- والضمان عند الفقهاء على وجهين : بالتعدي أو لمكان المصلحة وحفظ الأموال . فأما بالتعدي فيجب على المكري باتفاق والخلاف إنما هو في نوع التعدي الذي يوجب ذلك أو لا يوجبه وفي قدره فمن ذلك اختلاف العلماء في القضاء فيمن اكترى دابة إلى موضع ما فتعدى بها إلى موضع زائد على الموضع الذي انعقد عليه الكراء فقال الشافعي وأحمد : عليه الكراء الذي التزمه إلى المسافة المشترطة ومثل كراء المسافة التي تعدى فيها وقال مالك : رب الدابة بالخيار في أن يأخذ كراء دابته في المسافة التي تعدى فيها أو يضمن له قيمة الدابة وقال أبو حنيفة : لا كراء عليه في المسافة المتعداة ولا خلاف أنها إذا تلفت في المسافة المتعداة أنه ضامن لها . فعمدة الشافعي أنه تعدى على المنفعة فلزمه أجرة المثل أصله التعدي على سائر المنافع . وأما مالك فكأنه لما حبس الدابة عن أسواقها رأى أنه قد تعدى عليها فيها نفسها فشبهه بالغاصب وفيه ضعف . وأما مذهب أبي حنيفة فبعيد جدا عما تقتضيه الأصول الشرعية والأقرب إلى الأصول في هذه المسألة هو قول الشافعي . وعند مالك أن عثار الدابة لو كانت عثور تعد من صاحب الدابة يضمن بها الحمل وكذلك إن كانت الحبال رثة ومسائل هذا الباب كثيرة . وأما الذين اختلفوا في ضمانهم من غير تعد إلا من جهة المصلحة فهم الصناع ولا خلاف عندهم أن الأجير ليس بضامن لما هلك عنده مما استؤجر عليه إلا أن يتعدى ما عدا حامل الطعام والطحان فإن مالكا ضمنه ما هلك عنده إلا أن تقوم له بينة على هلاكه من غير سببه . وأما تضمين الصناع ما ادعوا هلاكه من المصنوعات المدفوعة إليهم فإنهم اختلفوا في ذلك فقال مالك وابن أبي ليلى وأبو يوسف : يضمنون ما هلك عندهم وقال أبو حنيفة : لا يضمن من عمل بغير أجر ولا الخاص ويضمن المشترك ومن عمل بأجر . وللشافعي قولان في المشترك . والخاص عندهم هو الذي يعمل في منزل المستأجر وقيل هو الذي لم ينتصب للناس وهو مذهب مالك في الخاص وهو عنده غير ضامن وتحصيل مذهب مالك على هذا أن الصانع المشترك يضمن وسواء عمل بأجر أو بغير أجر وبتضمين الصناع قال علي وعمر وإن كان قد اختلف عن علي في ذلك . وعمدة من لم ير الضمان عليهم أنه شبه الصانع بالمودع عنده والشريك والوكيل وأجير الغنم ومن ضمنه فلا دليل له إلا النظر إلى المصلحة وسد الذريعة . وأما من فرق بين أن يعملوا بأجر أو لا يعملوا بأجر فلأن العامل بغير أجر إنما قبض المعمول لمنفعة صاحبه فقط فأشبه المودع وإذا قبضها بأجر فالمنفعة لكليهما فغلبت منفعة القابض أصله القرض والعارية عند الشافعي وكذلك أيضا من لم ينصب نفسه لم يكن في تضمينه سد ذريعة والأجير عند مالك كما قلنا لا يضمن إلا أنه استحسن تضمين حامل القوت وما يجري مجراه وكذلك الطحان وما عدا غيرهم فلا يضمن إلا بالتعدي وصاحب الحمام لا يضمن عنده هذا هو المشهور عنه وقد قيل يضمن . وشذ أشهب فضمن الصناع ما قامت البينة على هلاكه عندهم من غير تعد منهم ولا تفريط وهو شذوذ ولا خلاف أن الصناع لا يضمنون ما لم يقبضوا في منازلهم . واختلف أصحاب مالك إذا قامت البينة على هلاك المصنوع وسقط الضمان عنهم هل تجب لهم الأجرة أم لا إذا كان هلاكه بعد إتمام الصنعة أو بعد تمام بعضها ؟ فقال ابن القاسم : لا أجرة لهم وقال ابن المواز : لهم الأجرة ووجه ما قال ابن المواز أن المصيبة إذا نزلت بالمستأجر فوجب أن لا يمضي عمل الصانع باطلا ووجه ما قال ابن القاسم أن الأجرة إنما استوجبت في مقابلة العمل فأشبه ذلك إذا هلك بتفريط من الأجير وقول ابن المواز أقيس وقول ابن القاسم أكثر نظرا إلى المصلحة لأنه رأى أن يشتركوا في المصيبة . ومن هذا الباب اختلافهم في ضمان صاحب السفينة فقال مالك : لا ضمان عليه وقال أبو حنيفة : عليه الضمان إلا من الموج وأصل مذهب مالك أن الصناع يضمنون كل ما أتى على أيديهم من حرق أو كسر في المصنوع أو قطع إذا عمله في حانوته وإن كان صاحبه قاعدا معه إلا فيما كان فيه تغرير من الأعمال مثل ثقب الجواهر ونقش الفصوص وتقويم السيوف واحتراق الخبز عند الفران والطبيب يموت العليل من معالجته وكذلك البيطار إلا أن يعلم أنه تعدى فيضمن حينئذ . وأما الطبيب وما أشبهه إذا أخطأ في فعله وكان من أهل المعرفة فلا شيء عليه في النفس والدية على العاقلة فيما فوق الثلث وفي ماله فيما دون الثلث وإن لم يكن من أهل المعرفة فعليه الضرب والسجن والدية قيل في ماله وقيل على العاقلة