" " .
إذا نذر مدة متتابعة " كقوله لله علي اعتكاف عشرة أيام متتابعة " لزمه " التتابع فيها إن صرح به لفظا لأنه وصف مقصود لما فيه من المبادرة إلى الباقي عقب الإتيان ببعضه .
ولا يلزمه في هذه الأيام اعتكاف الليالي المتخللة بينها إلا أن ينويها فتلزمه لأنها لا تدخل في مسمى الأيام ولو نذر بلفظه التفريق لم يلزمه وجاز له التتابع على الأصح .
فإن قيل إذا نذر في الصوم التتابع أو التفريق لزمه فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن الصوم يجب فيه التفريق في حالة وهي صوم التمتع فكان مطلوبا فيه التفريق بخلاف الاعتكاف لم يطلب فيه ( 1 / 456 ) التفريق أصلا وقول الغزالي إنه لو نوى أياما معينة كسبعة أيام متفرقة أولها غدا أنه يتعين التفريق إنما يأتي على طريقته من أن النية تؤثر كاللفظ وسيأتي أنها لا تؤثر على الأصح . " .
والصحيح " وعبر في الروضة بالمذهب " أنه لا يجب التتابع بلا شرط " لكن يسن لأن لفظ الأسبوع مثلا يصدق على المتتابع والمتفرق فلا يجب أحدهما بخصوصه إلا بدليل والثاني يجب كما لو حلف لا يكلم فلانا شهرا فإنه يكون متتابعا وفرق الأول بأن المقصود من اليمين الهجران ولا يتحقق بدون التتابع وقضية كلامه أنه إذا لم يشترط التتابع لا يجب وإن نواه وهو الأصح كما قالاه تبعا للبغوي كأصل النذر وإن اختار السبكي اللزوم وصوبه الإسنوي .
فإن قيل إنه إذا نوى اعتكاف الليالي المتخللة في هذه الأيام أنها تلزمه كما مر مع أن فيه وقتا زائدا فوجوب التتابع أولى لأنه مجرد وصف .
أجيب بأن التتابع ليس من جنس الزمن المذكور بخلاف الليالي بالنسبة للأيام ولا يلزم من إيجاب الجنس بنية التتابع إيجاب غيره بها وحكم الأيام مع نذر الليالي كحكم الليالي مع نذر الأيام فيما مر . " .
و " الصحيح وعبر في الروضة بالأصح " أنه لو نذر يوما لم يجز تفريق ساعاته " من أيام لأن المفهوم من لفظ اليوم أن يكون متصلا .
قال الخليل اليوم اسم لما بين طلوع الفجر وغروب الشمس .
والثاني يجوز تنزيلا للساعات من اليوم منزلة الأيام من الشهر .
ومحل الخلاف ما لم يعين يوما فإن عينه لم يجز التفريق قطعا .
ولو دخل المسجد في أثناء النهار وقت الظهر مثلا وخرج بعد الغروب ثم عاد قبل الفجر ومكث إلى مثل ذلك الوقت فعلى الخلاف فإن لم يخرج بالليل أجزأه عند الأكثرين لحصول التتابع بالبيتوتة في المسجد .
وهذا هو المعتمد وإن قال أبو إسحاق إنه لا يجزىء وقال الشيخان إنه الأوجه لأنه لم يأت بيوم متواصل الساعات والليلة ليست من اليوم .
ولو نذر يوما أوله من أثناء يوم أوله وقت الظهر مثلا امتنع عليه الخروج ليلا باتفاق الأصحاب .
واستشكلا منع خروجه ليلا بأن الليلة لم يلتزمها قالا والقياس أن يجعل فائدة تقييده في هذه القطع بجواز التفريق لا غير . " .
و " الصحيح وعبر في الروضة بالأصح " إنه لو عين مدة كأسبوع " عينه " وتعرض للتتابع " فيها لفظا " وفاتته لزمه التتابع في القضاء " به لالتزامه إياه والثاني لا يلزمه لأن التتابع يقع ضرورة فلا أثر لتصريحه به .
