تكلف الحجة على قائل القول الأول و على من قال أقبل إظهار التوبة إذا كان رجع إلى دين يظهره و لا أقبل ذلك إذا رجع إلى دين لا يظهره .
قال الشافعي C تعالى : و لولا غفلة في بعض السامعين الذين لعل من نوى الأجر في تبيينهم أن يؤجر ما تكلفت لأنه إنما يكتفي في هذين القولين بأن يحكيا فيعلم أن ليس فيهما مذهب يجوز أن يغلط به عالم بحال و أن كتاب الله تعالى ثم سنة نبيه A ثم المعقول و القياس يدل على غير ما قال من قال هذا و الله أعلم و من أوجز ما بين به أن الأمر على غير ما قيل أن يقال [ قد روى أن رسول الله A قال : ( من بدل دينه فاضربوا عنقه ) ] فهل يعدو هذا القول أبدا واحدا من معنيين ؟ أن يكون من بدل دينه و أقام على تبديله ضربت عنقه كما تضرب أعناق أهل الحرب أو تكون كلمة التبديل توجب القتل و إن تاب كما يوجبه الزنا بعد الإحصان و قتل النفس بغير النفس فليس قولك واحدا منهما و أن يقال له : لم قبلت إظهار التوبة من الذي رجع إلى النصرانية و اليهودية و دين أظهره ؟ ألأنك على ثقة من أنه إذا أظهر التوبة فقد صحت توبته أو قد يكون يظهرها و هو مشتمل على الكفر و دين النصرانية أو منتقل عنه إلى دين يخفيه ؟ و لم أبيت قبول من أظهر التوبة و قد كان مستخفيا بالشرك ؟ أعلى علم أنت من أن هذا ألا يتوب توبة صحيحة أو قد يتوب توبة صحيحة ؟ فلا يجوز لأحد أن يدعي علم هذا لأنه لا يعلم حقيقة علم هذا أحد من الآدميين غير المؤمن نفسه و إنما تولى الله عز ذكره عم الغيب أو رأيت لو قال رجل من استسر بالكفر : قبلت توبته لضعفه في استسراره و من أعلنه لم تقبل توبته لما انكشف به من الكفر بالله و إن المنكشف بالمعصية أولى أن تنفر القلوب منه و يكاد أن يؤنس من صحة توبته لأنا رأينا من انكشف بالمعاصي سوى الشرك كان أحرى أن لا يتوب ما الحجة عليه ؟ هل هي إلا أن هذا مما لا يعلمه إلا الله عز و جل و أن حكم الله تعالى في الدنيا قبول ظاهر الآدميين و أنه تولى سرائرهم و لم يجعل لنبي مرسل و لا لأحد من خلقه أن يحكم إلا على الظاهر و تولى دونهم السرائر لانفراده بعلمها و هكذا الحجة على من قال هذا القول و أخبر الله عز و جل عن قوم من الأعراب فقال : { قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا و لكن قولوا أسلمنا و لما يدخل الإيمان في قلوبكم } فأعلم أنه لم يدخل الإيمان في قلوبهم و أنهم أظهروه و حقن به دماءهم قال مجاهد في قوله : { أسلمنا } قال : أسلمنا مخافة القتل و السباء قال الشافعي : و أخبر الله جل ثناؤه عن المنافقين في عدد آي من كتابه بإظهار الإيمان و الاستسرار بالشرك و أخبرنا بأن قد جزاهم بعلمه عنهم بالدرك الأسفل من النار فقال : { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار و لن تجد لهم نصيرا } فأعلم أن حكمهم في الآخرة النار بعلمه أسرارهم و أن حكمه عليهم في الدنيا إن أظهروا الإيمان جنة لهم و أخبر عن طائفة غيرهم فقال : { و إذ يقول المنافقون و الذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله و رسوله إلا غرورا } و هذه حكاية عنهم و عن الطائفة معهم مع ما حكى من كفر المنافقين منفردا و حكى من أن الإيمان لم يدخل قلوب من حكى من الأعراب و كل من حقن دمه في الدنيا بما أظهر مما يعلم جل ثناؤه خلافه من شركهم لأنه أبان أنه لم يول الحكم على السرائر غيره و أن قد ولى نبيه الحكم على الظاهر و عاشرهم النبي A و لم يقتل منهم أحدا و لم يحبسه و لم يعاقبه و لم يمنعه سهمه في الإسلام إذا حضر القتال و لا مناكحة المؤمنين و موارثتهم و الصلاة على موتاهم و جميع حكم الإسلام و هؤلاء من المنافقين و الذين في قلوبهم مرض و الأعراب لا يدينون دينا يظهر بل يظهرون الإسلام و يستخفون بالشرك و التعطيل قال الله عز و جل : { يستخفون من الناس و لا يستخفون من الله و هو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول } فإن قال قائل : فلعل من سميت لم يظهر شركا سمعه منه آدمي و إنما أخبر الله أسرارهم فقد