وما يتعلق به " أقل القبر حفرة تمنع " بعد ردمها " الرائحة " أن تظهر منه فتؤذي الحي . " .
و " تمنع " السبع " عن نبش تلك الحفرة لأكل الميت لأن الحكمة في وجوب الدفن عدم انتهاك حرمته بانتشار رائحته واستقذار جيفته وأكل السباع له وبهذا يندفع ذلك .
قال الرافعي والغرض من ذكرهما إن كانا متلازمين بيان فائدة الدفن وإلا فبيان وجوب رعايتهما فلا يكفي أحدهما .
والظاهر كما قال شيخنا أنهما ليسا بمتلازمين كالفساقي التي لا تكتم رائحة مع منعها الوحش فلا يكفي الدفن فيها .
وقال السبكي في الاكتفاء بالفساقي نظر لأنها ليست على هيئة الدفن المعهود شرعا .
قال وقد أطلقوا تحريم إدخال ميت على ميت لما فيه من هتك حرمة الأول وظهور رائحته فيجب إنكار ذلك وقال بعض شراح هذا الكتاب إنه لا يكفي الدفن فيما يصنع الآن ببلاد مصر والشام وغيرهما من عقد أزج واسع أو مقتصد شبه بيت لمخالفته الخبر وإجماع السلف وحقيقة بيت تحت الأرض فهو كوضعه في غار ونحوه ويسد بابه ا . ه " .
وهذا ظاهر لأنه ليس بدفن كما أشار إلى ذلك ابن الصلاح و الأذرعي وغيرهما .
واحترز بالحفرة عما إذا وضع الميت على وجه الأرض ووضع عليه أحجار كثيرة أو تراب أو نحو ذلك مما يكتم رائحته ويحرسه عن أكل السباع فلا يكفي ذلك إلا إن تعذر الحفر لأنه ليس بدفن . " .
ويندب أن يوسع " بأن يزاد في طوله وعرضه " ويعمق " بأن يزاد في نزوله لقوله A في قتلى أحد احفروا وأوسعوا وأعمقوا رواه الترمذي وقال حسن صحيح .
وعبارة المجموع كالجمهور يستحب ( 1 / 352 ) أن يوسع القبر من قبل رجليه ورأسه أي فقط وكذا رواه أبو داود وغيره .
والمعنى يساعده ليصونه مما يلي ظهره من الانقلاب ومما يلي صدره من الانكباب " .
فائدة : .
التعميق بعين مهملة كما قاله الجوهري وحكى غيره الإعجام وقريء به شاذا من كل فج غميق . " .
قدر قامة وبسطة " من رجل معتدل لهما بأن يقوم باسطا يديه مرفوعتين لأن عمر رضي الله تعالى عنه وصى بذلك ولم ينكر عليه أحد ولأنه أبلغ في المقصود من منع ظهور الرائحة ونبش السبع .
وهما أربعة أذرع ونصف كما صوبه المصنف خلافا للرافعي في قوله إنهما ثلاثة أذرع ونصف تبعا للمحاملي . " .
واللحد " بفتح اللام وضمها وسكون الحاء فيهما أصله الميل والمراد أن يحفر في أسفل جانب القبر القبلي مائلا عن الاستواء قدر ما يسع الميت ويستره . " .
أفضل من الشق " بفتح المعجمة بخط المصنف وهو أن يحفر قعر القبر كالنهر أو يبني جانباه بلبن أو غيره غير ما مسه النار ويجعل بينهما شق يوضع فيه الميت ويسقف عليه بلبن أو خشب أو حجارة وهي أولى ويرفع السقف قليلا بحيث لا يمس الميت . " .
إن صلبت الأرض " لقول سعد بن أبي وقاص في مرض موته ألحدوا لي لحدا وانصبوا علي اللبن نصبا كما فعل برسول الله A رواه مسلم .
أما في الرخوة فالشق أفضل خشية الأنهيار . " .
ويوضع " ندبا " رأسه " أي الميت " عند رجل القبر " أي مؤخره الذي سيصير عند سفله رجل الميت . " .