ولو لم يعين الأسبوع لم يتصور فيه فوات لأنه على التراخي . " .
وإن لم يتعرض له " أي التتابع " لم يلزمه في القضاء " جزما لأن التتابع فيه لم يقع مقصودا بل من ضرورة تعين الوقت فأشبه التتابع في شهر رمضان .
ولو نذر اعتكاف شهر مثلا دخلت لياليه لأنه عبارة عن الجميع إلا أن يستثنيها لفظا أما لو استثناها بقلبه فإنه لم يؤثر كما لا يلزمه الاعتكاف بنيته .
فإن قيل إنه إذا نوى دخولها بقلبه أنه يؤثر كما مر .
أجيب بأن في ذلك احتياطا للعبادة في الموضعين وبأن الغرض من النية هناك ما قد يراد من اللفظ وهذا إخراج ما شمله اللفظ .
ولو نذر اعتكاف يوم معين ففاته فقضاه ليلا أجزأه بخلاف اليوم المطلق لقدرته على الوفاء بنذره بصفته الملتزمة بخلافه في المعين كنظيره في الصلاة في القسمين حكاه في المجموع عن المتولي وأقره .
ولو نذر اعتكاف يوم قدوم زيد فقدم ليلا فلا شيء عليه لعدم وجود الصفة وقياس نظيره في الصوم ندب اعتكاف يوم شكرا لله كما قاله شيخنا .
فإن قدم نهارا أجزأه البقية منه ولا يلزمه قضاء ما مضى منه لأن الوجوب إنما ثبت من حين القدوم لصحة الاعتكاف في بعض اليوم بخلاف الصوم لكن الأفضل أن يقضي يوما كاملا كما نقله في المجموع عن المزني وهذا هو المعتمد كما جزم به ابن المقري وإن صحح في المجموع في موضع آخر لزوم قضائه وهو مقتضى كلام أصلي الروضة في باب النذر .
ومحل ذلك إذا قدم حيا مختارا فلو قدم به ميتا أو قدم مكرها فلا شيء عليه كما قاله الصيمري .
فإن قيل إذا قدم مكرها فقد حصل المقصود للناذر لأنه جعل اعتكافه شكرا لله على حضور غائبه عنده وقد وجد .
أجيب بأنه علق الحكم بالقدوم وقدوم المكره غير معتبر شرعا ولو قال لله علي أن أعتكف العشر الأخير دخلت لياليه حتى الليلة الأولى ويجزئه وإن نقص الشهر لأن هذا الاسم يقع على ما بعد العشرين إلى آخر الشهر بخلاف قوله عشرة أيام من آخر الشهر وكان ناقصا لا يجزئه لأنه جرد القصد إليها فيلزمه أن يعتكف بعده يوما .
ويسن في هذه كما في المجموع أن يعتكف يوما قبل العشر لاحتمال ( 1 / 457 ) نقصان الشهر فيكون ذلك اليوم داخلا في نذره لكونه أول العشرة من آخر الشهر .
فلو فعل هذا ثم بان النقص قطع البغوي بإجزائه عن قضاء يوم وقال في المجموع يحتمل أن يكون فيه الخلاف فيمن تيقن طهرا وشك في ضده فتوضأ محتاطا فبان محدثا أي فلا يجزئه وهذا هو الظاهر . " .
وإذا ذكر " الناذر " التتابع " في نذره لفظا " وشرط الخروج لعارض " مباح مقصود غير مناف للاعتكاف " صح الشرط في الأظهر " وبه قطع الجمهور لأن الاعتكاف إنما لزم بالتزامه فيجب بحسب ما التزمه فإن شرطه لخاص من الأغراض كعيادة المرضى خرج له دون غيره وإن كان غيره أهم منه أو عام كشغل يعرض له خرج لكل مهم ديني كالجمعة والجماعة أو دنيوي مباح كلقاء السلطان والقاضي واقتضاء الغريم والثاني يلغو الشرط لمخالفته لمقتضى التتابع .
