أخر الغزالي هذا الباب عن الجنائز وذكره جماعة قبل باب الأذان وذكره المزني والجمهور هنا .
قال الرافعي ولعله أليق إن ترك " المكلف " الصلاة " المعهودة شرعا الصادقة بإحدى الخمس " جاحدا وجوبها " بأن أنكره بعد علمه به " كفر " بالجحد فقط لا به مع الترك .
وإنما ذكره المصنف لأجل التقسيم لأن الجحد لو انفرد كما صلى جاحدا للوجوب كان مقتضيا للكفر لإنكاره ما هو معلوم من الدين بالضرورة فلو اقتصر المصنف على الجحد كان أولى لأن ذلك تكذيب لله ولرسوله فيكفر به ونقل الماوردي الإجماع على ذلك .
وذلك جار في جحود كل مجمع عليه معلوم من الدين بالضرورة وسيأتي حكم المرتد في بابه إن شاء الله تعالى .
أما من أنكره جاهلا لقرب عهده بالإسلام أو نحوه ممن يجوز أن يخفى عليه كمن بلغ مجنونا ثم أفاق أو نشأ بعيدا عن العلماء فليس مرتدا بل يعرف الوجوب فإن عاد بعد ذلك صار مرتدا . " .
أو " تركها " كسلا " أو تركها تهاونا " قتل " بالسيف " حدا " لا كفرا لخبر الصحيحين أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله وخبر أبي داود وغيره خمس صلوات كتبهن الله على العباد فمن جاء بهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه فلو كفر لم يدخل تحت المشيئة وأما خبر مسلم بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة فمحمول على تركها جحدا أو على التغليظ أو المراد بين ما يوجبه الكفر من وجوب القتل جمعا بين الأدلة .
ويقتل تارك الطهارة للصلاة كما جزم به الشيخ أبو حامد لأنه ترك لها ويقاس بها الأركان وسائر الشروط ومحله فيما لا خلاف فيه أو فيه خلاف واه بخلاف القوي ففي فتاوى القفال لو ترك فاقد الطهورين الصلاة متعمدا أو مس شافعي الذكر أو لمس المرأة أو توضأ ولم ينو وصلى متعمدا لا يقتل لأن جواز صلاته مختلف فيه . " .
والصحيح قتله " وجوبا " بصلاة فقط " لظاهر الخبر " بشرط إخراجها عن وقت الضرورة " فيما له وقت ضرورة بأن تجمع مع الثانية في وقتها فلا يقتل بترك الظهر حتى تغرب الشمس ولا بترك المغرب حتى يطلع الفجر ويقتل في الصبح بطلوع الشمس وفي العصر بغروبها وفي العشاء بطلوع الفجر فيطالب بأدائها إذا ضاق وقتها ويتوعد بالقتل إن أخرجها عن الوقت فإن أصر وأخرج استوجب القتل .
فقول الروضة يقتل بتركها إذا ضاق وقتها محمول على مقدمات القتل بقرينة كلامها بعد وما قيل من أنه لا يقتل بل يعزر ويحبس حتى يصلي كترك ( 1 / 328 ) الصوم والزكاة والحج ولخبر لا يحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة ولأنه لا يقتل بترك القضاء مردود بأن القياس متروك بالنصوص والخبر عام مخصوص بما ذكر وقتله خارج الوقت إنما هو للترك بلا عذر .
على أنا نمنع أنه لا يقتل بترك القضاء مطلقا بل في ذلك تفصيل يأتي في خاتمة الباب .
ويقتل بترك الجمعة ولو قال أصليها ظهرا كما في زيادة الروضة عن الشاشي واختاره ابن الصلاح وقال في التحقيق إنه الأقوى لتركها بلا قضاء إذ الظهر ليس قضاء عنها خلافا لما في فتاوى الغزالي وجزم به في الحاوي الصغير من عدم القتل .
ويقتل بخروج وقتها بحيث لا يتمكن من فعلها إن لم يتب فإن تاب لم يقتل وتوبته أن يقول لا أتركها بعد ذلك كسلا .
ومحل الخلاف كما قال الأذرعي فيمن لزمه الجمعة إجماعا فإن أبا حنيفة يقول لا جمعة إلا على أهل مصر جامع .
ومقابل الصحيح أوجه أحدها يقتل إذا ضاق وقت الثانية لأن الواحد يحتمل تركها لشبهة الجمع .
والثاني إذا ضاق وقت الرابعة لأن الثلاث أقل الجمع فاغتفرت .
والثالث إذا ترك أربع صلوات قال ابن الرفعة لأنه يجوز أن يكون قد استند إلى تأويل من ترك النبي A يوم الخندق أربع صلوات .
والرابع إذا صار الترك له عادة .
والخامس لا يعتبر وقت الضرورة . " .
