التفليس .
قال الله تبارك وتعالى : { وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة } وقال رسول الله A : [ مطل الغني ظلم ] فلم يجعل على ذي دين سبيلا في العسرة حتى تكون الميسرة ولم يجعل رسول الله A مطله ظلما إلا بالغنى فإذا كان معسرا فهو ليس ممن عليه سبيل إلا أن يوسر وإذا لم يكن عليه سبيل على إجارته لأن إجارته عمل بدنه إذا لم يكن على بدنه سبيل وإنما السبيل على ماله لم يكن إلى استعماله سبيل وكذلك لا يحبس لأنه لا سبيل عليه في حاله هذه وإذا قام الغرماء على رجل فأرادوا أخذ جميع ماله ترك له من ماله قدر ما لا غناء به عنه وأقل ما يكفيه وأهله يومه من الطعام والشراب وقد قيل : إن كان لقسمه حبس أنفق عليه وعلى أهله كل يوم أقل ما يكفيهم حتى يفرغ من قسم ماله ويترك لهم نفقتهم يوم آخر ماله وأقل ما يكفيه من كسوته في شتاء كان ذلك أو صيف فإن كان له من الكسوة ما يبلغ ثمنا كثيرا بيع عليه وترك له ما وصفت لك من أقل ما يكفيه منها فإن كانت ثيابه كلها غوالي مجاوزة القدر اشترى له من ثمنها أقل ما يكفيه مما يلبس أقصد من هو في مثل حاله ومن تلزمه مؤنته في وقته ذلك شتاء كان أو صيفا وإن مات كفن من ماله قبل الغرماء وحفر قبره وقبر بأقل ما يكفيه ثم اقتسم فضل ماله ويباع عليه مسكنه وخادمه لأن له من الخادم بدا وقد يجد المسكن قال : وإذا جنيت على جناية قبل التفليس فلم يأخذ أرشها إلا بعد التفليس فالغرماء أحق بها منه إذا قبضها لأنها مال من ماله لا ثمن لبعضه ولو وهب له بعد التفليس هبة لم يكن عليه أن يقبلها فلو قبلها كانت لغرمائه دونه وكذلك كل ما أعطاه أحد من الآدميين متطوعا به فليس عليه قبوله ولا يدخل ماله شيء إلا بقبوله إلا الميراث فإنه لو ورث كان مالكا ولم يكن له دفع الميراث وكان لغرمائه أخذه من يده ولو جنيت عليه جناية عمدا فكان له الخيار بين أخذ الأرش أو القصاص كان له أن يقتص ولم يكن عليه أن يأخذ المال لأنه لا يكون مالكا للمال إلا بأن يشاء وكذلك لو عرض عليه من جنى عليه المال ولو استهلك له شيئا قبل التفليس ثم صالح منه على شيء بعد التفليس فإن كان ما صالح قيمة ما استهلك له بشيء معروف القيمة فأراد مستهلكه أن يزيده على قيمته لم يكن عليه أن يقبل الزيادة لأن الزيادة في موضع الهبة فإن شهد له شاهد بحق على آخر فأبى أن يحلف مع شاهده أبطلنا حقه إذا أحلفنا المشهود عليه ولم نجعل للغرماء أن يحلفوا لأنه لا يملك إلا بعد اليمين فلما لم يكن مالكا لم يكن عليه أن يحلف وكذلك لو ادعى عليه فأبى أن يحلف ورد اليمين فامتنع المفلس من اليمين بطل حقه وليس للغرماء في حال أن يحلفوا لأنهم ليسوا مالكين إلا ما ملك ولا يملك إلا بعد اليمين ولو جنى هو بعد التفليس جناية عمدا أو استهلك مالا كان المجني عليه والمستهلك له أسوة الغرماء في ماله الموقوف لهم بيع أو لم يبع ما لم يقتسموه فإذا اقتسموه نظرنا فإن كانت الجناية قبل القسم معهم فيما اقتسموا لأن حقه لزمه قبل يقسم ماله وإن كانت الجناية بعد القسم لم يدخل معهم لأنهم قد ملكوا ما قسم لهم وخرج عن ملك المفلس والجناية والاستهلاك دين عليه سواء ولو أن القاضي حجر عليه وأمر بوقف ماله ليباع فجنى عبد له جناية لم يكن