- اختلف العلماء في وضع الجوائح في الثمار فقال بالقضاء بها مالك وأصحابه ومنعها أبو حنيفة والثوري والشافعي في قوله الجديد والليث . فعمدة من قال بوضعها حديث جابر أن رسول الله A قال " من باع ثمرا فأصابته جائحة فلا يأخذ من أخيه شيئا على ماذا يأخذ أحدكم مال أخيه ؟ " خرجه مسلم عن جابر . وما روي عنه أنه قال " أمر رسول الله A بوضع الجوائح " . فعمدة من أجاز الجوائح حديثا جابر هذان وقياس الشبه أيضا وذلك أنهم قالوا : إنه مبيع بقي على البائع فيه حق توفية بدليل ما عليه من سقيه إلى أن يكمل فوجب أن يكون ضمانه منه أصله سائر المبيعات التي بقي فيها حق توفية والفرق عندهم بين هذا المبيع وبين سائر البيوع أن هذا بيع وقع في الشرع والمبيع لم يكمل بعد فكأنه مستثنى من النهي عن بيع ما لم يخلق فوجب أن يكون في ضمانه مخالفا لسائر المبيعات . وأما عمدة من لم يقل بالقضاء بها فتشبيه هذا البيع بسائر المبيعات وأن التخلية في هذا المبيع هو القبض . وقد اتفقوا على أن ضمان المبيعات بعد القبض من المشتري ومن طريق السماع أيضا حديث أبي سعيد الخدري قال " أجيح رجل في ثمار ابتاعها وكثر دينه فقال رسول الله A : تصدقوا عليه فتصدق عليه فلم يبلغ وفاء دينه فقال رسول الله A : خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك " قالوا : فلم يحكم بالجائحة . فسبب الخلاف في هذه المسألة هو تعارض الآثار فيهما وتعارض مقاييس الشبه وقد رام كل واحد من الفريقين صرف الحديث المعارض للحديث الذي هو الأصل عنده بالتأويل فقال من منع الجائحة : يشبه أن يكون الأمر بها إنما ورد من قبل النهي عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها قالوا : ويشهد لذلك أنه لما كثر شكواهم بالجوائح أمروا أن لا يبيعوا الثمر إلا بعد أن يبدو صلاحه وذلك في حديث زيد بن ثابت المشهور وقال من أجازها في حديث أبي سعيد : يمكن أن يكون البائع عديما فلم يقض عليه بجائحة أو أن يكون المقدار الذي أصيب من الثمر مقدارا لا يلزم فيه جائحة أو أن يكون أصيب في غير الوقت الذي تجب فيه الجائحة مثل أن يصاب بعد الجذاذ أو بعد الطيب . وأما الشافعي فروى حديث جابر عن سليمان بن عتيق عن جابر وكان يضعفه ويقول : إنه اضطرب في ذكر وضع الجوائح فيه ولكنه قال : إن ثبت الحديث وجب وضعها في القليل والكثير ولا خلاف بينهم في القضاء بالجائحة بالعطش وقد جعل القائلون بها اتفاقهم في هذا حجة على إثباتها .
والكلام في أصول الجوائح على مذهب مالك ينحصر في أربعة فصول : الأول : في معرفة الأسباب الفاعلة للجوائح . الثاني : في محل الجوائح من المبيعات . الثالث : في مقدار ما يوضع منه فيه . الرابع : في الوقت الذي توضع فيه