كتاب الوكالة .
تجوز الوكالة فيعقد البيع لما روي عن عروة بن الجعد قال : أعطاني رسول الله ( ص ) دينارا أشتري شاة أو أضحية فاشتريت شاتين فبعت إحداهما بدينار فدعا لي بالبركة فكان لو اشترى ترابا لربح فيه ولأن الحاجة تدعو إلى الوكالة في البيع لأنه قد يكون له مال ولا يحسن التجارة فيه وقد يحسن ولا يتفرغ إليه لكثرة أشغاله فجاز أن يوكل فيه غيره وتجوز في سائر عقود المعاملات كالرهن والحوالة والضمان والكفالة والشركة والوكاة والوديعة والإعارة والمضاربة والجعالة والمساقاة والإجارة والقرض والهبة والوقف والصدقة لأن الحاجة إلى التوكيل فيها كالحاجة إلى التوكيل في البيع وفي تملك المباحات كإحياء الموات واستقاء الماء والاصطياد والاحتشاش قولان : أحدهما لا يصح التوكيل فيها لأنه تملك مباح فلم يصح التوكيل فيه كالاغتنام والثاني يصح لأنه تملك مال بسبب لا يتعين عليه فجاز أن يوكل فيه كالابتياع والاتهاب ويخالف الاغتنام لأنه يستحق بالجهاد وقد تعين عليه بالحضور فتعين له ما استحق به .
فصل : و يجوز التوكيل في عقد النكاح لما روي أن النبي ( ص ) وكل عمرو بن أمية الضمري في نكاح أم حبيبة و يجوز في الطلاق والخلع والعتاق لأن الحاجة تدعوا إلى التوكيل فيه كما تدعوا إلى التوكيل في البيع والنكاح ولا يجوز التوكيل في الإيلاء والظهار واللعان لأنها أيمان فلا تحتمل التوكيل وفي الرجعة وجهان : أحدهما لا يجوز التوكيل فيه كما لا يجوز في الإيلاء والظهار والثاني أنه يجوز وهو الصحيح فإنه إصلاح للنكاح فإذا جاز في النكاح جاز في الرجعة .
فصل : و يجوز التوكيل في إثبات الأموال والخصومة فيها لما روي أن عليا كرم الله وجهه وكل عقيلا Bه عند أبي بكر وعمرو Bهما وقال ما قضى له فلي وما قضى عليه فعلي ووكل عبد الله بن جعفر عند عثمان Bه وقال علي أن للخصومات قحما قال أبو زباد الكلابي : القحم المهالك ولأن الحاجة تدعوا إلى التوكيل في الخصومات لأنه قد يكون له حق أو يدعي عليه حق ولا يحسن الخصومة فيه أو يكره أن يتولاها بنفسه فجاز أن يوكل فيه و يجوز ذلك من غير رضى الخصم لأنه توكيل في حقه فلا يعتبر فيه رضى من عليه كالتوكيل في قبض الديون و يجوز التوكيل في إثبات القصاص وحد القذف لأنه حق آدمي فجاز التوكيل في إثباته كالمال ولا يجوز التوكيل في إثبات حدود الله تعالى لأن الحق له وقد أمرنا فيه بالدرء والتوصل إلى إسقاطه وبالتوكيل يتوصل إلى إيجابه فلم يجز و يجوز التوكيل في استيفاء الأموال لأن النبي ( ص ) بعث العمال لقبض الصدقات وأخذ الجزي و يجوز في استيفاء حدود الله تعالى لأن النبي ( ص ) بعث أنيسا لإقامة الحد وقال : [ يا أنيس اغد على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها ] ووكل عثمان Bه عليا كرم الله وجهه ليقيم حد الشرب على الوليد بن عقبة وأما القصاص وحد القذف فإنه يجوز التوكيل في استيفائهما بحضرة الموكل لأن الحاجة تدعو إلى التوكيل فيه لأنه قد يكون له حد أو قصاص ولا يحسن أن يستوفيه فجاز لأن يوكل فيه غيره وهل يجوز أن يستوفيه في غيبة الموكل ؟ قال في الوكالة لا يستوفي وقال في الجنايات ولو وكل فتنحى به فعفا الموكل فقتله الوكيل بعد العفو وقبل العلم بالعفو ففي الضمان قولان : وهذا يدل على أنه يجوز أن يقتص مع غيبة الموكل فمن أصحابنا من قال يجوز قولا واحدا وهو قول أبي إسحاق لأنه حق يجوز أن يستوفيه بحضرة الموكل فجاز في غيبته كأخذ المال وحمل قوله لا يستوفي على الاستحباب ومنهم من قال لا يجوز قولا واحدا لأن القصاص والحد يحتاط في إسقاطهما والعفو مندوب إليه فيهما فإذا حضر رجونا أن يرحمه فيعفو عنه وحمل قوله في الجنايات على أنه أراد إذا انتفع به ولم يغب عن عينه فعفا ولم يسمع الوكيل فقتل ومنهم من قال فيه قولان : أحدهما يجوز والثاني لا يجوز ووجههما ما ذكرناه .