له ان يفديه وأمر القاضي ببيع الجاني حتى يوفي المجني عليه أرشها فإن فضل فضل رده في ماله حتى يعطيه غرماءه إن لم يفضل من ثمنه شيء ولم يستوف صاحب الجناية جنايته بطلت جنايته لأنها كانت في رقبة العبد دون ذمة سيده ولو كان عبد المفلس مجنيا عليه كان سيده الخصم له فإذا ثبت الحق عليه وكان الجاني عليه عبدا فله أن يقتص إن كانت الجناية فيها قصاص وأن يأخذ الأرش من رقبة العبد الجاني فإن أراد الغرماء ترك القصاص وأخذ المال فليس ذلك لهم لأنه لا يملك المال إلا بعد اختياره لهم وإن كانت لهم الجناية مما لا قصاص فيه إنما فيه الأرش لم يكن لسيد العبد عفو الأرش لأنه مال من ماله وجب له بكل حال فليس له هبتة وهو مردود في ماله يقضي به عن دينه وإذا باع الرجل من الرجل الحنطة أو الزيت أو السمن أو شيئا مما يكال أو يوزن فخلطه بمثله أو خلطه بأردأ منه من جنسه ثم فلس غريمه كان له أن يأخذ متاعه بعينه لأنه قائم كما كان ويقاسم الغرماء بكيل ماله أو وزنه وكذلك إن كان خلطه فيما دونه إن شاء لأنه لا يأخذ فضلا إنما يأخذ نقصا فإن كان خلطه بما هو خير منه ففيها قولان : أحدهما أن لا سبيل له لأنا لا نصل إلى دفع ماله إليه لا زائدا بمال غريمه وليس لنا أن نعطيه الزيادة وكان هذا أصح القولين - والله أعلم - وبه أقول قال : ولا يشبه هذا الثوب يصبغ ولا السويق يلت الثوب يصبغ والسويق يلت متاعه بعينه فيه زيادة مختلطة فيه وهذا إذا اختلط انقلب حتى لا توجد عين ماله إلا غير معروفة من عين مال غيره وهكذا كل ذائب والقول الثاني : أن ينظر إلى قيمة عسله وقيمة العسل المخلوط به متميزين ثم يخير البائع بأن يكون شريكا بقدر قيمة عسله من عسل البائع ويترك فضل كيل عسله أو يدع ويكون غريما كأن كان صاعا يسوي دينارين وعسل شريكه كان صاعا يسوي أربعة دنانير فإن اختار أن يكون شريكا بثلثي صاع من عسله وعسل شريكه كان له وكان تاركا لفضل صاع ومن قال هذا قال : ليس ببيع إنما هذا وضيعة من مكيلة كانت له ولو باعه حنطة فطحنها كان فيها قولان : هذا أشبهها عندي - والله أعلم - وبه أقول : وهو أن له أن يأخذ الدقيق ويعطي الغرماء قيمة الطحن لأنه زائد على ماله وكذلك لو باعه ثوبا فصبغه كان له ثوبه وللغرماء صبغه يكونون شركاء بما زاد الصبغ في قيمة الثوب وهكذا ثوبا فخاطه كان له أن يأخذ ثوبه وللغرماء ما زادت الخياطة وهكذا لو باعه إياه فقصره كان له أن يأخذ ثوبه وللغرماء بعدما زادت القصارة فيه فإن قال قائل : فانت تزعم أن الغاصب لا يأخذ في القصارة شيئا لأنها أثر قلنا : المفلس مخالف للغاصب من قبل : أن المفلس إنما عمل فيما يملك ويحل له العمل فيه والغاصب عمل فيما لا يملك ولا يحل له العمل فيه ألا ترى أن المفلس يشتري البقعة فيبنيها ولا يهدم بناؤه ويهدم بناء الغاصب ويشتري الشيء فيبيعه فلا يرد بيعه ويرد بيع الغاصب ويشتري العبد فيعتقه فنجيز عتقه ولا نجيز عتق الغاصب ؟ قال الشافعي : ولو كانت المسألة بحالها فأفلس الرجل وقد قصر الثوب قصار أو خاطه خياط أو صبغه صباغ بأجرة فاختار صاحب الثوب أن يأخذ ثوبه أخذه فإن زاد عمل القصار فيه خمسة دراهم وكانت إجارته فيه درهما أخذ الدرهم وكان شريكا به في الثوب لصاحب الثوب وكان صاحب الثوب أحق به من .
