رب يسر يا كريم .
قال الشافعي ولا أحسبه قال بما قال من ذلك وقبل ذلك من قبله من المقضى له والمقضى عليه وغيرهم إلا أنه وإياهم قد علموا أن رسول الله A قضى في اليد بخمسين من الإبل وكانت اليد خمسمة أطراف فاجتهد فيها على قدر منافعها وجمالها ففضل بعضها على بعض ولو لم يكن عند رسول الله أن في كل أصبع عشرا صرنا إلى ما قال عمرأو ما أشبهه وعلمنا أن الخنصر لا تشبه الإبهام في الجمال ولا المنفعة وفي هذا دليل على ما قلت من أن الخبر عن رسول الله يستغني بنفسه ولا يحتاج إلى غيره ولا يزيده غيره إن وافقه قوة ولا يوهنه إن خالفه غيره وأن الناس كلهم بحاجة إليه والخبر عنه فإنه متبوع لا تابع وأن حكم بعض أصحاب رسول الله إن كان يخالفه فعلى الناس أن يصيروا إلى الخبر عن رسول الله وأن يتركوا ما يخالفه ودليل على أن يصيروا إلى الخبر عن رسول الله مجيه وأن يتركوا ما يخالفه ودليل على أنه يعزب على المتقدم الصحبة الواسع العلم الشيء يعلمه غير وكان عمر بن الخطاب يقضي أن الدية للعاقلة ولا يورث المرأة من دية زوجها حتى أخبره الضحاك بن سفيان أن رسول الله كتب إليه أن يوزث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها فرجع إليه عمر قال : وسأل عمر بن الخطاب من عنده علم عن النبي A في الجنين فأخبره حمل بن مالك أن النبي A قضى فيه بغرة فقال عمر بن الخطاب : إن كدنا أن نقضي في مثل هذا برأينا أو قال : لو لم نسمع هذا لقضينا فيه بغير هذا وفي كل هذا دليل على أنه يقبل خبر الواحد إذا كان صادقا عند من أخبره ولو جاز لأحد رد هذا بحال جاز لعمر بن الخطاب أن يقول للضحاك : أنت رجل من أهل نجد ولحمل بن مالك : أنت رجل من أهل تهامة لم تريا رسول الله ولم تصحباه إلا قليلا ولم أزل معه ومن معي من المهاجرين والأنصار فكيف عزب هذا عن جماعتنا وعلمته أنت وأنت واحد يمكن فيك أن تغلط وتنسى بل رأى الحق اتباعه والرجوع عن رأيه في ترك توريث المرأة من دية زوجها وقضى في الجنين مما أعلم من حضرأنه لو لم يسمع عن النبي فيه شيئا قضى فيه بغيره كأنه يرى إن كان الجنين حيا ففيه مائة من الإبل وإن كان ميتا فلا شيء فيه ولكن الله تعبده والخلق بما شاء على لسان نبيه فلم يكن له ولا لأحد إدخال لم ولا كيف ولا شيئا من الرأي على الخبر عن رسول الله ولا رده على من يعرفه بالصدق في نفسه وإن كان واحدا وقبل عمر بن الخطاب خبر عبدالرحمن بن عوف في أخذ الجزية من المجوس ولم يقل : لو كانوا أهل كتاب كان لنا أن نأكل ذبائحهم وننكح نساءهم وإن لم يكونوا أهل كتاب لم يكن لنا أن نأخذ الجزية منهم وقبل خبر عبدالرحمن بن عوف في الطاعون ورجع بالناس عن خبره وذلك أنه يعرف صدق عبد الرحمن ولا يجوز له عنده ولا عندنا خلاف خبر الصادق عن رسول الله فإن قال قائل : فقد طلب عمر بن الخطاب من مخبر عن النبي A مخبرا آخر غيره معه عن النبي A قيل له : أن قبول عمر لخبر واحد على الإنفراد يدل على أنه لا يجوز عليه أن يطلب مع مخبر مخبرا غيره إلا استظهارا لا أن الحجة تقوم عنده بواحد مرة ولا تقوم أخرى وقد يستظهر الحاكم فيسأل الرجل قد شهد له عنده الشاهدان العدلان زيادة شهود فإن لم يفعل قبل الشاهدين وإن فعل كان أحب إليه أو أن يكون عمر جهل المخبر وهو إن شاء الله لا يقبل خبرمن جهله وكذلك نحن لا نقبل خبرمن جهلناه وكذلك لا نقبل خبر من لم نعرفه بالصدق وعمل الخير وأخبرت الفريعة بنت مالك عثمان بن عفان أن النبي A أمرها أن تمكث في بيتها وهي متوفى عنها حتى يبلغ الكتاب أجله فاتبعه وقضى به وكان ابن عمريخابر الأرض بالثلث والربع لا يرى بذلك بأسا فأخبره رافع أن النبي نهى عنها فترك ذلك بخبررافع وكان زيد بن ثابت سمع النبي يقول : .
