باب الشك في الطلاق و اختلاف الزوجين فيه .
إذا شك الرجل هل طلق امرأته أم لا لم تطلق لأن النكاح يقين و اليقين لا يزال بالشك و الدليل عليه ما روى عبد الله بن زيد Bه أن النبي صلى الله عليه و سلم سئل عن الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة فقال : لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا و الورع أن يلتزم الطلاق لقوله صلى الله عليه و سلم : [ دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ] فإن كان بعد الدخول راجعها و إن كان قبل الدخول جدد نكاحها و إن لم يكن له رغبة طلقها لتحل لغيره بيقين و إن شك في عدده بنى الأمر على الأقل لما روى عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر أواحدة صلى أم اثنتين فليبن على و احدة و إن لم يدر اثنتين صلى أم ثلاثا فليبن على اثنتين و إن لم يدر أثلاثا صلى أم أربعا فليبن على ثلاث و يسجد سجدتين قبل أن يسلم ] فرد إلى الأقل و لأن الأقل يقين و الزيادة مشكوك فيها فلا يزال اليقين بالشك و الورع أن يتم الأكثر فإن كان الشك الثلاث و ما دونها طلقها ثلاثا حتى تحل لغيره بيقين .
فصل : و إن كانت له امرأتان فطلق إحداهما بعينها ثم نسيها أو خفيت عليه عينها بأن طلقها في ظلمة أو من وراء حجاب رجع إليه في تعيينها لأنه هو المطلق و لا تحل له و احدة منهما قبل أن يعين و يؤخذ بنفقتهما إلى أن يعين لأنهما محبوستان عليه فإن عين الطلاق في إحداهما فكذبتاه حلف للأخرى لأن المعينة لو رجع في طلاقها لم يقبل و إن قال طلقت هذه لا بل هذه طلقتا في الحكم لأنه أقر بطلاق الأولى ثم رجع إلى الثانية فقبلنا إقراره بالثانية و لم يقبل رجوعه في الأولى و إن كن ثلاثا فقال طلقت هذه لا بل هذه لا بل هذه طلقن جميعا و إن قال طلقت هذه أو هذه لا بل هذه طلقت الثالثة و واحدة من الأوليين و أخذ بتعيينه لأنه أقر أنه طلق إحدى الأوليين ثم رجع إلى أن المطلقة هي الثالثة فلزمه ما رجع إليه و لم يقبل رجوعه عما أقر به و إن قال طلقت هذه لا بل هذه أو هذه طلقت الأولى و و احدة من الأخريين و إن قال طلقت هذه أو هذه و هذه أخذ ببيان الطلاق في الأولى و الأخريين فإن عين في الأولى بقيت الأخريان على النكاح و إن قال لم أطلق الأولى طلقت الأخريان لأن الشك في الأولى و الأخريين فهو كما لو قال طلقت هذه أو هاتين و لا يجوز له أن يعين بالوطء فإن وطئ إحداهما لم يكن ذلك تعيينا للطلاق في الأخرى فيطالب بالتعيين بالقول فأن عين الطلاق في الموطوءة لزمه مهر المثل و إذا عين وجبت العدة من حين الطلاق .
فصل : و إن طلق إحدى المرأتين بغير عينها أخذ بتعيينها و يؤخذ بنفقتهما إلى أن يعين و له أن يعين الطلاق فيمن شاء منهما فإن قال هذه لا بل هذه طلقت الأولى و لم تطلق الأخرى لأن تعيين الطلاق إلى اختياره و ليس له أن يختار إلا و احدة فإذا اختار إحداهما لم يبق له اختيار و هل له أن يعين الطلاق بالوطء ففيه وجهان : أحدهما لا يعين بالوطء و هو قول أبي علي ابن أبي هريرة لأن إحداهما محرمة بالطلاق فلم تتعين بالوطء كما لو طلق إحداهما بعينها ثم أشكلت فعلى هذا يؤخذ بعد الوطء بالتعيين بالقول فإن عين الطلاق في الموطوءة لزمه المهر و الثاني يتعين و هو قول أبي إسحاق و اختيار المزني و هو الصحيح لأنه اختيار شهوة و الوطء قد دل على الشهوة و في وقت العدة وجهان : أحدهما من حين يلفظ بالطلاق لأنه وقت وقوع الطلاق وو الثاني من حين التعيين و هو قول أبي علي ابن أبي هريرة C لأنه وقت تعيين الطلاق .
فصل : و إن ماتت الزوجات قبل التعيين و بقي الزوج وقف من مال كل و احدة منهما نصف الزوج فإن كان قد طلق إحداهما بعينها فعين الطلاق في إحداهما أخذ من تركة الأخرى ما يخصه و إن كذبه ورثتها فالقول قوله مع يمينه و إن كان قد طلق إحداهما بغير عينها فعين الطلاق في إحداهما دفع إليه من مال الأخرى ما يخصه و إن كذبه ورثتها فالقول قوله من غير يمين لأن هذا اختيار شهوة و قد اختار ما اشتهى و إن مات الزوج بقيت الزوجتان وقف لهما من ماله نصيب زوجة إلى أن يصطلحا لأنه قد ثبت إرث إحداهما بيقين و ليست إحداهما بأولى من الأخرى فوجب أن يوقف إلى أن يصطلحا لأنه قد ثبت إرث إحداهما بيقين فإن قال وارث الزوج أنا أعرف الزوجة منهما ففيه قولان : أحدهما يرجع إليه لأنه لما قام مقامه في استلحاق النسب قام مقامه في تعيين الزوجة و الثاني لا يرجع إليه لأن كل و احدة منهما زوجة في الظاهر و في الجوع إلى بيانه إسقاط وارث مشارك و الوارث لا يملك إسقاط من يشاركه في الميراث و اختلف أصحابنا في موضع القولين فقال أبو إسحاق القولان فيمن عين طلاقها ثم أشكلت و فيمن طلق إحداهما من غير تعيين و منهم من قال القولان فيمن عين طلاقها ثم أشكلت لأنه إخبار فجاز أن يخبر الوارث عن الموروث و أما إذا طلق إحداهما من غير تعيين فإنه لا يرجع إلى الوارث قولا واحدا لأنه اختيار شهوة فلم يقم الوارث فيه مقام الموروث كما لو أسلم و تحته أكثر من أربع نسوة و مات قبل أن يختا أربعا منهن .
فصل : و إن طلق إحدى زوجتيه ثم ماتت إحداهما ثم مات الزوج قبل البيان عزل من تركة الميتة قبله ميراث زوج لجواز أن تكون هي الزوجة و يعزل من تركة الزوج ميراث زوجة لجواز أن تكون الباقية زوجة فإن قال ورث الزوج الميتة قبله مطلقة فلا ميراث لي منها و الباقية زوجة فلها الميراث معي قبل لأنه إقرار على نفسه بما يضره فإن قال الميتة هي الزوجة فلي الميراث من تركتها و الباقية هي المطلقة فلا ميراث لها معي فإن صدق على ذلك حمل الأمر على ما قال فإن كذب بأن قال وارث الميتة إنها هي المطلقة فلا ميراث لك منها و قالت الباقية أنا الزوجة فلي معك الميراث ففيه قولان : أحدهما يرجع إلى بيان الوارث فيحلف لورثة الميتة أنه لا يعلم أنه طلقها و يستحق من تركتها ميراث الزوج و يحلف للباقية أنه طلقها و يسقط ميراثها من الزوج و الثاني لا يرجع إلى بيان الوارث فيجعل ما عزل من ميراث الميتة موقوفا حتى يصطلح عليه وارث الزوج ووارث الزوجة و ما عزل من ميراث الزوج موقوفا حتى تصطلح عليه الباقية و وارث الزوج .
فصل : و إن كانت له زوجتان حفصة و عمرة فقال يا حفصة إن كان أول ولد تلدينه ذكرا فعمرة طالق و إن كان أنثى فأنت طالق فولدت ذكرا و أنثى واحدا بعد واحد و أشكل المتقدم منهما طلقت إحداهما بعينها و حكمها حكم من طلق إحدى امرأتين بعينها ثم أشكلت عليه و قد بيناه .
فصل : و إن رأى طائرا فقال إن كان هذا الطائر غرابا فنسائي طوالق و إن كان حماما فإمائي حرائر و لم يعرف لم تطلق النساء و لم تعتق الإماء لجواز أن يكون الطائر غيرهما و الأصل بقاء الملك و الزوجية فلا يزل بالشك و إن قال إن كان هذا غرابا فنسائي طوالق و إن كان غير غراب فإمائي حرائر و لم يعرف منع من التصرف في الإماء و النساء لأنه تحقق زوال الملك في أحدهما فصار كما لو طلق إحدى المرأتين ثم أشكلت و يؤخذ بنفقة الجميع إلى أن يعين لأن الجمع في حبسه و يرجع في البيان إليه لأنه يرجع إليه في أصل الطلاق و العتق فكذلك في تعيينه فإن امتنع من التعيين مع العلم به حبس حتى يعين و إن لم يعلم لم يحبس و وقف الأمر إلى أن يتبين و إن مات قبل البيان فهل يرجع إلى الورثة ففيه وجهان : أحدهما يرجع إليهم لأنهم قائمون مقامه و الثاني لا يرجع لأنهم لا يملكون الطلاق فلم يرجع إليهم في البيان و متى تعذر في البيان أقرع بين النساء و الإماء فإن خرجت القرعة على الإماء عتقن و بقي النساء على الزوجية و إن خرجت القرعة على النساء رق الإماء و لم تطلق النساء و قال أبو ثور : تطلق النساء بالقرعة كما تعتق الإماء و هذا خطأ لأن القرعة لها مدخل في العتق دون الطلاق و لهذا لو طلق إحدى نسائه لم تطلق بالقرعة و لو أعتق أحد عبيده بالقرعة فدخلت القرعة في العتق دون الطلاق كما يدخل المشاهد و المرأتان في السرقة لأثبات المال دون القطع و يثبت للنساء الميراث لأنه لم يثبت بالقرعة ما يسقط الإرث .
فصل : و إن طار طائر فقال رجل إن كان هذا الطائر غرابا فعبدي حر و قال الآخر إن لم يكن غرابا فعبدي حر و لم يعرف الطائر لم يعتق واحد من العبدين لأنا نشك في عتق كل واحد منهما و لا يزال يقين الملك بالشك و إن اشترى أحد الرجلين عبد الآخر علق عليه لأن إمساكه للعبد إقرار بحرية عبد الآخر فإذا ملكه عتق عليه كما لو شهد بعتق عبد ثم اشتراه .
فصل : إذا اختلف الزوجان فادعت المرأة على الزوج أنه طلقها و أنكر الزوج فالقول قوله مع يمينه لأن الأصل بقاء النكاح و عدم الطلاق و إن اختلفا في عدده فادعت المرأة أنه طلقها ثلاثا و قال الزوج طلقتها طلقة فالقول قول الزوج مع يمينه لأن الأصل عدم ما زاد على طلقة .
فصل : و إن خيرها ثم اختلفا فقالت المرأة اخترت و قال الزوج ما اخترت فقالقول قول الزوج مع يمينه لأن الأصل عدم الاختيار و بقاء النكاح و إن اختلفا في النية فقال الزوج ما نويت و قالت المرأة نويت ففيه وجهان : أحدهما و هو قول أبي سعيد الإصطخري C أن القول قول الزوج لأن الأصل عدم النية و بقاء النكاح فصار كما لو اختلفا في الاختيار و الثاني و هو الصحيح أن القول قول المرأة و الفرق بينه و بين الاختلاف في الاختيار أن الاختيار يمكن إقامة البينة عليه فكان القول فيه قوله كما لو علق طلاقه بدخول الدار فادعت أنها أنكرت و أنكر الزوج و النية لا يمكن إقامة البينة عليها فكان القول قولها كما لو علق الطلاق على حيضها فادعت أنها حاضت و أنكر .
فصل : و إن قال لها أنت طالق أنت طالق أنت طالق و ادعى أنه أراد التأكيد و ادعت المرأة أنه أراد الاستئناف فالقول قوله مع يمينه لأنه اعترف بنيته و إن قال الزوج أردت الاستئناف و قالت المرأة أردت التأكيد فالقول قول الزوج لما ذكرناه و لا يمين عليه لأن اليمين تعرض ليخاف فيرجع و لو رجع لم يقبل رجوعه فلم يكن لعرض اليمين معنى .
فصل : و إن قال أنت طالق في الشهر الماضي و ادعى أنه أراد من زوج غيره في نكاح قبله و أنكرت المرأة أن يكون قبله نكاح أو طلاق لم يقبل قول الزوج في الحكم حتى يقيم البينة على النكاح و الطلاق فإن صدقته المرأة على ذلك لكنها أنكرت أنه أراد ذلك فالقول قوله مع يمينه فإن قال أردت أنها طالق في الشهر الماضي بطلاق كنت طلقتها في هذا النكاح و كذبته المرأة فالقول قوله مع يمينه و الفرق بينه و بين المسألة قبلها أن هناك يريد أن يرفع الطلاق و ههنا لا يرفع الطلاق و إنما ينقله من حال إلى حال .
فصل : و إن قال إن كان هذا الطائر غرابا فنسائي طوالق و إن لم يكن غرابا فإمائي حرائر ثم قال كان هذا الطائر غرابا طلقت النساء فإن كذبه الإماء حلف لهن فإن حلف ثبت رقهن و إن نكل ردت اليمين عليهن فإن حلفن ثبت طلاق النساء بإقراره و عتق الإماء بنكوله و يمينهن فإن صدقنه و لم يطلبن إحلافه ففيه وجهان : أحدهما يحلف لما في العتق من حق لله عز و جل و الثاني لا يحلف لأنه لما أسقط العتق بتصديقهن سقط اليمين بترك مطالبتهن و إن قال كان هذا الطائر غير غراب عتق الإماء فإن كذبته النساء حلف لهن و إن نكل عن اليمين ردت عليهن فإن حلفن ثبت عتق الإماء بإقراره و طلاق النساء بيمينهن و نكوله