الغرماء وكانت الأربعة الدراهم للغرماء شركاء بها للقصار وصاحب الثوب وإن كان عمله زاد في الثوب درهما وإجارته خمسة دراهم كان شريكا لصاحب الثوب بالدرهم وضرب مع الغرماء في مال المفلس بأربعة دراهم ولو كانت تزيد في الثوب خمسة دراهم والإجارة درهم أعطينا القصار درهما يكون به شريكا في الثوب وللغرماء أربعة يكونون بها في الثوب شركاء فإن قال قائل : كيف جعلته أحق بإجارته من الغرماء في الثوب ؟ فإنما جعلته أحق بها إذا كانت زائدة في الثوب فمنعها صاحب الثوب لم يكن للغرماء أن يأخذوا ما زاد عمل هذا في الثوب دونه لأنه عين ماله ؟ فإن قالوا : فما بالها إذا كانت أزيد من إجارته لم تدفعها إليه كلها وإذا كانت أنقص من إجارته لم تقتصر به عليها كما تجعلها في البيوع ؟ قلنا ليست بعين بيع يقع فأجعلها هكذا وإنما كانت إجارة من الإجارات لزمت الغريم المستأجر فلما وجدت تلك الإجارة قائمة جعلته أحق بها لأنها من إجارته كالرهن له ألا ترى أنه لو كان له رهن يسوي عشرة بدرهم أعطيته منها درهما والغرماء تسعة ؟ ولو كان رهن يسوي درهما بعشرة دراهم أعطيته منها درهما وجعلته يحاص الغرماء بتسعة ؟ فإن قال : فما باله يكون في هذا الموضع أولى بالرهن منه بالبيع ؟ قلت : كذلك تزعم أنت في الثوب يخيطه الرجل أو يغسله له أن يحبسه حتى يعطيه أجره كما يكون له أن يحبسه في الرهن حتى يعطيه ما فيه لأن ما فيه عملا قائما فلا يسلمه إليه حتى يوفيه العمل فإن قال قائل : فما تقول أنت ؟ قلت : لا أجعل له حبسه ولا لصاحب الثوب أخذه وآمر ببيع الثوب فأعطي كل واحد منهما حقه إذا أفلس فإن أفلس صاحب الثوب كان الخياط أحق بما زاد عمله في الثوب فإن كانت إجارته أكثر مما زاد عمله في الثوب أخذ ما زاد عمله في الثوب لأنه عين ماله وكانت بقية الإجارة دينا على الغريم يحاص به الغرماء وإن لم يفلس وقد عمل له ثوب فلم يرض صاحب الثوب بكينونة الثوب في يد الخياط أخذ مكانه منهما حتى يقضي بينهما بما وصفت أو يباع عليه الثوب فيعطي الخياط إجارته من ثمنه وبه أقول والقول الثاني : أنه غريم في إجارته لأنه ما عمل في الثوب ليس بعين ولا شيء من ماله زائد في الثوب إنما هو أثر في الثوب وهذا استأجر الرجل أجيرا في حانوت أو زرع أو شجر بإجارة معلومة ليست مما استأجره عليه إما بمكيلة طعام مضمون وإما بذهب أو ورق أو استأجر حانوتا يبيع فيه بزا أو استأجر رجلا يعلم له عبدا أو يرعى له غنما أو يروض له بعيرا ثم أفلس فالأجير أسوة الغرماء من قبل أنه ليس لواحد من هؤلاء الأجراء شيء من ماله مختلط بهذا زائد فيه كزيادة الصبغ والقصارة في الثوب وهو من مال الصباغ وزيادة الخياطة في الثوب من مال الخياط وعمله وكل شيء من هذا غير ما استؤجر عليه وغير شيء قائم فيما استؤجر عليه ألا ترى أن قيمة الثوب غير مصبوغ وقيمته مصبوغا وقيمته غير مخيط وغير مقصور وقيمته مخيطا ومقصورا معروفة حصة زيادة العامل فيه وليس في الثياب التي في الحانوت ولا في الماشية التي ترعى ولا في العبد الذي يعلمه شيء قائم من صنعة غيره فيعطى ذلك صنعته أو ماله وإنما هو غريم من الغرماء أو لا ترى أنه لو تولى الزرع والماء والأرض من مال المستأجر وكانت صنعته فيه إنما هي إلقاء في الأرض ليست بشيء زائد فيه والزيادة فيه بعد شيء من قدر الله D ومن مال المستأجر لا صنعة فيها للأجير ؟ أو لا ترى أن الزرع لو هلك كانت له إجارته والثوب لو هلك في يده لم يكن له إجارته لأنه لم يسلم عمله إلى من استأجره ؟ ولو تكارى رجل من رجل أرضا واشترى من آخر ماء ثم زرع الأرض ببذره ثم فلس الغريم بعد الحصاد كان رب الأرض ورب الماء شريكين للغرماء وليسا بأحق بما يخرج من الأرض ولا بالماء وذلك أنه ليس لهما فيه عين مال الحب الذي نما من مال الغريم لا من مالهما فإن قال قائل : فقد نما بماء هذا وفي أرض هذا قلنا : عين المال للغريم لا لهما والماء مستهلك في الأرض والزرع عين موجود والأرض غير موجود في الزرع وتصرفه فيها ليس بكينونة منها فيه فنعطيه عين ماله ولو عني رجل فقال : أجعلهما أحق بالطعام من الغرماء دخل عليه أنه أعطاهما غير عين مالهما ثم أعطاهما عطاء محالا فإن قال قائل : فما المحال فيه ؟ قلنا : إن زعم أن صاحب الزرع وصاحب الأرض وصاحب الماء شركاء فكم يعطى صاحب الأرض وصاحب الماء وصاحب الطعام ؟ فإن زعم انه لهما حتى يستوفيا حقهما فقد أبطل حصة الغرماء من مال الزارع وهو لا يكون أحق بذلك من الغرماء إلا بعد ما يفلس الغريم فالغريم فلس وهذه حنطته ليست فيها أرض ولا ماء ولو أفلس والزرع يقل في أرضه كان لصاحب الأرض أن يحاص الغرماء بقدر ما أقامت الأرض في يدي الزارع إلى أن أفلس ثم يقال للمفلس وغرمائه : ليس لك ولا لهم أن تستمتعوا بأرضه وله أن يفسخ الإجارة الآن إلا أن تطوعوا فتدفعوا إليه إجارة مثل الأرض إلى أن يحصد الزرع فإن لم تفعلوا فاقلعوا عنه الزرع إلا أن يتطوع بتركه لكم وذلك أنا نجعل التفليس فسخا للبيع وفسخا للإجارة فمتى فسخنا الإجارة كان صاحب الأرض أحق بها إلا أن يعطي إجارة مثلها لأن الزارع كان غير متعد قال : ولو باع رجل من رجل عبدا فرهنه ثم فلس كان المرتهن أحق به من الغرماء يباع له منه بقدر حقه فإن بقي من العبد بقية كان البائع أحق بها فإن قال قائل : فإذا جعلت هذا في الرهن فكيف لم تجعله في القصارة والغسالة كالرهن فتجعله أحق به من رب الثوب ؟ قيل له : لافتراقهما فإن قال قائل : وأين يفترقان ؟ قلنا : القصارة والغسالة شيء يزيده القصار والغسال في الثوب فإذا أعطيناه إجارته والزيادة في الثوب فقد أوفيناه ماله بعينه فلا نعطيه أكثر منه في الثوب ونجعل ما بقي من ماله في مال غريمه قال : ولو هلك الثوب عند القصار أو الخياط لم نجعل له على المستأجر شيئا من قبل أنه إنما هو زيادة يحدثها فمتى لم يوفها رب الثوب لم يكن له والرهن مخالف لهذا ليس بزيادة في العبد ولكنه إيجاب شيء في رقبته يشبه البيع فإن مات العبد كان ذلك في ذمة مولاه الراهن لا يبطل بموت العبد كما تبطل الإجارة بهلاك الثوب فإن قال : فقد يجتمعان في موضع ويفترقان في آخر قيل : نعم فنجمع بينهما حيث اجتمعا ونفرق بينهما حيث افترقا ألا ترى أنه إذا رهن العبد فجعلنا المرتهن أحق به حتى يستوفي حقه من البائع والغرماء فقد حكمنا له فيه ببعض حكم البيع ؟ ولو مات العبد رددنا المرتهن بحقه ؟ ولو كان هذا حكم البيع بكماله لم يرد المرتهن بشيء فإنما جمعنا بينه وبين البيع حيث اشتبها وفرقنا بينهما حيث افترقا ولو استأجر رجل أرضا فقبض صاحب الأض إجارتها كلها وبقي الزرع فيها لا يستغني عن السقي والقيام عليه وفلس الزارع وهو الرجل قيل لغرمائه : إن تطوعتم بأن تنفقوا على الزرع إلى أن يبلغ ثم تبيعوه وتأخذوا نفقتكم مع مالكم فذلك لكم ولا يكون ذلك لكم إلا بأن يرضاه رب الزرع المفلس فإن لم يرضه فشئتم أن تطوعوا بالقيام عليه والنفقة ولا ترجعوا بشيء فعلتم وإن لم تشاءوا وشئتم فبيعوه بحاله تلك لا تجبرون على أن تنفقوا على ما لا تريدون قال : وهكذا لو كان عبد فمرض بيع مريضا بحاله وإن قل ثمنه قال : وإذا اشترى الرجل من الرجل عبدا أو دارا أو متاعا أو شيئا ما كان بعينه فلم يقبضه حتى فلس البائع فالمشتري أحق به بما باعه يلزمه ذلك ويلزم له كره أو كره الغرماء ولو اشترى منه شيئا موصوفا من ضرب السلف من : رقيق موصوفين أو إبل موصوفة أو طعام أو غيره من بيوع الصفة ودفع إليه الثمن كان أسوة الغرماء فيما له وعليه ولو كان الثمن لبعض ما اشترى من هذا عبدا بعينه أو دارا بعينها أو ثيابا بعينها بطعام موصوف إلى أجل أو غيره كان البائع للدار المشتري بها الطعام أحق بداره لأنه بائع مشتر ليس بخارج من بيعه وكذلك لو سلف في الطعام فضة مصوغة معروفة أو ذهبا أو دنانير بأعيانها فوجدها قائمة يقر بها الغرماء أو البائع كان أحق بها فإن كانت مما لا يعرف أو استهلكت فهو أسوة الغرماء وإذا اكترى الرجل من الرجل الدار ثم فلس المكري فالكراء ثابت إلى مدته ثبوت البيع مات المفلس أو عاش وهكذا قال بعض أهل ناحيتنا في الكراء وزعم في الشراء : أنه مات فإنما هو أسوة الغرماء وقد خالفنا غير واحد من الناس في الكراء ففسخه إذا مات المكتري أو المكري لأن ملك الدار قد تحول لغير المكري والمنفعة قد تحولت لغير المكتري وقال : ليس الكراء كالبيوع ألا ترى أن الرجل يكتري الدار فتنهدم فلا يلزم المكري أن يبينها ويرجع المكتري بما بقي من حصة الكراء ؟ ولو كان هذا بيعا لم يرجع بشيء فيثبت صاحبنا - والله يرحمنا وإياه - الكراء الأضعف لأنا ننفرد به دون غيرنا في مال المفلس وإن مات يجعله للمكتري وأبطل البيع فلم يجعله للبائع ولو فرق بينهما لكان البيع أولى أن يثبت للبائع من الكراء للمكتري لأنه ليس بملك تام وإذا جمعنا نحن بينهما لم ينبغ له أن يفرق بينهما قال : وإذا تكارى الرجل من الرجل حمل طعام إل بلدى من البلدان ثم أفلس المكتري أو مات فكل ذلك سواء يكون المكتري أسوة الغرماء لأنه ليس له الطعام صنعة ولو كان أفلس قبل أن يحمل الطعام كان له أن يفسخ الكراء لأنه ليس للمكتري أن يعطيه من ماله شيئا دون غرمائه ولا أجبر المكري أن يأخذ شيئا من غريم المفلس إلا أن يشاء غرماؤه ولو حمله بعض الطريق ثم أفلس كان له بقدر ما حمله من الكراء يحاص به الغرماء وكان له أن يفسخ الحمولة في موضعه ذلك إن شاء إن كان موضع لا يهلك فيه الطعام مثل : الصحراء أو ما أشبهها وإذا تكارى النفر الإبل بأعيانها من الرجل فمات بعض إبلهم لم يكن على المكري أن يأتيه بإبل بدلها فإذا كان هذا هكذا فلو أفلس المكري ومات بعض إبلهم لم يرجع على أصحابه ولا في مال المكري بشيء إلا بما بقي مما دفع إليه من كرائه يكون