لا يصدرن أحد من الحاج حتى يطوف بالبيت يعني طواف الوداع بعد طواف الزيارة فخالفه ابن عباس وقال : تصدر الحائض دون غيرها فأنكر ذلك زيد على ابن عباس فقال ابن عباس : سل أم سلمة فسألها فأخبرته أن النبي A أرخص للحائض في أن تصدر ولا تطوف فرجع إلى ابن عباس فقال : وجدت الأمر كما قلت وأخبر أبو الدرداء معاوية أن النبي عليه السلام نهى عن بيع باعه معاوية فقال معاوية : ما أرى بهذا بأسا فقال أبو الدرداء : من يعذرني من معاوبة أخبره عن رسول الله ويخبرني عن رأيه لا أساكنك بأرض فخرج أبو الدرداء من ولاية معاوية ولم يره ولم يسع مساكنته إذ لم يقبل منه خبره عن النبي ولو لم تكن الحجة تقوم عليه عند أبي الدرداء بخبره ما كان رأى أن مساكنته عليه ضيقة ولم أعلم أحدا من التابعين أخبر عنه إلا قبل خبر واحد وأفتى به وانتهى إليه فابن المسيب يقبل خبر أبي هريرة وحده وأبي سعيد وحده عن النبي A ويجعله سنة وعروة يصنع ذلك في عائشة ثم يصنع ذلك في يحيى بن عبدالرحمن بن حاطب .
وفي حديث يحيى بن عبدالرحمن عن أبيه عن عمرو عبدالرحمن بن عبد القاري عن عمر عن النبي A ويثبت كل ذلك سنة وصنع ذلك القاسم و سالم وجميع التابعين بالمدينة و عطاء و طاوس و مجاهد بمكة فقبلوا الخبر عن جابر وحده عن النبي عليه السلام وعن ابن عباس وحده عن النبي وثبتوه سنة وصنع ذلك الشعبي فقبل خبر عروة بن مضرس عن النبي وثبته سنة وكذلك قبل خبر غيره وصنع ذلك إبراهيم النخعي فقبل خبر علقمة عن عبدالله عن النبي وثبته سنة وكذلك خبر غيره وصنع ذلك الحسين و ابن سيرين فيمن لقيا لا أعلم أحدا منهم إلا وقد روي هذا عنه فيما لو ذكرت بعضه لطال حدثنا الربيع قال : أخبرنا الشافعي قال : أنبأنا سفيان عن عمرو بن دينار عن سالم بن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب نهى عن الطيب قبل زيارة البيت وبعد الجمرة [ قال سالم فقالت عائشة : طيبت رسول الله بيدي لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت وسنة رسول الله أحق ] .
قال الشافعي فترك سالم قول جده عمر في إمامته وقبل خبر عائشة وحدها وأعلم من حدثه أن خبرها وحدها .