ويستتاب " عن الكل قبل القتل لأنه ليس أسوأ حالا من المرتد وهي مندوبة كما صححه في التحقيق وإن كان قضية كلام الروضة والمجموع أنها واجبة كاستتابة المرتد .
والفرق على الأول أن جريمة المرتد تقتضي الخلود في النار فوجبت الاستتابة رجاء نجاته من ذلك بخلاف تارك الصلاة فإن عقوبته أخف لكونه يقتل حدا بل مقتضى ما قاله المصنف في فتاويه من كون الحدود تسقط الإثم أنه لا يبقى عليه شيء بالكلية لأنه قد حد على هذه الجريمة والمستقبل لم يخاطب به وتوبته على الفور لأن الإمهال يؤدي إلى تأخير صلوات .
وفي قول يمهل ثلاثة أيام والقولان في الندب وقيل في الوجوب .
ولو قتله في مدة الاستتابة أو قبلها إنسان أثم ولا ضمان عليه كقاتل المرتد .
ولو جن أوسكر قبل فعل الصلاة لم يقتل فإن قتل وجب القود بخلاف نظيره في المرتد لا قود على قاتله لقيام الكفر ذكره في المجموع .
وقول الأذرعي نعم إن كان قد توجه عليه القتل وعاند قبل جنونه أو سكره فإنه لا قود على قاتله مبني على أن التوبة واجبة . " .
ثم " إن لم يتب ولم يبد عذرا " تضرب عنقه " بالسيف " وقيل ينخس بحديدة " وقيل يضرب بخشبة أي عصا " حتى يصلي أو يموت " لأن المقصود حمله على الصلاة لا قتله . " .
و " بعد الموت حكمه حكم المسلم الذي لم يترك الصلاة من أنه " يغسل " ثم يكفن " ويصلي عليه " بعد غسله كما سيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى في الباب الآتي . " .
ويدفن مع المسلمين " في مقابرهم " ولا يطمس قبره " كسائر أصحاب الكبائر من المسلمين .
وقيل لا يفعل معه شيء من هذه الأشياء ويطمس قبره إهانة له وعلى هذا يدفن في مقبرة منفردة كما قاله بعض المتأخرين لا في مقابر المسلمين ولا في مقابر الكفار .
فإن أبدى عذرا كأن قال تركتها ناسيا أو للبرد أو لعدم الماء أو لنجاسة كانت علي أو نحوها من الأعذار صحيحة كانت في نفس الأمر أو باطلة لم يقتل لأنه لم يتحقق منه تعمد تأخيرها عن الوقت بغير عذر لكن نأمره بها بعد ذكر العذر وجوبا في العذر الباطل وندبا في الصحيح كما قاله شيخنا بأن نقول له صل فإن امتنع لم يقتل لذلك .
فإن قال تعمدت تركها بلا عذر قتل سواء أقال ولم أصلها أو سكت لتحقق جنايته بتعمد التأخير .
تنبيه .
قول المتن ثم تضرب عنقه قيده الإسنوي وغيره بما إذا لم يتب ولا حاجة إليه لأن الكلام فيما إذا تركها فإذا صلاها زال الترك .
فإن قيل لم لم يقل وإن تاب فإنه يقتل حدا والحدود لا تسقط بالتوبة والقتل على التأخير عن الوقت عمدا كما في زيادة الروضة وقد وجد فكيف تنفعه التوبة فهي كمن سرق نصابا ثم رده فإن القطع لا يسقط أجيب بأن الحد إنما هو على ترك فعل الصلاة وقد فعل الصلاة التي كان الحد لأجل تركها كما قاله الأذرعي وغيره أو أنه أعطى تأخير الصلاة عن الوقت عمدا مع تركها فالعلة مركبة منهما كما قاله ابن شهبة فإذا صلى زالت العلة وهذا أولى .
خاتمة من ترك الصلاة بعذر كنوم أو نسيان لم يلزمه قضاؤها فورا لكن يسن له المبادرة بها أو بلا عذر لزمه ( 1 / 329 ) قضاؤها فورا لتقصيره لكن لا يقتل بفائتة فائتة بعذر لأن وقتها موسع أو بلا عذر وقال أصليها لنوبته بخلاف ما إذا لم يقل ذلك كما مرت الإشارة إليه .
ولو ترك منذورة مؤقتة لم يقتل كما علم من تقييد الصلاة بإحدى الخمس لأنه الذي أوجبها على نفسه وفيه احتمال للشيخ أبي إسحاق .
قال الغزالي ولو زعم زاعم أن بينه وبين الله حاجة أسقطت عنه الصلاة وأحلت له شرب الخمر وأكل مال السلطان كما زعمه بعض من ادعى التصوف فلا شك في وجوب قتله وإن كان في خلوده في النار نظر وقتل مثله أفضل من قتل مائة كافر لأن ضرره أكثر . "