" ولو اشتبه " على أحد " ماء " أو تراب " طاهر " أي طهور " ب " ماء أو تراب " نجس " أي متنجس أو بماء أو تراب مستعمل " اجتهد " في المشتبهين منهما لكل صلاة أرادها بعد الحدث وجوبا إن لم يقدر على طاهر بيقين موسعا إن لم يضق الوقت ومضيقا إن ضاق وجوازا إن قدر على طهور بيقين كأن كان على شط نهر أو بلغ الماءان قلتين بالخلط بلا تغير لجواز العدول إلى المظنون مع وجود المتيقن لأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم كان بعضهم يسمع من بعض مع قدرته على المتيقن وهو سماعه من النبي A قال الولي العراقي : ولا حاجة لهذا التفصيل بل هو محمول على الوجوب مطلقا ووجود متيقن لا يمنع وجوب الاجتهاد في هذين لأن كلا من خصال المخير يصدق عليه أنه أوجب ا . ه .
وفيما قاله كما قال الجلال الكبري نظر وإن كنت جريت عليه في شرح التنبيه لأنه مع وجود الطاهر بيقين اختلف في جواز الاجتهاد فيه كما سيأتي فضلا عن وجوبه والأفضل عدم الاجتهاد فمطلوب الترك كيف يوصف بوجوبه فإن قيل : لابس الخف الأفضل له الغسل مع أن الواجب عليه أحد الأمرين قلت : لم يختلف هناك في جواز المسح مع القدرة على الغسل بخلافه هنا والاجتهاد والتحري والتأخي : بذل الجهد في طلب المقصود والجهد بفتح الجيم وضمها : هو الطاقة قال تعالى : ( فأولئك تحروا رشدا ) وقال الشاعر : .
فتحريت أحسب الثغر عقدا لسليمى وأحسب العقد ثغرا .
فلثمت الجميع قطا لشكي وكذا فعل كل من يتحرى " .
وتطهر بما ظن طهارته " أي طهوريته بأمارة كأطراب أو رشاش أو تغير أو قرب كلب فيغلب على الظن نجاسة هذا وطهارة غيره وله معرفة ذلك بذوق أحد الإناءين ولا يقال يلزم منه ذوق النجاسة لأن الممنوع ذوق النجاسة المتيقنة نعم ممتنع عليه ذوق الإناءين لأن النجاسة تصير متيقنة كما أفاده شيخي وإن خالف في ذلك بعض العصريين فلو هجم وأخذ أحد المشتبهين من غير اجتهاد وتطهر به لم تصح طهارته وإن وافق الطهور بأن انكشف له الحال لتلاعبه " وقيل إن قدر على طاهر " أي طهور " بيقين " كأن كان على شط نهر في استعمال الماء أو في صحراء في استعمال التراب " فلا " يجوز له الاجتهاد كمن بمكة ولا حائل بينه وبين الكعبة وقال A : ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ) رواه الإمام أحمد وصححه الحاكم والترمذي .
وأجاب الأول : بأن القبلة في جهة واحدة فإذا قدر عليها كان طلبه لها في غيرها عبثا وبأن الماء مال وفي الإعراض عنه تفويت مالية مع إمكانها بخلاف القبلة وعن الحديث بأنه محمول على الندب فإن قيل : كان ينبغي للمصنف أن يقول على طاهر معين فإن أحد المشتبهين طاهر بيقين أجيب : بأنه لا حاجة إلى ذلك لأنه وإن كان طاهرا بيقين لا يقدر عليه وقد فرض المصنف الخلاف فيما إذا قدر على طاهر بيقين . " .
والأعمى " في الاجتهاد فيما ذكر " كبصير في الأظهر " لأنه يدرك الأمارة باللمس أو الشم أو الذوق على ما تقدم أو الاستماع كاضطراب الغطاء وقضية التعليل بما ذكر أن الأعمى لو فقد هذه الحواس التي يدرك بها ذلك أنه لا يجتهد قال الأذرعي : وينبغي الجزم به وهو حسن والثاني : لا يجتهد لأن ( 1 / 27 ) النظر له أثر في حصول الظن في المجتهد فيه وقد فقده فلم يجز كالقبلة وأجاب الأول : بأن القبلة أدلتها بصرية وبما قدرته سقط ما قيل : إنه لو قال " والأعمى يجتهد في الأظهر " لكان أحسن أي لأن المراد أنه كالبصير في أصل الاجتهاد وإن خالفه في بعض الصور فإن الأعمى إذا تحير قلد بصيرا على الأصح وقيل : لا كالبصير قال في المجموع : فإن لم يجد من يقلده أو وجده فتحير تيمم . " .
أو " اشتبه عليه " ماء وبول " أو نحوه كأن انقطعت رائحته " لم يجتهد " فيهما " على الصحيح " سواء أكان أعمى أم بصيرا لأن الاجتهاد يقوي ما في النفس من الطهارة الأصلية والبول لا أصل له فيها فامتنع الاجتهاد .
