- بسم الله الرحمن الرحيم .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما .
قال الشيخ الفقيه الإمام الحافظ العالم العلامة المحقق شهاب الدين عبد الرحمن بن محمد بن عسكر المالكي البغدادي C آمين : .
الحمد لله الهادي إلى سبيل الرشاد العالم بما بطن وظهر من أحوال العباد جاعل العلماء ( 1 ) واسطة في بيان الأحكام ( 2 ) فارقين بما علمهم بين الحلال والحرام فالرابح من فاز بمتابعتهم والخاسر من حاد عن مصاحبتهم وصلواته وسلامه على عبده ورسوله محمد الداعي إلى دار السلام المبشر بما فيها من التفضيل والإكرام وعلى آله وأصحابه البررة الكرام صلاة توجب لهم مزيد الفضل والإنعام .
وبعد : فإن الولد السعيد وفقه الله تعالى لما راهق سن الرشاد وناهز أن ينتظم في سلك أهل السداد سألني أن أضع له كتابا يكون مع كثرة معانيه وجيز اللفظ سهل التناول والحفظ فاستخرت الله تعالى وجمعت له هذا المختصر وأودعته جزيلا من الجواهر والدرر وسميته : .
إرشاد السالك إلى أشرف المسالك .
على مذهب ( 3 ) الإمام الأعظم أبي عبد الله مالك قدس الله روحه ونور ضريحه وعلى الله المعتمد في بلوغ التكميل وهو حسبي ونعم الوكيل .
_________ .
( 1 ) العلماء جمع عالم والعالم في عرف الشرع هو المجتهد لأن به تقوم الحجة وهو المراد بقوله صلى الله عليه وآله وسلم إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها رواه أبو داود وغيره بإسناد صحيح . أما المقلد فليس بعالم وإنما هو مجرد ناقل فيعتبر في قبول نقله ما يعتبر في قبول الراوي من الشروط . حسبما بين في كتب الأصول وأغلب الناس اليوم يعتقدون فيمن أخذ شهادة من الأزهر أو غيره أنه عالم تنطبق عليه الأحاديث الواردة في فضل العلماء وهو اعتقاد خطأ لا يسنده الواقع ولا يؤيده الدليل .
( 2 ) الأحكام جمع حكم بضم الحاء وهو خطاب الله تعالى بأفعال المكلفين .
فان تعلق بطلب على سبيل التحتم نحو { أقيموا الصلاة } فالخطاب إيجاب والفعل المطلوب وهو الصلاة واجب .
وإن تعلق بطلب الفعل من غير تحتيم نحو { وافعلوا الخير } فندب والفعل المطلوب مندوب .
وإن تعلق بطلب مترك تحتما نحو { ولا تقربوا الزنا } فتحريم والفعل المطلوب تركه وهو الزنا محرم .
وإن تعلق بطلب الترك من غير تحتيم نحو { ولا يأتل أولو الفضل منكم } فكراهة والفعل المطلوب تركه وهو الائتلاء على حرمان الأقارب مكروه .
وإن أجاز الخطاب الفعل والترك فإباحة والفعل مباح .
وذلك كسائر المباحات المعروفة .
فهذه أقسام الحكم الخمسة التي يتكلم عنها علم الفقه . زاد ابن السبكي قسما سادسا سماه خلاف الأولى وهو داخل في المكروه ويعبر عنه المتقدمون بالمكروه الخفيف .
( تنبيه ) يسمى الواجب فرضا وحتما ومكتوبا ويسمى المحرم حراما ومحظورا وممنوعا ويسمى المندوب سنة ونفلا وتطوعا ومرغبا فيه ورغيبة وحسنا ويسمى المباح جائزا وحلالا .
( 3 ) مذهب اسم مكان الذهاب وهو هنا مجاز إذ المراد به ما ذهب إليه مالك C تعالى من الأحكام الفقهية وما رآه فيها بحسب اجتهاده على أساس الأصول التي اختارها وبنى اجتهاده عليها وهي سبعة عشر أصلا : نص الكتاب وظاهره أي العموم ودليله - أي مفهوم المخالفة - ويسمى دليل الخطاب ومفهوم الكتاب وهو مفهوم الموافقة الأولوي وشبهه - أي الكتاب وهو للتنبيه على العلة . ومثل هذه الخمسة من السنة . والإجماع والقياس وعمل أهل المدينة وقول الصحابي والاستحسان وسد الذرائع والاستصحاب .
أما مراعاة الخلاف فلا يعتبرها دائما بل بحسب ما تدعو إليها الحاجة .
وقد توسع متأخروا المالكية في الاستحسان وسد الذرائع وفي دعوى عمل أهل المدينة توسعا خارجا عن حد المعقول كما تبين من مراجعة كتب العمليات والنوازل