باب حكاية قول من رد خبر الخاصة .
أخبرنا الربيع قال : قال محمد بن إدريس الشافعي : فوافقنا طائفة في ا تثبيت الأخبار عن النبي A لازم للأمة ورأوا ما حكيت مما احتججت به على من رد الخبر حجة يثبتونها ويضيقون على كل أحد أن يخلفها ثم كلمني جماعة منهم مجتمعين ومفرقين بما لا أحفظ أن أحكي كلام المنفرج عنهم منهم وكلام الجماعة ولا ما أحبت به كلا ولا أنه قيل لي وقد جهدت على تقصي كل ما احتجوا به فأثبت أشياء قد قلتها ولمن قلتها منهم وذكرت بعض ما أراه منه يلزمهم وأسأل الله تعالى العصمة والتوفيق قال فكانت جملة قولهم أن قالوا : لا يسع أحدا من الحكام ولا من المفتيين أن يفتى ولا يحكم إلا من جهة الإحاطة والإحاطة كل ما علم أنه حق في الظاهر والباطن يشهد به على الله وذلك : الكتاب والسنة المجتمع عليها وكل ما أجتمع الناس ولم يفترقوا فيه فالحكم كله واحد يلزمنا أن نقبل منهم إلا ما قلنا مثل : أن الظهر أربع لأن ذلك الذي لا منازع فيه ولا دافع له من المسلمين ولا يسع أحدا يشك فيه قلت له : لست أحسبه يخفي عليك ولا على أحد حضرك أنه لا يوجد في علم الخاصة ما يوجد في علم العامة قال : وكيف ؟ قلت : علم العامة على ما وصفت لا تلقى أحدا من المسلمين إلا وجدت علمه عنده ولا يرج منها أحد شيئا على أحد فيه كما وصفت في جمل الفرائض وعدد الصلوات وما أشبهها وعلم الخاصة علم السابقين والتابعين من بعدهم إلى من لقيت تختلف أقاويلهم وتتباين تباينا بينا فيما ليس فيه نص كتاب يتأولون فيه ولم ذهبوا إلى القياس فيحتمل القياس الاختلاف فإذا اختلفوا فأقل ما عند المخالف لمن أقام عليه خلافه أنه مخطئ عنده وكذلك هو عند من خالفه وليست هكذا المنزلة الأولى وما قيل قياسا فأمكن في القياس أن يخطئ القياس لم يجز عندك أن يكون القياس إحاطة ولا يشهد به كله على الله كما زعمت فذكرت أشياء تلزمه عندي سوى هذا فقال بعض من حضره دع المسألة في هذا وعندنا أنه قد يدخل عليه كثير مما أدخلت عليه ولا يدخل عليه كله قال : فأنا أحدث لك غير ما قال قلت : فاذكره قال : العلم من وجوه منها : ما نقلته عامة عن عامة أشهد به على الله وعلى رسوله مثل جمل الفرائض قلت : هذا العلم المقدم الذي لا ينازعك فيه أحد ومنها كتاب يحتمل التأويل فيختلف فيه فإذا اختلف فيه فهو على ظاهره وعامة لا يصرف إلى باطن أبدا وإن احتمله إلا بإجماع من الناس عليه فإذا تفرقوا فهو على لظاهر قال : ومنها ما اجتمع المسلمون عليه وحكوا عمن قبلهم الاجتماع عليه وإن لم يقولوا هذا بكتاب ولا سنة فقد يقوم عندي مقام السنة المجتمع عليها وذلك أن إجماعهم لا يكون عن رأي لأن الرأي إذا كان تفرق فيه قلت : فصف لي ما بعده قال : ومنها علم الخاصة ولا تقوم الحجة بعلم الخاصة حتى يكون نقله من الوجه الذي يؤمن فيه الغلط ثم آخر هذا القياس ولا يقاس منه الشيء بالشيء حتى يكون مبتدؤه ومصدره ومصرفه فيما بين ان يبتدئ إلى ان ينقضي سواء فيكون في معنى الأصل ولا يسع التفرق في شيء مما وصفت من سبيل العلم والأشياء على أصولها حتى تجتمع العامة على إزالتها عن أصولها والإجماع حجة على كل شيء لأنه لا يمكن فيه الخطأ قال : فقلت : أما ما ذكرت من العلم الأول من نقل العوام عن العوام فكما قلت : أفرأيت الثاني الذي قلت : لا تختلف فيه العوام بل تجتمع عليه وتحي عم قبلها الاجتماع عليه أتعرفه فتصفه ؟ أوتعرف العوام الذين ينقلون عن العوام أهم كمن قلت فيجمل الفرائض فأولئك العلماء ومن لا نسب إلى العلم ؟ ولا نجد أحدا بالغا في الإسلام غير مغلوب على عقله بشك أن فرض الله أن الظهر أربع أم هو وجه غير هذا ؟ قال : بل هو وجه غير هذا قلت : فصفه قال : هذا إجماع العلماء دون من لا علم له يجب اتباعهم فيه لأنهم مفردون بالعلم دونهم مجتمعون عليه فإذا اجتمعوا قامت بهم الحجة على من لا علم له وإذا افترقوا لم تقم بهم على أحد حجة وكان الحق فيما تفرقوا فيه أن يرد إلى القياس على ما اجتمعوا عليه فأي حال وجدتهم بها ؟ دلتني على حال من قبلهم إن كانوا مجتمعين من جهة علمت أن من كان قبلهم من أهل العلم مجتمعون من كل قرن لأنهم لا يجتمعون من جهة فإن كانوا متفرقين علمت أن من كان قبلهم كانوا متفرقين من كل قرن وسواء كان اجتماعهم من خبر يحكونه أو غير خبر للاستدلال أنهم لا يجتمعون إلا بخبر لازم وسواء إذا تفرقوا حكوا خبرا بما وافق بعضهم أو لم يحكوه لأني ألا أقبل من أخبارهم إلا ما أجمعوا على قبوله فأما ما تفرقوا في قبوله فإن الغلط يمكن فيه فمل تعم حجة بأمر يمكن فيه الغلط قال : فقلت له : هذا تجويز إبطال الأخبار وإثبات الإجماع لأنك زعمت أن إجماعهم حجة كان فيه خبر أو لم يكن فيه وأن افتراقهم غير حجة كان فيه خبر أو لم يكن فيه وقلت له : ومن أهل العلم الذين إذا اجمعوا قامت بإجماعهم حجة قال : هم من نصبه أهل بلد من البلدان فقيها رضوا قوله وقبلوا حكمه قلت : فمثل الفقهاء الذين إذا أجمعوا كانوا حجة أرأيت إن كانوا عشرة فغاب واحد أو حضر ولم يتكلم أتجعل التسعة إذا اجتمعوا أن يكون قولهم حجة ؟ قال : فإن قلت : لا ؟ قلت : أفرأيت إن مات أحدهم او غلب على عقله أيكون للتسعة أن يقولوا ؟ قال : فإن قلت : نعم ؟ وكذا لو مات خمسة أو تسعة للواحد أن يقول ؟ قال : فغن قلت : لا قلت فأي شيء قلت فهي كان متناقضا ؟ قال : فدع هذا قلت : فقد وجدت أهل الكلام منتشرين في أكثر البلدان فوجدت كل فرقة منهم تنصب منها من تنتهي إلى قوله وتضعه الموضع الذي وصفت أيدخلون في الفقهاء الذي لا يقبل من الفقهاء حتى يجتمعوا معهم أم خارجون منهم ؟ قال : فإن قالت : إنهم داخلون فيهم ؟ قلت : فإن شئت فقله قال فقد قلته قلت : فما تقول في المسح على الخفين ؟ قال : فإن قلت : لا يمسح أحد لأني إذا اختلفوا في شيء رددته إلى الأصل ن والأصل الوضوء قلت : وكذلك تقول في كل شيء ؟ قال : نعم قلت : فما تقول في الزاني الثيب أترجمه ؟ قال : نعم قلت : كيف ترجمه وممن نص بعض الناس علماء أن لا رجم على زان لقول الله تعالى : { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } فكيف ترجمه ولم ترده إلى الأصل من أن دمه محرم حتى يجتمعوا على تحليله ومن قال هذا القول يحتج بأنه زان داخل في معنى الآية وأن يجلد مائة قال : إن أعطيتك هذا دخل علي فيه شيء يجاوز القدر كثرة قلت : أجل قال : فلا أعطيك هذا وأجيبك فيه غير الجواب الأول قلت : فقل قال : لا أنظر إلى قيل من المفتيين وأنظر إلى الأكثر قلت : افتصف القليل الذين لا تنظر إليهم أهم إن كانوا أقل من نصف الناس أو ثلثهم أو ربعهم ؟ قال : ما أستطيع أن أحدهم ولكن الأكثر قلت : أفعشرة أكثر من تسعة ؟ قال : هؤلاء متقاربون قلت : فحدهم بما شئت قال : فحدهم بما شئت قال : ما أقدر أن أحدهم قلت : فكأنك أردت أن تجعل هذا القول مطلقا غير محدود فإذا أخذت بقول اختلف فيه ؟ قلت : عليه الأكثر وإذا أردت رد قول قلت هؤلاء الأقل أفترضى من غيرك بمثل هذا الجواب ؟ رأيت حين صرت إلى أن دخلت فيما عبت من الفرق أرأيت لو كان الفقهاء كلهم عشرة فزعمت أنك لا تقبل إلا من الأكثر فقال : ستة وخالفهم أربعة أليس قد شهدت للسنة بالصواب وعلى الأربعة بالخطأ ؟ قال : فإن قلت : بلى ؟ قلت : الأربعة في قول غيره فاتفق اثنان من السنة معهم وخالفهم أربعة قال : فآخذ بقول الستة قلت : فتدع قول المصيبين بالاثنين وتأخذ بقول المخطئين بالاثنين وقد أمكن عليه مرة وأنت تنكر قول ما أمكن فيه الخطأ فهذا قول متناقض وقلت له : أرأيت قولك : لا تقوم الحجة إلا بما أجمع عليه الفقهاء في جميع البلدان أتجد السبيل إلى إجماعهم كلهم لا تقوم الحجة على أحد حتى تلقاهم كلهم أو تنقل عامة عن عامة عن لك واحد منهم ؟ قال ما يوجد هذا قلت : فإن قبلت عنهم بنقل الخاصة فقد قبلت فيما عبت وإن لم تقبل عن كل واد إلا بنقل العامة لم نجد في أصل قولك اجتمع عليه البلدان إذا لم تقبل نقل الخاصة لأنه لا سبيل إليه ابتداء لأنهم لا يجتمعون لك في موضع ولا تجد الخير عنهم بنقل عامة عن عامة قلت : فأسمعك قلدت أهل الحديث وهم عندك يخطئون فيما يدينون به من قبول الحديث فكيف تأمنهم على الخطأ فيما قلدوه الفقه ونسبوه إليه ؟ فأسمعك قلدت من لا ترضاه وأفقه الناس عندنا وعند أكثرهم أتبعهم للحديث وذلك أجهلهم لأن الجهل عندك قبول خبر الانفراد وكذلك أكثر ما يحتاجون فيه الى الفقهاء ويفضلونهم به مع ان الذي ينصف غير موجود في الدنيا قال : فكيف لا يوجد ؟ قال هو أو بعض من حضر معه فإني أقول : إنما أنظر في هذا الى من يشهد له أهل الحديث بالفقه قلت : ليس من بلد إلا وفيه من أهله الذين هم بمثل صفته يدفعونه عن الفقه وتنسبه إلى الجهل أو إلى أنه لا يحل له أن يفتي ولا يحل لأحد أن يقبل قوله وعلمت تفرق أهل كل بلد بينهم ثم علمت تفرق كل بلد في غيرهم فعلمنا أن من أهل مكة من كان لا يكاد يخلف قول عطاء ومنهم من كان يختار عليه ثم أفتى بها الزنجي ابن خالد فكان منهم من يقدمه في الفقه ومنهم من يميل إلى قول سعيد بن سالم وأصحاب كل واحد من هذين يضعفون الآخر ويتجاوزون القصد وعلمت أن أهل المدينة كانوا يقدمون سعيد بن المسيب ثم يتركون بعض قوله ثم حدث في زماننا منهم مالك كان كثير منهم من يقدمه وغيره يسرف عليه في تضعيف مذاهبهم : وقد رأيت ابن أبي الزناد يجاوز القصد في ذم مذاهبه رأيت المغير و ابن أبي حازم و الدراودي يذهبون من مذاهبه ورأيت من يذمهم ورأيت بالكوفة قوما يميلون إلى قول ابن أبي ليلى يذمون مذاهب أبي يوسف وآخرين يميلون إلى قول أبي يوسف يذمون مذاهب ابن أبي ليلى وما خالف أبا يوسف وآخرين يميلون إلى قول الثوري وآخرين إلى قول الحسن بن صالح وبلغني غير ما وصفت من البلدان شبيه بما رأيت مما وصفت من تفرق أهل البلدان ورأيت المكيين يذهبون إلى تقديم عطاء في العلم على التابعين وفي بعض العراقيين من يذهبون إلى تقديم إبراهيم النخعي