باب الشك في نجاسة الماء والتحري فيه .
إذا تيقن طهارة الماء وشك في نجاسته توضأ به لأن الأصل بقاؤه على الطهارة وإن تيقن نجاسته وشك في طهارته لم يتوضأ به لأن الأصل بقاؤه على النجاسة وإن لم يتيقن طهارته ولا نجاسته توضأ به لأن الأصل طهارته فإن وجده متغيرا ولم يعلم بأي شيء تغير توضأ به لأنه يجوز ان يكون تغيره بطول المكث وإن رأى حيوانا يبول في ماء ثم وجده متغيرا وجوز أن يكون تغيره بالبول لم يتوضأ به لأن الظاهر أن تغيره من البول وإن رأى هرة أكلت نجاسة ثم وردت على ماء قليل فشربت منه ففيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنها تنجسه لأنا تيقنا نجاسة فمها والثاني : أنها إن غابت ثم رجعت لم تنجسه لأنه يجوز أن تكون قد وردت على ماء فطهر فمها فلا ينجس ما تيقنا طهارته بالشك والثالث : لا ينجس بكل حال لأنه لا يمكن الاحتراز منها فعفى عنها فلهذا قال النبي A [ إنها من الطوافين عليكم أو الطوافات ] .
فصل : وإن ورد على ماء فأخبره رجل بنجاسته لم يقبل حتى يبين بأي شيء نجس لجواز أن يكون قد رأى سبعا ولغ فيع فاعتقد انه نجس بذلك فإن بين النجاسة قبل منه كما يقبل ممن يخبره بالقبة ويقبل في ذلك قول الرجل والمرأة والحر والعبد لأن أخبارهم مقبولة ويقبل خبر العمى فيه لأن له طريقا إلى العلم به بالحس والخبر ولا يقبل فيه قول صبي ولا فاسق ولا كافر لأن أخبارهم لا تقبل وإن كان معه إنا آن فأخبره رجل ان الكلب ولغ في أحدهما قبل قوله ولم يجتهد لأن الخبر مقدم على الاجتهاد كما تقول في القبلة وإن أخبره رجل أنه ولغ في هذا دون ذاك وقال آخر : بل ولغ في ذاك دون هذا حكم بنجاستهما لأنه يمكن صدقهما بأن يكون قد ولغ فيهما في وقلتين وإن قال أحدهما : ولغ في هذا دون ذاك في وقت معين وقال الآخر بل ولغ في ذلك دون هذا في ذلك الوقت بعينه فهما كالبيتين إذا تعارضتا فإن قلنا إنهما يسقطان سقط خبرهما وجازت الطهارة بهما لأنه لم تثبت نجاسة واحد منهما وإن قلنا إنهما لا يسقطان أراقهما أو صب أحدهما في الآخر ثم تيمم .
فصل : وإن اشتبه عليه ماآن طاهر ونجس تحرى فيهما فإن غلب على ظنه طهارته منهما توضأ به لأنه سبب من أسباب الصلاة يمكن التوصل إليه بالاستدلال فجاز له الاجتهاد عند الاشتباه فيه كالقبلة فإن انقلب أحدهما قبل الاجتهاد ففيه وجهان : أحدهما : أنه يتحرى في الثاني لأنه قد ثبت جواز الاجتهاد فيه فلم يسقط بالانقلاب والثاني : وهو الأصح أنه لا يجتهد لأن الاجتهاد يكون بين أمرين فإذا قلنا لا يجتهد فما الذي يصنع ؟ فيه وجهان : قال أبو علي الطبري : يتوضأ به لأن الأصل فيه الطهارة فلا يزال اليقين بالشك وقال القاضي أبو حامد : يتيمم ولا يتحرى لأن حكم الأصل قد زال بالاشتباه بدليل أنه منع من استعماله من غير تحر فوجب أن يتيمم وإن اجتهد فيهما فلم يغلب على ظنه شيء أراقهما أو صب أحدهما في الآخر وتيمم فإن تيمم وصلى قبل الإراقة أو الصب أعاد الصلاة لأنه تيمم ومعه ماء طاهر بيقين وإن غلب على ظنه طهارة أحدهما توضأ به والمستحب أن يريق الآخر حتى لا يتغير اجتهاده بعد ذلك فإن تيقن أن الذي توضأ به كان نجسا غسل ما أصابه منه وأعاد الصلاة لأنه تعين له يقين الخطأ فهو كالحاكم إذا أخطأ النص وإن لم يتيقن ولكن تغير اجتهاده فظن أن