سمع من عدد منهم الشرك و شهد به عند النبي A فمنهم من جحده و شهد شهادة الحق فتركه رسول الله A بما أظهر و لم يقفه على أن يقول أقر و منهم من أقر بما شهد به عليه و قال : تبت إلى الله و شهد شهادة الحق فتركه رسول الله A بما أظهر و منهم من عرف النبي A عليه ( أخبرنا ) سفيان بن عيينة عن الزهري عن أسامة بن زيد و قال : شهدت من نفاق عبد الله بن أبي ثلاثة مجالس فإن قال قائل : فقد قال الله عز و جل لرسول الله A : { و لا تصل على أحد منهم مات أبدا و لا تقم على قبره إنهم كفروا بالله } إلى قوله { و هم كافرون } قيل : فهذا يبين ما قلنا و خلاف ما قال من خالفنا فأما أمره أن لا يصلي عليهم فإن صلاته - بأبي هو و أمي - مخالفة صلاة غيره و أرجو أن يكون قضى إذ أمره بترك الصلاة على المنافقين أن لا يصلي على أحد إلا غفر له و قضى أن لا يغفر للمقيم على شرك فنهاه عن الصلاة على من لا يغفر له فإن قال قائل : ما دل على هذا ؟ قيل : [ لم يمنع رسول الله A من الصلاة عليهم مسلما و لم يقتل منهم بعد هذا أحد ] و ترك الصلاة مباح على من قامت بالصلاة عليه طائفة من المسلمين فلما كان جائزا أن يترك الصلاة على المسلم إذا قام بالصلاة عليه بعض المسلمين لم يكن في ترك الصلاة معنى يغير ظاهر حكم الإسلام في الدنيا و قد عاشرهم حذيفة فعرفهم بأعيانهم ثم عاشرهم مع أبي بكر و عمر Bهما و هم يصلون عليهم و كان عمر Bه إذا وضعت جنازة فرأى حذيفة فإن أشار إليه أن اجلس جلس و إن قام معه صلى عليها عمر و لا يمنع هو و لا أبو بكر قبله و لا عثمان بعده المسلمين الصلاة عليهم و لا شيئا من أحكام الإسلام و يدعها من تركها بمعنى ما وصفت من أنها إذا أبيح تركها من مسلم لا يعرف إلا بالإسلام كان أجوز تركها من المنافقين فإن قال فلعل هذا للنبي A خاصة قيل : فلم لم يقتل أبو بكر و لا عمر و لا عثمان و لا علي Bهم و لا غيرهم منهم أحدا و لم يمنعه حكم الإسلام و قد أعلمت عائشة Bها أن النبي A لما توفي اشرأب النفاق بالمدينة قال الشافعي : و يقال لأحد : إن قال هذا ما ترك رسول الله على أحد من أهل دهره لله حدا بل كان أقوم الناس بما افترض الله عليه من حدوده A [ حتى قال في امرأة سرقت فشفع لها ( إنما أهلك من كان قبلكم أنه كان إذا سرق فيهم الشريف تركوه و إذا سرق فيهم الوضيع قطعوه ) ] و قد آمن بعض الناس ثم ارتد ثم أظهر الإيمان فلم بقتله رسول الله A و قتل من المرتدين من لم يظهر الإيمان [ و قال رسول الله A : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم و أموالهم إلا بحقها و حسابهم على الله ] فأعلم أن حكمهم في الظاهر أن تمنع دماؤهم بإظهار الإيمان و حسابهم في المغيب على الله [ و قال رسول الله A : ( إن الله عز و جل تولى منكم السرائر و درأ عنكم بالبينات فتوبوا إلى الله و استتروا بستر الله فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله عز و جل ] [ و قال A : ( إنما أنا بشر مثلكم و إنكم تختصمون إلي فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له نحو ما أسمع منه فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار ) ] فأعلم أن حكمه كله على الظاهر و أنه لا يحل ما حرم الله و حكم الله على الباطن لأن الله عز و جل تولى الباطن و قال عمر بن الخطاب لرجل أظهر الإسلام كان يعرف منه خلافه : ( إني لأحسبك متعوذا ) فقال : أما في الإسلام ما أعاذني ؟ فقال : أجل إن في الإسلام ما أعاذ من استعاذ به قال : و لو لم يعلم قائل هذا القول شيئا مما وصفنا إلا أنه وافقنا على قتل المرتد و أن يجعل ماله فيئا فكان حكمه عنده حكم المحارب من المشركين و كان أصل قوله في المحارب : أنه إذا أظهر الإيمان في أي حال ما كان إسار أو تحت سيف أو غيرها أو على أي دين كان حقن دمه كان ينبغي أن يمنع من أن يقتل من أظهر الإيمان بأي حال كان و إلى أي دين رجع ( قال الربيع ) : إذا قال بعض الناس : فهم المشرقيون و إذا قال بعض أصحابنا أو بعض أهل بلدنا فهو مالك