فيه أسوة الغرماء وتكون الإبل التي اكتريت على الكراء فإذا انقضى كانت مالا من مال المكري المفلس ولو كانوا تكاروا منه حمولة مضمونة على غير إبل بأعيانها يدفع إلى كل رجل منهم إبلا بأعيانها كان له نزعها من أيديهم وإبدالهم غيرها فإذا كان هذا هكذا فحقهم في ذمته مضمون عليه فلو ماتت إبل كان يحمل عليها واحد منهم فأفلس الغريم كانوا جميعا أسوة فيما بقي من الإبل بقدر حمولتهم لأنها مضمونة في ماله لا في إبل بأعيانها فيكون إذا هلكت لم يرجع وإن كان معهم غرماء غيرهم من غرمائه بأي وجه كان لهم الدين عليه ضرب هؤلاء بالحمولة وهؤلاء بديونهم وحاصوهم وإذا اكترى الرجل من الرجل الإبل ثم هرب منه فأتى المتكاري السلطان فأقام عنده البينة على ذلك فإن كان السلطان ممن يقضي على الغائب أحلف المتكاري أن حقه عليه لثابت في الكراء ما يبرأ منه بوجه من الوجوه وسمى الكراء والحمولة ثم تكارى له على الرجل كما يبيع له في مال الرجل إذا كانت الحمولة مضمونة عليه وإن كانت الحمولة إبلا بأعيانها لم يتكارى له عليه وقال القاضي للمكتري : أنت بالخيار بين أن تكتري من غيره وأردك بالكراء عليه لفراره منك أو آمر عدلا فيعلف الإبل أقل ما يكفيها ويخرج ذلك متطوعا به غير مجبور عليه وأردك به على صاحب الإبل دينا عليه وما أعلف الإبل قبل قضاء القاضي فهو متطوع به وإن كان للجمال فضل من إبل باع عليه وأعلف إبله إذا كان ممن يقضي على الغائب ولم يأمر أحدا ينفق عليها ولم يفسخ الكراء إنما يفعل هذا إذا لم يكن له فضل إبل وإذا باع عليه فضلا من إبله أو مالا له سوى الإبل ثم جاء الجمال لم يرد بيعه ودفع إليه ماله وأمره بالنفقة على إبله قال : والاحتياط لمن تكارى من جمال أن يأخذه بأن يوكل رجلا ثقة ويجيز أمره في بيع ما رأى من إبله ومتاعه فيعلف إبله من ماله ويجعله مصدقا فيما ادان على إبله وعلفها به لازما له ذلك ويحلفه لا يفسخ وكالته فإن غاب قام بذلك الوكيل قال : وإذا تكارى القوم من الجمال إبلا بأعيانها ثم أفلس فلكل واحد منهم أن يركب إبله بأعيانها ولا تباع حتى يستوفوا الحمولة وإن كانت بغير أعيانها ودفع إلى كل إنسان بعيرا دخل بعضهم على بعض إذا ضاقت الحمولة كما يدخل بعضهم على بعض في سائر ماله حتى يتساووا في الحمولة ودخل عليهم غرماؤه الذين لا حمولة لهم حتى يأخذوا من إبله بقدر مالهم وأهل الحمولة بقيمة حمولتهم ومن أصدق امرأة عبدا بعينه فقبضته أو لم تقبضه ثم أفلس فهو لها وكذلك لو باعه أو تصدق به صدقة محرمة وكذلك لو أقر أنه غصبه إياه أو أقر أنه له فإن وهبه لرجل أو نحله أو تصدق به صدقة غير محرمة فلم يقبضه الموهوب له حتى فلس فليس له دفعه إليه ولا للموهوب له قبضه فإن قبضه بعد وقف القاضي ماله كان مردودا لأن ملك هذا لا يتم إلا بالقبض من الهبة والصدقة والنحل وإذا أفلس الغريم بمال لقوم قد عرفه الغريم كله وعرف كل واحد من الغرماء ما لكل واحد منهم فدفع إلى غرمائه ما كان له قل أو كثر فإن كانوا ابتاعوا ما دفع إليهم من ماله بمالهم عليه أو أبرأوه مما لهم عليه حين قبضوه منه فهو بريء بلغ ذلك من حقوقهم ما بلغ قليلا كان أو كثيرا ولكل واحد منهم من ذلك المال بقدر ماله على الغريم فلصاحب المائتين