" استقبال القبلة " بالصدر لا بالوجه " شرط لصلاة القادر " على الاستقبال لقوله تعالى : ( فول وجهك شطر ) أي نحو ( المسجد الحرام ) .
والاستقبال لا يجب في غير الصلاة فتعين أن يكون فيها وقد ورد أنه A قال للمسيء صلاته وهو خلاد بن رافع الزرقي الأنصاري : ( إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة ) رواه الشيخان ورويا أنه A ركع ركعتين قبل الكعبة أي وجهها وقال : ( هذه القبلة ) مع خبر : ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) فلا تصح الصلاة بدونه إجماعا .
والقبلة في اللغة : الجهة . والمراد هنا الكعبة ولو عبر بها لكان أولى لأنها القبلة المأمور بها .
ولكن القبلة صارت في الشرع : حقيقة الكعبة لا يفهم منها غيرها .
سميت قبلة لأن المصلي يقابلها وكعبة لارتفاعها . وقيل : لاستدارتها .
أما العاجز عنه كمريض لا يجد من يوجهه إليها ومربوط على خشبة فيصلي على حاله ويعيد وجوبا .
قال في " الكفاية " : ووجوب الإعادة دليل على الاشتراط أي فلا يحتاج إلى التقييد بالقادر فإنها شرط للعاجز أيضا بدليل القضاء ولذلك لم يذكره في " التنبيه " و " الحاوي " .
واستدرك على ذلك السبكي فقال : لو كان شرطا لما صحت الصلاة بدونه ووجوب القضاء لا دليل فيه ا . ه . وفي هذا نظر لأن الشرط إذا فقد تصح الصلاة بدونه وتعاد كفاقد الطهورين ثم رأيت الأذرعي تعرض لذلك . " .
إلا في " صلاة " شدة الخوف " فيما يباح من قتال أو غيره فرضا كانت أو نفلا فليس التوجه بشرط فيها لقوله تعالى : ( فإن خفتم فرجالا أو ركبانا ) قال ابن عمر : مستقبلي القبلة وغير مستقبليها . رواه البخاري في التفسير .
قال في " الكفاية " : نعم لو قدر أن يصلي قائما إلى غير القبلة وراكبا إلى القبلة وجب الاستقبال راكبا لأنه آكد من القيام لأن القيام يسقط في النافلة بغير عذر بخلاف الاستقبال .
وقد أعاد المصنف المسألة مبسوطة في صلاة الخوف ونذكر ما فيها هناك إن شاء الله تعالى . " .
و " إلا في " نفل السفر " المباح لقاصد محل معين لأن النفل يتوسع فيه كجوازه قاعدا للقادر وخرج بذلك النفل في الحضر فلا يجوز وإن احتيج فيه للتردد كما في السفر لعدم وروده . " .
فللمسافر " السفر المذكور " التنفل راكبا " لحديث جابر قال : ( كان رسول الله A يصلي على راحلته حيث توجهت به أي في جهة مقصده فإذا أراد الفريضة نزل فاستقبل القبلة ) رواه البخاري . " .
وماشيا " قياسا على الراكب بل أولى .
والحكمة في التخفيف في ذلك على المسافر أن الناس محتاجون إلى الأسفار فلو شرط فيها الاستقبال للنفل لأدى إلى ترك أورادهم أو مصالح معايشهم ويشترط ترك الأفعال الكثيرة من غير عذر كالركض والعدو . " .
ولا يشترط طول سفره على المشهور " لعموم الحاجة قياسا على ترك الجمعة والسفر القصير .
قال الشيخ أبو حامد وغيره : مثل أن يخرج إلى ضيعة مسيرتها ميل أو نحوه . وقال القاضي و البغوي : أن يخرج إلى مكان لا تلزم فيه الجمعة لعدم سماع النداء وهما متقاربان .
والثاني : يشترط كالقصر وفرق الأول بأن النفل أخف فيتوسع فيه ولهذا جاز من قعود في الحضر مع القدرة على القيام . " .
