باب ما يحرم به الدم من الإسلام .
قال الشافعي C : قال الله تبارك و تعالى لنبيه A : { إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله و الله يعلم إنك لرسوله و الله يشهد إن المنافقين لكاذبون } إلى { يفقهون } قال الشافعي : فبين أن إظهار الإيمان ممن لم يزل مشركا حتى أظهر الإيمان و ممن أظهر الإيمان ثم أشرك بعد إظهاره ثم أظهر الإيمان مانع لدم من أظهره في أي هذين الحالين كان و إلى أي كفر صار كفر يسره أو كفر يظهره و ذلك أنه لم يكن للمنافقين دين يظهر كظهور الدين الذي له أعياد و إتيان كنائس إنما كان كفر جحد و تعطيل و ذلك بين في كتاب الله عز و جل ثم في سنة رسول الله A بأن الله عز و جل أخبر المنافقين بأنهم اتخذوا أيمانهم جنة يعني - و الله أعلم - من القتل ثم أخبر بالوجه الذي اتخذوا به أيمانهم جنة فقال : { ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا } فأخبر عنهم بأنهم آمنوا ثم كفروا بعد الإيمان كفرا إذا سئلوا عنه أنكروه و أظهروا الإيمان و أقروا به و أظهروا التوبة منه و هم مقيمون فيما بينهم و بين الله على الكفر قال الله عز و جل ثناؤه : { يحلفون بالله ما قالوا و لقد قالوا كلمة الكفر و كفروا بعد إسلامهم } فأخبر بكفرهم و جحدهم الكفر و كذب سرائرهم بجحدهم و ذكر كفرهم في غير آية و سماهم بالنفاق إذ أظهروا الإيمان و كانوا على غيره قال جل و عز : { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار و لن تجد لهم نصيرا } فأخبر عز و جل عن المنافقين بالكفر و حكم فيهم بعلمه من أسرار خلقه ما لا يعلمه غيره بأنهم في الدرك الأسفل من النار و أنهم كاذبون بأيمانهم و حكم فيهم جل ثناؤه بالدنيا بأن ما أظهروا من الإيمان - و إن كانوا به كاذبين - لهم جنة من القتل و هم : المسرون الكفر المظهرون الإيمان و بين على لسانه A مثل ما أنزل في كتابه من أن إظهار القول بالإيمان جنة من القتل أقر من شهد عليه بالإيمان بعد الكفر أو لم يقر إذا أظهر الإيمان فإظهاره مانع من القتل و بين رسول الله A إذا حقن الله تعالى دماء من أظهر الإيمان بعد الكفر أن لهم حكم المسلمين من الموارثة و المناكحة و غير ذلك من أحكام المسلمين فكان بينا في حكم الله عز و جل في المنافقين ثم حكم رسوله A أن ليس لأحد أن يحكم على أحد بخلاف ما أظهر من نفسه و أن الله عز و جل إنما جعل للعباد الحكم على ما أظهر لأن احدا منهم لا يعلم ما غاب إلا ما علمه الله عز و جل فوجب على من عقل عن الله أن يجعل الظنون كلها في الأحكام معطلة فلا يحكم على أحد بظن و هكذا دلالة سنن رسول الله A حيث كانت لا تختلف أخبرنا يحيى بن حسان عن الليث بن سعد عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد عن عبيد الله بن عدي بن الخيار [ عن المقداد بن الأسود أنه أخبره أنه قال : يا رسول الله أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها ثم لاذ مني بشجرة فقال : أسلمت لله أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها ؟ فقال رسول الله A ( لا تقتله ) فقلت : يا رسول الله إنه قطع يدي ثم قال ذلك بعد أن قطعها أفأقتله يا رسول الله ؟ قال رسول الله A : ( لا تقتله فإنك إن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله و إنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قالها ) ] قال الشافعي C : فأخبر رسول الله A أن الله حرم دم هذا بإظهاره الإيمان في حال خوفه على دمه و لم يبحه بالأغلب أنه لم يسلم إلا متعوذا من القتل بالإسلام قال الشافعي : أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن عبيد الله بن عدي بن الخيار [ أن رجلا سار رسول الله A فلم ندر ما ساره به حتى جهر رسول الله A فإذا هو يستأذنه في قتل رجل من المنافقين فقال رسول الله A : ( أليس يشهد أن لا إله إلا الله ؟ ) قال : بلى و لا شهادة له قال : ( أليس يصلي ؟ ) قال بلى و لا صلاة له فقال النبي A : ( أولئك الذين نهاني الله عنهم ) ] قال الشافعي : فأخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم المستأذن في قتل المنافق إذ أظهر الإسلام أن الله نهاه عن قتله و هذا موافق كتاب الله عز و جل بأن الإيمان جنة و موافق سنة رسول الله A و حكم أهل الدنيا و قد أخبر الله عنهم أنهم في الدرك الأسفل من النار أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة Bه عن النبي A قال : [ لا أزال أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها فقد عصموا منى دماءهم و أموالهم إلا بحقها و حسابهم على الله ] قال الشافعي C : و هذا موافق ما كتبنا قبله من كتاب الله و سنة نبيه A و بين أنه إنما يحكم على ما ظهر و أن الله تعالى ولي ما غاب لأنه عالم بقوله : وحسابهم على الله و كذلك قال الله عز و جل فيما ذكرنا و في غيره فقال : { ما عليك من حسابهم من شيء } و قال عمر Bه لرجل كان يعرفه بما شاء الله في دينه : ( أمؤمن أنت ؟ ) قال نعم قال ( إني لأحسبك متعوذا ) قال : أما في الإيمان ما أعاذني ؟ فقال عمر بلى و قال رسول الله A في رجل هو من أهل النار فخرج أحدهم معه حتى أثخن الذي قال من أهل النار فآذته الجراح فقتل نفسه و لم يمنع رسول الله A ما استقر عنده من نفاقه و علم إن كان علمه من الله فيه من أن حقن دمه بإظهار الإيمان