وخرج بقوله شرط الخروج لعارض ما لو شرط قطع الاعتكاف له فإنه وإن صح لكنه لا يجب عليه العود عند زوال العارض بخلاف ما لو شرط الخروج للعارض فإنه يجب العود .
وبقوله لعارض ما لو قال إلا أن يبدو لي فإن الشرط باطل على الأصح لأنه علقه بمجرد الخيرة وذلك يناقض الالتزام وكذا النذر كما قاله البغوي وهو الأشبه في الشرح الصغير ولم يصرحا في الروضة وأصلها بترجيح وبقولي مباح ما لو شرطه لعارض محرم كسرقة وبمقصود ما لو شرطه لغير مقصود كنزهة وبغير مناف للاعتكاف ما لو شرطه لمناف له كالجماع كأن قال إن اخترت جامعت أو إن اتفق لي جماع جامعت فإنه لا ينعقد نذره كما صرحوا به في المحرم والجماع ومثلهما البقية .
وقد علم مما ذكر ما في عبارة المصنف من الإجحاف . " .
والزمان المصروف إليه " أي العارض المذكور " لا يجب تداركه إن عين المدة كهذا الشهر " لأن المنذور من الشهر إنما هو اعتكاف ما عدا العارض . " .
وإلا " بأن لم يعين مدة كشهر مطلق " فيجب " تداركه أي الزمن المصروف للعارض لتتم المدة الملتزمة وتكون فائدة الشرط تنزيل ذلك العارض منزلة قضاء الحاجة في أن التتابع لا ينقطع به . " .
وينقطع التتابع " أيضا " بالخروج " من المسجد بكل بدنه أو بما اعتمد عليه من الرجلين أو اليدين أو الرأس قائما أو منحنيا أو من العجز قاعدا أو من الجنب مضطجعا " بلا عذر " من الأعذار الآتية وإن قل زمنه لمنافاته اللبث لأنه في مدة الخروج المذكور غير معتكف وهذا في العامد العام بالتحريم المختار . " .
ولا يضر " في تتابع الاعتكاف " إخراج بعض الأعضاء " من المسجد كرأسه أو يده لأنه لا يسمى خارجا ففي الصحيحين أنه A كان يدني رأسه إلى عائشة فترجله أي تسرحه وهو معتكف في المسجد .
ولو أخرج إحدى رجليه واعتمد عليهما لم يضر لأن الأصل عدم الخروج فإن أخرجهما واعتمد عليهما ضر وإن كان رأسه داخلا . " .
ولا " يضر " الخروج لقضاء الحاجة " بالإجماع لأنه ضروري ولو كثر لعارض ولا يشترط فيها لضرورة وإذا خرج لا يكلف الإسراع بل يمشي على سجيته .
فلو تأتى أكثر من ذلك بطل كما في زيادة الروضة عن البحر .
ويجوز له أن يتوضأ بعد قضائها خارج المسجد تبعا لها مع أنه لا يجوز الخروج له منفردا إن كان تجديدا وكذا عن حدث على الأصح إذا أمكنه في المسجد .
تنبيه .
اقتصار المصنف على قضاء الحاجة قد يوهم أنه لا يجوز له الخروج لغيرها وليس مرادا بل يجوز لغسل الجنابة وإزالة النجاسة كرعاف وكذا الأكل على الأصح لأن الأكل في المسجد يستحيا منه وإن أمكنه الأكل فيه كما مر بخلاف الشرب إذا وجد الماء فيه .
ويؤخذ من العلة أن الكلام في مسجد مطروق بخلاف المختص لمنفعتها ولو مستعارة والمهجور وبه صرح الأذرعي وهو ظاهر .
فإن خرج للشرب مع وجود الماء في المسجد أو لتجديد وضوء انقطع تتابعه والظاهر كما قال شيخنا أن الوضوء المندوب لغسل الاحتلام مغتفر كالتثليث في الوضوء الواجب . " .
ولا يجب فعلها في غير داره " المستحق لمنفعتها ولو مستعارة كسقاية المسجد ودار صديق له بجوار المسجد لما في ذلك من المشقة وخرم المروءة وتزيد دار الصديق بالمنة بها .
