ما يرد من القسم بادعاء بعض المقسوم .
قال الشافعي C تعالى : و إذا قسم القسام بينهم فادعى بعض المقسوم بينهم غلطا كلف البينة على ما يقول من الغلط فإن جاء بها رد القسم عنه ( قال ) : و إذا قسمت الدار بين نفر فاستحق بعضها أو لحق الميت دين فبيع بعضها انتقض القسم و يقال لهم في الدين و الوصية : إن تطوعتم أن تعطوا أهل الدين و الوصية أنفذنا القسم بينكم و إن لم تطوعوا و لم نجد للميت مالا إلا هذه الدار بعنا منها و نقضنا القسم ( قال ) : فإذا جاء القوم فتصادقوا على ملك دار بينهم و سألوا القاضي أن يقسمها بينهم لم أحب أن يقسمها و يقول : إن شئتم أن تقسموا بين أنفسكم أو يقسم بينكم من ترضون فافعلوا و إن أردتم قسمي فأثبتوا البينة على أصول حقوقكم فيها و ذلك أني إن قسمت بلا بينة فجئتم بشهود يشهدون أني قسمت بينكم هذه الدار إلى حاكم غيري كان شبيها أن يجعلها حكما مني لكم بها و لعلها لقوم آخرين ليس لكم فيها شيء فلا نقسم إلا ببينة و قد قيل : يقسم و يشهد أنه إنما قسم على إقرارهم و لا يعجبني هذا القول لما وصفت فإذا ترك الميت دورا متفرقة أو دورا و رقيقا أو دورا و أرضين فاصطلح الورثة - و هم بالغون من ذلك - على شيء يصير لبعضهم دون بعض لم أردده و إن تشاحوا فسأل بعضهم أن يقسم له دارا كما هي و يعطي غيره بقيمتها دارا غيرها بقيمتها لم يكن ذلك له و يقسم كل دار بينهم فيأخذ كل رجل منهم حقه و كذلك الأرضين و الثياب و الطعام و كل ما احتمل أن يقسم قال الشافعي C تعالى : العدل يجب على القاضي في الحكم و في النظر في الحكم فينبغي أن ينصف الخصمين في المدخل عليه و الاستماع منهما و الإنصات لكل واحد منهما حتى تنفذ حجته و حسن الإقبال عليهما و لا يخص واحدا منهما بإقبال دون الآخر و لا يدخل عليه دون الآخر و لا بزيارة له دون الآخر ولا ينهره و لا ينهر الآخر و ينبغي أن يكون من أقل عدله عليهما أن يكف كل واحد منهما عن عرض صاحبه و أن يغير على من نال من عرض صاحبه بقدر ما يستوجب بقوله لصاحبه و لا ينبغي له أن يلقن واحدا منهما حجة و لا بأس إذا جلسا أن يقول : تكلما أو يسكت حتى يبتدئ أحدهما و ينبغي أن يبدأ الطالب فإذا أنفذ حجته تكلم المطلوب و لا ينبغي له أن يضيف الخصم إلا و خصمه معه و لا ينبغي له أن يقبل منه هدية و إن كان يهدي له قبل ذلك حتى تنفد خصومته قال الشافعي C : و لا بأس إذا حضر القاضي مسافرون و مقيمون فإن كان المسافرون قليلا فلا بأس أن يبدأ بهم و إن جعل لهم يوما بقدر ما لا يضر بأهل البلد و يرفق بالمسافرين فلا بأس و إن كثروا حتى يساووا أهل البلد أسا بهم لأن لكلهم حقا و ينبغي للقاضي أن يجلس في موضع بارز و يقدم الناس الأول فالأول لا يقدم رجلا جاء قبله غيره و إذا قدم الذي جاء أولا و خصمه و كان له خصوم فأرادوا أن يتقدموا معه لم ينبغ له أن يسمع إلا منه و من خصم واحد فإذا فرغا أقامه و دعا الذي جاء بعده إلا أن يكون عنده كثير أخر و يكون آخر من يدعو و لا يقضي القاضي إلا بعد ما يتبين له الحق بخبر متبع لازم أو قياس فإن لم يبن ذلك له لم يقطع حكما حتى يتبين له و يستظهر برأي أهل الرأي ( قال ) : و إذا أشاروا عليه بشيء ليس بخبر فلم يبن له من ذلك أنه الحق عنده لم ينبغ له أن يقضي و لو كانوا فوقه في العلم لأن العلم لا يكون إلا موجودا : إما خبر لازم و إما قياس يبينه له المرء فيعقله فإذا بينه له فلم يعقله فلا يعدو أن يكون واحدا من رجلين : إما رجل صحيح العقل غلط عليه من أشار عليه فقال له : أنت تجد ما لا نجد فلا ينبغي أن يقبل من مخطئ عنده و إما رجل لا يعقل إذا عقل فهذا لا يحل له أن يقضي و لا لأحد أن ينفذ حكمه و إذا كنا نرد شهادة المرء على ما لا يعقل مما