إعطاء النساء والذرية .
قال الشافعي C تعالى : واختلف أصحابنا في إعطاء من دون البالغين من الذرية وإعطاء نساء أهل الفيء فمنهم من قال : يعطون معا من الفيء وأحسب من حجتهم أن يقولوا : إنا إذا منعناهم الفيء ومؤنتهم تلزم رجالهم كنا لم نعطهم ما يكفيهم وإن أعطينا رجالهم الكفاية لأنفسهم فعليهم مؤنة عيالهم وليس في إعطائهم لأنفسهم كفاية ما يلزمهم فدخل علينا أن لم نعطهم كمال الكفاية من الفيء ومنهم من قال : إذا كان أصل المال غنيمة وفيئا وصدقة فالفيء لمن قاتل عليه أو من سوى معهم في الخمس والصدقة لمن لا يقاتل من ذرية ونساء وليسوا بأولى بذلك من ذرية الأعراب ونسائهم ورجالهم الذين لا يعطون من الفيء إذ لا يقاتلون عليه أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان أن عمر بن الخطاب قال : ما أحد إلا وله في هذا المال حق أعطيه أو منعه إلا ما ملكت أيمانكم أخبرنا إبراهيم بن محمد بن المنكدر عن مالك بن أوس عن عمر نحوه وقال : لئن عشت ليأتين الراعي بسر وحمير حقه قال الشافعي C تعالى : وهذا الحديث يحتمل معاني منها أن يقول : ليس أحد يعطى بمعنى حاجة من أهل الصدقة أو بمعنى أنه من أهل الفيء الذين يغزون إلا وله حق في مال الفيء أو الصدقة وهذا كأنه أولى معانيه فإن قال قائل : ما دل على هذا ؟ قيل : قد [ قال النبي A في الصدقة : لا حظ فيها لغني ولا لذي مرة مكتسب ] و [ قال لرجلين سألاه : إن شئتما إن قلتما نحن محتاجون أعطيتكما إذا كنت لا أعرف عيالكما ولا حظ فيها لغني ] والذي أحفظه عن أهل العلم أن الأعراب لا يعطون من الفيء ولو قلنا معنى قوله : إلا وله في هذا المال يعني الفيء حق كنا خالفنا ما لا نعلم الناس اختلفوا فيه أنه ليس لمن أعطى من الصدقة ما يكفيه ولا لمن كان غنيا من أهل الصدقات الذين يؤخذ منهم في الفيء نصيب ولو قلنا - يعني عمر - : إلا له في هذا المال حق مال الصدقات كنا قد خالنفا ما روي عن النبي A : [ لا حظ فيها لغني ] وما لا نعلم الناس اختلفوا فيه أنه ليس لأهل الفيء من الصدقة نصيب قال الشافعي C تعالى : وأهل الفيء كانوا في زمان النبي A بمعزل عن الصدقة وأهل الصدقة بمعزل عن الفيء قال : والعطاء الواجب من الفيء لا يكون إلا لبالغ يطيق مثله القتال قال الشافعي : أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال : عرضت على النبي A عام أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فردني ثم عرضت عليه عام الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني قال نافع : فحدثت بهذا الحديث عمر بن عبد العزيز فقال : هذا الفرق بين المقاتلة والذرية وكتب في أن يفرض لابن خمس عشرة في المقاتلة ومن لم يبلغها في الذرية قال الشافعي C : وإن كان المستكمل خمس عشرة سنة أعمى لا يقدر على القتال أبدا أو منقوص الخلق لا يقدر على القتال أبدا لم يفرض له فرض المقاتلة وأعطي بمعنى الكفاية في المقام والكفاية في المقام شبيه بعطاء الذرية لأن الكفاية في القتال للسفر والمؤنة أكثر وكذلك لو كان سالما في المقاتلة ثم عمي أو أصابه ما يعلم أنه لا يجاهد معه أبدا صير إلى أن يعطى الكفاية في المقام قال الشافعي C تعالى : وإن مرض مرضا طويلا قد يرجى برؤه منه أعطاه عطاء المقاتلة ويخرج العطاء في كل عام للمقاتلة في وقت من الأوقات وأحب إلي لو أعطيت الذرية على ذلك الوقت وإذا صار مال الفيء إلى الوالي ثم مات ميت قبل أن يأخذ عطاءه أعطى ورثته عطاءه وإن مات قبل أن يصير المال الذي فيه عطاؤه لذلك العام إلى الوالي لم تعط ورثته عطاءه وإن فضل من المال فضل بعدما وصفت من إعطاء العطاء وضعه الإمام في إصلاح الحصون والازدياد في السلاح والكراع وكل ما قوي به المسلمين فإن استغنى به المسلمون وكملت كل مصلحة لهم فرق ما بقي منه بينهم كله على قدر ما يستحقون في ذلك المال وإن ضاق الفيء عن مبلغ العطاء فرق بينهم بالغا ما بلغ لم يحبس عنهم منه شيئا قال الشافعي C تعالى : ويعطى من الفيء رزق الحكام وولاة الأحداث والصلات بأهل الفيء وكل من قام بأمر أهل الفيء من وال وكاتب وجندي ممن لا غنى لأهل الفيء عنه رزق مثله فإن وجد من يغني غناءه ويكون أمينا كهو يلي له بأقل مما ولي لم يزد أحدا على أقل ما يحدثه أهل الغناء وذلك أن منزلة الوالي من رعيته بمنزلة والي مال اليتيم من ماله لا يعطى منه على الغناء على اليتيم إلا أقل ما يقدر عليه قال : وإن ولي أحد على أهل الصدقات كان رزقه مما يؤخذ منها لأن له فيها حقا ولا يعطى من الفيء عليها كما لا يعطى من الصدقات على الفيء ولا يرزق من الفيء على ولاية شيء إلا ما لا صلاح فيه فلا يدخل الأكثر فيمن يرزقه على الفيء وهو يغنيه الأقل وإن ضاق الفيء عن أهله آسى بينهم فيه