سنة وأن سنة رسول الله أحق وذلك الذي يجب عليه وضع ذلك الذين بعد التابعين المتقدمين مثل ابن شهاب و يحيى بن سعيد و عمرو بن دينار وغيرهم والذي لقيناهم كلهم يثبت خبر واحد عن واحد عن النبي A ويجعله سنة حمد من تبعها وعاب من خالفها فحكيت عامة معاني ما كتبت في صدر كتابي هذا العدد من المتقدمين في العلم بالكتاب والسنة واختلاف الناس والقياس والمعقول فما حالف منهم واحد واحدا وقالوا : هذا مذهب أهل العلم من أصحاب رسول الله A والتابعين وتابعي التابعين ومذهبنا فمن فارق هذا المذهب كان عندنا مفارق سبيل أصحاب رسول الله وأهل العلم بعدهم إلى اليوم وكان من أهل الجهالة وقالوا معا : لا نرى إلا إجماع أهل العلم في البلدان على تجهيل من خالف هذا السبيل وجاوزوا أو أكثرهم فيمن يخالف هذا السبيل إلى ما لا أبالي أن لا أحكيه وقلت لعدد ممن وصفت من أهل العلم فإن من هذه الطبقة الذين خالفوا أهل مذهبنا ومذهبكم من قال : إن خلافنا لما زعمتم في القرآن والحديث يأمر بأن لنا فيه حجة على أن القرآن عربي والأحاديث بكلام عربي فأتأول كلاما على ما يحتمل اللسان ولا أخرج مما يحتمله اللسان وإذا تأولته على ما يحتمله اللسان فلست أخالفه فقلت : القرآن عربي كما وصفت والأحكام فيه على ظاهرها وعمومها ليس لأحد أن يحيل منها ظاهرا إلى باطن ولا عاما إلى خاص إلا بدلالة من كتاب الله فإن لم تكن فسنة رسول الله تدل على أنه خاص دون عام أو باطن دون ظاهر أو إجماع من عامة العلماء الذين لا يجهلون كلهم كتابا ولا سنة وهكذا السنة ولوجاز في الحديث أنه يحال شيء منه عن ظاهره إلى معنى باطن يحتمله كان أكثر الحديث يحتمل عددا من المعاني ولا يكون لأحد ذهب إلى معنى ولكن الحق فيها واحد لأنها على ظاهرها وعمومها إلا دلالة عن رسول الله أو قول عامة أهل العلم بأنها على خاص دون عام وباطن دون ظاهر إذا كانت إذا صرفت إليه عن ظاهرها محتملة للدخول في معناه قال : وسمعت عددا من متقدمي أصحابنا وبلغني عن عدد من متقدمي أهل البلدان في الفقه معنى هذا القول لا يخالفه وقال لي بعض أهل العلم في هذا الأصل إنما اختلفوا في الرجال الذين يثبتون حديثهم ولا يثبتونه في التأويل فقلت له : هل يعدوحديث كل رجل منهم حدث عنه لا يخالفه غيره أن يثبت من جهة صدقه وحفظه كما يثبت عندك عدل الشاهد بعدله إلا بدلالة على ما شهد عليه إلا عدل نفسه أو لا يثبت قال : لا يعدو هذا .
قلت فإذا ثبت حديثه مرة لم يجزأن نطرحه أخرى بحال أبدا إلا بما يدل على نسخه أو غلط فيه لأنه لا يعدو في طرحه فيما يثبته في مثله أن يخطىء في الطرح أو التثبيت قال : لا يجوز غير هذا أبدا وهذا العدل قلت : وهكذا كل من فوقه ممن في الحديث لأنك تحتاج في كل واحد منهم إلى صدق وحفظ قال : أجل فقلت : وهكذا تصنع في الشهود ولا تقبل شهادة رجل في شيء وتردها في مثله قال : أجل .
وقلت له : لو صرت إلى غير هذا قال لك من خالفك مذهبه من أهل الكلام إذا جاز لك رد حديث واحد وسمى رجلا ورجالا فوقه بلا حجة في رده جاز لي رد جميع حديثه لأن الحجة بصدقه أو تهمته بلا دلالة في واحد الحجة في جميع حديثه ما لم يختلف حاله في حديثه واختلافها أن يحدث مرة ما لا مخالف له فيه ومرة ما له فيه مخالف فإذا كان هذا هكذا اختلفت حاله في حديثه بخلاف غيره له ممن هوفي مثل حاله في حديثه كما تقبل شهادة الشهود ويقضي بما شهدوا به على الكمال فإذا خالفهم غيرهم لهم عنه إذا كانوا شهدوا غير مخالفين لهم في الشهادة فقال : من قلت له هذا من أهل العلم هذا هكذا وقلت لبعضهم : ولوجاز لك غير ما وصفت جاز لغيرك عليك أن يقول : أجعل نفسي بالخيار فأرد من حديثه ما قبلت وأقبل من حديثه ما رددت بلا اختلاف لحاله في حديث وأسلك في ردها طريقك فيكون