لا يعقل مما يشتبه عليه فحكم الحاكم فيما لا يعقل أولى بالرد إلا أن يجده من رفع إليه صوابا فينفذ الصواب حيث كان ( قال ) : و لا يلقن القاضي الشاهد و يدعه يشهد بما عنده و لكنه يوقفه و التوقيف غير التلقين ( قال ) : و لا ينبغي للقاضي أن ينتهر الشاهد و لا يتعنته قال الشافعي C تعالى : و ينبغي للقاضي أن يقف الشاهد على شهادته و يكتب بين يديه أو ناحية ثم يعرض عليه و الشاهد يسمع و لا يقبلها في مجلس لم يوقع فيها بيده أو كاتبه حيث يراه و لا ينبغي له أن يخلى الكاتب يغيب على شيء من الإيقاع من كتاب الشهادة إلا أن يعيده عليه فيعرضه و الشاهد حاضر ثم يختم عليها بخاتمه و يرفعها في قمطره ( قال ) : فإن أراد المشهود له أن يأخذ نسختها أخذها و ينبغي له أن يضم الشهادات بين الرجلين و حجتهما في موضع واحد ثم يكتب ترجمتهما بأسمائهما و الشهر الذي كانت فيه ليكون أعرف لها إذا طلبها فإذا مضت السنة عزلها و كتب خصومة سنة كذا و كذا حتى تكون كل سنة معروفة و كل شهر معروفا قال الشافعي رضي الله تعالى عنه : و يسأل عمن جهل عدله سرا فإذا عدل سأل تعديله علانية ليعلم أن المعدل سرا هو هذا بعينه لأنه يوافق اسم اسما و نسب نسبا ( قال ) : و إذا وجد القاضي في ديوانه شهادة و لا يذكر منها شيئا لم يقض بها حتى يعيد الشهود أو يشهد شهود على شهادتهم فإن خاف النسيان و الإضرار بالناس تقدم إذا شهد عنده شهود إليهم بأن يشهد على شهادتهم من حضرهم من كتابه و يوقع على شهادتهم كما وصفت و إذا ذكر شهاداتهم حكم بها و إلا شهد عليها من تقبل شهادته فيقبله لأنه قد يحتال لكتاب فيطرح في ديوانه الخط فيشبه الخط الخط و الخاتم الخاتم و هكذا لو كان شاهد يكتب شهادته في منزله و يخرجها لم يشهد بها حتى يذكرها ( قال ) : و ما وجد في ديوان القاضي بعد عزله من شهادة أو قضاء غير مشهود عليه لم يقبل قال الشافعي C تعالى : و ينبغي للإمام أن يجعل مع رزق القاضي شيئا لقراطيسه و صحفه فإذا فعل ذلك لم يكلف الطالب أن يأتي بصحيفة و إن لم يفعل قال القاضي للطالب : إن شئت جئت بصحيفة بشهادة شاهديك و كتاب خصومتك و إلا لم أكرهك و لم أقبل منك أن يشهد عندي شاهد الساعة بلا كتاب و أنسى شهادته ( قال ) : و أحب أن لا يقبل القاضي شهادة الشاهد إلا بمحضر من الخصم المشهود عليه فإن قبلها بغير محضر منه فلا بأس و ينبغي إذا حضر أن يقرأها عليه ليعرف حجته فيها و كذلك يصنع بكل من شهد عليه ليعرف حجته في شهاداتهم و حجته إن كانت عنده ما يجرحهم به قال الشافعي C تعالى : و لو قبل القاضي شهادة على غائب و كتب بها إلى قاض ثم قدم الغائب قبل أن يمضي الكتاب لم يكلف الشهود أن يعودوا و ينبغي له أن يقرأ عليه شهادتهم و نسخة أسمائهم و أنسابهم و يوسع عليه في طلب جرحهم أو المخرج مما شهدوا به عليه فإن لم يأت بذلك حكم عليه ( قال ) : و لو مضى الكتاب إلى القاضي الآخر لم ينبغ له أن يقضي عليه حتى يحضره إن كان حاضرا و يقرأ عليه الكتاب و نسخة أسماء الشهود و يوسع عليه في طلب المخرج من شهادتهم فإن جاء بذلك و إلا قضى عليه ( قال ) : و إذا أقام الرجل البينة على عبد موصوف أو دابة موصوفة له ببلد آخر حلفه القاضي أن هذا العبد الذي شهد لك به الشهود لعبدك أو دابتك لفي ملكك ما خرجت من ملكك بوجه من الوجوه كلها و كتب بذلك كتابا من بلده إلى كل بلد من البلدان و أحضر عبدا بتلك الصفة أو دابة بتلك الصفة و قد قال بعض الحكام : يختم في رقبة كل واحد منهما و يبعث به إلى ذلك البلد و يأخذ من هذا كفيلا بقيمها فإن قطع عليه الشهود بعد ما رأيا سلم إليه و إن لم يقطعوا رد و هذا استحسان و قد قال غيره : إذا وافق الصفة حكمت له و القياس أن لا يحكم له حتى يأتي الشهود الموضع الذي فيه تلك الدابة فيشهدوا عليها و كذلك العبد و لا يخرج من يدي صاحبه الذي هو في يديه بهذا إذا كان يدعيه أو يقضي له بالصفة كما يقضي على الغائب يشهد عليه باسمه و نسبه و هكذا كل مال يملك من حيوان و غيره ( قال ) : و ما باع القاضي على حي أو ميت فلا عهدة عليه و العهدة على المبيع عليه و اختلف الناس في علم القاضي هل له أن يقضي به ؟ و لا يجوز فيه إلا واحد من قولين : أحدهما أن له أن يقضي بكل ما علم قبل الحكم و بعده في مجلس الحكم و غيره من حقوق الآدميين و من قال هذا قال : إنما أريد بالشاهدين ليعلم أن ما ادعى كما ادعي في الظاهر فإذا قبلته على صدق الشاهدين في الظاهر كان علمي على أكثر من شهادة الشاهدين أولا يقضي بشيء من علمه في مجلس الحكم و لا غيره إلا أن يشهد شاهدان بشيء على مثل ما علم فيكون علمه و جهله سواء إذا تولى الحكم فيأمر الطالب أن يحاكم إلى غيره و يشهد هو له فيكون كشاهد من المسلمين و يتولى الحكم غيره و هكذا قال شريح و سأله رجل أن يقضي له بعلمه فقال : ائت الأمير و أشهد لك قال الشافعي C تعالى : فأما علمه بحدود الله التي لا شيء فيها للآدميين فقد يحتمل أن تكون كحقوق الناس و قد يحتمل أن يفرق بينهما لأن من أقر بشيء للناس ثم رجع لم يقبل رجوعه و من أقر بشيء لله ثم رجع قبل رجوعه و القاضي مصدق عند من أجاز له القضاء بعلمه و غير مقبول منه عند من لم يجزه له فأما إذا ذكر بينة قامت عنده فهو مصدق على ما ذكر منها و هكذا كل ما حكم به من : طلاق أو قصاص أو مال أو غيره قال الشافعي C تعالى : و إذا أنفذ ذلك و هو حاكم لم يكن للمحكوم عليه أن يتبعه بشيء منه إلا أن تقوم بينة بإقرار القاضي بالحور أو ما يدل على الجور فيكون متبعا في ذلك كله ( قال ) : و إذا اشترى القاضي عبدا لنفسه فهو كشراء غيره لا يكون له أن يحكم لنفسه و لو حكم رد حكمه و كذلك لو حكم لولده أو والده و من لا تجوز له شهادته و يجوز قضاؤه لكل من جازت له شهادته من أخ و عم و ابن عم و مولى قال الشافعي C تعالى : و إذا عزل القاضي عن القضاء و قال : قد كنت قضيت لفلان على فلان لم يقبل ذلك منه حتى يأتي المقضى له بشاهدين على أنه حكم له قبل أن يعزل ( قال ) : و أحب للقاضي إذا أراد القضاء على رجل أن يجلسه و يبين له و يقول له : احتججت عندي بكذا و جاءت البينة عليك بكذا و احتج خصمك بكذا فرأيت الحكم عليك من قبل كذا ليكون أطيب لنفس المحكوم عليه و أبعد من التهمة و أحرى إن كان القاضي غفل من ذلك عن موضع فيه حجة أن يبينه فإن رأى فيها شيئا يبين له أن يرجع أو يشكل عليه أن يقف حتى يتبين له فإن لم ير فيها شيئا أخبره إنه لا شيء له فيها و أخبره بالوجه الذي رأى أنه لا شيء له فيها و إن لم يفعل جاز حكمه غير أن قد ترك موضع الأعذار إلى المقضي عليه عند القضاء ( قال ) : و أحب للإمام إذا ولي القضاء أن يجعل له أن يولي القضاء في الطرف من أطرافه و لاشيء من أموره الرجل فيجوز حكمه و إن لم يجعل ذلك له فمن رأى أنه لا يجوز إلا بأمر وال قال : لم ينبغ للقاضي أن ينفذ حكم ذلك القاضي الذي استقضاه و لم يجعل إليه و إن أنفذه كان إنفاذه إياه باطلا إلا أن يكون إنفاذه إياه على استئناف حكم بين الخصمين فإذا كان إنما هو لإنفاذ الحكم فليس بجائز و إذا كان الأمر بينا عند القاضي فيما يختصم فيه الخصمان فأحب إلي أن يأمرهما بالصلح و أن يتحللهما من أن يؤخر الحكم بينهما يوما أو يومين فإن لم يجتمعا على تحليله لم يكن له ترديدهما و أنفذ الحكم بينهما متى بان له و إن أشكل الحكم عليه لم يحكم بينهما طال ذلك أو قصر عليه الأناة إلى بيان الحكم و الحكم قبل البيان ظلم و الحبس بالحكم بعد البيان ظلم و الله أعلم