردي .
وصحح أنه لم يجب أصلا لأن وجوبه تعلق بفوات العود ولم يفت وهذا هو المعتمد .
وحيث سقط الدم بالعود لم تكن المجاوزة حراما كما جزم به المحاملي و الروياني لكن بشرط أن تكون المجاوزة بنية العود كما قاله المحاملي . " .
والأفضل " لمن فوق الميقات " إن يحرم من دويرة أهله " لأنه أكثر عملا إلا الحائض والنفساء فإن الأفضل لهما أن يحرما من الميقات على النص . " .
وفي قول " الأفضل الإحرام " من الميقات " تأسيا به A . " .
قلت الميقات " أي الإحرام منه إن لم يلتزم بالنذر الإحرام مما قبله " أظهر وهو الموافق للأحاديث الصحيحة والله أعلم " فإنه A أحرم في حجة الوداع منه بالإجماع وكذا في عمرة الحديبية كما رواه البخاري في كتاب المغازي ولأن في مصابرة الإحرام بالتقدم عسرا وتغريرا بالعباد وإن كان جائزا وإنما جاز قبل الميقات المكاني دون الزماني لأن تعلق العبادة بالوقت أشد منه بالمكان ولأن المكاني يختلف باختلاف البلاد بخلاف الزماني .
أما إذا التزم بالنذر الإحرام مما قبله فإنه يلزمه كما قاله في المهذب وجرى عليه المصنف في شرحه .
واستشكل لزومه على المصنف مع تصحيحه أفضلية الإحرام من الميقات وسيأتي نظير ذلك في النذر فيما لو نذر الحج ماشيا ونذكر ما فيه هناك إن شاء الله تعالى .
تنبيه .
يستثنى من محل الخلاف صور منها الحائض والنفساء فالأفضل لهما الميقات كما مر .
ومنها ما لو شك في الميقات لخراب مكانه فالاحتياط أن يستظهر ندبا وقيل وجوبا .
ومنها مسألة النذر المتقدمة . " .
وميقات العمرة " المكاني " لمن هو خارج الحرم ميقات الحج " لقوله A في الحديث المتقدم ممن أراد الحج أو العمرة . " .
ومن " هو " بالحرم " مكي أو غيره " يلزمه الخروج إلى أدنى الحل ولو بخطوة " أو أقل من أي جهة شاء من جهات الحرم لأنه A أرسل عائشة بعد قضاء الحج إلى التنعيم فاعتمرت فلو لم يكن الخروج واجبا لما أمرها به لضيق الوقت برحيل الحاج وسببه أن يجمع في إحرامه بين الحل والحرم .
تنبيه .
لو اقتصر المصنف على قوله إلى أدنى الحل أو زاد بدل ولو بخطوة بقليل كان أولى ليشمل ما قدرته ولمن بمكة القران تغليبا للحج . " .
فإن لم يخرج " إلى أدنى الحل " وأتى بأفعال العمرة " بعد إحرامه بها في الحرم انعقدت عمرته جزما و " أجزأته " هذه العمرة عن عمرته " في الأظهر " لانعقاد إحرامه وإتيانه بعده بالواجبات . " .
و " لكن " عليه دم " لتركه الإحرام من الميقات والثاني لا يجزئه لأن العمرة أحد النسكين فيشترط فيها الجمع بين الحل والحرم كالحج فإنه لا بد فيه من الحل وهو عرفة . " .
فلو خرج " على الأول " إلى " أدنى " الحل بعد إحرامه " وقبل الطواف والسعي ( 1 / 476 ) سقط الدم على المذهب " كما لو جاوز الميقات ثم عاد إليه محرما والطريق الثاني القطع بالسقوط والفرق أن ذلك قد انتهى إلى الميقات على قصد النسك ثم جاوزه فكان مسيئا حقيقة وهذا المعنى لم يوجد ههنا فهو شبيه بمن أحرم قبل الميقات .
والمراد بالسقوط عدم الوجوب كما مر . " .
وأفضل بقاع الحل " لمن يحرم بعمرة " الجعرانة " لإحرامه A منها رواه الشيخان .
وهي بإسكان العين وتخفيف الراء أفصح من كسر العين وتثقيل الراء وإن كان أكثر المحدثين على الثاني ذكره في المجموع .
وهي في طريق الطائف على ستة فراسخ من مكة " .
فائدة : .
قال بعض العلماء أحرم منها ثلثمائة نبي عليهم الصلاة والسلام . " .
ثم التنعيم " لأمره A عائشة بالاعتمار منه وهو الموضع الذي عند المساجد المعروفة بمساجد عائشة بينه وبين مكة فرسخ فهو أقرب أطراف الحل إلى مكة سمي بذلك لأن على يمينه جبلا يقال له نعيم وعلى شماله جبلا يقال له ناعم والوادي نعمان . " .
ثم الحديبية " لأنه A هم بالاعتمار منها فصده الكفار فقد فعله ثم أمره ثم همه كذا قال الغزالي أنه هم بالاعتمار من الحديبية .
قال في المجموع والصواب أنه كان أحرم من ذي الحليفة إلا أنه هم بالدخول إلى مكة من الحديبية كما رواه البخاري .
وهي بتخفيف الياء أفصح من تثقيلها وهي اسم لبئر هناك بين طريق جدة وطريق المدينة بين جبلين على ستة فراسخ من مكة .
فإن قيل لم أمر A عائشة بالإحرام من التنعيم مع أن الجعرانة أفضل أجيب بأن ذلك كان لضيق الوقت أو لبيان الجواز من أدنى الحل .
وقد علم مما تقدم أن التفضيل ليس لبعد المسافة .
خاتمة يسن لمن أحرم من بلده أو من مكة أن يخرج عقب إحرامه ولا يمكث بعده نقله الشيخ أبو حامد عن النص .
ويسن لمن لم يحرم من أحد هذه الثلاثة أن يجعل بينه وبين الحرم بطن واد ثم يحرم كما في التتمة وغيرها وحكاه في الإنابة عن الشافعي رضي الله تعالى عنه