- وأما إن طرأ على المبيع نقص فلا يخلو أن يكون النقص في قيمته أو في البدن أو في النفس . فأما نقصان القيمة لاختلاف الأسواق فغير مؤثر في الرد بالعيب بإجماع . وأما النقصان الحادث في البدن فإن كان يسيرا غير مؤثر في القيمة فلا تأثير له في الرد بالعيب وحكمه حكم الذي لم يحدث وهذا نص مذهب مالك وغيره .
وأما النقص الحادث في البدن المؤثر في القيمة فاختلف الفقهاء فيه على ثلاثة أقوال : .
أحدها أنه ليس له أن يرجع إلا بقيمة العيب فقط وليس له غير ذلك إذا أبى البائع من الرد وبه قال الشافعي في قوله الجديد وأبو حنيفة .
وقال الثوري : ليس له إلا أن يرد ويرد مقدار العيب الذي حدث عنده وهو قول الشافعي الأول .
والقول الثالث قول مالك : إن المشتري بالخيار بين أن يمسك ويضع عنه البائع من الثمن قدر العيب أو يرده على البائع ويعطيه ثمن العيب الذي حدث عنده وأنه إذا اختلف البائع والمشتري فقال البائع للمشتري : أنا أقبض المبيع وتعطي أنت قيمة العيب الذي حدث عندك وقال المشتري : بل أنا أمسك المبيع وتعطي أنت قيمة العيب الذي حدث عندك فالقول قول المشتري والخيار له وقد قيل في المذهب القول قول البائع وهذا إنما يصح على قول من يرى أنه ليس للمشتري إلا أن يمسك أو يرد وما نقص عنده . وشذ أبو محمد بن حزم فقال : له أن يرد ولا شيء عليه .
وأما حجة من قال : إنه ليس للمشتري إلا أن يرد ويرد قيمة العيب أو يمسك فلأنه قد أجمعوا على أنه إذا لم يحدث بالمبيع عيب عند المشتري فليس إلا الرد فوجب استصحاب حال هذا الحكم وإن حدث عند المشتري عيب مع إعطائه قيمة العيب الذي حدث عنده .
وأما من رأى أنه لا يرد المبيع بشيء وإنما له قيمة العيب الذي كان عند البائع فقياسا على العتق والموت لكون هذا الأصل غير مجمع عليه وقد خالف فيه عطاء .
وأما مالك فلما تعارض عنده حق البائع وحق المشتري غلب المشتري وجعل له الخيار لأن البائع لا يخلو من أحد أمرين : إما أن يكون مفرطا في أنه لم يستعلم العيب ويعلم به المشتري أو يكون علمه فدلس به على المشتري . وعند مالك أنه إذا صح أنه دلس بالعيب وجب عليه الرد من غير أن يدفع إليه المشتري قيمة العيب الذي حدث عنده فإن مات من ذلك العيب كان ضمانه على البائع بخلاف الذي لم يثبت أنه دلس فيه .
وأما حجة أبي محمد فلأنه أمر حدث من عند الله كما لو حدث في ملك البائع فإن الرد بالعيب دال على أن البيع لم ينعقد في نفسه وإنما انعقد في الظاهر وأيضا فلا كتاب ولا سنة يوجب على مكلف غرم ما لم يكن له تأثير في نقصه إلا أن يكون على جهة التغليظ عند من ضمن الغاصب ما نقص عنده بأمر من الله فهذا حكم العيوب الحادثة في البدن .
وأما العيوب التي في النفس كالإباق والسرقة فقد قيل في المذهب إنها تفيت [ أي يفوت بها استطاعة الرد ] الرد كعيوب الأبدان وقيل لا ولا خلاف أن العيب الحادث عند المشتري إذا ارتفع بعد حدوثه أنه لا تأثير له في الرد إلا أن لا تؤمن عاقبته . واختلفوا من هذا الباب في المشتري يطأ الجارية فقال قوم : إذا وطئ فليس له الرد وله الرجوع بقيمة العيب وسواء كانت بكرا أو ثيبا وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي : يرد قيمة الوطء في البكر ولا يردها في الثيب وقال قوم : بل يردها ويرد مهر مثلها وبه قال ابن أبي شبرمة وابن أبي ليلى وقال سفيان الثوري : إن كانت ثيبا رد نصف العشر من ثمنها وإن كانت بكرا رد العشر من ثمنها وقال مالك : ليس عليه في وطء الثيب شيء لأنه غلة وجبت له بالضمان . وأما البكر فهو عيب يثبت عنده للمشتري الخيار على ما سلف من رأيه وقد روي مثل هذا القول عن الشافعي وقال عثمان البتي : الوطء معتبر في العرف في ذلك النوع من الرقيق فإن كان له أثر في القيمة رد البائع ما نقص وإن لم يكن له أثر لم يلزمه شيء فهذا هو حكم النقصان الحادث في المبيعات .
وأما الزيادة الحادثة في المبيع : أعني المتولدة المنفصلة منه فاختلف العلماء فيها فذهب الشافعي إلى أنها غير مؤثرة في الرد وأنها للمشتري لعموم قوله E " الخراج بالضمان " . وأما مالك فاستثنى من ذلك الولد فقال : يرد للبائع وليس للمشتري إلا الرد الزائد مع الأصل أو الإمساك . قال أبو حنيفة : الزوائد كلها تمنع الرد وتوجب أرش العيب إلا الغلة والكسب . وحجته أن ما تولد عن المبيع داخل في العقد فلما لم يكن رده ورد ما تولد عنه كان ذلك فوتا يقتضي أرش العيب إلا ما نصصه الشرع من الخراج والغلة . وأما الزيادة الحادثة في نفس المبيع الغير المنفصلة عنه فإنها إن كانت مثل الصبغ في الثوب والرقم فإنها توجب الخيار في المذهب إما الإمساك والرجوع بقيمة العيب وإما في الرد وكونه شريكا مع البائع بقيمة الزيادة . وأما النماء في البدن مثل السمن فقد قيل في المذهب يثبت به الخيار للمشتري وقيل لا يثبت وكذلك النقص الذي هو الهزال فهذا هو القول في حكم التغيير