فإن أمكن " أي سهل " استقبال الراكب " غير ملاح " في مرقد " كمحمل واسع وهودج في جميع صلاته " وإتمام " الأركان كلها أو بعضها نحو " ركوعه وسجوده لزمه " ذلك لتيسره عليه كراكب السفينة وفي قول لا يلزمه لأن الحركة ( 1 / 143 ) تضر بالدابة بخلاف السفينة . " .
وإلا " أي وإن لم يمكن أي يسهل ذلك كأن كان على سرج أو قتب " فالأصح إنه إن سهل الاستقبال " بأن تكون الدابة واقفة وأمكن انحرافه عليها أو تحريفها أو سائرة وبيده زمامها وهي سهلة " وجب " لتيسيره عليه " وإلا " أي وإن لم يسهل بأن كانت الدابة سائرة وهي مقطورة ولم يسهل انحرافه عليها أو جموح لا يسهل تحريفها " فلا " يجب للمشقة واختلال أمر السير عليه . وقيل : يجب عليه مطلقا فإن تعذر لم تصح صلاته . وقيل : لا يجب مطلقا لأن وجوبه يشوش عليه السير . " .
ويختص " وجوب الاستقبال " بالتحرم " فلا يجب فيما عداه وإن سهل والفرق أن الانعقاد يحتاط له ما لا يحتاط لغيره لوقوع أول الصلاة بالشرط ثم يجعل ما بعده تابعا له ويدل لذلك ( أنه A كان إذا سافر فأراد أن يتطوع استقبل بناقته القبلة فكبر ثم صلى حيث وجهه ركابه ) رواه أبو داود بإسناد حسن كما قاله في " المجموع " . " .
وقيل يشترط في السلام أيضا " لأنه آخر طرفي الصلاة فاشترط فيه ذلك كالتحرم والأصح المنع كما في سائر الأركان ولا يشترط فيما بينهما جزما .
قال في " المهمات " : وقضية كلام الشيخين فيما إذا كانت سهلة أنه لا يلزمه الاستقبال في غير التحرم أيضا وإن كانت واقفة وهو بعيد . قال ابن الصباغ : والقياس أنه مهما دام واقفا لا يصلي إلا إلى القبلة وهو متعين .
وفي " الكفاية " عن الأصحاب : أنه لو وقف لاستراحة وانتظار رفقة لزمه الاستقبال ما دام واقفا فإن سار أتم صلاته إلى جهة سفره إن كان سيره لأجل سير الرفقة وإن كان مختارا له بلا ضرورة لم يجز أن يسير حتى تنتهي صلاته لأنه بالوقوف لزمه فرض التوجه . وفي " شرح المهذب " عن " الحاوي " نحوه ا . ه .
وما قاله - كما قال شيخي - ظاهر في الواقفة ولكن لا يلزمه بالوقوف إتمام التوجه لظاهر الحديث السابق .
أما الماشية فلا يجب الاستقبال عليها في غير التحرم وإن سهل .
أما ملاح السفينة وهو الذي يسيرها فلا يلزمه توجه لأن تكليفه ذلك يقطعه عن التنفل أو عمله بخلاف بقية من في السفينة فإنه يلزمهم ذلك وهذا ما صححه المصنف في " التحقيق " وغيره وإن صحح الرافعي في " الشرح الصغير " اللزوم . " .
ويحرم انحرافه عن " صوب " طريقه " لأنه بدل عن القبلة " إلا إلى القبلة " لأنها الأصل حتى لو انحرف بركوبه مقلوبا عن صوب مقصده إلى القبلة لم يضر سواء أكانت القبلة خلفه أم لا خلافا لما وقع في الدميري من أنه يضر إذا كانت خلفه فإن انحرف إلى غيرها عالما مختارا بطلت صلاته وكذا النسيان أو خطأ طريق أو جماح دابة إن طال الزمن وإلا فلا ولكن يسجد للسهو لأن عمد ذلك مبطل وفعل الدابة منسوب إليه وهذا ما جزم به ابن الصباغ وصححاه في الجماح و الرافعي في " الشرح الصغير " في النسيان ونقله الخوارزمي فيه عن الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه وقال الإسنوي : تتعين الفتوى به .