ويسل " الميت " من قبل رأسه " سلا " برفق " لا بعنف لما رواه أبو داود بإسناد صحيح أن عبدالله بن يزيد الخطمي الصحابي رضي الله تعالى عنه صلى على جنازة الحارث ثم أدخله القبر من قبل رجل القبر وقال هذا من السنة .
وقول الصحابي من السنة كذا حكمه حكم المرفوع .
ولما رواه الشافعي C تعالى بإسناد صحيح أن النبي A سل من قبل رأسه سلا وما قيل إنه أدخل من قبل القبلة فضعيف كما قاله البيهقي وغيره وإن حسنه الترمذي مع أنه لا يمكن إدخاله من قبل القبلة لأن شق قبره A لاصق بالجدار ولحده تحت الجدار فلا موضع هناك يوضع فيه قاله الشافعي وأصحابه كما نقله في المجموع . " .
ويدخله القبر الرجال " إذا وجدوا وإن كان الميت أنثى لخبر البخاري أنه A أمر أبا طلحة أن ينزل في قبر ابنته أم كلثوم ووقع في المجموع تبعا لراوي الخبر أنها رقية ورده البخاري في تاريخه الأوسط بأنه A لم يشهد موت رقية ولا دفنها أي لأنه كان ببدر .
ومعلوم أنه كان لها محارم من النساء كفاطمة وغيرها ولأنه يحتاج إلى قوة والرجال أحرى بذلك بخلاف النساء لضعفهن عن ذلك غالبا ويخشى من مباشرتهن هتك حرمة الميت وانكشافهن .
نعم يندب لهن كما في المجموع أن يلين حمل المرأة من مغتسلها إلى النعش وتسليمها إلى من في القبر وحل ثيابها فيه وظاهر ما في المختصر وكلام الشامل والنهاية أن هذا واجب على الرجال عند وجودهم وتمكينهم واستظهره الأذرعي وهو ظاهر . " .
وأولاهم " أي الرجال بذلك " الأحق بالصلاة " عليه درجة وقد مر بيانه في الغسل .
وخرج بدرجة الأولى بالصلاة صفة إذ الأفقه أولى من الأسن والأقرب البعيد الفقيه أولى من الأقرب غير الفقيه هنا عكس ما في الصلاة عليه والمراد بالأفقه الأعلم بذلك الباب .
قلت كما قال الرافعي في الشرح " إلا أن تكون امرأة مزوجة فأولاهم " أي الرجال بإدخالها القبر " الزوج " وإن لم يكن له حق في الصلاة عليها " والله أعلم " لأنه ينظر إلى ما لا ينظر إليه غيره .
ويليه الأفقه ثم الأقرب فالأقرب من المحارم ثم عبدها لأنه كالمحرم في النظر ونحوه ثم الممسوح ثم المجبوب ثم الخصي لضعف شهوتهم .
ورتبوا كذلك لتفاوتهم فيها .
ثم العصبة الذين لا محرمية لهم كبني عم ومعتق وعصبته بترتيبهم في الصلاة ثم ذوو الرحم الذين لا محرمية لهم كذلك كبني خال وبني عمة ثم الأجنبي الصالح لخبر أبي طلحة السابق ثم الأفضل فالأفضل ثم النساء بترتيبهن السابق في الغسل والخناثى كالنساء .
فإن استوى اثنان في الدرجة والفضيلة وتنازعا أقرع بينهما والأوجه كما قال الأذرعي أن السيد في الأمة التي تحل له كالزوج .
وأما غيرها فهل يكون معها كالأجنبي ( 1 / 353 ) أو لا الأقرب نعم إلا أن يكون بينهما محرمية .
وأما العبد فهو أحق بدفنه من الأجانب حتما .
والوالي لا يقدم هنا على القريب قطعا . " .
ويكونون " أي المدخلون للميت القبر " وترا " ندبا واحد فأكثر بحسب الحاجة كما فعل برسول الله A فقد روى ابن حبان أن الدافنين له كانوا ثلاثة وأبو داود أنهم كانوا خمسة . " .
ويوضع في اللحد " أو غيره " على يمينه " ندبا اتباعا للسلف والخلف وكما في الاضطجاع عند النوم .
