باب الخلاف في اليمين مع الشاهد .
قال الشافعي C : قال بعض الناس : فقد أقمتم اليمين مقام شاهد قلت : وإن أعطيت بها كما أعطيت بشاهد فليس معناها معنى شاهد وأنت تبرىء المدعى عليه بشاهدين وبيمينه إن لم يكن له بينة وتعطي المدعي حقه بنكول صاحبه كما تعطيه بشاهدين أفمعنى ذلك معنى شاهدين ؟ قال : فكيف يحلف مع شاهده على وصية أوصى بها ميت أو أن لأبيه حقا على رجل وهو صغير وهو إن حلف حلف ما لم يعلم ؟ قلت : فأنت تجيزأن يشهد أن فلانا بن فلان وأبوه غائب لم يرياه قط ويحلف ابن خمس عشرة سنة مشرقيا اشترى عبدا ابن ماية سنة مغربيا ولد قبل جده فباعه فأبق أنك تحلفه لقد باعه بريئا من الإباق على البت قال : ما يجد الناس بدا من هذا غير أن الزهري أنكرها قلت : فقد قضى بها حين ولى أرأيت ما رويت عن علي من إنكاره على معقل حديث بروع أن النبي A جعل لها المهر والميراث ورد حديثه ومع علي زيد وابن عمر ؟ فهل رددت شيئا بالإنكار فكيف يحتج بإنكار الزهري ؟ وقلت له : وكيف حكمت بشهادة قابلة في الاستهلال وهو ما يراه الرجال ؟ أم كيف حكمت على أهل محلة وعلى عواقلهم بدية الموجود قتيلا في محلتهم في ثلاث سنين وزعمت أن القرآن يحرم أن يجوز أقل من شاهد وامرأتين وزعمت أن سنة رسول الله A تدل على أن اليمين براءة لمن حلف فخالفت في جملة قولك الكتاب والسنة ؟ أرأيت لو قال لك أهل المحلة : أتدعي علينا فأحلف جميعنا وأبرئنا ؟ قال : لا أحلفهم إذا جاوزوا خمسين رجلا ولا أبرئهم بإيمانهم وأغرمهم قلت : فكيف جاز لك هذا ؟ قال : روينا هذا عن عمر بن الخطاب رحمة الله عليه فقلت : فإن قيل لك لا يجوز على عمر أن يخالف الكتاب والسنة وقال عمر نفسه البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه قال : لا يجز أن أتهم من أثق به ولكن أقول بالكتاب والسنة وقول عمر على الخاص قلص : فلم لم يجز لنا من سنة رسول الله لمجلى ما أجزت لنفسك من عمر ؟ قلت : وقد رويتم أن عمر كتب فجلبهم إلى مكة وهو مسيرة اثنين وعشرين يوما فأحلفهم في الحجر وقضى عليهم بالدية فقالوا : ما وقت أموالنا أيماننا ولا أيماننا أموالنا فقال : حقنتم بأيمانكم دماءكم فخالفتم في ذلك عمر فلا أنتم أخذتم بكل حكمه ولا تركتموه ونحن نروي عن رسول الله A بالإسناد الصحيح أنه بدأ في القسامة بالمدعين فلما لم يحلفوا قال : تبرئكم يهود بخمسين يمينا وإذ قال تبرئكم يهود فلا يكون عليهم غرم ويروى عن عمر أنه بدى المدعى عليهم ثم رد اليمين على المدعين وهذان جميعا يخالفان ما رويتم عنه وقد أجزتم شهادة أهل الذمة وهم غير الذين شرط الله D أن تجوز شهادتهم ورددتم سنة رسول الله A في اليمين مع الشاهد قال : فإنا أجزنا شهادة أهل الذمة بقول الله D : { أو آخران من غيركم } قلت : سمعت من أرضى يقول من غير قبيلتكم من المسلمين ويحتج بقول الله جل وعز : { تحبسونهما من بعد الصلاة } ؟ قلت : والمنزل فيه هذه الآية رجل من العرب فأجزت شهادة مشركي العرب بعضهم على بعض قال : لا إلا شهادة أهل الكتاب قلت : فإن قال قائل لا إلا شهادة مشركي العرب فما الفرق ؟ فقلت له : أفتجيز اليوم شهادة أهل الكتاب على وصية مسلم كما زعمت أنها في القرآن ؟ قال : لا لأنها منسوخة قلت : بماذا ؟ قال : بقول الله D : { وأشهدوا ذوي عدل منكم } قلت : فقد زعمت بلسانك أنك خالفت القرآن إذ لم يجز الله إلا مسلما فأجزت كافرا وقال لي قائل : إذا نص الله حكما في كتابه فلا يجوز أن يكون سكت عنه وقد بقي منه شيء ولا يجوز لأحد أن يحدث فيه ما ليس في القرآن قلت : فقد نص الله عزوجل الوضوء في كتابه فأحدث فيه المسح على الخفين ونص ما حرم من النساء وأحل ما وراءهن فقلت : لا تنكح المرأة على عمتها ولا عالى خالتها ونص المواريث فقلت : لا يرث قاتل ولا مملوك ولا كافر وإن كانوا ولدا أو والدا ونص حجب الأم بالإخوة فحجبتها بأخوين ونص للمطلقة قبل أن تمس نصف المهر ورفع العدة فقلت : إن خلا بها ولم يمسها فلها المهر وعليها العدة فهذه أحكام منصوصة في القرآن فهذا عندك خلاف ظاهر القرآن واليمين مع الشاهد لايخالف ظاهر القرآن شيئا والقرآن عربي فيكون عاما يراد به الخاص وكل كلام احتمل في القرآن معاني فسنة رسول الله A تدل على أحد معانيه موافقة له لا مخالفة للقرآن .
قال الشافعي C : وما تركنا من الحجة عليهم أكثر مما كتبناه وبالله التوفيق