لكن المنصوص فيه - كما في " الروضة " وأصلها - أنه لا يسجد وصححه في " المجموع " وغيره والمعتمد الأول . ولو انحرفت الدابة بنفسها من غير جماح وهو غافل عنها ذاكرا للصلاة ففي " الوسيط " إن قصر الزمان لم تبطل وإلا فوجهان ا . ه . قال شيخنا : أوجههما البطلان .
ولو أحرفه غيره قهرا بطلت وإن عاد عن قرب لندرته ولو كان لصوب مقصده طريقان : .
أحدهما : يستقبل فيه القبلة .
والآخر : لا يستقبل فيه فسلكه . فهل يشترط فيه أن يكون له غرض في سلوكه كما في مسافة القصر لم أر من ذكره والظاهر - كما قال شيخي - عدم الاشتراط والفرق بينهما أن النفل يتوسع فيه . " .
ويوميء " أي يكفيه الإيماء " بركوعه وسجوده " ويكون سجوده " أخفض " من ركوعه وفي بعض النسخ وسجوده وجوبا إن أمكن تمييزا بينهما للاتباع .
ولا يجب عليه وضع الجبهة على السرج ونحوه لما فيه من المشقة ولا أن ينحني غاية الوسع وذلك لما روى البخاري : ( أنه A كان يصلي على راحلته حيث توجهت به يوميء إيماء إلا الفرائض ) وفي حديث الترمذي في صلاته A على الراحلة بالإيماء يجعل السجود أخفض من الركوع . " .
والأظهر أن الماشي يتم " وجوبا " ركوعه وسجوده ويستقبل فيهما ( 1 / 144 ) وفي إحرامه " وجلوسه بين سجدتيه لسهولته عليه بالمكث .
والثاني : يكفيه أن يوميء بالركوع والسجود كالراكب . ولا يلزمه الاستقبال فيهما ويلزمه في الإحرام على الأصح ولا يلزمه على القولين في السلام . " .
و " الأظهر أنه " لا يمشي " أي يحرم عليه المشي " إلا في قيامه " الشامل لاعتداله " وتشهده " ولو التشهد الأول فلا يجوز له أن يمشي في غيرهما كجلوسه بين السجدتين .
والثاني : لا يمشي إلا في القيام فقط .
والثالث : لا يشترط اللبث بالأرض في شيء ويؤمىء بالركوع والسجود كالراكب .
فإن قيل : قيام الاعتدال ركن قصير فلم جوزتم فيه المشي دون الجلوس بين السجدتين ؟ أجيب : بأن مشى القائم سهل فسقط عنه التوجه فيه ليمشي فيه شيئا من سفره قدر ما يأتي بالذكر المسنون فيه ومشي الجالس لا يمكن إلا بالقيام وهو غير جائز فلزمه التوجه فيه . ولو بلغ المسافر المحط الذي ينقطع به السير أو بلغ طرف بنيان بلد تلزم الإقامة به أو نوى وهو مستقل ماكث بمحل الإقامة به وإن لم يصلح لها لزمه أن ينزل عن دابته إن لم يستقر في نحو هودج ولم يمكنه أن يتمها مستقبلا وهي واقفة لانقطاع سفره الذي هو سبب الرخصة بخلاف المار بذلك ولو بقرية له فيها أهل فلا يلزمه النزول .
فالشرط في جواز التنفل راكبا وماشيا دوام السفر والمسير فلو نزل في أثناء صلاته لزمه أن يتمها للقبلة قبل ركوبه .
فإن ركب قبل ذلك أو ابتدأها وهو نازل للقبلة ثم ركب قبل أن يتمها بطلت صلاته إلا أن يضطر إلى الركوب .
وله العدو وركض الدابة في صلاته لحاجة تتعلق بسفره كخوف تخلفه عن الرفقة .
فإن فعل ذلك بلا حاجة أو لحاجة لا تتعلق بالسفر كصيد يريد إمساكه بطلت صلاته وإن كان ظاهر كلام ابن المقري في الثانية أنها لا تبطل .
ولو بالت أو راثت دابته أو أوطأها نجاسة لم يضر لأنه لم يلاقها . نعم قال صاحب " العباب " : لو دمي الدابة وعنانها بيده ضر ا . ه .