نعم من لا يحتشم من السقاية يكلفها كما صرح به القاضي حسين ( 1 / 458 ) وكذا إن كانت السقاية مصونة مختصة بالمسجد كما بحثه بعض المتأخرين . " .
ولا يضر بعدها " أي داره المذكورة عن المسجد مراعاة لما سبق من المشقة والمنة . " .
إلا أن يفحش " البعد وضابطه كما قاله البغوي أن يذهب أكثر الوقت في التردد إليها مع وجود مكان لائق بطريقه أو يكون له دار أخرى أقرب منها . " .
فيضر في الأصح " لأنه قد يحتاج في عوده إليها إلى البول فيمضي يومه في الذهاب والإياب ولاغتنائه بالأقرب من داريه .
فإن لم يجد في طريقه مكانا أو وجده ولم يلق به أن يدخله لم يضر فحش البعد .
والثاني لا يضر هذا الفحش مطلقا لما سبق من مشقة الدخول لقضاء الحاجة في غير داره .
ولا يجوز الخروج لنوم ولا لغسل جمعة أو عيد كما ذكره الخوارزمي . " .
ولو عاد مريضا " أو زار قادما " في طريقه " لقضاء حاجته " لم يضر ما لم يطل وقوفه " بأن لم يقف أصلا أو وقف وقفة يسيرة كأن اقتصر على السلام والسؤال . " .
أو " لم " يعد إلى عن طريقه " بأن كان المريض أو القادم فيها لقول عائشة رضي الله تعالى عنها إني كنت أدخل البيت للحاجة أي التبرز والمريض فيه فما أسأل عنه إلا وأنا مارة رواه مسلم .
وفي سنن أبي داود مرفوعا عنها أنه A كان يمر بالمريض وهو معتكف فيمر كما هو يسأل عنه ولا يعرج .
فإن طال وقوفه عرفا أو عدل عن طريقه وإن قل ضر ولو صلى في طريقه على جنازة فإن لم ينتظرها ولم يعدل إليها عن طريقه جاز وإلا فلا . " .
ولا ينقطع التتابع ب " خروجه ل " مرض يحوج إلى الخروج " أي إذا خرج لأن الحاجة داعية إليه كالخروج لقضاء الحاجة .
وفي قول أنه ينقطع لأن المرض ليس بضروري ولا غالب بخلاف قضاء الحاجة .
وهذا القول يؤخذ من قول المحرر في أظهر القولين وأهمله المصنف .
والمحوج إلى الخروج هو الذي يشق المقام معه في المسجد لحاجة فرش وخادم وتردد طبيب أو بأن يخاف منه تلويث المسجد كإسهال وإدرار بول بخلاف مرض لا يحوج إلى الخروج كصداع وحمى خفيفة فينقطع التتابع بالخروج له .
وفي معنى المرض المذكور الخوف من لص أو حريق . " .
ولا " ينقطع التتابع " بحيض إن طالت مدة الاعتكاف " بأن كانت لا تخلو عنه غالبا كشهر كما مثل به الروياني ومثل في المجموع بأكثر من خمسة عشر يوما واستشكله الإسنوي بأن الثلاثة والعشرين تخلو عن الحيض غالبا لأن غالب الحيض ست أو سبع والغالب أن الشهر الواحد لا يكون فيه إلا طهر واحد وحيضة واحدة ا . ه " .
ويمكن حمل عبارة المجموع على الزيادة على ما ذكر فتبني على ما سبق إذا طهرت لأنه بغير اختيارها . " .
فإن كانت " مدة الاعتكاف " بحيث تخلو عنه " أي الحيض " انقطع " التتابع " في الأظهر " لإمكان الموالاة بشروعها عقب الطهر والثاني لا ينقطع لأن جنس الحيض مما يتكرر في الجملة فلا يؤثر في التتابع كقضاء الحاجة والنفاس كالحيض كما نبه عليه في المجموع "