الخلاف في الطلاق الثلاث .
اخبرنا الشافعي عن مالك بن أنس عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن [ عن فاطمة بنت قيس : أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب بالشأم فبعث إليها وكيله بشعير فسخطته فقال : والله ما لك علينا من شيء فجاءت النبي A فذكرت ذلك له فقال : ليس لك عليه نفقة ] قال الشافعي C : وابن عمر Bهما طلق امرأته البتة وعلم ذلك النبي A فأسقط نفقتها لأنها لا رجعة له عليها والبتة التي لا رجعة له عليها ثلاث ولم يعب النبي A طلاق الثلاث وحكم فيما سواهما من الطلاق بالنفقة والسكنى فإن قال قائل : ما دل على أن البتة ثلاث ؟ فهي لو لم يكن سمى ابن عمر Bهما ثلاثا البتة أو نوى بالبتة ثلاثا كانت واحدة يملك الرجعة وعليه نفقتها ومن زعم أن البتة ثلاث بلا نية المطلق ولا تسمية ثلاث ؟ قال : إن النبي A إذ لم يعب الطلاق الذي هو دليل على أن الطلاق بيد الزوج ما أبقى منه لنفسه وما أخرج منه من يده لزمه غير محرم عليه كما لا يحرم عليه أن يعتق رقبة ولا يخرج من ماله صدقة وقد يقال له : لو أبقيت ما تستغني به عن الناس كان خيرا لك فإن قال قائل : ما دل على أن أبا عمرو لا يعدو أن يكون سمى ثلاثا او نوى بالبتة ثلاثا ؟ قلنا : الدليل عن رسول الله A قال الشافعي C : أخبرنا عمي محمد بن علي بن شافع عن عبد الله بن علي بن السائب عن نافع بن عجير بن عبد يزيد [ أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته سهيمة المزنية البتة ثم أتى إلى النبي A فقال : إني طلقت امرأتي سهيمة البتة والله ما أردت إلا واحدة فقال النبي A لركانة : ( والله ما أردت إلا واحدة ؟ ) فقال ركانة : والله ماأردت إلا واحدة فردها إليه النبي A ] فطلقها الثانية في زمان عمر والثالثة في زمان عثمان Bهما قال الشافعي C : أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سهل بن سعد أنه أخبره : [ أنه تلاعن عويمر وامرأته بين يدي النبي A وهو مع الناس فلما فرغا من ملاعنتهما قال عويمر : كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكت فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله A ] قال مالك : قال ابن شهاب : فكانت تلك سنة المتلاعنين قال الشافعي C : فقد طلق عويمر ثلاثا بين يدي النبي A ولو كان ذلك محرما لنهاه عنه وقال : إن الطلاق وإن لزمك فأنت عاص بأن تجمع ثلاثا فافع كذا كما أمر النبي A عمر أن يأمر عبد الله بن عمر Bهما حين طلق امرأته حائضا أن يراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك فلا يقر النبي A بطلاق لا يفعله أحد بين يديه إلا نهاه عنه لأنه العلم بين الحق والباطل لا باطل بين يديه إلا يغيره أخبرنا الربيع قال : أخبرنا الشافعي قال : أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار قال : سمعت محمد بن عباد بن جعفر يقول : أخبرني المطلب بن حنطب أنه طلق امرأته البتة ثم أتى عمر فذكر ذلك له فقال : ما حملك على ذلك ؟ قال : قد فعلته فتلا { ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا } ما حملك على ذلك ؟ قال : قد فعلته قال : أمسك عليك امرأتك فإن الواحدة تبت ( أخبرنا الربيع ) قال : أخبرنا الشافعي قال : أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عبد الله بن أبي سلمة عن سليمان بن يسار : أن عمر بن الخطاب Bه قال للتؤمة مثل ما قال للمطلب قال الشافعي : أخبرنا الثقة عن الليث بن سعد عن بكير عن سليمان أن رجلا من بني زريق طلق امرأته البتة قال عمر Bه : ما أردت بذلك قال : أتراني أقيم على حرام والنساء كثير ؟ فأحلفه فحلف قال الشافعي C : أراه قال : فردها عليه قال : وهذا الخبر في الحديث في الزرقي يدل على أن قول عمر بن الخطاب Bه للمطلب : ما أردت بذلك يريد أواحدة أو ثلاثا فلما أخبره أنه لم يرد به زيادة في عدد الطلاق وأنه قال : بلا نية زيادة ألزمه واحدة وهي أقل الطلاق وقوله : { ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به } لو طلق فلم يذكر البتة إذ كانت كلمة محدثة ليست في أصل الطلاق تحتمل صفة الطلاق وزيادة في عدده ومعنى غير ذلك فنهاه عن المشكل من القول ولم ينهه عن الطلاق ولم يعبه ولم يقل له لو أردت ثلاثا كان مكروها عليك وهو لا يحلفه على ما أراد إلا ولو أراد أكثر من واحدة ألزمه ذلك ( أخبرنا الربيع ) قال : أخبرنا الشافعي قال : أخبرنا مالك هم ابن شهاب عن طلحة بن عبد الله بن عوف وكان أعلمهم بذلك وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن : أن عبد الرحمن طلق امرأته البتة وهو مريض فورثها عثمان منه بعد انقضاء عدتها قال الشافعي C : اخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن ابن سيرين أن امرأة عبد الرحمن نشدته الطلاق فقال : إذا حضت ثم طهرت فآذنيني فطهرت وهو مريض فآذنته فطلقها ثلاثا قال الشافعي C : والبتة في حديث مالك بيان هذا الحديث ثلاثا لما وصفنا من أن يقول : طالق البتة ينوي ثلاثا وقد بينه ابن سيرين فقطع موضع الشك فيه ( أخبرنا الربيع ) قال : أخبرنا الشافعي قال : أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن محمد بن إياس بن بكير قال : طلق رجل امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها ثم بدا له أن ينكحها فجاء يستفتي فذهبت معه أسأل له فسأل أبا هريرة وعبد لاله بن عباس Bههم عن ذلك فقالا : لا نرى أن تنكحها حتى تنكح زوجا غيرك قال : إنما طلاقي إياها واحدة فقال ابن عباس : إنك أرسلت من يدك ما كان لك من فضل قال الشافعي C : وما عاب ابن عباس ولا أبو هريرة عليه أن يطلق ثلاثا ولو كان ذلك معيبا لقالا له : لزمك الطلاق وبئسما صنعت ثم سمى حين راجعه فما زاده ابن عباس على الذي هة عليه أن قال له : إنك أرسلت من يدك ما كان لك من فضل ولم يقل : بئسما صنعت ولا حرجت في إرساله ( أخبرنا الربيع ) قال : أخبرنا الشافعي قال : أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن بكير عن النعمان بن أبي عياش الأنصاري عن عطاء بن يسار قال : جاء رجل يستفتي عبد اله بن عمرو عن رجل طلق امرأته ثلاثا قبل أن يمسها قال عطاء : فقلت : إنما طلاق البكر واحدة فقال عبد الله بن عمرو : إنما أنت قاص الواحدة تبينها وثلاث تحرمها حتى تنكح زوجا غيره ولم يقل له عبد الله : بئسما صنعت حين طلقت ثلاثا ( أخبرنا الربيع ) قال : أخبرنا الشافعي قال : أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد أن بكيرا أخبره عن النعمان بن أبي عياش أنه كان جالسا عند عبد الله بن الزبير وعاصم بن عمر فجاءهما محمد بن إياس بن البكير فقال : إن رجلا من أهل البادية طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها فماذا تريان ؟ فقال ابن الزبير إن هذا الأمر ما لنا فيه قول اذهب إلى ابن عباس وأبي هريرة فإني تركتهما عند عائشة فسلهما ثم ائنتا فأخبرنا فذهب فسألهما فقال ابن عباس لأبي هريرة : أفته يا أبا هريرة فقد جاءتك معضلة فقال أبو هريرة Bه : الواحدة تبينها والثلاث تحرمها حتى تنكح زوجا غيره وقال ابن عباس مثل ذلك ولم يعيبا عليه الثلاث ولا عائشة ( أخبرنا الربيع ) قال : أخبرنا الشافعي قال : أخبرني مالك عن ابن شهاب عن عروة أن مولاة لبني عدي يقال لها : زبراء أخبرته أنها كانت تحت عبد وهي يومئذ أمة فعتقت فقالت : فأرسلت إلى حفصة فدعتني يومئذ فقالت : إني مخبرتك خبرا ولا أحب أن تصنعي شيئا إن أمرك بيدك ما لم يمسك زوجك قالت : ففارقته ثلاثا فلم تقل لها حفصة : لا يجوز لك أن تطلقي ثلاثا ولو كان ذلك معيبا على الرجل إذا لكان ذلك معيبا عليها إذا كان بيدها فيه ما بيده ( أخبرنا الربيع ) قال : أخبرنا الشافعي قال : أخبرنا مالك عن هشام عن أبيه عن جهمان عن أم بكرة الأسلمية أنها اختلعت من زوجها عبد الله بن أسيد ثم أتيا عثمان في ذلك فقال : هي تطلقة إلا أن تكون سميت شيئا فهو ما سميت فعثمان Bه يخبره أنه سمى أكثر من واحدة كان ما سمى ولا يقول له : لا ينبغي لك أن تسمي أكثر من واحدة بل في هذا القول دلالة على أنه جائز له أن يسمي أكثر من واحدة ( أخبرنا الربيع ) قال : أخبرنا الشافعي قال : أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن أبي بكر بن عمرو بن حزم أن عمر بن عبد العزيز Bه قال : البتة ما يقول الناس فيها فقال أبو بكر : فقلت له : كان أبان بن عثمان يجعلها واحدة فقال : لو كان الطلاق ألفا ما أبقت البتة منه شيئا من قال البتة فقد رمى الغاية القصوى قال الشافعي : ولم يحك عن واحد منم على اختلافهم في البتة أنه عاب البتة ولا عاب ثلاثا قال الشافعي : قال مالك في المخيرة : إن خيرها زوجها فاختارت نفسها فقد طلقت ثلاثا وإن قال زوجها : لم أخيرك ف يواحدة فليس له في ذلك قول وهذا أحسن ما سمعت قال الشافعي : فإذا كان مالك يزعم أن من مضى من سلف هذه الأمة قد خيروا وخير رسول الله A والخيار إذا اختارت المرأة نفسها يكون ثلاثا كان ينبغي أن يزعم أن الخيار لا يحل لأنها إذا اختارت كان ثلاثا وإذا زعم أن الخيار يحل وهي إذا اختارت نفسها طلقت ثلاثا فقد زعم أن النبي A قد أجاز طلاق ثلاث وأصحاب النبي A قال الشافعي : فإن قال : أنت طالق البتة ينوي ثلاثا فهي ثلاث وإن نوى واحدة فواحدة وإن قال : أنت طالق ينوي بها ثلاثا فهي ثلاث قال الشافعي : أحب أن يكون الخيار في طهر لم يمسها فيه قال الشافعي : أحب أن لا يملك الرجل امرأته ولا يخيرها ولا يخالعها ولا يجعل إليها طلاقا بخلع ولا غيره ولا يوقع عليها طلاقا إلا طاهرا قبل جماع قياسا على المطلقة فإن النبي A أمر أن تطلق طاهرا وقال الله D : { فطلقوهن لعدتهن } فإذا كان هذا طلاقا يوقعه الرجل أو توقعه المرأة بأمر الرجل فهو كإيقاعه فلا أحب أن يكون إلا وهي طاهر من غير جماع قال الشافعي C : أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عكرمة بن خالد أن سعيد بن جبير أخبره : أن رجلا أتى ابن عباس فقال : طلقت امرأتي مائة فقال ابن عباس Bه : تأخذ ثلاثا وتدع سبعا وتسعين قال الشافعي : أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن عطاء و مجاهد قالا : إن رجلا أتى ابن عباس فقال : طلقت امرأتي مائة فقال ابن عباس : تأخذ ثلاثا وتدع سبعا وتسعين ( أخبرنا الربيع ) قال : أخبرنا الشافعي قال : أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء وحده عن ابن عباس أنه قال : وسبعا وتسعين عدوانا اتخذت بها آيات الله هزوا فعاب عليه ابن عباس كل ما زاد عن عدد الطلاق الذي لم يجعله الله إليه ولم يعب عليه ما جعل الله إليه من الثلاث وفي هذا دلالة على أنه يجوز له عنده أن يطلق ثلاثا ولا تجوز له ما لم يكن إليه