وينبغي أن يلحق بذلك كل نجاسة اتصلت بالدابة وعنانها بيده أخذا من مسألة مسك الحبل المتصل بساجور الكلب وهذا ظاهر إذا صلى عليها وهي واقفة فإن كانت سائرة لم يضر لأن الحاجة تدعو إلى ذلك .
أما الماشي فتبطل صلاته إن وطئ نجاسة عمدا ولو يابسة وإن لم يجد معدلا عن النجاسة كما جزم به ابن المقري وهو مقتضى كلام " التحقيق " بخلاف ما لو وطئها ناسيا وهي يابسة للجهل بها مع مفارقته لها حالا فأشبهت ما لو وقعت عليه فنحاها في الحال وهي يابسة أو رطبة وهي معفو عنها كذرق طير عمت به البلوى كما جزم به ابن المقري أيضا .
ولا يكلف التحفظ والاحتياط في المشي لأن تكليفه يشوش عليه غرض السير . " .
ولو صلى " مميز " فرضا على دابة واستقبل وأتم ركوعه وسجوده " وسائر أركانه بأن كان في نحو هودج " وهي واقفة " وإن لم تكن معقولة أو على سرير يحمله رجال وإن مشوا وفي أرجوحة وفي الزورق الجاري " جاز " وقيد في " المحرر " و " التنبيه " الدابة بالمعقولة .
قال المصنف في " الدقائق " : الصواب حذفه . " .
أو سائر فلا " يجوز لأن سيرها منسوب إليه بدليل جواز الطواف عليها .
وفرق المتولي بينها وبين الرجال السائرين بالسرير بأن الدابة لا تكاد تثبت على حالة واحدة فلا تراعى الجهة بخلاف الرجال قال : حتى لو كان للدابة من يلزم لجامها ويسيرها بحيث لا تختلف الجهة جاز ذلك .
ويؤخذ منه أنه لو كان الحامل للسرير غير مميز كمجنون لم يصح لما ذكر وشملت عبارته الصلاة المنذورة وصلاة الجنازة لسلوكهم بالأول مسلك واجب الشرع ولأن الركن الأعظم في الثانية القيام وفعلها على الدابة السائرة يمحو صورتها فإن فرض إتمامها عليها فكذلك كما اقتضاه كلامهم خلافا لما صرح به الإمام من الجواز وصوبه الإسنوي لأن الرخصة في النفل إنما كانت لكثرته وتكرره وهذه نادرة .
ولا يجوز لمن يصلي فرضا في سفينة ترك القيام إلا من عذر كدوران رأس ونحوه فإن حولتها الريح فتحول صدره عن القبلة وجب رده إليها ويبني إن عاد فورا وإلا بطلت صلاته .
ويصلي المصلوب أو الغريق ونحوه حيث توجه للضرورة ويعيد . " .
ومن صلى " فرضا أو نفلا " في الكعبة واستقبل جدارها أو بابها مردودا أو مفتوحا مع ارتفاع عتبته ثلثي ذراع " بذراع الآدمي تقريبا " أو " صلى " على سطحها " أو في عرصتها إذا انهدمت والعياذ بالله تعالى . " .
مستقبلا من بنائها ( 1 / 145 ) ما سبق " وهو قدر ثلثي ذراع أو استقبل شاخصا كذلك متصلا بالكعبة وإن لم يكن منها كشجرة نابتة وعصا مسمرة أو مبنية وإن لم يكن قدر قامته طولا وعرضا " جاز " أي ما صلاه لأنه متوجه إلى جزء من الكعبة أو إلى ما هو كالجزء منها وإن خرج بعضه عن محاذاة الشاخص لأنه مواجه ببعضه جزءا وبباقيه هواء الكعبة بخلاف ما إذا كان الشاخص أقل من ثلثي ذراع فلا تصح الصلاة إليه لأنه سترة المصلي فاعتبر فيها قدرها لأنه A سئل عنها فقال : ( كمؤخرة الرحل ) رواه مسلم .
وظاهر كلامهم أنه لو استقبل الشاخص المذكور في حال قيامه دون بقية صلاته كأن استقبل خشبة عرضها ثلثا ذراع معترضة في باب الكعبة تحاذي صدره في حال قيامه دون بقية صلاته أنها تصح وفي ذلك وقفة بل الذي ينبغي أنها لا تصح في هذه الحالة إلا على الجنازة لأنه مستقبل في جميع صلاته بخلاف غيرها لأنه في حال سجوده غير مستقبل لشيء منها .
