الخلاف في الموالي .
قال الشافعي C تعالى : ووافقنا بعض الناس في السائبة و المشترك يعتق المسلم فقال هذا القول نص الكتاب و السنة و خالفنا هؤلاء من المشرقيين فقالوا : إذا أسلم الرجل على يدي الرجل فله ولاؤه و للمسلم على يديه أن ينتقل بولائه ما لم يعقل عنه فإذا عقل عنه لم يكن له أن ينتقل بولائه و هكذا اللقيط و كل من لا ولاء له يوالي من شاء و ينتقل بولائه ما لم يعقل عنه فإذا عقل عنه لم يكن له أن ينتقل بولائه قال الشافعي C تعالى : فقيل لبعض من يقول هذا القول : إلى أي شيء ذهبتم فيه ؟ فقال : ذهبنا إلى أن عبد العزيز بن عمر حدث عن ابن موهب عن تميم الداري أن رجلا أسلم على يدي رجل [ فقال له النبي A : ( أنت أحق الناس بحياته و موته ) ] فقيل له : إن كان هذا الحديث ثابتا كنت قد خالفته فقال : و أين ؟ قلت : زعمت [ أن النبي A قال : ( أنت أحق الناس بحياته و مماته ) ] قال نعم قلت فما زعمت لا يدل على أن إسلام المرء على يدي المرء يثبت له عليه ما يثبت العتق على المعتق للمعتق أفيكون له إذا أعتق أن ينتقل بولائه ؟ قال : لا قلت : فقد خالفت الحديث فزعمت أنه إنما يثبت له الولاء ما رضي به و لم ينتقل و إذا انتقل انتقل الولاء عنه حتى يعقل عنه أو رأيت إذا والى فكان لو مات ورث المولى الولاء كيف كان له أن ينتقل بولائه و قد ثبت الولاء عليه و ثبت له على عاقلة الذي والاه أن يعقلوا عنه ؟ أو يجوز أن يكون في إسلام المرء على يدي غيره أو موالاته إياه إلا واحد من قولين : أحدهما أن يثبت بالإسلام و الموالاة ما يثبت بالعتق و ما يثبت من ولاء عندنا و عندك لم يتحول كما لا يتحول النسب أو يكون الإسلام و الموالاة لم يثبتا شيئا لأنهما ليسا من معاني النسب و لا الولاء فأما ما ذهبت إليه فليس واحدا من القولين و زعمت أنه ثابت و للمولى أن ينتقل حتى يعقل عنه أو رأيت إن قالت العاقلة : لا نعقل عن هذا شيئا لأن هذا لا ذو نسب و لا مولى و له الخيار في أن ينتقل عنه فاجعل لنا و لصاحبنا الذي والاه الخيار في أن ندفع ولاءه فالمولى من أعلى أولى أن يكون هذا له من المولى من أسفل ما تقول له ؟ و إن جاز هذا لك جاز لغيرك أن يجعل الخيار للأعلى و لا يجعله للأسفل و هذا لا يجوز لواحد منكما أرأيت ولدا إن كانوا للمسلم على يدي الرجل و كانوا لا ولاء لهم أيجر ولاءهم كما يجره المعتق للأب إذا أعتق ؟ قال : فإن قلت : نعم قلت : فقله قال : فإذا يتفاحش علي فأزعم أنه إذا أسلم جر الولاء و إذا انتقل ولاؤه و يتفاحش في أن أقول قد كان لهم في أنفسهم مثل الذي له فإن قلت : يجر الأب ولاءهم قطعت حقوقهم في أنفسهم و إن قلت : بل لهم في أنفسهم مثل ما له زعمت أنه لا يجر ولاءهم و لذلك أقول : لا يجر ولاءهم قلت : و يدخل عليك فيه أفحش من هذا قال : قد أرى ما يدخل فيه أثابت الحديث ؟ قلت : لا و أنت تعلم أنه ليس بثابت و أن ابن موهب رجل ليس بالمعروف بالحديث و لم يلق تميما الداري و هو غير ثابت من وجهين و قد قلت في اللقيط بأن عمر قال لمن التقطه : هو حر و لك ولاؤه قلت : أنت تقول في اللقيط : أنه يوالي من شاء ؟ نعم إن لم يوال عنه السلطان و إذا والى عنه السلطان فهذا حكم عليه قلت : أفتثبت عليه موالاة السلطان فلا يكون له إذا بلغ أن ينتقل بولائه أو يكون له الانتقال بولائه إذا بلغ ؟ قال : فإن قلت : بل له الانتقال بولائه كما يكون له أن يوالي ثم ينتقل بولائه ما لم يعقل عنه ؟ فقلت له : فموالاة السلطان إذا عنه غير حكم عليه قال : نعم و كيف يجوز أن تكون حكما عليه ؟ قلت : المسألة عليك لأنك بها تقول قال : ما يصلح الحكم إلا على المتقدم من الخصومة و ما ههنا متقدم من خصومة قلت : فقل ما شئت قال : فإذا قلت : فهو حكم قلت : فقد رجعت إلى أن قلت بما أنكرت أن يكون يصلح الحكم إلا على المتقدم من خصومة و ما ههنا متقدم من خصومة قال : فلا أقوله و أقول له أن ينتقل بولائه قلت : فقد خالفت ما رويت عن عمر و لا أسمعك تصير إلى شيء إلا خالفته قال : فيم تركت الحديثين ؟ قلت : بالدلالة في السائبة أن حكم الله عز و جل أن يبطل التسييب و يثبت العتق و يكون الولاء لمن أعتق و ما جامعتنا عليه ؟ في النصراني بمعنى كتاب الله عز و جل و نص سنة رسول الله A و لما يلزمك فيما جامعتنا عليه في النصراني يعتق المسلم [ لأن رسول الله A قال : ( إنما الولاء لمن أعتق ) ] و هذا معتق فلزمت فيهما معنى الكتاب و السنة ثم اضطرب قولك فزايلت معناهما قال : ذهبت إلى حديث ثبت قلت : أما الذي رويت عن النبي A لا يثبت عندنا و أما الذي رويت عن عمر فلو ثبت لم يكن في أحد حجة مع رسول الله A مع أنه ليس بين أن يثبت و في [ قول رسول الله A : ( فإنما الولاء لمن أعتق ) ] معنيان بينان : أن الولاء لا يزول عمن أعتق و لا يثبت إلا لمعتق لأن قوله [ ( فإنما الولاء لمن أعتق ) ] نفي أن يكون الولاء لغير معتق و ذلك أن من قال : إنما أردت كذا فقد بين ما أراد و نفى أن يكون أراد غيره و كذلك إنما وقعت بهذا المعنى فأخذت بأحد معنيي الحديث و تركت الثاني و هذا ليس لك و لا لأحد مع أنا و إياك لا نختلف في أن الولاء نسب من الأنساب لا يزول قال : أجل قلت : أفرأيت رجلا لا أب له و لا ولاء أله أن ينتسب إلى رجل بتراض منهما ؟ قال : لا يجوز النسب إلا بفراش أو في معنى الفراش من الشبه فإذا لم يكن فراش و لا معنى فراش و ذكرا أنهما يتراضيان بالنسب فلا نسب قلت : و كذلك لو أراد رجل أن ينفى من ولد على فراشه و رضى بذلك المنفي قال : لا يكون ذلك لهما قلت : و ذلك أن إثبات النسب من الفراش و نفيه من الفراش للنافي و للمنفي و غيرهما سي فيكون للولد المنفي و لعشيرته فيه حق لأنهم يرثونه و يعقلون عنه و يعقل عنهم و لو جاز إقراره على نفسه لم يجز على غيره ممن له حق في ميراثه و عقله قال : نعم قلت : أفكذلك تجد المولى المعتق ؟ قال : سواء قلت فكيف لم تقل هذا في المولى فلا تثبته إلا بما يثبت له به الحق على عشيرته ممن والاه أن يعقلوا عنه و كما لم يزل عنهم ولاء المعتق أو يثبت لهم عليه ميراث فلا تعطيهم و لا تمنع منهم إلا بأمر ثابت لأن في ذلك حكما عليهم و على غيرهم ممن كان و لم يكن و لهم و لغيرهم ممن كان و لم يكن قال : و ذكرت له غير هذا مما في هذا كفاية عنه قال : فإن من أصحابك من وافقك في الذي خالفناك فيه من اللقيط و الموالي و قال فيه قولك و خالفك في الذي وافقناك فيه من السائبة و الذمي يعتق المسلم قلت : أجل و حجتنا عليه كهي عليك أو أوضح لأنك قد ذهبت إلى شبهة لا يعذرك بها أهل العلم و يعذرك بها الجاهل و هم لم يذهبوا إلى شبهة يعذر بها جاهل و لا عالم و موافقتك حيث وافقتنا حجة عليك و موافقتهم حيث وافقونا حجة عليهم و ليس لأحد أن يخرج من معنى كتاب الله عز و جل ثم سنة رسول الله A و لا من واحد منهما في أصل و لا فرع و إنما فرقنا بين العالمين و الجاهلين بأن العالمين علموا الأصول فكان عليهم أن يتبعوها الفروع فإذا زيلوا بين الفروع و الأصول فأخرجوا الفروع من معاني الأصول كانوا كمن قال بلا علم أو أقل عذرا منه لأنهم تركوا ما يلزمهم بعد علم به و الله يغفر لنا و لكم معا فإن قال : قد يغبون فعلهم قلت : و من غبي عنه مثل هذا الواضح كان حقا عليه أن لا يعالج الفتيا لأن هذا مما لا يجوز أن يخطئ فيه أحد لوضوحه