سهمان ولصاحب المائة سهم وإن كان دفعه إليهم ولم يتبايعوه ولم يبرئوه وبقي عليه مالا يبلغه ثمن ماله فهذا لا بيع لهم ولا رهن فإن لم يكن بيع فجاء غرماء آخرون دخلوا معهم فيه وكذلك لو كان إنما أفلس بعد دفعه إليهم والمال ماله بحاله إلا أنهم ضامنون له بقبولهم إياه على الاستيفاء له فإن لم يفت استؤنف فيه البيع ودخل من حدث من غرمائه معهم فيه وإن كان بيع فالمفلس بالخيار : بين أن يكون له جميع ما بيع به يقبضونه ومن حدث من غرمائه داخل عليهم فيه أو يضمنهم قيمة المال إن كان فات يقاصهم به من دينه وما كان قائما بعينه فالبيع مردود فيه إلا أن يكون وكلهم ببيعه فيجوز عليه البيع كما يجوز على من وكل بيع وكيله وإذا بيع مال المفلس لغرماء أقاموا عليه بينة ثم أفاد بعد مالا واستحدث دينا فقام عليه أهل الدين الآخر وأهل الدين الأول ببقايا حقوقهم فكلهم فيما أفاد من مال سواء قديمهم وحديثهم وكل دين ادانه قبل يحجر عليه القاضي لزمه يضرب فيه كل واحد منهم بقدر ماله عليه وهكذا لو حجر عليه القاضي ثم باع ماله وقضى غرمائه ثم أفاد مالا وادان دينا كان الأولون والآخرون من غرمائه سواء في ماله وليس بمحجور عليه بعد الحجر الأول وبيع المال لأنه لم يحجر عليه لسفه إنما حجر في وقت لبيع ماله فإذا مضى فهو على غير الحجر قال : ولو كانت المسألة بحالها وحضر له غرماء كلنوا غبيا داينوه قبل تفليسه الأول أدخلنا الغرماء الذين داينوه قبل تفليسه الأول في ماله الأول على الغرماء الذين اقتسموا ماله بقدر ما لكل واحد عليه ثم أدخلنا هؤلاء الذين كانوا والآخرين المدخل هؤلاء عليهم والغرماء الآخرين معا في المال المستحدث الذي فلسناه فيه الثانية بقدر لأولئك وما لهؤلاء عليه سواء وإذا باع الرجل الرجل السلعة وقبضها المشتري على أنهما بالخيار ثلاثا ففلس البائع أو المشتري أو هما قبل الثلاث فذلك كله سواء ولهما إجازة البيع ورده لأيهما شاء رده وإنما زعمت أن لهما إجازة البيع لأنه ليس ببيع حادث ألا ترى أنهما لو لم يتكلما في البيع برد ولا إجازة حتى تمضي الثلاث جاز ولو لم يختارا ولم يردا ولا واحد منهما حتى تمضي الثلاث كان البيع لازما كالبيع بلا خيار ؟ قال : ومن وجد عين ماله عند مفلس كان أحق به إن شاء وسواء كان مفلسا فتركه أو أراد الغرماء أخذه أو غير مفلس لأنه لا يملكه إلا أن يشاء فلا أجبره على ملك ما لا يشاء إلا الميراث فإنه لو ورث شيئا فرده لم يكن له وكان للغرماء أخذه كما يأخذون سائر ماله ولكل واحد منهما إجازة البيع ورده في أيام الخيار أحب ذلك الغرماء أو كرهوا لأن البيع وقع على عين فيها خيار قال : ولو سلف رجل في طعام أو غيره بصفة فحلت وفلس فأراد أخذه دون الصفة لم يكن له إذا لم يرض ذلك الغرماء لأنه يأخذ ما لم يشتر قال : ولو أعطي خيرا مما سلف عليه فإن كان من غير جنس ما سلف عليه لم يكن عليه أخذه وإن أراد ذلك الغرماء لأن الفضل هبة وليس عليه أن يتهب ولهم أن يأخذوا من الغريم ما عليه بعينه وإن كان من جنس ما سلف عليه لزمه أخذه إذا رضي ذلك الغرماء وإن كره لأنه لا ضرر عليه في الزيادة وذلك في العبيد وغيرهم مما لا تكون الزيادة مخالفة غير الزيادة خلافا لا تصلح الزيادة لما يصلح له النقص