ويوجه " للقبلة " وجوبا تنزيلا له منزلة المصلي ولئلا يتوهم أنه غير مسلم كما يعلم مما سيأتي .
فلو وجه لغيرها نبش ووجه للقبلة وجوبا إن لم يتغير وإلا فلا ينبش أولها على يساره كره ولم ينبش وهو مراد المصنف في مجموعه بقوله إنه خلاف الأفضل .
ويؤخذ من قولهم إنه كالمصلي أن الكافر لا يجب علينا أن نستقبل به القبلة وهو كذلك بل يجوز استقباله واستدباره .
نعم لو ماتت ذمية في بطنها جنين مسلم جعل ظهرها إلى القبلة وجوبا ليتوجه الجنين إلى القبلة إذا كان يجب دفن الجنين لو كان منفصلا لأن وجه الجنين على ما ذكروا لظهر الأم .
وتدفن هذه المرأة بين مقابر المسلمين والكفار وقيل في مقابر المسلمين وقيل في مقابر الكفار .
تنبيه .
لو حذف المصنف لفظة في اللحد كان أولى ليشمل ما قدرته .
وظاهر كلام التسوية بين الوضع على اليمين والاستقبال والمعتمد فيهما ما تقرر . " .
ويسند وجهه " ندبا وكذا رجلاه " إلى جداره " أي القبر ويجعل في باقي بدنه كالتجافي فيكون كالقوس لئلا ينكب . " .
و " يسند " ظهره بلبنة ونحوها " كطين ليمنعه من الاستلقاء على قفاه ويجعل تحت رأسه لبنة أو حجر ويفضي بخده الأيمن إليه أو إلى التراب .
قال في المجموع بأن ينحى الكفن عن خده ويوضع على التراب . " .
ويسد فتح اللحد " بفتح الفاء وسكون التاء المثناة الفوقية وكذا غيره " بلبن " وهو طوب لم يحرق ونحوه كطين لقول سعد فيما مر وانصبوا علي اللبن نصبا ولأن ذلك أبلغ في صيانة الميت عن النبش .
ونقل المصنف في شرح مسلم أن اللبنات التي وضعت في قبره A تسع . " .
ويحثو " ندبا بيديه جميعا " من دنا " من القبر " ثلاث حثيات تراب " من تراب القبر ويكون الحثي من قبل رأس الميت لأنه A حثا من قبل رأس الميت ثلاثا رواه البيهقي وغيره بإسناد جيد ولما فيه من المشاركة في هذا الفرض يقال حثى يحثي حثيا وحثيات وحثا يحثو حثوا وحثوات والأول أفصح .
ويندب أن يقول مع الأولى " منها خلقناكم " ومع الثانية " وفيها نعيدكم " ومع الثالثة " ومنها نخرجكم تارة أخرى " .
ولم يبين الدنو وكأنه راجع إلى العرف .
وعبارة الشافعي في الأم من على شفير القبر وعبارة الروضة وأصلها كل من دنا .
وقال في الكفاية إنه يستحب ذلك لكل من حضر الدفن وهو شامل للبعيد أيضا .
وهو كما قال الولي العراقي ظاهر . " .
ثم يهال " من الإهالة وهي الصب أي يصب التراب على الميت . " .
بالمساحي " لأنه أسرع إلى تكميل الدفن .
والمساحي بفتح الميم جمع مسحاة بكسرها وهي آلة تمسح الأرض بها ولا تكون إلا من حديد بخلاف المجوفة قاله الجوهري .
والميم زائدة لأنها مأخوذة من السحف أو الكشف وظاهر أن المراد هنا هي أو ما في معناها .
وإنما كانت الإهالة بعد الحثي لأنه أبعد عن وقوع اللبنات وعن تأذي الحاضرين بالغبار . " .
ويرفع " ندبا " القبر شبرا " تقريبا ليعرف فيزار ويحترم ولأن قبره A رفع نحو شبر رواه ابن حبان في صحيحه . " .
فقط " فلا يزاد على تراب القبر لئلا يعظم شخصه .
وإن لم يرتفع بترابه شبرا فالأوجه كما قال شيخنا أن يزاد هذا إذا كان بدارنا .
أما لو مات مسلم بدار الكفار فلا يرفع قبره بل يخفى لئلا يتعرض له الكفار إذا رجع المسلمون قاله المتولي وأقراه .
وكذا إذا كان بموضع يخاف نبشه لسرقة كفنه أو لعداوة أو نحوها كما قاله الإسنوي وألحق الأذرعي بذلك أيضا ما لو مات ببلد بدعة وخشي عليه من نبشه وهتكه والتمثيل به كما صنعوا ببعض الصلحاء وأحرقوه . " .
والصحيح " المنصوص " أن تسطيحه أولى من تسنيمه " كما فعل بقبره A وقبري صاحبيه رضي الله تعالى عنهما رواه أبو داود ( 1 / 354 ) بإسناد صحيح والثاني تسنيمه أولى لأن التسطيح شعار الروافض فيترك مخالفة لهم وصيانة للميت وأهله عن الاتهام ببدعة .
ورد هذا بأن السنة لا تترك لموافقة أهل البدع فيها إذ لو روعي ذلك لأدى إلى ترك سنن كثيرة . " .
ولا يدفن اثنان في قبر " ابتداء بل يفرد كل ميت بقبر حالة الاختيار للاتباع ذكره في المجموع وقال إنه صحيح .
وعبارة الروضة المستحب في حالة الاختيار أن يدفن كل ميت في قبر ا . ه " .
فلو جمع اثنان في قبر واتحد الجنس كرجلين وامرأتين كره عند الماوردي وحرم عند السرخسي ونقله المصنف عنه في مجموعه مقتصرا عليه وعقبه بقوله وعبارة الأكثرين ولا يدفن التحريم . " .
إلا لضرورة " كأن كثروا وعسر إفراد كل ميت بقبر فيجمع بين الاثنين والثلاثة والأكثر في قبر بحسب الضرورة وكذا في ثوب وذلك للاتباع في قتلى أحد رواه البخاري . " .
فيقدم " حينئذ " أفضلهما " وهو الأحق بالإمامة إلى جدار القبر القبلي لأنه A كان يسأل في قتلى أحد عن أكثرهم قرآنا فيقدمه إلى اللحد لكن لا يقدم فرع على أصله من جنسه وإن علا حتى يقدم الجد ولو من قبل الأم وكذا الجدة قاله الإسنوي فيقدم الأب على الابن وإن كان أفضل منه لحرمة الأبوة وتقدم الأم على البنت وإن كانت أفضل منها أما الابن مع الأم فيقدم لفضيلة الذكورة .
ويقدم الرجل على الصبي والصبي على الخنثى والخنثى على المرأة .
ولا يجمع رجل وامرأة في قبر إلا لضرورة فيحرم عند عدمها كما في الحياة .
قال ابن الصلاح ومحله إذا لم يكن بينهما محرمية أو زوجية وإلا فيجوز الجمع قال الإسنوي وهو متجه .
والذي في المجموع أنه لا فرق فقال إنه حرام حتى في الأم مع ولدها وهذا كما قال شيخي هو الظاهر إذ العلة في منع الجمع الإيذاء لأن الشهوة قد انقطعت فلا فرق بين المحرم وغيره ولا بين أن يكونا من جنس واحد أو لا .
والخنثى مع الخنثى أو غيره كالأنثى مع الذكر والصغير الذي لم يبلغ حد الشهوة كالمحرم .
ويحجز بين الميتين بتراب حيث جمع بينهما ندبا كما جزم به ابن المقري في شرح إرشاده ولو اتحد الجنس .
أما نبش القبر بعد دفن الميت لدفن ثان فيه أي في لحده فلا يجوز ما لم يبل الأول ويصر ترابا .
وأما إذا جعل في القبر في لحد آخر من جانب القبر الآخر من غير أن يظهر من الميت الأول شيء كما يفعل الآن كثيرا فالظاهر عدم الحرمة ولم أر من ذكر ذلك . " .
ولا يجلس على القبر " المحترم ولا يتكأ عليه ولا يستند إليه . " .
ولا يوطأ " عليه إلا لضرورة كأن لا يصل إلى ميته أو من يزوره وإن كان أجنبيا كما بحثه الأذرعي أو لا يتمكن من الحفر إلا بوطئه لصحة النهي عن ذلك .
والمشهور في ذلك الكراهة هو المجزوم به في الروضة وأصلها وأما ما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي A قال لأن يجلس أحدكم على جمرة فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر ففسر فيه الجلوس بالحدث وهو حرام بالإجماع وجرى المصنف في شرح مسلم وفي رياض الصالحين على الحرمة أخذا بظاهر الحديث والمعتمد الكراهة .
وأما غير المحترم كقبر حربي ومرتد وزنديق فلا يكره ذلك وإذا مضت مدة يتيقن أنه لم يبق من الميت في القبر شيء فلا بأس بالانتفاع به .
ولا يكره المشي بين المقابر بالنعل على المشهور لقوله A إنه ليسمع خفق نعالهم وما ورد من الأمر بإلقاء السبتيتين في أبي داود والنسائي بإسناد حسن يحتمل أن يكون لأنه من لباس المترفهين أو أنه كان فيهما نجاسة .
والنعال السبتية بكسر السين المدبوغة بالقرظ . " .
ويقرب زائره " منه " كقربه منه " في زيارته له " حيا " أي ينبغي له ذلك كما في الروضة كأصلها احتراما له .
نعم لو كان عادته منه البعد وقد أوصى بالقرب منه قرب منه لأنه حقه كما لو أذن له في الحياة قاله الزركشي .
وأما من كان يهاب في حال حياته لكونه جبارا كالولاة الظلمة فلا عبرة بذلك . " .
والتعزية " لأهل الميت صغيرهم وكبيرهم ذكرهم وأنثاهم " سنة " في الجملة مؤكدة لما رواه ابن ماجة والبيهقي بإسناد حسن ما من مسلم يعزي أخاه بمصيبته إلا كساه الله من حلل الكرامة يوم القيامة .
نعم الشابة لا يعزيها أجنبي وإنما يعزيها محارمها وزوجها وكذا من ألحق بهم في جواز النظر كما بحثه شيخنا و ابن حيران بأنه يستحب التعزية بالمملوك بل قال الزركشي يستحب أن ( 1 / 355 ) يعزي بكل من يحصل له عليه وجد كما ذكره الحسن البصري حتى الزوجة والصديق .
وتعبيرهم بالأهل جرى على الغالب وتندب البداءة بأضعفهم عن حمل المصيبة .
وخرج بقولنا في الجملة تعزية الذمي بذمي فإنها جائزة لا مندوبة .
وهي لغة التسلية عمن يعز عليه واصطلاحا الأمر بالصبر والحمل عليه بوعد الأجر والتحذير من الوزر بالجزع والدعاء للميت بالمغفرة وللمصاب بجبر المصيبة .
وتسن " قبل دفنه " لأنه وقت شدة الجزع والحزن " و " لكن " بعده " أولى لاشتغالهم قبله بتجهيزه إلا إن أفرط حزنهم فتقديمها أولى ليصبرهم .
وغايتها " ثلاثة أيام " تقريبا من الموت لحاضر ومن القدوم لغائب ومثل الغائب المريض والمحبوس فتكره التعزية بعدها إذ الغرض منها تسكين قلب المصاب والغالب سكونه فيها فلا يجدد الحزن ويكلف المعزى وأما ما ثبت عن عائشة رضي الله تعالى عنها من أنه A لما جاءه قتل زيد بن حارثة وجعفر وابن رواحة جلس في المسجد يعرف في وجهه الحزن فلا نسلم أن جلوسه كان لأجل أن يأتيه الناس ليعزوه . " .
ويعزى " بفتح الزاي " المسلم " أي يقال في تعزيته " بالمسلم أعظم " أي جعل " الله أجرك " عظيما " وأحسن " أي جعل الله " عزاءك " بالمد حسنا .
وزاد على المحرر قوله " وغفر لميتك " لأنه لائق بالحال وقدم الدعاء للمعزى لأنه المخاطب .
ويسن أن يبدأ قبله بما ورد من تعزية الخضر أهل بيت رسول الله A بموته إن في الله عزاء من كل مصيبة وخلفا من كل هالك ودركا من كل فائت فبالله فثقوا وإياه فارجوا فإن المصاب من حرم الثواب . " .
و " يعزى المسلم أي يقال في تعزيته " بالكافر " الذمي " أعظم الله أجرك وصبرك " وأخلف عليك أو جبر مصيبتك أو نحو ذلك كما في الروضة كأصلها لأنه اللائق بالحال .
قال أهل اللغة إذا احتمل حدوث مثل الميت أو غيره من الأموال يقال أخلف الله عليك بالهمز لأن معناه رد عليك مثل ما ذهب منك وإلا خلف عليك أي كان الله خليفة عليك من فقده .
ولا يقول غفر لميتك لأن الاستغفار للكافر حرام . " .
و " يعزى " الكافر " المحترم جوازا إلا إن رجي إسلامه فندبا أي يقال في تعزيته " بالمسلم غفر الله لميتك وأحسن عزاءك " وقدم الدعاء للميت في هذا لأنه لمسلم والحي كافر ولا يقال أعظم الله أجرك لأنه لا أجر له .
أما الكافر غير المحترم من حربي أو مرتد كما بحثه الأذرعي فلا يعزى وهل هو حرام أو مكروه الظاهر في المهمات الأول ومقتضى كلام الشيخ أبي حامد الثاني وهو الظاهر .
هذا إن لم يرج إسلامه فإن رجي استحبت كما يؤخذ من كلام السبكي ولا يعزى به أيضا .
ولم يذكر المصنف تعزية الكافر بالكافر لأنها غير مستحبة كما اقتضاه كلام الشرح والروضة بل هي جائزة إن لم يرج إسلامه كما مرت الإشارة إلى ذلك وإن كان قضية كلام التنبيه استحبابها مطلقا كما نبهت على ذلك في شرحه وصيغتها أخلف الله عليك ولا نقص عددك بالنصب والرفع ونحو ذلك لأن ذلك ينفعنا في الدنيا بكثرة الجزية وفي الآخرة بالفداء من النار .
قال في المجموع وهو مشكل لأنه دعاء بدوام الكفر فالمختار تركه .
ومنعه ابن النقيب بأنه ليس فيه ما يقتضي البقاء على الكفر ولا يحتاج إلى تأويله بتكثير الجزية " .
فائدة : .
سئل أبو بكرة عن موت الأهل فقال موت الأب قصم الظهر وموت الولد صدع في الفؤاد وموت الأخ قص الجناح وموت الزوجة حزن ساعة .
ولذا قال الحسن البصري من الأدب أن لا يعزى الرجل في زوجته وهذا من تفرداته .
ولما عزي A في بنته رقية قال الحمد لله دفن البنات من المكرمات رواه العسكري في الأمثال . " .
ويجوز البكاء عليه " أي الميت " قبل الموت " بالإجماع لكن الأولى عدمه بحضرة المحتضر قال في الروضة كأصلها والبكاء قبل الموت أولى منه بعده .
قال الإسنوي ومقتضاه طلب البكاء وبه صرح القاضي حسين فقال يستحب ( 1 / 356 ) إظهارا لكراهة فراقه وعدم الرغبة في ماله ونقله في المهمات عن ابن الصباغ ونظر فيه .
والظاهر أن المراد أنه أولى بالجواز لما سيأتي من أنه يكون بعد الموت أسفا على ما فات . " .
و " يجوز " بعده " أيضا ولو بعد الدفن لأنه A بكى على ولده إبراهيم قبل موته وقال إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون .
و بكى على قبر بنت له .
و زار قبر أمه فبكى وأبكى من حوله .
روى الأول الشيخان والثاني البخاري والثالث مسلم .
والبكاء عليه بعد الموت خلاف الأولى لأنه حينئذ يكون أسفا على ما فات نقله في المجموع عن الجمهور بل نقل في الأذكار عن الشافعي والأصحاب أنه مكروه .
والمعتمد الأول كما يشعر به قول المصنف ويجوز .
قال السبكي وينبغي أن يقال إذا كان البكاء للرقة على الميت وما يخشى عليه من عقاب الله تعالى وأهوال يوم القيامة فلا يكره .
ولا يكون خلاف الأولى وإن كان للجزع وعدم التسليم للقضاء فيكره أو يحرم ا . ه " .
والثاني أظهر .
قال الروياني ويستثنى ما إذا غلبه البكاء فإنه لا يدخل تحت النهي لأنه مما لا يملكه البشر .
وهذا ظاهر قال بعضهم وإن كان لمحبة ورقة كالبكاء على الطفل فلا بأس به والصبر أجمل وإن كان لما فقد من علمه وصلاحه وبركته وشجاعته فيظهر استحبابه أو لما فاته من بره وقيامه بمصالح حاله فيظهر كراهته لتضمنه عدم الثقة بالله .
قال الزركشي هذا كله في البكاء بصوت أما بمجرد دمع العين فلا منع منه ا . ه " .
ولفظ الأول ممدود والثاني مقصور قال كعب بن مالك بكت عيني وحق لها بكاها وما يغني البكاء ولا العويل ووهم الجوهري في نسبته لحسان . " .
ويحرم الندب بتعديد شمائله " جمع شمال كهلال وهي ما اتصف به الميت من الطباع الحسنة كقولهم واكهفاه واجبلاه لحديث ما من ميت يموت فيقوم باكيهم فيقول واجبلاه واسنداه أو نحو ذلك إلا وكل به ملكان يلهزانه أهكذا كنت رواه الترمذي وحسنه .
هذا إذا أوصى بذلك أو كان كافرا كما سيأتي واللهز الدفع في الصدر باليد وهي مقبوضة . " .
و " يحرم " النوح " وهو رفع الصوت بالندب قاله في المجموع .
وقيده غيره بالكلام المسجع وليس بقيد لخبر النائحة إذا لم تتب " قبل موتها " تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب رواه مسلم والسربال القميص . " .
و " يحرم " الجزع بضرب صدره ونحوه " كشق جيب ونشر شعر وتسويد وجه وإلقاء رماد على رأس ورفع صوت بإفراط في البكاء كما قاله الإمام ونقله في الأذكار عن الأصحاب لخبر الشيخين ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعى بدعوى الجاهلية .
ومن ذلك أيضا تغيير الزي ولبس غير ما جرت به العادة كما قاله ابن دقيق العيد .
قال الإمام والضابط كل فعل يتضمن إظهار جزع ينافي الانقياد والاستسلام لقضاء الله تعالى فهو محرم ولا يعذب الميت بشيء من ذلك ما لم يوص به قال تعالى " ولا تزر وازرة وزر أخرى " بخلاف ما إذا أوصى به كقول طرفة بن العبد إذا مت فانعيني بما أنا أهله وشقي علي الجيب يا ابنة معبد وعليه حمل الجمهور الأخبار الواردة بتعذيب الميت على ذلك .
فإن قيل ذنب الميت فيما إذا أوصى الأمر بذلك فلا يختلف عذابه بامتثالهم وعدمه .
أجيب بأن الذنب على السبب يعظم بوجود المسبب وشاهده خبر من سن سنة سيئة والأصح كما قاله الشيخ أبو حامد أن ما ذكر محمول على الكافر وغيره من أصحاب الذنوب .
قال المتولي وغيره ويكره إرثاء الميت بذكر أيامه وفضائله للنهي عن المراثي والأولى الاستغفار له والأوجه حمل النهي عن ذلك على ما يظهر فيه تبرم أو على فعله مع الاجتماع له أو على الإكثار منه أو على ما يجدد الحزن دون ما عدا ذلك فما زال كثير من الصحابة وغيرهم من العلماء يفعلونه وقد قالت فاطمة بنت النبي A فيه ماذا على من شم تربة أحمد أن لا يشم مدى الزمان غواليا صبت علي مصائب لو أنها صبت على الأيام عدن لياليا قلت هذه