فإن قيل : البول له أصل في الطهارة فإن أصله ماء أجيب : بأنه ليس المراد بقولهم له أصل في التطهير الحالة التي كان عليها من قبل حتى يرد عليهم ذلك بل المراد إمكان رده إلى الطهارة بوجه وهذا متحقق في المتنجس بالمكاثرة بخلاف البول والثاني : يجوز كالماء المتنجس وقال الإمام : إنه المتجه في القياس واختاره البلقيني " بل يخلطان " بنون الرفع كما في خط المصنف استئنافا أو عطفا على لم يجتهد بناء على ما قاله ابن مالك : أن " بل " تعطف الجمل فسقط بذلك ما قيل : إن الصواب حذف النون لأنه مجزوم بحذفها عطفا على يجتهد لكن الأصح خلاف ما قاله ابن مالك إذ شرط العطف ببل إفراد معطوفها أي كونه مفردا فإن تلاها جملة لم تكن عاطفة بل حرف ابتداء لمجرد الإضراب ولا يجوز عطف يخلطان على يجتهد وأن يقرأ بحذف النون - كما قاله بعض الشراح - لفساد المعنى إذ يصير التقدير : بل لم يخلطا .
قال المصنف : والصب كالخلط . " ثم يتيمم " لتعذر استعمال الماء فإن تيمم قبل ذلك لم يصح لأنه تيمم بحضرة ماء متيقن الطهارة مع تقصيره بترك إعدامه فما ذكر شرط لصحة التيمم كما صححه المصنف في شرح المهذب . فما ذكر شرط لعدم وجوب القضاء وهو مقتضى كلام الرافعي في الشرحين والمصنف في الروضة والتحقيق . و " بل " هنا وفيما يأتي للانتقال من غرض إلى آخر لا للإبطال . " .
أو " اشتبه عليه ماء " وماء ورد " كأن انقطعت رائحته " توضأ بكل " منهما " مرة " ليتيقن استعمال الطهور ولا يجتهد لأن ماء الورد لا أصل له في التطهير . ويعذر في عدم الجزم بالنية كنسيان إحدى الخمس وإن أمكنه الجزم بها بأن يأخذ غرفة من كل منهما في يد ويستعملها في شقي الوجه دفعة واحدة من غير خلط مقترنا بالنية ثم يعيد غسل وجهه ويكمل وضوءه بأحدهما ثم يتوضأ بالآخر للمشقة عليه في ذلك وظاهر كلامهم أن ذلك جائز له عند قدرته على طهور بيقين وإن كان مقتضى العلة - كما قال في المجموع - الامتناع .
واستشكل الإسنوي وجوب الوضوء بالماء وماء الورد بما ذكروه فيمن معه ماء لا يكفيه لوضوئه ولو كمله بمائع يستهلك فيه كماء ورد وغيره أنه يلزمه التكميل بشرط أن لا يزيد ثمنه على ثمن القدر الناقص فكيف يوجبون هنا استعمال ماء كامل وماء ورد مثله وهو يزيد على ذلك ؟ فالصواب الانتقال إلى التيمم وأجيب عنه بجوابين : الأول : أنه هنا قدر على طهارة كاملة بالماء وقد اشتبه وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب وهناك لم يقدر على الكاملة فتكليفه التكميل بأزيد مما أوجبه الشرع عليه لا يتجه . الثاني : أن صورة المسألة هنا في ماء ورد انقطعت رائحته وصار كالماء وذلك لا قيمة له غالبا أو قيمته تافهة بخلاف تلك . ويؤخذ من ذلك أنه لو زادت قيمته على قيمة ماء الطهارة لم يلزمه استعماله ويتيمم كما جزم به ابن المقري في " الروضة " . " وقيل له الاجتهاد " فيهما كالماءين وفرق الأول بمثل ما مر في البول . قال المارودي : وله أن يجتهد فيهما لشرب ماء الورد فإذا بان له بالاجتهاد أن أحدهما ما ورد أعده للشرب وله التطهير بالآخر للحكم عليه بأنه ماء . واستشكل بأن الشرب لا يحتاج إلى اجتهاد وأجيب : بأن الشرب وإن لم يحتج إليه لكن شرب ماء الورد في ظنه يحتاجه فيه إليه .
تنبيه : .
للاجتهاد شروط علم بعضها مما مر الأول : أن يتأيد بأصل الحل فلا يجتهد فيما اشتبه ببول كما تقدم . الثاني : أن يقع الاشتباه في متعد فلو تنجس أحد كميه أو إحدى يديه وأشكل فلا يجتهد كما سيأتي في شروط الصلاة إن شاء الله تعالى . الثالث : أن يبقى المشتبهان فلو تلف أحدهما لم يجتهد في الباقي بل يتيمم ولا يعيد وإن بقي الآخر لأنه ممنوع من استعماله غير قادر على الاجتهاد . الرابع : بقاء الوقت فلو ضاق عن الاجتهاد تيمم وصلى وأعاد قاله العمراني في البيان . الخامس : أن يكون للعلامة فيه مجال بأن يتوقع ظهور الحال فيه كالثياب والأواني والأطعمة فلا يجتهد فيما إذا اشتبهت محرمة بأجنبية وكأنه رأى - كالرافعي - أن هذه الأشياء تخرج بتأييد الاجتهاد بالأصل فاكتفى به . وشرط الأخذ والعمل بالاجتهاد أن تظهر ( 1 / 28 ) بعده العلامة