باب الخلاف في الرجل يسلم وعنده أكثر من أربع نسوة .
أخبرنا الربيع : قال الشافعي : قال لي بعض الناس : ما حجتك ان يفارق ما زاد على أربع وإن فارق اللاتي نكح أولا ولم تقل يمسك الأربع الأوائل ويفارق سائرهن ؟ فقلت له : بحديث الديلمي وحديث نوفل بن معاوية قال : أفرأيت لو لم يكن ثابتا أو كانا غير ثابتين أيكون لك في حديث ابن عمر حجة ؟ قلت : نعم وما علي فيما يثبت عن النبي A أن يقال : هل فيه حجة غيره بل علي وعليك التسليم وذلك طاعة الله D قال : هذا كله كما قلت وعلينا أن نقول به إن كان ثابتا قلت : إن كنت لا تثبت مثله وأضعف منه فليس عليك حجة فيه فردد ما كان مثله قال : فأحب أن تعلمني هل في حديث ابن عمر حجة لو لم يأت غيره ؟ قلت : نعم قال : وأين هي ؟ قلت : لما أعلم النبي A غيلان أنه لا يحل له أن يمسك اكثر من أربع ولم يقل له الأربع الأوائل استدللنا على أنه لو بقي فيما يحل له ويحرم عليه معنى غيره علمه إياه لأنه مبتدىء للإسلام لا علم له قبل إسلامه فيعلم بعضا ويسكت له عما يعلم غيره قال : أو ليس قد يعلمه الشيئين فيؤدي أحدهما دون الآخر ؟ قلت : بلى قال : فلم جعلت هذا حجة وقد يمكن فيه ما قلت ؟ في حديث النبي A شيئان : أحدهما العفو عما فات من ابتداء عقدة النكاح ومن يقع عليه النكاح من العدد فلما لم يسأل عما وقع عليه العقد أولا ولم يسأل عن أصل عقدة نكاحهن وكان أهل الأوثان لا يعقدون نكاحا إلا نكاحا لا يصلح أن يبتدأ في الإسلام فعفاه وإذا عفا عقدا واحدا فاسدا لأنه فائت في الشرك فسواء كل عقد فيه بأن ينكح بغير ولي وبغير شهود وما أشبه ذلك مما لا يجوز ابتداؤه في الإسلام فأكثر ما في النكاح الزوائد على الأربع في الشرك بأن يكون نكاحهن فاسدا كفساد ما وصفنا فإذا كان رسول الله A يعفو عن ذلك لكل أسلم من أهل الشرك ويقرهم على نكاحهم وإن كان فاسدا عندنا فكذلك إن أرادأن يحبس ما عقد بعد الأربع في الشرك يجوز ذلك له لأن أكثر حالاتهن أن يكون نكاحهن فاسدا ولا شيء أول أن يشبه بشيء من عقد فاسد يعفي عنه بعقد يعفي عنه ولو لم يكن في هذا حجة غير هذا لاكتفي بها فكيف ومعه تخيير رسول الله A إياه وترك مسألته عن الأوائل والأواخر كما ترك مسألة من أسلم من أهل الشرك عن نكاحه ليعلم أفاسد أم صحيح وهو معفو يجوز كله والآخر أنه حظر عليه في الإسلام ما لا يجوز أن يجاوز بعده أربعا ومن الجمع بين الأختين فحكم في العقد بفواته في الجاهلية حكم ما قبض من الربا قال الله تعالى : { اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين } فحكم رسول الله A بحكم الله : في أن لم يرد ما قبض من الربا لأنه فات ورد ما لم يقبض منه لأن الإسلام أدركه غير فائت فكذلك حكم الله D في عقد النكاح في الجاهلية إن لم يرده رسول الله A لأنه فات إنما هو شيء واحد لا يتبعص فيجاز بعضه ويرد بعضه وحكم فيمن أدركه الإسلام من النساء عقدة حكم الإسلام فلم يجز أن يجمع بين أكثر من أربع نسوة ولا أن يجمع بين الأختين لأن هذا غير فائت أدركهن الإسلام معه كما أدرك ما لم يفت من الربا بقبض قال : أفتوجدني سوى هذا ما يدل على أن العقدة في النكاح تكون كالعقدة في البيوع والفوت مع العقدة ؟ فقلت : فيما أوجدتك كفاية قال : فاذكر غيره إن علمته قلت : أرأيت امرأة نكحتها بغير مهر فأصبتها أو بمهر فاسد ؟ قال : فلها مهر مثلها والنكاح ثابت لا ينفسخ قلت له : ولو عقدت البيع بغير ثمن مسمى أو ثمن محرم رد البيع إن وجد فإن هلك في يديك كان عليك قيمته ؟ قال : نعم قلت : أفتجد عقد النكاح ههنا أخذ كعقد البيع يربونه ؟ قال : نعم قلت : فما منعك في عقد النكاح في الجاهلية أن تقول : هو كفائت ما اقتسموا عليه وقبضوا القسم وما أربوا فمضى قبضه ولا أرده وقلت : أرأيت قولك أنظر إلى العقدة فإن كانت لو ابتدئت في الإسلام جازت أجزتها وإن كانت لو ابتدئت في الإسلام ردت رددتها أما ذلك فيما جاء عن النبي A في حديث ابن الديلمي ونوفل بن معاوية ما قطع عنك موضع الشك ؟ قال : فإنما كلمتك على حديث الزهري لأن جملته قد يحتمل أن يكون عاما على ما وصفت وإن لم يكن عاما في الحديث فقلت له : هذا لو كان أشد عليك ولو لم يكن فيه إلا حديث ابن عمر ولم يكن في حديث ابن عمر دلالة كنت محجوبا على لسانك مع أن في حديث ابن عمر دلالة عندنا على قولنا والله أعلم قال : فأوجدني ما يدل على خلاف قولي لو لم يكن في حديث ابن عمر دلالة بينة قالت : أرأيت رجلا ابتدأ في في الإسلام نكاحا بشهادة أهل الأزثان أيجوز ؟ قال : لا ولا بشهادة أهل الذمة لأنهم لا يكونون شهداء على المسلمين قلت : أفرأيت غيلان بن سلمة أمن أهل الأوثان كان قبل الإسلام قال : نعم قلت : أفرأيت أحسن ما كان عنده أليس أن ينكح بشهادة الأوثان ؟ قال : بلى قلت : فإذا زعمت أن يقر مع أربع وأحسن حاله فيهن أن يكون نكاحهن بشهادة أهل الأوثان أما خالفت أصل قولك ؟ قال : إن هذا ليلزمني قلت : فلو لم يكن عليك حجة غيره كنت محجوجا مع أنا لا ندري لعلهم كانوا ينكحوا بغير ولي وبغير شهود وفي العدة قال : إن هذا ليمكن فيهم ويروى عنهم أنهم كانوا ينكحون بغير شهود وفي العدة قال : أجل ولكن لم أسمع أن النبي A كيف كيف سألهم أصل نكاحهم قلت : أفرأيت إن قال لك قائل إن كما قلت لنا : قد يجوز أن يكون سألهم ولم يؤد إليك في الخبر قال : إذا يكون ذلك له علي قلت له : أفتجد بدا من أن يكون لما لم يؤد في الخبر أنه سألهم عن أصل العقدة كان ذلك عفوا عن القعدة لأنها لا تكون لأهل الأوثان غلا على ما لا يصلح أن يبتدئها في الإسلام مسلم أو تكون تقول في العقدة قولك في عدد النساء : أنه يفرق بينه وبين من تحرم بكل وجه عليه فتقول يبتدئون معا للنكاح في الإسلام قال : لا أقوله قلت : وما منعك أن تقوله ؟ أليس بأن السنة دلت على أن العقدة معفوة لهم ؟ قال : بلى قلت : وإذا كانت معفوة لم ينظر إلى فسادها كما لا ينظر إلى فساد نكاح من لا يجوز نكاحه ولا الجمع بينه ولا ما جاوزت أربعا قال : والعقدة مخالفة لهذا قال : قلت فكيف جمعت بين المختلف ونظرت إلى فسادها مرة ولم تنظر إليه أخرى ؟ فرجع بعضهم إلى قولنا قال : يمسك أربعا أيتهن شاء ويفارق سائرهن وعاب قول أصحابه وقال : نحن نفرق بين ما لا يتفرق في العقول بقول الرجل من أصحاب النبي A فكيف إذا جاء قول النبي A وهو الذي ألزمناه الله تبارك وتعالى ولكن حد لي فيه حدا قلت في نكاح الشرك شيئان : عقدة وما يحرم مما تقع عليه العقدة بكل وجه ومجاوزة أربع فلما رد النبي A ما جاوز أربعا دل على أنه يرد ذوات المحارم على الناكح وذلك في كتاب الله D : ولما لم يسأل عن العقدة علمت أنه عفا عن العقدة فعفونا عما عفا عنه وانتهينا عن إفساد عقدها إذا كانت المعقود عليها ممن تحل بحال ولولا ذلك رددنا نكاح أهل الأوثان كله وقلنا ابتدؤه في الإسلام حتى يعقد بما يحل في الإسلام