ولو أزيل هذا الشاخص في أثناء صلاته لم يضر لأنه يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء وبخلاف ما إذا صلى إلى متاع موضوع أو زرع نابت أو خشبة مغروزة فيها لم تصح صلاته لأن ذلك ليس كالجزء منها .
فإن قيل : قد عدوا الأوتاد المغروزة من الدار بدليل دخولها في بيع الدار فلم لم يعدوا العصا المغروزة في الكعبة منها . أجيب : بأن العادة جرت بغرز الأوتاد في الدار للمصلحة فعدت من الدار لذلك .
ولو وقف خارج العرصة ولو على جبل أجزأه ولو بغير شاخص لأنه يعد متوجها إليها بخلاف المصلي فيها والغرض في القبلة إصابة العين في القرب يقينا وفي البعد ظنا فلا يكفي إصابة الجهة للأدلة السابقة أول الفصل .
فلو خرج عن محاذاة الكعبة ببعض بدنه بأن وقف بطرفها وخرج عنه ببعضه بطلت صلاته .
ولو امتد صف طويل بقرب الكعبة وخرج بعضهم عن المحاذاة بطلت صلاته لأنه ليس مستقبلا لها ولا شك أنهم إذا بعدوا عنها حاذوها وصحت صلاتهم وإن طال الصف : لأن صغير الحجم كلما زاد بعده زادت محاذاته كغرض الرماة واستشكل بأن ذلك إنما يحصل مع الانحراف .
ولو استقبل الركن صح - كما قاله الأذرعي - لأنه مستقبل البناء المجاور للركن وإن كان بعض بدنه خارجا عن الركن من الجانبين بخلاف ما لو استقبل الحجر - بكسر الحاء - فقط لأنه لا يكفي لأن كونه من البيت مظنون لا مقطوع به لأنه إنما ثبت بالآحاد .
ولو استدبر الكعبة ناسيا وطال الزمن بطلت صلاته لمنافاة ذلك لها بخلاف ما إذا قصر أو أميل عنها قهرا بطلت صلاته وإن قصر الزمن .
وصلاة النفل في الكعبة أفضل منه خارجها وكذا الفرض إن لم ترج جماعة خارجها فإن رجيت فخارجها أفضل لأن المحافظة على فضيلة تتعلق بنفس العبادة أولى من المحافظة على فضيلة تتعلق بمكانها كالجماعة ببيته فإنها أفضل من الانفراد في المسجد وكالنافلة ببيته فإنها أفضل منها في المسجد وإن كان المسجد أفضل منه وإنما لم يراع خلاف من قال بعدم صحة الصلاة في الكعبة لعدم احترامه بمخالفته لسنة صحيحة فإنه A صلى فيها . " .
ومن أمكنه علم القبلة " بأن كان بحضرة البيت أو بمكة ولا حائل أو على جبل أبي قبيس أو على سطح بحيث يعاينها وشك فيها لظلمة أو غيرها لم يعمل بغير علمه و " حرم عليه التقليد " أي الأخذ بقول مجتهد " والاجتهاد " أي العمل به كالحاكم يجد النص وكذا يحرم عليه الأخذ بخبر الغير كما يعلم مما سيأتي .
ولو عبر المصنف بقوله : " حرم عليه الرجوع إلى غيره " لشمله فإن قبول قول المخبر ليس تقليدا .
ولو بنى محرابه على العيان صلى إليه أبدا ولا يحتاج في كل صلاة إلى المعاينة وكذا لو صلى بالمعاينة لا يحتاج إليها في كل صلاة .
وفي معنى المعاين من نشأ بمكة وتيقن إصابة القبلة وإن لم يعاينها حين يصلي .
ولو حال بين الحاضر بمكة وبين الكعبة حائل خلقي كجبل أو حادث كبناء جاز له أن يجتهد للمشقة في تكليف المعاينة كما ذكره في " التحقيق " ومحله إذا كان لحاجة فإن بنى حائلا منع المشاهدة بلا حاجة لم تصح صلاته بالاجتهاد لتفريطه ومحله أيضا عند فقد المخبر عن علم فإن وجب فهو مقدم على الاجتهاد كما سيأتي .
ولا يجوز له الاجتهاد في محاريب المسلمين ومحاريب معظم طريقهم وقراهم القديمة إن نشأ بها قرون من المسلمين وإن صغرت وخربت إن سلمت من الطعن لأنها لم تنصب إلا بحضرة جمع من أهل المعرفة بالأدلة فجرى ذلك مجرى الخبر عن علم إلا تيامنا وتياسرا فيجوز إذ لا يبعد الخطأ فيهما بخلافه في الجهة .
ولا يجوز ذلك في محراب النبي A ومساجده التي صلى فيها إن علمت لأنه لا يقر A ( 1 / 146 ) على خطأ فلو تخيل حاذق فيها يمنة أو يسرة فخياله باطل .
ومحاريبه كل ما ثبتت صلاته فيه إذ لم يكن في زمنه A هذا المحراب الذي هو الطاق المعروف .
والمحراب لغة : صدر المجلس سمي به لأن المصلي يحارب فيه الشيطان .
وألحق بعض الأصحاب قبلة البصرة والكوفة بموضع صلى فيه النبي A لنصب الصحابة لهما .
ويجوز الاجتهاد في خربة أمكن أن يكون بناها الكفار وكذا في طريق يندر مرور المسلمين بها أو يستوي مرور الفريقين بها . " .
وإلا " أي وإن لم يمكنه علم القبلة بشيء مما ذكر " أخذ " وجوبا " بقول ثقة " بصير مقبول الرواية ولو عبدا أو امرأة " يخبر عن علم " بالقبلة أو المحراب المعتمد .
ولا يجوز له الاجتهاد ويجب عليه السؤال عمن يخبره بذلك عند الحاجة إليه .
فإن قيل : قد يشكل هذا بما تقدم من أن من بمكة وبينه وبين القبلة حائل لا يكلف الصعود .
أجيب : بأن السؤال لا مشقة فيه بخلاف الصعود فإن فرض أن عليه في السؤال مشقة لبعد المكان أو نحوه كان الحكم فيها كما في تلك نبه على ذلك الزركشي .
وخرج بمقبول الرواية غيره كفاسق وصبي مميز وكافر .
ويعتمد الأعمى ومن في ظلمة المحراب بالمس وإن لم يرياه قبل ذلك كما يعتمده البصير الذي ليس في ظلمة بالمشاهدة .
تنبيه : .
قد علم من عدم جواز الاجتهاد مع القدرة على الخبر عدم جواز الأخذ بالخبر مع القدرة على اليقين وهو كذلك فلا يجوز للأعمى ولا لمن هو في ليلة مظلمة الأخذ به مع القدرة على اليقين باللمس نبه على ذلك شيخنا .
نعم إن حصل له بذلك مشقة جاز له الأخذ بقول ثقة يخبر عن علم كما يؤخذ من الجواب المتقدم . " .
فإن فقد " ما ذكر " وأمكن الاجتهاد " بأن كان بصيرا يعرف أدلة القبلة وهي كثيرة أضعفها الرياح لاختلافها وأقواها القطب قالا : وهو نجم صغير في بنات نعش الصغرى بين الفرقدين والجدي وكأنهما سمياه نجما لمجاورته له وإلا فهو - كما قال السبكي وغيره - ليس نجما بل نقطة تدور عليها هذه الكواكب بقرب النجم ويختلف باختلاف الأقاليم ففي العراق يجعله المصلي خلف أذنه اليمنى وفي مصر خلف اليسرى وفي اليمن قبالته مما يلي جانبه الأيسر وفي الشام وراءه وقيل : ينحرف بدمشق وما قاربها إلى الشرق قليلا . " .
حرم " عليه " التقليد " وهو قبول قول المخبر عن اجتهاد لأن المجتهد لا يقلد مجتهدا ووجب عليه الاجتهاد إلا إن ضاق الوقت عنه فالأصح أنه لا يجتهد ويصلي على حسب حاله ويعيد وجوبا . " .
فإن تحير " المجتهد فلم يظهر له شيء لنحو تعارض أدلة أو غيم أو ظلمة " لم يقلد في الأظهر " لأنه مجتهد وقد يزول التحير عن قرب " وصلى كيف كان " لحرمة الوقت " ويقضي " وجوبا لأنه نادر . والثاني : يقلد ولا يقضي لأنه الآن عاجز عن معرفة الصواب فأشبه الأعمى .
قال الإمام : ومحل الخلاف عند ضيق الوقت أما قبله فيمتنع التقليد قطعا .
قال في " شرح الوسيط " : وما قاله الإمام شاذ والمشهور التعميم . " .
ويجب تجديد الاجتهاد " أو التقليد في نحو الأعمى " لكل صلاة " مفروضة عينية ولو منذورة أو قضاء " تحضر على الصحيح " وعبر في " الروضة " بالأصح إن لم يكن ذاكرا للدليل الأول سعيا في إصابة الحق لتأكد الظن عند الموافقة وقوة الثاني عند المخالفة لأنها لا تكون إلا عن أمارة أقوى والأقوى أقرب إلى اليقين . والثاني : لا يجب لأن الأصل استمرار الظن الأول .
أما إذا كان ذاكرا لدليله الأول فلا يجب عليه تجديد الاجتهاد قطعا ولا يجب للنافلة جزما ومثلها صلاة الجنازة كما في التيمم .
وعبارته شاملة لكل صلاة فلو عبر بالمفروضة العينية كما قدرته لسلم من ذلك . " .
ومن عجز " - بفتح الجيم أفصح من كسرها - " عن الاجتهاد " في الكعبة " و " عن " تعلم الأدلة كأعمى " البصر أو البصيرة " قلد " وجوبا " ثقة " ولو عبدا أو امرأة " عارفا " بالأدلة لقوله تعالى : ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) بخلاف الفاسق والمميز وغير العارف فإن صلى بلا تقليد قضى وإن صادف القبلة بخلاف ما صلاه بالتقليد إذا صادف القبلة أو لم يتبين له الحال ويعيد فيه السؤال لكل فريضة تحضر على الخلاف المتقدم في تجديد الاجتهاد كما ذكره في " الكفاية " فإن اختلف عليه مجتهدان قلد أعلمهما ندبا كما في " الشرح الكبير " للرافعي ووجوبا ( 1 / 147 ) كما في " الصغير " له قال بعض المتأخرين : وهو الأشبه ونقله في " الكفاية " عن نص " الأم " .
فإن استويا تخير وقيل يصلي مرتين . " .
وإن قدر " المكلف على تعلم الأدلة " فالأصح وجوب التعلم " عند إرادة السفر لعموم حاجة المسافر إليها وكثرة الاشتباه عليه بخلافه في الحضر ففرض كفاية إذ لم ينقل أنه A ثم السلف بعده ألزموا آحاد الناس تعلمها بخلاف شروط الصلاة وأركانها .
وما قررت به كلام المصنف وهو ما صححه في بقية كتبه وهو المعتمد وإن كان ظاهره هنا الإطلاق بل قال السبكي : محله في السفر الذي يقل فيه العارفون بأدلتها دون ما يكثر فيه كركب الحجيج فهو كالحضر وهو تقييد حسن . " .
فيحرم " عليه " التقليد " ضاق الوقت عن التعلم أو اتسع فإن ضاق صلى كيف كان ووجبت عليه الإعادة . والثاني : لا يجب عليه التعلم بخصوصه بل هو فرض كفاية فيجوز له التقليد ولا يقضي ما يصليه به . " .
ومن صلى بالاجتهاد " منه أو من مقلده " فتيقن الخطأ " في جهة أو تيامن أو تياسر معينا قبل الوقت أو فيه أعاد أو بعده " قضى " وجوبا " في الأظهر " وإن لم يظهر له الصواب لتيقنه الخطأ فيما يؤمن مثله في العادة كالحاكم يحكم باجتهاده ثم يجد النص بخلافه .
واحترزوا بقولهم : " فيما يؤمن مثله في العادة " عن الأكل في الصوم ناسيا والخطأ في الوقوف بعرفة حيث لا تجب الإعادة لأنه لا يؤمن من مثله فيها .
والثاني : لا يقضي لأنه ترك القبلة بعذر فأشبه تركها في حال القتال ونقله الترمذي عن أكثر أهل العلم واختاره المزني .
وخرج ب " تيقن " الخطأ ظنه والمراد باليقين هنا ما يمنع الاجتهاد فيدخل فيه خبر الثقة عن معاينة وبمعين المبهم كما في الصلاة إلى جهات أربع باجتهادات فلا قضاء فيها كما سيأتي . " .
فلو تيقنه فيها " أي الصلاة " وجب استئنافها " بناء على وجوب القضاء بعد الفراغ لعدم الاعتداد بما مضى وإلى هذا البناء أشار بقوله : " فلو " وينحرف عن مقابله إلى جهة الصواب ويتمها إن ظهر له مع ذلك جهة الصواب لأن الماضي معتد به .
ودخل في عبارته تيقن الخطأ يمنة أو يسرة وهو كذلك . " .
وإن تغير اجتهاده " ثانيا فظهر له الصواب في جهة غير الجهة الأولى " عمل بالثاني " وجوبا إن ترجح سواء أكان في الصلاة أم لا لأنه الصواب في ظنه والخطأ فيه غير معين . " .
ولا قضاء " لأن الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد . " .
حتى لو صلى " صلاة " أربع ركعات لأربع جهات بالاجتهاد " أربع مرات بالشرط المتقدم " فلا " إعادة ولا " قضاء " لأن كل ركعة مؤداة باجتهاد ولم يتعين فيها الخطأ .
فإن استويا ولم يكن في صلاة تخير بينهما إذ لا مزية لأحدهما على الآخر .
وإن كان فيهما عمل بالأول وجوبا كما نقله في أصل " الروضة " عن البغوي وصوبه الإسنوي خلافا لظاهر كلام " المجموع " من تصحيح وجوب العمل بالثاني ولو مع التساوي وفارق حكم التساوي قبلها بأنه هنا التزم بدخوله فيها جهة فلا يتحول إلابأرجح من أن التحول فعل أجنبي لا يناسب الصلاة فاحتيط لها وشرط العمل بالثاني في الصلاة أن يظن الصواب مقارنا لظهور الخطأ فإن لم يظنه مقارنا بطلت صلاته وإن قدر على الصواب على قرب لمضي جزء من صلاته إلى غير قبلة محسوبة .
ولو طرأ على المجتهد في أثناء صلاته شك في جهة القبلة ولم يترجح له شيء من الجهات لم يؤثر كما نقله في " المجموع " عن نص " الأم " واتفاق الأصحاب .
خاتمة : .
لو اجتهد اثنان في القبلة واتفق اجتهادهما وصلى أحدهما بالآخر فتغير اجتهاد أحدهما لزمه الانحراف إلى الجهة الثانية وينوي المأموم المفارقة وإن اختلفا تيامنا وتياسرا والتغير المذكور عذر في مفارقة المأموم .
ولو قيل لأعمى وهو في صلاته : صلاتك إلى الشمس وهو يعلم أن قبلته غيرها استأنف لبطلان تقليد الأول بذلك .
وإن أبصر وهو في أثنائها وعلم أنه للقبلة بخبر ثقة أو نجم أو محراب أو نحو ذلك أتمها أو على الخطأ أو تردد بطلت لانتفاء ظن الإصابة . وإن ظن الصواب غير جهته انحرف إلى ما ظنه كما لو تغير اجتهاد البصير فيها .
ولو قال مجتهد للمقلد وهو في صلاته أخطأ بك مقلدك والمجتهد الثاني عنده أعرف من الأول أو قال له أنت على الخطأ قطعا وإن لم يكن عنده أعرف من الأول وجب عليه أن يتحول إن بان له الصواب مقارنا للقول بأن أخبر به وبالخطأ معا لبطلان تقليد الأول بقول من هو ( 1 / 148 ) أرجح منه في الأولى وبقطع القاطع في الثانية . فلو كان الأول في الثانية أيضا قطع بأن الصواب ما ذكره ولم يكن الثاني أعلم لم يؤثر فإن لم يتبين له الصواب مقارنا بطلت صلاته وإن بان له الصواب عن قرب لما مر