فصل : و يجوز التوكيل في فسخ العقود لأنه إذا جاز التوكيل في عقدها ففي فسخها أولى و يجوز أن يوكل في الإبراء من الديون لأنه إذا جاز التوكيل في إثباته واستيفائها جاز التوكيل في الإبراء عنها وفي التوكيل في الإقرار وجهان : أحدهما يجوز وهو ظاهر النص لأنه إثبات مال في الذمة بالقول فجاز التوكيل فيه كالبيع والثاني لا يجوز وهو قول أبي العباس لأنه توكيل في إخبار عن حق فلم يجز كالتوكيل في الشهادة بالحق فإذا قلنا لا يجوز فهل يكون توكيله إقرارا فيه وجهان : أحدهما أنه إقرار لأنه لم يوكل في الإقرار بالحق إلا والحق واجب عليه والثاني أنه لا يكون إقرارا كما لا يكون التوكيل في الإبراء إبراء .
فصل : ولا يصح التوكيل إلا ممن يملك التصرف في الذي يوكل فيه بملك أو ولاية فأما من لا يملك التصرف في الذي يوكل فيه كالصبي والمجنون والمحجور عليه في المال والمرأة في النكاح والفاسق في تزويج ابنته فلا يملك التوكيل فيه لأنه لا يملكه فلا يملك أن يملك ذلك غيره وأما من لا يملك التصرف إلا بالإذن كالوكيل والعبد المأذون فإنه لا يملك التوكيل إلا بالإذن لأنه يملك التصرف بالإذن فكان توكيله بالإذن واختلف أصحابنا في غير الأب والجد من العصبات هل تملك التوكيل في التزويج من غير إذن المرأة فمنهم من قال يملك لأنه يملك التزويج بالولاية من جهة الشرع فملك التوكيل من غير إذن كالأب والجد ومنهم من قال لا يملك لأنه لا يملك التزويج إلا بإذن فلا يملك التوكيل إلا بإذن كالوكيل والعبد المأذون .
فصل : ومن لا يملك التصرف في حق نفسه لنقص فيه كالمرأة في النكاح والصبي والمجنون في جميع العقود لم يملك أن يتوكل لغيره لأنه إذا لم يملك ذلك في حق نفسه بحق الملك لم يملكه في حق غيره بالتوكيل ومن ملك التصرف فيما تدخله النيابة في حق نفسه جاز أن يتوكل فيه لغيره لأنه يملك في حق نفسه بحق الملك فملك في حق غيره بالإذن واختلف أصحابنا في العبد هل يجوز أن يتوكل في قبول النكاح فمنهم من قال يجوز لأنه يملك قبول العقد لنفسه بإذن المولى فملك أن يقبل لغيره بالتوكيل ومنهم من قال لا يجوز لأنه لا يملك النكاح وإنما أجيز له القبول لنفسه للحاجة إليه ولا حاجة إلى القبول لغيره فلم يجز واختلفوا في توكيل المرأة في طلاق غيرها فمنهم من قال يجوز كما يجوز توكيلها في طلاقها ومنهم من قال لا يجوز لأنها لا تملك الطلاق وإنما أجيز توكيلها في طلاق نفسها للحاجة ولا حاجة إلى توكيلها في طلاق غيرها فلم يجز و يجوز للفاسق أن يتوكل في قبول النكاح للزوج لأنه يجوز أن يقبل لنفسه مع الفسق فجاز أن يقبل لغيره وهل يجوز أن يتوكل في الإيجاب فيه وجهان : أحدهما لا يجوز لأنه موجب للنكاح فلم يجز أن يكون فاسقا كالولي والثاني يجوز لأنه ليس بولي وإنما هو مأمور من جهة الولي والولي عدل .