الذي توضأ به كان نجسا قال أبو العباس : يتوضأ بالثاني كما لو صلى إلى جهة بالاجتهاد ثم تغير اجتهاده والمنصوص في حرملة أنه لا يتوضأ بالثاني لأنا لو قلنا إنه يتوضأ به ولم يغسل ما أصابه المال الأول من ثيابه وبدنه أمرناه أن يصلي وعلى بدنه نجاسة بيقين وهذا لا يجوز وإن قلنا إنه يغسل ما أصابه من الماء الأول نقضنا الاجتهاد بالاجتهاد وهذا لا يجوز ويخالف القبلة فإن هناك لا يؤدي إلى الأمر بالصلاة إلى غير القبلة ولا إلى نقض الاجتهاد بالاجتهاد وإذا قلنا بقول أبي العباس توضأ بالثاني وصلى ولا إعادة عليه وإن قلنا بالمنصوص فإنه يتمم ويصلي وهل يعيد الصلاة ؟ فيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنه لا يعيد لأن ما معه من الماء ممنوع من استعماله بالشرع فصار وجوده كعدمه كما لو تيمم ومعه ما يحتاج إليه للعطش والثاني : يعيد لأنه تيمم ومعه ماء محكوم بطهارته والثالث وهو قول أبي الطيب بن سلمة : إن كان بقي من الأول بقية أعاد لأن معه ماء طاهرا بيقين وإن لم يكن بقي معه شيء لم يعد لأنه ليس معه ماء طاهر بيقين وإن اشتبه عليه ماآن ومعه ماء ثالث يتيقن طهارته ففيه وجهان : أحدهما : لا يتحرى لأنه يقدر على إسقاط الفرض بيقين فلا يؤدي يالاجتهاد كالمكي في القبلة والثاني : أنه يتحرى لأنه يجوز إسقاط الفرض بالطاهر في الظاهر مع القدرة على الطاهر بيقين ألا ترى أنه يجوز أن يترك ما نزل من السماء ويتيقن طهارته ويتوضأ بما يجوز نجاسته وإن اشتبه عليه ماء مطلق وماء مستعمل ففيه وجهان : أحدهما لا يتحرى لأنه يقدر على إسقاط الفرض بيقين بأن يتوضأ بكل واحد منهما والثاني : أنه يتحرى لأنه يجوز أن يسقط الفرض بالطاهر مع القدرة على اليقين وإن اشتبه عليه ماء مطلق وماء ورد لم يتحر بل يتوضأ بكل واحد منهما وإن اشتبه عليه ماء ورد وبول انقطعت رائخته لم يتحر بل يريقهما ويتيمم لأن ماء الورد والبول لا أصل لهما في التطهير فيرد إلا الاجتهاد وإن اشتبه عليه طعام طاهر وطعام نجس تحرى فيهما لأن أصلهما على الإباحة فهما كالماءين وإن اشتبه الماء الطاهر بالماء النجس على أعمى ففيه قولان قال في حرملة : لا يتحرى لأن عليه أمارات تتعلق بالبصر فهو كالقبلة وقال في الأم : يتحرى لأن له طريقا إلى إدراكه بالسمع والشم فيتحرى فيه كما يتحرى في وقت الصلاة فإذا قلنا يتحرى فلم يكن له دلالة على الأغلب عنده ففيه وجهان : من أصحابنا من قال : لا يقلد لأن من جاز له الاجتهاد في شيء لم يقلد فيه غيره كالبصير ومنهم من قال : يجوز أن يقلد وهو ظاهر قوله في الأم لأن أماراته تتعلق بالبصر وغيره فإذا لم تغلب على ظنه دل على أن أماراته تعلقت بالبصر فصار كالأعمى في القبلة وإن اشتبه ذلك على رجلين فأدى اجتهاد أحدهما إلى طهارة أحدهما واجتهاد الآخر إلى طهارة الآخر توضأ كل واحد منهما بما أداه إليه اجتهاده ولم يأتم أحدهما بالآخر لأنه يعتقد أن صلاة إمامه باطلة وإن كثرت الأواني وكثر المجتهدون فأدى اجتهاد كل واحد منهما إلى طهارة إناء وتوضأ به وتقدم أحدهم وصلى بالباقين الصبح وتقدم آخر وصلى بهم الظهر وتقدم آخر وصلى بهم العصر فكل من صلى خلف إمام يجوز أن يكون طاهرا فصلاته خلفه صحيحة وكل من صلى خلف إمام يعتقد أنه نجس فصلاته خلفه باطلة وبالله التوفيق