باب بيان الإصابة والخطأ في الرمي .
إذا عقد على إصابة الغرض فأصاب الشن أو الجريد الذي يشد فيه الشن أو العري وهو السير الذي يشد به الشن على الجريد حسب له لأن ذلك كله من الغرض وإن أصاب العلاقة ففيه قولان : أحدهما يحسب له لأنه من جملة الغرض ألا ترى أنه إذا مد امتد معه فأشبه العري والثاني لا يحسب لأن العلاقة ما يعلق به الغرض فأما الغرض فهو الشن وما يحيط به وإن شرط إصابة الخاصرة وهو الجنب من اليمين واليسار فأصاب غيرهما لم يحسب له لأنه لم يصب الخاصرة وإن شرط إصابة الشن فأصاب العروة وهو السير أو العلاقة لم يحسب لأن ذلك كله غير الشن فإن أصاب سهما في الغرض فإن كان السهم متعلقا بنصله وباقيه خارج الغرض لم يحسب له ولا عليه لأن بينه وبين الغرض طول السهم ولا يدري لو لم يكن هذا السهم هل كان يصيب الغرض أم لايصيب وإن كان السهم قد غرق في الغرض إلى فوقه حسب له لأن العقد على إصابة الغرض ومعلوم أنه لو لم يكن هذا لكان يصيب الغرض فإن خرج السهم من القوس فهبت ريح فنقلت الغرض إلى موضع آخر فأصاب السهم موضعه حسب له وإن أصاب الغرض في الموضع الذي انتقل إليه حسب عليه في الخطأ لأنه أخطأ في الرمي وإنما أصاب بفعل الريح لا بفعله وإن رمى وفي الجو ريح ضعيفة فأرسل السهم مفارقا للغرض وأمال يده ليصيب مع الريح فأصاب الغرض أو كانت ريح خلفه فنزع نزعا قريبا ليصيب مع معاونة الريح فأصاب حسب له لأنه أصاب بفراهته وحذقه وإن أخطأ حسب عليه لأنه أخطأ بسوء رميه ولأنه لو أصاب مع الريح لحسب له فإذا أخطأ معها حسب عليه وإن كانت الريح قوية لا حيلة له فيها لم يحسب له إذا أصاب لأنه لم يصب بحسن رميه ولا يحسب عليه إذا أخطأ لأنه لم يخطئ بسوء رميه وإنما أخطأ بالرمي في غير وقته وإن رمى في غير ريح فثارت ريح بعد خروج السهم من القوس فأخطأ لم يحسب عليه لأنه لم يخطئ بسوء رميه وإنما أخطأ بعارض الريح وإن أصاب فقد قال بعض أصحابنا فيه وجهان بناء على القولين في إصابة السهم المزدلف وعندي أنه لا يحسب له قولا واحدا لأن المزدلف إنما أصاب الغرض بحدة رميه ومع الريح لا يعلم أنه أصاب برميه وإن رمى سهما فأصاب الغرض بفوقه لم يحسب له لأن ذلك من أسوأ الرمي وأردئه .
فصل : وإن انكسر القوس أو انقطع الوتر أو أصابت يده ريح فرمى وأصاب حسب له لأن إصابته مع اختلاف الآلة أدل على حذقه فإن أخطأ لم يحسب عليه في الخطأ لأنه لم يخطئ بسوء رميه وإنما أخطأ بعارض وإن أغرق السهم فخرج من الجانب الآخر نظرت فإن أصاب حسب له لأن إصابته مع الإغراق أدل على حذقه فإن أخطأ لم يحسب عليه ومن أصحابنا من قال : يحسب عليه في الخطأ لأنه أخطأ في مد القوس والمنصوص هو الأول لأن الإغراق ليس من سوء الرمي وإنما هو لمعنى قبل الرمي فهو كانقطاع الوتر وانكسار القوس وإن انكسر السهم بعد خروجه من القوس وسقط دون الغرض لم يحسب عليه في الخطأ لأنه إنما لم يصب لفساد الآلة لا لسوء الرمي وإن أصاب بما فيه النصل حسب له لأن إصابته مع فساد الآلة دل على حذقه وإن أصابه بالموضع الآخر لم يحسب له لأنه لم يصب ولم يحسب عليه لأن خطأه لفساد الآلة لا لسوء الرمي .
فصل : وإن عرض دون الغرض عارض من إنسان أو بهيمة نظرت فإن رد السهم ولم يصل لم يحسب عليه لأنه لم يصل للعارض لا لسوء الرمي وإن نفذ السهم وأصاب حسب له لأن إصابته مع العارض أدل على حذقه وحكي أن الكسعي كان راميا فخرج ذات ليلة فرأى ظبيا فرمى فأنفذه وخرج السهم فأصاب حجرا وقدح فيه نارا فرأى ضوء النار فظن أنه أخطأ فكسر القوس وقطع إبهامه فلما أصبح رأى الظبي صريعا قد نفذ فيه سهمه فندم فضربت به العرب مثلا وقال الشاعر : .
( ندمت ندامة الكسعي لمارأت عيناه ما صنعت يداه ) .
وإن رمى فعارضه عارض فعثر به السهم وجاوز الغرض ولم يصب ففيه وجهان : أحدهما وهو قول أبو إسحاق أنه يحسب عليه في الخطأ لأنه أخطأ بسوء الرمي للعارض لأنه لو كان للعارض تأثير لوقع سهمه دون الغرض فلما جاوزه ولم يصب دل على أنه أخطأ بسوء رميه فحسب عليه في الخطأ والثاني أنه لا يحسب عليه لأن العارض قد يشوش الرمي فيقصر عن الغرش وقد يجاوزه وإن رمى السهم فأصاب الأرض وازدلف فأصاب الغرض ففيه قولان : أحدهما يحسب لأنه أصاب الغرض بالنزعة التي أرسلها وما عرض دونها من الأرض لا يمنع الاحتساب كما لو عرض دونه شيء فهتكه وأصاب الغرض والثاني لا يحسب له لأن السهم خرج من الرمي إلى غير الغرض وإنما أعانته الأرض حتى ازدلف عنها إلى الغرض فلم يحسب له وإن ازدلف ولم يصب الغرض ففيه وجهان : أحدهما يحسب عليه في الخطأ لأنه إنما ازدلف بسوء رميه لأن الحاذق لا يزدلف سهمه والثاني لا يحسب عليه لأن الأرض تشوش السهم وتزيله عن سنته فإذا أخطأ لم يكن من سوء رميه .
فصل : وإن كان العقد على إصابة موصوفة نظرت فإن كان على القرع فأصاب الغرض وخزق أو خسق أو مرق حسب له لأن الشرط هو الإصابة وقد حصل ذلك في هذه الأنواع .
فصل : وإن كان الشرط هو الخسق نظرت فغن أصاب الغرض وثبت فيه ثم سقط حسب له لأن الخسق هو أن يثبت وقد ثبت فلم يؤثر زواله بعد ذلك كما لو ثبت ثم نزعه إنسان فإن ثقب الموضع بحيث يصلح لثبوت السهم لكنه لم يثبت ففيه قولان : أحدهما أنه يحسب لأن الخسق أن يثقب بحيث يصلح لثبوت السهم وقد فعل ذلك ولعله لم يثبت لسعة الثقب أو لغلظ لقيه والثاني وهو الصحيح أنه لا يحسب له لأن الأصل عدم الخسق وأنه لم يكن فيه من القوة ما يثبت فيه فلم يحسب له وإن كان الغرض ملصقا بالهدف فأصابه السهم ولم يثبت فيه فقال الرامي قد خسق إلا أنه لم يثبت فيه لغلظ لقيه من نواة أو حصاة وقال رسيله لم يخسق نظرت فإن لم يعلم موضع الإصابة من الغرض فالقول قول الرسيل لأن الأصل عدم الخسق وهل يحلف ينظر فيه فإن فتش الغرض فلم يكن فيه شيء يمنع من ثبوته لم يحلف لأن ما يدعيه الرامي غير ممكن وإن كان هناك ما يمنع من ثبوته حلف لأن ما يدعيه الرامي غير ممكن وإن علم موضع الإصابة ولم يكن فيه ما يمنع من ثبوته فالقول قول الرسيل من غير يمين لأن ما يدعيه الرامي غير ممكن وإن كان فيه ما يمنع الثبوت ففيه وجهان : أحدهما أن القول قول الرامي لأن المانع شهد له والثاني أن القول قول الرسيل لأن الأصل عدم الخسق والمانع لا يدل على أنه لو لم يكن لكان خاسقا ولعله لو لم يكن مانع لكان هذا منتهى رميه فلا يحكم له بالخسق بالشك وإن كان في الشن خرق أو موضع بال فوقع فيه السهم وثبت في الهدف نظرت فإن كان الموضع الذي ثبت فيه في صلابة الشن اعتد به لأنا نعلم أنه لو كان الشن صحيحا لثبت فيه وإن كان دون الشن في الصلابة كالتراب والطين الرطب لم يعتد له ولا عليه لأنا لنعلم لأنه لو كان صحيحا هل كان يثبت فيه أم لا فيرد إليه السهم حتى يرميه وإن خرمه وثبت ففيه قولان : أحدهما يعتد به لأن الخسق هو أن يثبت النصل وقد ثبت والثاني لا يعتد به لأن الخسق أن يثبت السهم في جميع الشن ولم يوجد ذلك فإن مرق السهم فقد قال الشافعي C هو عندي خاسق ومن الرماة من لا يحتسبه فمن أصحابنا من قال : يحتسب له قولا واحدا وما حكاه من غيره ليس بقول له لأن معنى الخسق قد وجد وزيادة ولأنه لو مرق والشرط القرع حسب فكذلك إذا مرق والشرط الخسق ومن أصحابنا من قال : فيه قولان : أحدهما يحسب له لما ذكرناه والثاني لا يحسب له لأن الخسق أن يثبت وما ثبت ولأن في الخسق زيادة حذق وصنعة من نزع القوس بمقدار الخسق والتعليل الأول أصح لأن هذا يبطل به إذا مرق والشرط القرع وإن أصاب الشن ومرق وثبت في الهدف ووجد على نصله قطعة من الشن والهدف دون الشن في الصلابة فقال الرامي هذا الجلد قطعه سهمي بقوته وقال الرسيل بل كان في الشن ثقبة وهذه الجلدة كانت قد انقطعت من قبل فحصلت في السهم فالقول قول الرسيل لأن الأصل عدم الخسق .
فصل : إذا مات أحد الراميين أو ذهبت يده بطل العقد لأن المقصود معرفة حذقه وقد فات ذلك فبطل العقد كما لو هلك المبيع وإن رمدت عينه أو مرض لم يبطل العقد لأنه يمكن استيفاء المعقود عليه بعد زوال العذر وإن أراد أن يفسخ فإن قلنا إنه كالجعالة كان حكمه حكم الفسخ من غير عذر وقد بيناه في أول الكتاب وإن قلنا أنه كالإجارة جاز له أن يفسخ لأنه تأخر المعقود عليه فملك الفسخ كما يملك في الإجارة وإن أراد أحدهما أن يؤخر الرمي للدعة فإن قلنا إنه كالإجارة أجبر عليه كما أجبر في الإجارة وإن قلنا إنه كالجعالة لم يجبر كما لم يجبر في الجعالة