لي ردها كلها لأنك قد رددت منها ما شئت فشئت أنا ردها كلها وطلب العلم من غير الحديث ثم أعتل فيها بمعنى علتك ثم لعله أن يكون ألحق بحجته منك قال ما يجوز هذا لأحد من الناس وما القول فيه إلا أن يقبل حديثهم ما وصفت أولا ما لم يكن له مخالف أو يختلف حالهم فيه وقلت له والحجة على من تأول بلا دلالة كتابا أو سنة على غير ظاهرهما وعمومهما وإن احتملا الحجة لك على من خالف مذهبك في تأويل القرآن والحديث فقال : ما سمعنا منهم أحدا تأول شيئا إلا على ما يحتمله احتمالا جائزا في لسان العرب وإن كان ظاهره على غير ما تأوله عليه لسعة لسان العرب وبذلك صار من صار منهم إلى استحلال ما كرهنا نحن وأنت استحلاله وجهل ما كرهنا لهم جهله قال : أجل وقلت له : قد روينا ورويت [ أن رسول الله A أمر امرأة أن تحج عن أبيها ورجلا أن يحج عن أبيه ] فقلنا نحن وأنت به وقلنا نحن وأنت معا لا يصوم أحد عن أحد ولا يصلي أحد عن أحد فذهب بعض أصحابنا إلى أن ابن عمر قال : لا يحج أحد عن أحد أفرأيت إن احتج له أحد ممن خالفنا فيه فقال : الحج عمل على البدن كالصلاة والصوم فلا يجوز أن يعمله المرء إلا عن نفسه وتأول قول الله D { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } وتأول { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } وقال السعي العمل والمحجوج عن غير عامل فهل الحجة عليه إلا أن الذي روى هذا الحديث عن رسول الله ممن يثبت أهل الحديث حديثه وأن الله فرض طاعة رسول الله وأن ليس لأحد خلافه ولا التأول معه لأنه المنزل عليه الكتاب المبين عن الله معناه وأن الله جل ثناؤه يعطي خلقه بفضله ما ليس لهم وأن ليس في أحد من أصحاب النبي لوقال : بخلافه حجة وأن عليه أن لو علم هذا عن رسول الله أتباعه قال : هذه الحجة عليه قلت وروينا ورويت أن رسول الله قال : [ من أعمر عمرى له ولعقبه فهي للذي يعطاها ] .
فأخذنا نحن وأنت به وخالفنا بعض أهل ناحيتنا أفرأيت إن احتج له أحد فقال : قد روي [ عن النبي A أنه قال : المسلمون على شروطهم فلا يؤخذ مال رجل إلا بما شرط أهل الحجة عليه ] إلا أن قول النبي A إن كان قاله المسلمون على شروطهم جملة فلا يردبالجملة نص خبر عن رسول الله فلا ترد الجملة نص خبريخرج من الجملة ويستدل على أن الجملة على غير ما أراد رسول الله مما يخالف جملتها وأن في الحديث الذي روي عن النبي المسلمون على شروطهم إن قال النبي إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا .
وهذا من تلك الشروط وقد شرط أهل بريرة على عائشة أن تعتق بريرة ولهم ولاء بريرة فجعل النبي الولاء لمن أعتق قال فهذه الحجة عليه وكفى بهذه حجة وقلت : فإن أحتج بأن القاسم بن محمد قال : في العمرى : ما أدركت الناس إلا على شروطهم قال : هذا مذهب ضعيف ولا حجة في أحد خالف ما نثبته عن رسول الله بحال وذكرت له بعض ما روينا ورووا من الحديث وخالفه بعض أهل ناحيتنا فاحتججت عليه بمعان شبيهة بما وصفت واحتج بنحو ما ذكرت فقلت له : فما قلت فيمن قال : هذا من أهل ناحيتنا قال : قلت : أنه خالف السنن فيما ذكرنا وكان أقل عذرا لما خالف فيها من الذين أحل دينهم طرح الحديث ولم يدخل أهل الرد للحديث في معنى إلا دخل فيما خالف منه في مثله بل هم أحسن حجة فيما خالفوه منه وتوجيها له منه فقلت له : فإذا كانت لنا ولك بهذه الحجة على من سلك هذه السبيل فهي عليك إذا سلكت في غير هذه الأحاديث طريقة فإذا حمدتك باتباع حديث رسول الله ذممتك على رد آخر مثله ولا يجوز أن أحمدك بموافقة الحديث وخلافه لأنك لا تخلو من الخطأ في أحدهما قال : أجل وقلت له : قد روى أصحابنا أن النبي قال : [ من وجد عين ماله عند معدم فهو أحق به ] وقالوا : وقلنا به وخالفته وروى أصحابنا [ أن النبي A قضى باليمين مع الشاهد ] وقلنا : وقالوا به وخالفته وذكرت له أحاديث خالفها أخذ بها أصحابنا وذكرت من الحجة عليه في تركها شبيها بما ذكرت له عن بعض أصحابنا فيما أخذنا نحن وهو به من الحديث وخالفوه وإن كنت أعلم أنه الحن بحجته ممن أخذ من أصحابنا من الحديث بما خالفه قال : فحديث التفليس وحديث اليمين الشاهد أضعف من حديث العمرى وحديث أن يحج أحد عن غيره قلت : أما هما مما نثبت نحن وأنت مثله قال : بلى قلت : فالحجة بهما لازمة ولو كان غيرهما أقوى منهما كما تكون الحجة لازمة لنا بشهادة رجلين من خير الناس وشهادة رجلين حين خرجا من أن يكونا مجروحين وكما تكون الحجة لنا بأن نقضي بشهادة مائة عدول غاية وشهادة اثنين عدلين وكلاهما دون جميع الغاية في العدل وإن كانت النفس على الأعدل وعلى الأكثر أطيب فالحجة بالأقل إذا كان علينا قبوله ثابتة وقلت له : قد شهد عليك أصحابنا الحجازيون وعلى من ذهب مذهبك في رد هذين الحديثين وفيما رددت مما أخذوا به من الحديث أنكم تركتم السنن وابتدعتم خلافه و لعلهم قالوا فيكم ما أحب الكف عن ذكره لإفراطه وشهدت على من خالفك منهم فيما أخذت به من حديث حج الرجل عن غيره والعمرى بالبدعة وخلاف السنة ورداهم ضعف العقول فاجتمع قولك وقولهم على أن عابوك بما خالفت من الحديث وعبتهم بما خالفوا منه .
وعامة ما خالفت وخالفوا حديث رجك واحد أو اثنين ولا يجوز عليك ولا عليهم إذا عاب كل واحد منكم صاحبه بما خالفه من حديث الانفراد إلا أن يكون العائب لغيره بخلاف حديث الانفراد : مصيبا فيكون شاهدا على نفسه بالخطأ في تركه ما يثبت مثله من حديث الانفراد أو مخطئا بعيبه ترك حديث الإنفراد فيكون مخطئا في أخذه في بعض الحالات بحديث الإنفراد وعيب من خالفه وقلت له : وهكذا قال البصريون فيما أخذوا به من الحديث دونكم ودون غيركم والكوفيون سواكم فيما أخذوا به من الحديث دونكم ودون غيركم فنسبوا من خالف حديثا أخذوا به عن رسول الله إلى الجهل إذا جهله وقالوا : كان عليه أن يتعلمه وإلى البدعة إذا عرفه فتركه وهكذا كل أهل بلد فيها علم فوجدت أقاويل من حفظت عنه من أهل الفقه كلها مجتمعة على عيب من خالف الحديث المنفرد فلو لم يكن في تثبيت الحديث المنفرد حجة إلا ما وصفت من هذا كان تثبيته من أقوى حجة في طريق الخاصة لتتابع أهل العلم من أهل البلدان عليها .
وقلت له : سمعت من أهل الكلام من يسرف ويحتج في عيب من خالفه منكم بأن يأخذ من يخالفه منكم بحديث ويترك مثله لأن ذلك عنده داخل في معناه وذلك كما قال فقال هذا كما وصفت والحجة بهذا ثابتة لكل من صحح الأخذ بالحديث ولم يخالفه على من أخذ ببعض وترك بعضا .
ولكن من أصحابنا من ذهب إلى شيء من التأويل فما الحجة عليه ؟ قلت : فسنذكرمن التأويل إن شاء الله ما يدل على أن الحجة فيه وما سلك فيه سالك طريقا خالف الحق عندنا كان أشبه أن يشتبه على كل من يسمعه منك من أصحابك لأنكم قلتم ولكم علم بمذاهب الناس وبيان العقول وكلمته وغيره ممن سلك طريقه فيما تأولوا ورأيتهم غلطوا فيه وخلطوا بوجوه شتى أمثل مما حضرني منها مثالا يدل على ما وراءها إن شاء الله ونسأل الله العصمة والتوفيق .
قال الشافعي أبان الله جل ثناؤه لخلقه أنه أنزل كتابه بلسان نبيه وهو لسان قومه العرب فخاطبهم بلسانهم على ما يعرفون من معاني كلامهم وكانوا يعرفون كلن معاني كلامهم أنهم يلفظون بالشيء عاما يريدون به العام وعاما يريدون به الخاص ثم دلهم على ما أراد من ذلك في كتابه وعلى لسان نبيه وأبان لهم أن ما قبلوا عن نبيه فعنه جل ثناؤه قبلوا بما فرض من طاعة رسوله في غيرموضع من كتابه منها من يطع الرسول فقد أطاع الله وقوله : { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما }