باب زكاة الذهب والفضة .
وتجب الزكاة في الذهب والفضة لقوله D { والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم } [ التوبة : 34 ] ولأن الذهب والفضة معدان للنماء فهو كالإبل والبقر السائمة ولا تجب فيما سواهما من الجواهر كالياقوت والفيروزج والؤلؤ والمرجان لأن ذلك معد للاستعمال فهو كالإبل والبقر العوامل ولا تجب فيما دون النصاب من الذهب والفضة ونصاب الذهب عشرون مثقالا لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي A أنه قال [ ولا يجب في اقل من عشرين مثقالا من الذهب شيء ] ونصاب الفضة مائتا درهم والدليل عليه ما روى ابن عمر Bهما أن النبي A قال ك [ إذا بلغ مال أحدكم خمس أواق مائتي درهم ففيه خمسة دراهم ] والاعتبار بالمثقال الذي كان بمكة ودراهم الإسلام التي كانت كل عشرة بوزن سبعة مثاقيل وأن النبي A قال : [ الميزان ميزان أهل مكة والمكيال مكيال أهل المدينة ] ولا يضم أحدهما إلى الآخر في إكمال النصاب لأنهما جنسان فلم يضم أحدهما إلى الآخر كالإبل والبقر وزكاتهما ربع العشر نصف مثقال عن عشرين مثقالا من الذهب وخمسة دراهم من مائتي درهم والدليل عليه قوله A في كتاب الصدقات [ في الرقة ربع العشر ] وروى عاصم بن ضمرة عن علي كرم الله وجهه أنه قال : ليس في أقل من عشرين دينارا شيء وفي عشرين نصف دينار وتجب فيما زاد على النصاب بحسابه لأنه يتجزأ من غير ضرر فوجب فيما زاد بحسابه ويجب في الجيد الجيد وفي الرديء الرديء وإن كانت أنواعا قليلة وجب في كل نوع بقسطه وإن كثرت الأنواع أخرج من الأوسط كما قلنا في الثمار وإن لم يعرف قدر ما فيه من الذهب أو الفضة فهو بالخيار إن شاء سبك الجميع ليعرف الواجب فيخرجه وإن شاء أخرج واستظهر ليسقط الفرض بيقين .
فصل : وإن كان له دين نظرت فإن كان دينا غير لازم كمال الكتابة لم يلزمه زكاته لأن ملكه غير تام عليه فإن العبد يقدر أن يسقطه وإن كان لازما نظرت فإن كان على مقر مليء لزمه زكاته لأنه مقدور على قبضه فهو كالوديعة وإن كان على مليء جاحد أو مقر معسر فهو كالمال المغصوب وفيه قولان وقد بيناه في الزكاة وإن كان له دين مؤجل ففيه وجهان : قال أبو إسحاق هو كالدين الحال على فقير أو مليء جاحد فيكون على قولين وقال أبو علي بن أبي هريرة : لا تجب فيه الزكاة فإذا قبضه استقبل به الحول لأنه لا يستحقه ولو حلف أنه لا يستحقه كان بارا والأول أصح لأنه لو لم يستحقه لم ينفذ فيه إبراؤه وإن كان له مال غائب فإن كان مقدورا على قبضه وجبت فيه الزكاة إلا أنه لا يلزمه إخراجها حتى يرجع إليه وإن لم يقدر عليه فهو كالمغصوب وإن كان معه أجرة دار لم يستوف المستأجر منفعتها وحال عليها الحول وجبت فيه الزكاة لأنه يملكها ملكا تاما وفي وجوب الإخراج قولان قال في البويطي يجب لأنه يملكه ملكا تاما فأشبه مهر المرأة وقال في الأم لا يجب لأن ملكه قبل استيفاء المنفعة غير مستقر لأنه قد تنهدم الدار فتسقط الأجرة فلم تجب الزكاة فيه كدين الكتابة والأول أصح لأن هذا يبطل بالصداق قبل الدخول فإنه يجوز أن يسقط بالردة ويسقط نصفه بالطلاق ثم يجب إخراج زكاته .
فصل : ومن ملك مصوغا من الذهب والفضة فإن كان معدا للقنية وجبت فيه الزكاة لأنه مرصد للنماء فهو كغير المصوغ وإن كان معدا للاستعمال نظرت فإن كان لاستعمال محرم كأواني الذهب والفضة وما يتخذه الرجل لنفسه من سوار أو طوق أو خاتم ذهب أو ما يحلى به المصحف أو يؤزر به المسجد أو يموه به السقف أو كان مكروها كالتضبيب القليل للزينة وجبت فيه الزكاة لأنه عدل به عن أصله بفعل غير مباح فسقط كحلي النساء وما أعدلهن وخاتم الفضة للرجال ففيه قولان : أحدهما لا تجب فيه الزكاة لما روى جابر Bه أن النبي A قال [ ليس في الحلى زكاة ] ولأنه معد لاستعمال مباح فلم تجب فيه الزكاة كالعوامل من الإبل والبقر والثاني تجب فيه الزكاة واستخار الله فيه الشافعي واختاره لما روي أن امرأة من اليمن جاءت إلى رسول الله A ومعها ابنتها في يدها مسكتان غليظتان من الذهب فقال لها رسول الله A : [ أتعطين زكاة هذا ؟ فقالت لا فقال رسول الله A أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار ؟ ] فخلعتهما وألقتهما إلى النبي A وقالت : هما لله ولرسوله ولأنه من جنس الأثمان فأشبه الدراهم والدنانير وفيما لطخ به اللجام وجهان : قال أبو الطيب بن سلمة أنه مباح كالذي حلى به المنطقة والسيف فيكون على قولين وقال أبو إسحاق لا يحل وهو المنصوص لأن هذا حلية للدابة بخلاف السيف والمنطقة فإن ذلك حلية للرجل في الحرب فحل وإن كان للمرأة حلي فانكسر بحيث لا يمكن لبسه فوجبت فيه الزكاة كما لو تفتت والثاني لا تجب لأنه للإصلاح واللبس أقرب وإن كان لها حلي معد للإجارة ففيه طريقان : أحدهما أنه تجب فيه الزكاة قولا واحدا لأنه معد لطلب النماء فأشبه إذا اشتراه للتجارة والثاني أنه على قولين لأن النماء المقصود قد فقد لأن ما يحصل من الأجرة قليل فلم يؤثر في إيجاب الزكاة كأجرة العوامل من الإبل والبقر وإذا وجبت الزكاة في حلى تنقص قيمته بالكسر ملك الفقراء ربع العشر منه ويسلمه إليهم بتسليم مثله ليستقر ملكهم عليه كما قلنا في الرطب الذي لا يجيء منه تمر وقال أبو العباس : يخرج زكاته لأنه يشق تسليم بعضه والأول أظهر