باب الخلاف في قتال أهل البغي .
قال الشافعي C : قال بعض الناس : إذا كانت الحرب قائمة استمتع بدوابهم وسلاحهم واذا انقضت الحرب فذلك رد قلت : أرأيت إن عارضك وإيانا معارض يستحل مال من يستحل دمه فقال : الدم أعظم فإذا حل الدم حل المال هل لك من حجة إلا أن هذا في أهل الحرب الذين ترق أحرارهم وتسبى نساؤهم وذراريهم والحكم في أهل القبلة خلافهم وقد يحل دم الزاني المحصن والقاتل ولا تحل أموالهما بجنايتهما والباغي أخف حالا منهما ويقال لهما مباحا الدم مطلقا ولا يقال للباغي مباح الدم وإنما يقال يمنع من البغي إن قدر على منعه بالكلام أو كان غير ممتنع لا يقاتل لم يحل قتاله قال : إني إنما آخذ سلاحهم لأنه أقوى لي وأوهن لهم ما كانوا مقاتلين فقلت له : فإذا أخذت ماله وقتل فقد صار ملكه كطفل أو كبير لم يقاتلك قط أفتقوى بمال غائب غير باغ على باغ فقلت له : أرأيت لو وجدت لهم دنانير أو دراهم تقوبك عليهم أتأخذها قال : لا قلت : فقد تركت ما هو أقوى لك عليهم من السلاح في بعض الحالات قال : فإن صاحبنا يزعم أنه لا يصلي على قتلى أهل البغي قلت : ولم وهو يصلي على من قتله في حد يجب عليه قتله ولا يحل له تركه والباغي محرم قتله موليا وراجعا عن البغي ولوترك الصلاة على أحدهما دون الآخر كان من لا يحل إلا قتله بترك الصلاة أولى قال : كأنه ذهب إلى أن ذلك عقوبة لينكل بها غيره قلت : وإن كان ذلك جائزا فاصلبه أو حرقه أو حز رأسه وابعث به فهو أشد في العقوبة قال : لا أفعل به شيئا من هذا قلت له : هل يبالي من يقاتلك على أنك كافر لا يصلي عليك وصلاتك لا تقربه إلى ربه وقلت له : أيمنع الباغي أن تجوز شهادته أو يناكح أو شيئا مما يجري لأهل الإسلام قال : لا قلت : فكيف منعته الصلاة وحدها قال الشافعي ويجوز أمان الرجل والمرأة المسلمين لأهل الحرب والبغي فأما العبد المسلم فإن كان يقاتل جاز أمانه وإلا لم يجز قلت : فما الفرق بينه يقاتل أو لا يقاتل قال : قول النبي A : [ المسلمون يد على من سواهم تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ] قلت : فإن قلت ذلك على الأحرار فقد أجزت أمان عبد وان كان على الإسلام فقد رددت أمان عبد مسلم لا يقاتل قال : فإن كان القتل يدل على هذا قلت : ويلزمك في أصل مذهبك أن لا تجيز أمان امرأة ولا زمن لأنهما لا يقاتلان وأنت تجيز أمانهما قال : فأذهب إلى الدية فأقول دية العبد لا تكافىء دية الحر قلت : فهذا أبعد لك من الصواب قال : ومن أين قلت : دية المرأة نصف دية الحر وأنت تجيز أمانها ودية بعض العبيد أكثر من دية المرأة ولا لجيز أمانه وقد تكون دية عبد لا يقاتل أكثر من دية عبد يقاتل فلا تجيزأمانه فقد تركت أصل مذهبك قال : فإن قلت إنما عنى مكافأة الدماء في القود قلت : فأنت تقيد بالعبد الذي لا يسوي عشرة دنانير الحر الذي ديته ألف دينار كان العبد يحسن قتالا أو لا يحسنه قال : إني لأفعل وما هو على القود قلت : ولا على الدية ولا على القتال قال : فعلام هو قلت : على اسم الإسلام وقال الناس : إذا امتنع أهل البغي بدارهم من أن يجري الحكم عليهم فما أصابه المسلمون من التجار والأسرى في دارهم من حدود الناس بينهم أو لله لم تؤخذ منهم ولا الحقوق بالحكم وعليهم فيما بينهم وبين الله تعالى تأديتها إلى أهلها قلت : فلم قتلته قال : قياسا على دار المحاربين يقتل بعضهم بعضا ثم يظهر عليهم فلا يقاد منهم قلت : هم مخالفون للتجار والأسرى في المعنى الذي ذهبت إليه خلافا بينا أرأيت لو سبى المحاربون بعضهم بعضا ثم أسلموا أندع السابي يتخول المسبي مرقوقا له قال : نعم قلت : أفتجيز هذا في التجار والأسرى في دار أهل البغي قال : لا قلت : فلو غزانا أهل الحرب فقتلوا منا ثم رجعوا مسلمين أيكون على أحد منهم قود قال : لا قلت : فلو فعل ذلك التجار والأسرى ببلاد الحرب غير مكرهين ولا شبه عليهم قال : يقتلون قلت : أيسع قصد قتل التجار والأسرى ببلاد الحرب فيقتلون قال : بل يحرم قلت : أرأيت التجار والأسرى لو تركوا الصلاة والزكاة في دار الحرب ثم خرجوا إلى دار الإسلام أيكون عليهم قضاء ذلك قال : نعم قلت : ولا يحل لهم في دار الحرب إلا ما يحل لهم في دار الإسلام قال : لا قلت : فإذا كانت الدار لا تغير ما أحل لهم وحرم عليهم فكيف أسقطت عنهم حق الله وحق الادميين الذي أوجبه الله عليهم ثم أنت لا تحل لهم حبس حق قبلهم في دم ولا غيره وما كأن لا يحل لهم حبسه فإن على الإمام استخراجه عندك في غير هذا الموضع قال : فأقيسهم بأهل الردة الذين أبطل ما أصابوا قلت : فأنت تزعم أن أهل البغي يقاد منهم ما لم ينصبوا إماما ويظهروا حكما والتجار والأسارى لا إمام لهم ولا امتناع ونزعم لو قتل أهل البغي بعضهم بعضا بلا شبهة أقدت منهم قال : ولكن الدار ممنوعة من أن يجري عليهم الحكم قلت : أرأيت لو أن جماعة من أهل القبلة محاربين امتنعوا في مدينة حتى لا يجري عليهم حكم فقطعوا الطريق وسفكوا الدماء و اخذوا الأموال وأتوا الحدود قال : يقام هذا كله عليهم قلت : فهذا ترك معناك وقلت له : أيكون على المدنيين قولهم لا يرث قاتل عمد ويرث قاتل خطأ إلا من الدية فقلت : لا يرث القاتل في الوجهين لأنه يلزمه اسم قاتل فكيف لم تقل بهذا في القاتل من أهل البغي والعدل لأن كلا يلزمه اسم قاتل وأنت تسوي بينهما فلا تقيد أحدا بصاحبه ؟