فصل : ولا تصح الوكالة إلا بالإيجاب و القبول لأنه عقد تعلق به حق كل واحد منهما فافتقر إلى الإيجاب والقبول كالبيع والإجارة و يجوز القبول على الفور وعلى التراخي وقال القاضي أبو حامد المروروذي : لا يجوز إلا على الفور لأنه عقد في حال الحياة فكان القبول فيه على الفور كالبيع والمذهب الأول لأنه إذن في التصرف والإذن قائم ما لم يرجع فيه فجاز القبول و يجوز القبول بالفعل لأنه إذن في التصرف فجاز القبول فيه بالفعل كالإذن في أكل الطعام .
فصل : ولا يجوز التوكيل إلا في تصرف معلوم فإن قال وكلتك في كل قليل وكثير لم يصح لأنه يدخل فيه ما يطيق وما لا يطيق فيعظم الضرر ويكثر الغرر وإن قال وكلتك في بيع جميع مالي أو قبض جميع ديوني صح لأنه عرف ماله ودينه وإن قال بع ما شئت من مالي أو اقبض ما شئت من ديوني جاز لأنه إذا عرف ماله ودينه عرف أقصى ما يبيع ويقبض فيقل الغرر وإن قال اشتر لي عبدا لم يصح لأن فيه ما يكون بمائة وفيه ما يكون بألف فيكثر الغرر وإن قال اشتر لي عبدا بمائة لم يصح لأنه ذكر الثمن لا يدل على النوع فيكثر الغرر وإن قال اشتر لي عبدا تركيا بمائة جاز لأن مع ذكر النوع وقدر الثمن يقل الغرر فإن قال اشتر لي عبدا تركيا ولم يقدر الثمن ففيه وجهان : قال أبو العباس يصح لأنه يحمل الأمر على أعلى هذا النوع ثمنا فيقل الغرر ومن أصحابنا من قال لا يصح لأن أثمان الترك تختلف وتتفاوت فيكثر الغرر وإن وكله في الإبراء لم يجز حتى يبين الجنس الذي يبرئ منه والقدر الذي يبرئ منه وإن وكله في الإقرار وقلنا إنه يصح التوكيل فيه لم يجز حتى يبين جنس ما يقر به وقدر ما يقر به لأنه إذا أطلق عظم الضرر وكثر الغرر فلم يجز وإن وكله في خصومة كل من يخاصمه ففيه وجهان : أحدهما يصح لأن الخصومة معلومة والثاني لا يصح لأنها قد تقل الخصومات وقد تكثر فيكثر الغرر .
فصل : ولا يجوز تعليق الوكالة على شرط مستقبل ومن أصحابنا من قال يجوز لأنه أذن في التصرف فجاز تعليقه على مستقبل كالوصية والمذهب الأول لأنه عقد تؤثر الجهالة في إبطاله فلم يصح تعليقه على شرط كالبيع والإجارة ويخالف الوصية فإنها لا يؤثر فيها غرر الجهالة فلا يؤثر فيها غرر الشرط والوكالة تؤثر الجهالة في إبطالها فأثر غرر الشرط فإن علقها على شرط مستقبل ووجد الشرط وتصرف الوكيل صح التصرف لأن مع فساد العقد الإذن قائم فيكون تصرفه بإذن فصح فإن كان قد سمى له جعلا سقط المسمى ووجب له أجرة المثل لأنه عمل في عقد فاسد لم يرض فيه بغير بدل فوجب أجرة المثل كالعمل في الإجارة الفاسدة وإن عقد الوكالة في الحال وعلق التصرف على شرط بأن قال : وكلتك بأن تطلق امرأتي أو تبيع مالي بعد شهر صح لأنه لم يعلق العقد على شرط وإنما علق التصرف على شرط فلم يمنع صحة العقد .
فصل : ولا يملك الوكيل من التصرف إلا ما يقتضيه إذن الموكل من جهة النطق أو من جهة العرف لأن تصرفه بالإذن فلا يملك إلا ما يقتضيه الإذن والإذن يعرف بالنطق وبالعرف فإن تناول الإذن تصرفين وفي أحدهما إضرار بالموكل لم يجز ما فيه إضرار لقوله ( ص ) [ لا ضرر ولا إضرار ] فإن تناول تصرفين وفي أحدهما نظر للموكل لزمه مافيه نظر للموكل لما روى ثوبان مولى رسول الله ( ص ) قال : قال رسول الله ( ص ) [ رأس الدين النصيحة قلنا يارسول الله لمن ؟ قال : لله ورسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وللمسلمين عامة ] وليس من النصح أن يترك ما فيه الحظ والنظر للموكل .
فصل : وإن وكل في تصرف وأذن له أن يوكل إذا شاء نظرت فإن عين له أن يوكله وكله أمينا كان أو غير أمين لأنه قطع اجتهاده بالتعيين وإن لم يعين من يوكل لم يوكل إلا أمينا لأنه لا نظر للموكل في توكيل غير الأمين فإن وكل أمينا فإن صار خائنا فهل يملك عزله ؟ فيه وجهان : أحدهما يملك عزله لأن الوكالة تقتضي استعمال أمين فإذا خرج عن أن يكون أمينا لم يجز استعماله فوجب عزله والثاني لا يملك عزله لأنه أذن له في التوكيل دون العزل وإن وكله ولم يأذن له في التوكيل نظرت فإن كان موكله فيه مما يتولاه الوكيل ويقدر عليه لم يجز أن يوكل فيه غيره لأن الإذن لا يتناول تصرف غيره من جهة النطق ولا من جهة العرف لأنه ليس في العرف إذا رضيه أن يرضي غيره وإن وكله في تصرف وقال اصنع فيه ما شئت ففيه وجهان : أحدهما أنه يجوز أن يوكل فيه غيره لعموم قوله اصنع فيه ما شئت والثاني لا يجوز لأن التوكيل يقتضي تصرفا يتولاه بنفسه وقوله اصنع فيه ما شئت يرجع إلى ما يقتضيه التوكيل في تصرفه بنفسه وإن كان ما وكله فيه مما لا يتولاه بنفسه كعمل لا يحسنه أو عمل يترفع عنه جاز أن يوكل فيه غيره لأن توكيله فيما لا يحسنه أو فيما يترفع عنه إذن في التوكيل فيه من جهة العرف وإن كان مما يتولاه إلا أنه لا يقدر على جميعه لكثرته جاز له أن يوكل فيما لا يقدر عليه منه لأن توكيله فيما لا يقدر عليه إذن في التوكيل فيه من جهة العرف وهل يجوز أن يوكل في جميعه ؟ فيه وجهان : أحدهما له أن يوكل في جميعه لأنه ملك التوكيل فملك في جميعه كالموكل والثاني ليس له أن يوكل فيما يقدر عليه منه لأن التوكيل يقتضي أن يتولى الوكيل بنفسه وإنما أذن له فيما لا يقدر عليه للعجز وبقي فيما يقدر عليه على مقتضى التوكيل وإن وكل نفسين في بيع أو طلاق فإن جعله إلى كل واحد منهما جاز لكل واحد منهما أن ينفرد به لأنه أذن لكل واحد منهما في التصرف وإن لم يجعل لكل واحد منهما لم يجز لأحدهما أن ينفرد به لأنه لم يرض بتصرف أحدهما فلا يجوز أن ينفرد به وإن وكلهما في حفظ ماله حفظاه في حرز لهما وخرج أبو العباس وجها آخر أنه إن كان مما ينقسم جاز أن يقتسما ويكون عند كل واحد منهما نصفه وإن لم ينقسم جعلاه في حرز لهما كما يفعل المالكان و الصحيح هو الأول لأنه تصرف أشرك فيه بينهما فلم يجز لأحدهما أن ينفرد ببعضه فيه كالبيع ويخالف المالكين لأن تصرف المالكين بحق الملك ففعلا ما يقتضي الملك وتصرف الوكيلين بالإذن والإذن يقتضي اشتراكهما ولهذا يجوز لأحد المالكين أن ينفرد ببيع بعضه ولا يجوز لأحد الوكيلين أن ينفرد ببيع بعضه .
فصل : وإن وكل رجلا في الخصومة لم يملك الإقرار على الموكل ولا الإبراء من دينه ولا الصلح عنه لأن الإذن في الخصومة لا يقتضي شيئا من ذلك وإن وكله في تثبيت حق فثبته لم يملك قبضه لأن الإذن في التثبيت ليس بإذن في القبض من جهة النطق ولا من جهة العرف لأنه ليس في العرف أن من يرضاه للتثبيت يرضاه للقبض وإن وكله في قبض حق من رجل فجحد الرجل الحق فهل يملك أن يثبته عليه ؟ فيه وجهان : أحدهما لا يملك لأن الإذن في القبض ليس بإذن في التثبيت من جهة النطق ولا من جهة العرف لأنه ليس في العرف أن من يرضاه للقبض يرضاه للتثبيت والثاني أنه يملك لأنه يتوصل بالتثبيت إلى القبض فكان الإذن في القبض إذنا بالتثبيت وإن وكله في بيع سلعة فباعها لم يملك الإبراء من الثمن لأن الإذن في البيع ليس بإذن في الإبراء من الثمن وهل يملك قبضه أم لا ؟ فيه وجهان : أحدهما أنه لا يملك لأن الإذن في البيع ليس بإذن في قبض الثمن من جهة النطق ولا من جهة العرف لأنه قد يرضى الإنسان للبيع من لا يرضاه للقبض والثاني أنه يملك لأن العرف في البيع تسليم للمبيع وقبض الثمن فحملت الوكالة عليه وإن وكله في شراء عبد فاشترى وسلم الثمن ثم استحق العبد فهل يملك أن يخاصم البائع في درك الثمن ؟ فيه وجهان : أحدهما يملك لأنه من أحكام العقد والثاني لا يملك لأن الذي وكل فيه هو العقد وقد فرغ منه فزالت الوكالة .
فصل : وإن وكل في البيع في زمان لم يملك البيع قبله ولا بعده لأن الإذن لا يتناول ما قبله ولا ما بعده من جهة النطق ولا من جهة العرف لأنه قد يؤثر البيع في زمان الحاجة ولا يؤثر في زمان قبله ولا زمان بعده وإن وكله في البيع في مكان فإن كان الثمن فيه أكثر أو النقد فيه أجود لم يجز البيع في غيره لأنه قد يؤثر البيع في ذلك المكان لزيادة الثمن أو جودة النقد فلا يجوز تفويت ذلك عليه وإن كان الثمن فيه وفي غيره واحدا ففيه وجهان : أحدهما أنه يملك البيع في غيره لأن المقصود فيهما واحد فكان الإذن في أحدهما إذنا في الآخر والثاني لا يجوز لأنه لما نص عليه دل على أنه قصد عينه لمعنى هو أعلم به من يمين وغيرها فلم تجز مخالفته .
فصل : وإن وكله في البيع من رجل لم يجزأن يبيع من غيره لأنه قد يؤثر تمليكه دون غيره فلا يكون الإذن في البيع منه إذنا في البيع من غيره وإن قال خذ مالي من فلان فمات لم يجز أن يأخذ من ورثته لأنه قد لايرضى أن يكون ماله عنده ويرضى أن يكون عند ورثته فلا يكون الإذن في الأخذ منه إذنا في الأخذ من ورثته وإن قال خذ مالي على فلان فمات جاز أن يأخذ من ورثته لأنه قصد أخذ ماله وذلك يتناول الأخذ منه ومن ورثته وإن وكل العدل في بيع الرهن فأتلفه رجل فأخذت منه القيمة لم يجز له بيع القيمة لأن الإذن لم يتناول بيع القيمة .
فصل : وإن وكل في بيع فاسد لم يملك الفاسد لأن الشرع لم يأذن فيه ولا يملك الصحيح لأن الموكل لم يأذن فيه .
فصل : وإن وكل في بيع سلعة لم يملك بيعها من نفسه من غير إذن لأن العرف في البيع أن يوجب لغيره فحمل الوكالة عليه ولأن إذن الموكل يقتضي البيع ممن يستقصي في الثمن عليه وفي البيع من نفسه لا يستقصي في الثمن فلم يدخل في الإذن وهل يملك البيع من ابنه أو مكاتبه ؟ فيه وجهان : أحدهما يملك وهو قول أبو سعيد الاصطخري لأنه يجوز أن يبيع منه ماله فجاز له أن يبيع منه مال موكله كالأجنبي والثاني لا يجوز وهو قول أبي إسحاق لأنه متهم في الميل إليهما كما يتهم في الميل إلى نفسه ولهذا لا تقبل شهادته لهما كما لا تقبل شهادته لنفسه فإن أذن له في البيع من نفسه ففيه وجهان : أحدهما يجوز كما يجوز أن يوكل المرأة في طلاقها والثاني لا يجوز وهو المنصوص لأنه يجتمع في عقده غرضان متضادان الاستقصاء للموكل والاسترخاص لنفسه فتمانعا ويخالف الطلاق فإنه يصح بالزوج وحده فصح بمن يوكل والبيع لا يصح بالبائع وحده فلم يصح بمن يوكله وإن كان رجلا في بيع عبده ووكله آخر في شرائه لم يصح لأنه عقد واحد يجتمعان فيه غرضان متضادان فلم يصح التوكيل فيه كالبيع من نفسه وإن وكله في خصومة رجل ووكله الرجل في خصومته ففيه وجهان : أحدهما لا يصح لأنه توكيل في أمر يجتمع فيه عرضان متضادان فلم يصح كما لو وكله أحدهما في بيع عبده ووكله آخر في شرائه والثاني يصح لأنه لا يتهم في إقامة الحجة لكل واحد منهما مع حضور الحاكم فإن وكل عبد الرجل ليشتري له نفسا أو عبدا غيره من مولاه ففيه وجهان : أحدهما يجوز لأنه لما جاز توكيله في الشراء من غير مولاه جاز توكيله في الشراء من مولاه والثاني لا يجوز لأن يد العبد كيد المولى ولهذا يحكم له بما في يد العبد كما يحكم له بما في يده ثم لو وكل المولى في الشراء من نفسه لم يجز فكذلك إذا وكل العبد .
فصل : وإن وكل في شراء سلعة موصوفة لم يجز أن يشتري معيبا لأن إطلاق البيع يقتضي السلامة من العيب ولهذا لو اشترى عينا فوجد فيها عيبا ثبت له الرد فإن اشترى معيبا نظرت فإن اشتراه وهو يعلم أنه معيب لم يصح الشراء للموكل لأنه اشترى له ما لم يأذن فيه فلم يصح له وإن اشتراه وهو لا يعلم أنه معيب ثم علم لم يخل إما أن يرضى به أو لا يرضى فإن لم يرض به نظرت فإن علم الموكل ورضي به لم يجز للوكيل رده لأن الرد لحقه وقد رضي به فسقط وإن لم يعلم الموكل ثبت للوكيل الرد لأنه ظلامة حصلت بعقده فجاز له رفعها كما لو اشترى نفسه فإن قال البائع أخر الرد حتى تشاور الموكل فإن لم يرض قبلته لم يلزمه التأخير لأنه حق تعجل له فلم يلزمه تأخيره وإن قبل منه وأخره بهذا الشرط فهل يسقط حقه من الرد فيه وجهان : أحدهما يسقط لأنه ترك الرد مع القدرة والثاني لا يسقط لأنه لم يرض بالعيب فإن ادعى البائع أن الموكل علم بالعيب ورضي به فالقول قول الوكيل مع يمينه لأن الأصل عدم الرضا فإن رضي الوكيل بالعيب سقط خياره فإن حضر الموكل ورضي بالعيب استقر العقد وإن اختار الرد نظرت فإن كان قد سماه الوكيل في الابتياع أو نواه وصدقه البائع جاز أن يرده لأن الشراء له وهو لم يرض بالعيب وإنما رضي وكيله فلا يسقط حقه من الرد وإن لم يسمه الوكيل في الابتياع ولا صدقة البائع أنه نواه فالمنصوص أن السلعة تلزم الوكيل لأنه ابتاع في الذمة للموكل ما لم يأذن فيه ومن أصحابنا من قال : يلزم الموكل لأن العقد وقع له وقد تعذر الرد بتفريط الوكيل في ترك الرد ويرجع الموكل على الوكيل بنقصان العيب لأن الوكيل صار كالمستهلك له بتفريطه وفي الذي يرجع به وجهان : أحدهما وهو قول أبي يحيى البلخي أنه يرجع بما نقص من قيمته معيبا على الثمن فإن كان الثمن مائة وقيمة السلعة مائة لم يرجع بشيء وإن كان الثمن مائة وقيمة السلعة تسعين رجع بعشرة كما نقول في شاهدين شهدا على رجل أنه باع سلعة بمائة فأخذت منه ووزن له المشتري الثمن ثم رجع الشهود عن الشهادة فإن الحكم لا ينقض ويرجع البائع على الشهود بما نقص من القيمة عن الثمن فإن كان الثمن والقيمة سواء لم يرجع عليهم بشيء وإن كانت القيمة مائة والثمن تسعون رجع بعشرة والثاني أنه يرجع بأرش العيب وهو الصحيح لأنه عيب فات الرد به من غير رضاه فوجب الرجوع بالأرض وإن وكل في شراء سلعة بعينها فاشتراها ووجد بها عيبا فهل له أن يرد من غير إذن الموكل ؟ فيه وجهان : أحدهما له أن يرد لأن البيع يقتضي السلامة من العيب ولم يسلم من العيب فثبت له الرد كما لو وكل في شراء سلعة موصوفة فوجد بها عيبا فعلى هذا يكون حكمه في الرد على ما ذكرناه في السلعة الموصوفة والثاني لا يرد من غير إذن الموكل لأنه قطع نظره واجتهاده بالتعيين .
فصل : وإن وكل في بيع عبد أو شراء عبد لم يجز أن يعقد على بعضه لأن العرف في بيع العبد وشرائه أن يعقد على جميعه فحمل الوكالة عليه ولأن في تبعيضه إضرارا بالموكل فلم يملك من غير إذن وإن وكل في شراء أعبد أو بيع أعبد جاز أن يعقد على واحد لأن العرف في العبيد أن تباع وتشترى واحدا واحدا ولأنه لا ضرر في إفراد بعضهم عن بعض فإن وكله أن يشتري له عشرة أعبد صفقة واحدة فابتاع عشرة أعبد من اثنين صفقة واحدة ففيه وجهان : قال أبو العباس يلزم الموكل لأنه اشتراهم صفقة واحدة ومن أصحابنا من قال لا يلزم الموكل لأن عقد الواحد مع الاثنين عقدان .
فصل : ولا يجوز للوكيل في البيع أن يبيع بغير نقد البلد من غير إذن ولا للوكيل في الشراء أن يشتري بغير نقد البلد من غير إذن لأن إطلاق البيع يقتضي نقد البلد ولهذا لو قال بعتك بعشرة دراهم حمل على نقد البلد وإن كان في البلد نقدان باع بالغالب منهما لأن نقد البلد هو الغالب فإن استويا في المعاملة باع بما هو أنفع للموكل لأنه مأمور بالنصح له ومن النصح أن يبيع بالأنفع فإن استويا باع بما شاء منهما لأنه لا مزية لأحدهما على الآخر فخير بينهما وإن أذن له في العقد بنقد لم يجز أن يعقد بنقد آخر لأن الإذن في جنس ليس بإذن في جنس آخر ولهذا لو أذن له في شراء عبد لم يجز أن يشتري جارية ولو أذن له في شراء حمار لم يجز أن يشتري فرسا