والركاز والتجارة بدأ المصنف بأولها وهو بفتح الميم وكسر الدال اسم للمكان الذي خلق الله تعالى فيه الجواهر من الذهب والفضة والحديد والنحاس سمي بذلك لعدونه أي إقامته يقال عدن إذا أقام فيه ومنه " جنات عدن " أي إقامة ويسمى المستخرج معدنا أيضا كما في الترجمة .
والأصل في زكاته قبل الإجماع قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا أنفقوا " أي زكوا " من طيبات " أي خيار " ما كسبتم " أي من المال " ومن طيبات ما أخرجنا لكم من الأرض " أي من الحبوب والثمار وخبر الحاكم في صحيحه أنه A أخذ من المعادن القبلية الصدقة وهي بفتح القاف والباء الموحدة ناحية من قرية بين مكة والمدينة يقال لها الفرع بضم الفاء وإسكان الراء .
فقال " من استخرج " وهو من أهل الزكاة " ذهبا أو فضة " لا غيرهما كياقوت وزبرجد ونحاس وحديد " من معدن " من أرض مباحة أو مملوكة له " لزمه ربع عشره " لعموم الأدلة السابقة كخبر وفي الرقة ربع العشر ولا تجب عليه زكاته في المدة الماضية إذا وجده في ملكه لأنه لم يتحقق كونه ملكه من حين ملك الأرض لاحتمال كون الموجود مما يخلق شيئا فشيئا والأصل عدم وجوب الزكاة . " .
وفي قول " يلزمه " الخمس " كالركاز بجامع الخفاء في الأرض . " .
وفي قول إن حصل بتعب " كأن احتاج إلى طحن أو معالجة بالنار أو حفر " فربع عشره وإلا " بأن حصل بلا تعب " فخمسه " لأن الواجب يزداد بقلة المؤنة وينقص بكثرتها كالمعشرات . " .
ويشترط " لوجوب الزكاة فيه " النصاب " لأن ما دونه لا يحتمل المواساة كما في سائر الأموال الزكوية " لا الحول على المذهب فيهما " وقطع به لأن الحول إنما يعتبر لأجل تكامل النماء والمستخرج من المعدن نماء في نفسه فأشبه الثمار والزروع .
وقيل في اشتراط كل منهما قولان وطريق الخلاف مفرع في النصاب على وجوب الخمس لأنه مال يجب تخميسه فلا يعتبر فيه النصاب كالفيء والغنيمة وفي الحول على وجوب ربع العشر لعموم لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول .
وإنما عبر بالمذهب لأن الأصح القطع باشتراط النصاب وبعدم اشتراط الحول . " .
ويضم بعضه " أي المستخرج " إلى بعض إن " اتحد المعدن أي المخرج " وتتابع العمل " كما يضم المتلاحق ( 1 / 395 ) من الثمار ولا يشترط بقاء الأول على ملكه ويشترط اتحاد المكان المستخرج منه فلو تعدد لم يضم تقاربا أو تباعدا لأن الغالب في اختلاف المكان استئناف عمل هكذا علل به شيخي وكذا في الركاز نقله في الكفاية عن النص . " .
ولا يشترط " في الضم " اتصال النيل على الجديد " لأنه لا يحصل غالبا إلا متفرقا والقديم إن طال زمن الانقطاع لم يضم كما لو قطع العمل . " .
وإذا قطع العمل بعذر " كإصلاح الآلة وهرب الأجراء والمرض والسفر ثم عاد إليه " ضم " وإن طال الزمن عرفا لأنه لا يعد بذلك معرضا لأنه عازم على العمل إذا ارتفع العذر . " .
وإلا " بأن قطع العمل بلا عذر " فلا يضم " سواء أطال الزمن أم لا لإعراضه .
ومعنى عدم الضم أنه لا يضم " الأول إلى الثاني " في إكمال النصاب " ويضم الثاني إلى الأول " إن كان باقيا " كما يضمه إلى ما ملكه بغير المعدن " كإرث وهبة وغيرهما " في إكمال النصاب " فإذا استخرج من الفضة خمسين درهما بالعمل الأول ومائة وخمسين بالثاني فلا زكاة في الخمسين وتجب في المائة والخمسين كما تجب فيها لو كان مالكا لخمسين من غير المعدن وينعقد الحول على المائتين من حين تمامهما إذا أخرج حق المعدن من غيرهما ولو كان الأول نصابا ضم الثاني إليه قطعا .
وتقييد المصنف بقوله في إكمال النصاب لا ترد عليه هذه الصورة لأنها بالوجوب أولى مما صرح به .
تنبيه .
خرج بقولنا وهو من أهل الزكاة المكاتب فإنه يملك ما يأخذه من المعدن ولا زكاة عليه فيه وأما ما يأخذه العبد فلسيده فتلزمه زكاته .
ويمنع الذمي من أخذ المعدن والركاز بدار الإسلام كما يمنع من الإحياء بها لأن الدار للمسلمين وهو دخيل فيها والمانع له الحاكم فقط وإن صرح الغزالي بأنه يجوز لكل مسلم فإن أخذه قبل منعه ملكه كما لو احتطب ويفارق ما أحياه بتأبد ضرره ولا يلزمه شيء بناء على أن مصرف حق المعدن مصرف الزكاة لا مصرف الفيء وهو الأصح .
ووقت وجوب حق المعدن حصول النيل في يده على المذهب ووقت الإخراج عقب التخليص والتنقية من التراب ونحوه كما أن وقت الوجوب في الزرع اشتداد الحب ووقت الإخراج التنقية ويجبر على التنقية كما في تنقية الحبوب ومؤنتها عليه كمؤنة الحصاد والدياس فلا يجزىء إخراج الواجب قبلها لفساد القبض فإن قبضه الساعي قبلها ضمن فيلزمه رده إن كان باقيا وبدله إن كان تالفا وصدق بيمينه في قدره إن اختلفا فيه قبل التلف أو بعده لأن الأصل براءة ذمته وإن تلف في يده قبل التمييز وغرمه .
فإن كان تراب فضة قوم بذهب أو تراب ذهب قوم بفضة والمراد بالتراب في الموضعين المعدن المخرج فإن اختلفا في قيمته صدق الساعي بيمينه لأنه غارم .
قال في المجموع فإن ميزه الساعي فإن كان قدر الواجب أجزأه وإلا رد التفاوت أو أخذه ولا شيء للساعي بعمله لأنه متبرع ولو تلف بعضه في يد المالك قبل التنقية والتمكن منها ومن الإخراج سقطت زكاته لا زكاة الباقي وإن نقص عن النصاب فتكلف بعض المال قبل التمكن ولو استخرج إثنان من معدن نصابا زكياه للخلطة .
ثم شرع في ذكر ثاني ما في الترجمة وسيأتي تعريفه فقال " وفي الركاز الخمس " رواه الشيخان وخالف المعدن من حيث أنه لا مؤنة في تحصيله أو مؤنته قليلة فكثر واجبه كالمعشرات . " .
يصرف " أي الخمس وكذا المعدن " مصرف الزكاة على المشهور " لأنه حق واجب في المستفاد من الأرض فأشبه الواجب في الثمار والزروع .
ورجح في أصل الروضة والمجموع القطع به وعليه يشترط كون الواجد من أهل الزكاة والثاني أنه يصرف لأهل الخمس لأنه مال جاهلي حصل الظفر به من غير إيجاف خيل ولا ركاب فكان كالفيء فعلى هذا يجب على المكاتب والكافر ولا يحتاج إلى نية .
تنبيه .
مصرف بكسر الراء محل الصرف وهو المراد هنا وبفتحها مصدر . " .
وشرطه النصاب " ولو بالضم كما مر " والنقد " أي الذهب والفضة المضروب وغيره كالسبائك " على المذهب " لأنه مال مستفاد من الأرض فاختص بما ( 1 / 396 ) تجب فيه الزكاة قدرا ونوعا كالمعدن .
والثاني لا يشترطان لعموم قوله A وفي الركاز الخمس .
والطريق الثاني القطع بالأول " لا الحول " فلا يشترط بلا خلاف وإن جرى في المعدن خلاف للمشقة فيه " وهو " أي الركاز بمعنى المركوز " الموجود الجاهلي " أي دفين الجاهلية أو المراد بالجاهلية ما قبل الإسلام أي قبل مبعث النبي A كما صرح به الشيخ أبو علي سمي بذلك لكثرة جهالاتهم .
ويعتبر في كون الدفين الجاهلي ركازا كما قاله أبو إسحاق المروزي أن لا يعلم أن مالكه بلغته الدعوة فإن علم أنها بلغته وعاند ووجد في بنائه أو بلده متى أنشأها كنز فليس بركاز بل فيء حكاه في المجموع عن جماعة وأقره .
ولم يبين المصنف هل المراد بالجاهلي ضربا أو دفنا .
لكن قوله بعد وكذا إن لم يعلم من أي الضربين هو يدل على إرادته الأول .
وعبارة الروضة الركاز دفين الجاهلية قيل وهي أولى فإن الحكم منوط بدفنهم إذ لا يلزم من كونه على ضرب الجاهلية كونه دفين الجاهلية لاحتمال أن مسلما عثر بكنز جاهلي فأخذه ثم دفنه كذا قالاه .
وأجيب عنه بأن الأصل والظاهر عدم أخذ مسلم له ثم دفنه ثانيا ولو قلنا به لم يكن لنا ركاز بالكلية .
قال السبكي والحق أنه لا يشترط العلم بكونه من دفنهم فإنه لا سبيل إليه وإنما يكتفى بعلامة تدل عليه من ضرب أو غيره ا . ه " .
وهذا أولى .
والتقييد بدفن الجاهلي يقتضي أن ما وجد في الصحارى من دفين الحربيين الذين عاصروا الإسلام لا يكون ركازا بل فيئا .
قال الإسنوي يدل له كلام أبي إسحاق المروزي السابق .
ويشترط في كونه ركازا أيضا أن يكون مدفونا فإن وجده ظاهرا فإن علم أن السيل أظهره فركاز أو أنه كان ظاهرا فلقطة وإن شك فكما لو شك في أنه ضرب الجاهلية أو الإسلام قاله الماوردي . " .
فإن وجد " دفين " إسلامي " كأن يكون عليه شيء من القرآن أو اسم ملك من ملوك الإسلام " علم مالكه فله " لا للواجد فيجب رده على مالكه لأن مال المسلم لا يملك بالاستيلاء عليه . " .
وإلا " بأن لم يعلم مالكه " فلقطة " يعرفه الواجد كما يعرف اللقطة الموجودة على وجه الأرض " وكذا إن لم يعلم من أي الضربين " الجاهلي والإسلامي " هو " بأن كان مما لا أثر عليه كالتبر والحلي والأواني أو كان مثله يضرب في الجاهلية والإسلام فهو لقطة يفعل فيه ما مر . " .
وإنما يملكه " أي الركاز " الواجد وتلزمه الزكاة " فيه " إذا وجده في موات " سواء أكان بدار الإسلام أم بدار الحرب وإن كانوا يذبون عنه وسواء أحياه الواجد أم أقطعه أم لا وكالموات ما وجد في قبورهم أو خرائبهم أو قلاعهم " أو " وجد في " ملك أحياه " لأنه ملك الركاز بإحياء الأرض . " .
فإن وجد " الركاز " في مسجد أو شارع فلقطة على المذهب " يفعل فيه ما مر لأن يد المسلمين عليه وقد جهل مالكه فيكون لقطة والثاني أنه ركاز كالموات بجامع اشتراك الناس في الثلاثة . " .
أو " وجد " في ملك شخص " أو في موقوف عليه " فللشخص إن ادعاه " يأخذه بلا يمين كأمتعة الدار كذا قالاه .
وقال ابن الرفعة و السبكي الشرط أن لا ينفيه قال الإسنوي وهو الصواب كسائر ما بيده والمعتمد ما قالاه ويفارق سائر ما بيده بأنها ظاهرة معلومة له غالبا بخلافه فاعتبر دعواه له لاحتمال أن غيره دفنه . " .
وإلا " أي وإن لم يدعه بأن نفاه أو سكت " فلمن ملك منه " وتقوم ورثته مقامه بعد موته فإن نفاه بعضهم سقط حقه وسلك بالباقي ما ذكر . " .
وهكذا " يجرى ما تقرر " حتى ينتهي " الأمر " إلى المحيي " للأرض فيكون له وإن لم يدعه لأنه بإحياء الأرض ملك ما فيها ولا يدخل في البيع لأنه منقول فيسلم إليه ويؤخذ منه الخمس الذي لزمه يوم ملكه وإذا أخذناه منه ألزمناه زكاة الباقي للسنين الماضية كما في المغصوب والضال .
فإن مات المحيي قام وارثه مقامه فإن لم ينفه بعضهم أعطي نصيبه منه وحفظ الباقي فإن أيس من مالكه تصدق به الإمام أو من هو في يده ولو ادعاه اثنان وقد وجد في ملك غيرهما فهو لمن صدقه المالك منهما فيسلم إليه . " .
ولو تنازعه " أي الركاز في الملك " بائع أو مشتر أو مكر ومكتر أو ( 1 / 397 ) معير ومستعير " بأن قال المشتري والمكتري والمستعير هو لي وأنا دفنته وقال البائع والمكري والمعير مثل ذلك " صدق ذو اليد " أي المشتري والمكتري والمستعير " بيمينه " كما لو تنازعا في أمتعة الدار هذا إذا أمكن صدقه ولو على بعد فإن لم يمكن لكون مثل ذلك لا يمكن دفنه في مدة يده لم يصدق .
ولو وقع التنازع بعد عود الملك إلى البائع أو المكري أو المعير فإن قال كل منهم دفنته بعد عود الملك إلي صدق بيمينه إن أمكن ذلك وإن قال دفنته قبل خروجه من يدي صدق المشتري والمكتري والمستعير على الأصح لأن المالك سلم له حصول الكنز في يده فيده تنسخ اليد السابقة .
ثم شرع في ذكر ثالث ما في الترجمة وترجم له بفصل فقال فصل أي في زكاة التجارة وهي تقليب المال بالمعاوضة لغرض الربح .
والأصل في وجوبها قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم " قال مجاهد نزلت في التجارة وقوله A في الإبل صدقتها وفي البقر صدقتها وفي الغنم صدقتها وفي البز صدقته رواه الحاكم بإسنادين صحيحين على شرط الشيخين عن أبي ذر .
والبز بفتح الباء الموحدة وبالزاي يقال للثياب المعدة للبيع عند البزازين وعلى السلاح قاله الجوهري .
وزكاة العين لا تجب في الثياب والسلاح فتعين الحمل على زكاة التجارة .
وعن سمرة أنه A كان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي يعد للبيع .
قال ابن المنذر وأجمع عامة أهل العلم على وجوبها .
وأما خبر ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة فمحمول على ما ليس للتجارة " "