- واتفقوا على أن من حقوق الزوجة على الزوج النفقة والكسوة لقوله تعالى { وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف } الآية . ولما ثبت من قوله E " ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف " ولقوله لهند " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " . فأما النفقة فاتفقوا على وجوبها واختلفوا في أربعة مواضع في وقت وجوبها ومقدارها ولمن تجب ؟ وعلى من تجب ؟ . فأما وقت وجوبها فإن مالكا قال : لا تجب النفقة على الزوج حتى يدخل بها أو يدعى إلى الدخول بها وهي ممن توطأ وهو بالغ وقال أبو حنيفة والشافعي : يلزم غير البالغ النفقة إذا كانت هي بالغا وأما إذا هو بالغا والزوجة صغيرة فللشافعي قولان : أحدهما مثل قول مالك والقول الثاني أن لها النفقة بإطلاق . وسبب اختلافهم هل النفقة لمكان الاستمتاع أو لمكان أنها محبوسة على الزوج كالغائب والمريض . وأما مقدار النفقة فذهب مالك إلى أنها غير مقدرة بالشرع وأن ذلك راجع إلى ما يقتضيه حال الزوج وحال الزوجة وأن ذلك يختلف بحسب اختلاف الأمكنة والأزمنة والأحوال وبه قال أبو حنيفة وذهب الشافعي إلى أنها مقدرة فعلى الموسر مدان وعلى الأوسط مد ونصف وعلى المعسر مد . وسبب اختلافهم تردد حمل النفقة في هذا الباب على الإطعام في الكفارة أو على الكسوة وذلك أنهم اتفقوا أن الكسوة غير محدودة وأن الإطعام محدود . واختلفوا من هذا الباب في هل يجب على الزوج نفقة خادم الزوجة ؟ وإن وجبت فكم يجب ؟ والجمهور على أن على الزوج النفقة لخادم الزوجة إذا كانت ممن لا تخدم نفسها وقيل بل على الزوجة خدمة البيت واختلف الذين أوجبوا النفقة على خادم الزوجة على كم تجب نفقته ؟ فقالت طائفة : ينفق على خادم واحدة وقيل على خادمين إذا كانت المرأة ممن لا يخدمها إلا خادمان وبه قال مالك وأبو ثور . ولست أعرف دليلا شرعيا لإيجاب النفقة على الخادم إلا تشبيه الإخدام بالإسكان فإنهم اتفقوا على أن الإسكان على الزوج للنص الوارد في وجوبه للمطلقة الرجعية . وأما لمن تجب النفقة فإنهم اتفقوا على أنها تجب للحرة الغير ناشز . واختلفوا في الناشز والأمة . فأما الناشز فالجمهور على أنها لا تجب لها نفقة وشذ قوم فقالوا تجب لها النفقة . وسبب الخلاف معارضة العموم للمفهوم وذلك أن عموم قوله E " ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف " يقتضي أن الناشز وغير الناشز في ذلك سواء والمفهوم من أن النفقة هي في مقابلة الاستمتاع يوجب أن لا نفقة للناشز . وأما الأمة فاختلف فيها أصحاب مالك اختلافا كثيرا فقيل لها النفقة كالحرة وهو المشهور وقيل لا نفقة لها وقيل أيضا إن كانت تأتيه فلها النفقة وإن كان يأتيها فلا نفقة لها وقيل لها النفقة في الوقت التي تأتيه وقيل إن كان الزوج حرا فعليه النفقة وإن كان عبدا فلا نفقة عليه . وسبب اختلافهم معارضة العموم للقياس وذلك أن العموم يقتضي لها وجوب النفقة والقياس يقتضي أن لا نفقة لها إلا على سيدها الذي يستخدمها أو تكون النفقة بينهما لأن كل واحد منهما ينتفع بها ضربا من الانتفاع ولذلك قال قوم : عليه النفقة في اليوم الذي تأتيه . وقال ابن حبيب : يحكم على مولى الأمة المزوجة أن تأتي زوجها في كل أربعة أيام . وأما على من تجب فاتفقوا أيضا أنها تجب على الزوج الحر الحاضر واختلفوا في العبد والغائب . فأما العبد فقال ابن المنذر : أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم أن على العبد نفقة زوجته وقال أبو المصعب من أصحاب مالك : لا نفقة عليه .
وسبب الخلاف معارضة العموم لكون العبد محجورا عليه في ماله . وأما الغائب فالجمهور على وجوب النفقة عليه وقال أبو حنيفة لا تجب إلا بإيجاب السلطان . وإنما اختلفوا فيمن القول قوله إذا اختلفوا في الإنفاق وسيأتي ذلك في كتاب الأحكام إن شاء الله . وكذلك اتفقوا على أن من حقوق الزوجات العدل بينهن في القسم لما ثبت من قسمه A بين أزواجه ولقوله E " إذا كان للرجل امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وأحد شقيه مائل " ولما ثبت " أنه E كان إذا أراد السفر أقرع بينهن " واختلفوا في مقام الزوج عند البكر والثيب وهل يحتسب به أو لا يحتسب إذا كانت له زوجة أخرى ؟ فقال مالك والشافعي وأصحابهما : يقيم عند البكر سبعا وعند الثيب ثلاثا ولا يحتسب إذا كان له امرأة أخرى بأيام التي تزوج وقال أبو حنيفة : الإقامة عندهن سواء بكرا كانت أو ثيبا ويحتسب بالإقامة عندها إن كانت له زوجة أخرى .
وسبب اختلافهم معارضة حديث أنس لحديث أم سلمة وحديث أنس هو " أن النبي A كان إذا تزوج البكر أقام عندها سبعا وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا " وحديث أم سلمة هو " أن النبي A تزوجها فأصبحت عنده فقال : ليس بك على أهلك هوان إن شئت سبعت عندك وسبعت عندهن وإن شئت ثلثت عندك ودرت فقالت : ثلث " وحديث أم سلمة هو مدني متفق عليه خرجه مالك والبخاري ومسلم وحديث أنس حديث بصري خرجه أبو داود فصار أهل المدينة إلى ما خرجه أهل البصرة وصار أهل الكوفة إلى ما خرجه أهل المدينة .
واختلف أصحاب مالك في هل مقامه عند البكر سبعا وعند الثيب ثلاثا واجب أو مستحب ؟ فقال ابن القاسم : هو واجب وقال ابن عبد الحكم : يستحب . وسبب الخلاف حمل فعله E على الندب أو على الوجوب . وأما حقوق الزوج على الزوجة بالرضاع وخدمة البيت على اختلاف بينهم في ذلك وذلك أن قوما أوجبوا عليها الرضاع على الإطلاق وقوم لم يوجبوا ذلك عليها بإطلاق وقوم أوجبوا ذلك على الدنيئة ولم يوجبوا ذلك على الشريفة إلا أن يكون الطفل لا يقبل إلا ثديها وهو مشهور قول مالك . وسبب اختلافهم هل آية الرضاع متضمنة حكم الرضاع : أعني إيجابه أو متضمنة أمره فقط ؟ فمن قال أمره قال : لا يجب عليها الرضاع إذ لا دليل هنا على الوجوب ومن قال تتضمن الأمر بالرضاع وإيجابه وأنها من الأخبار التي مفهومها مفهوم الأمر قال : يجب عليها الإرضاع . وأما من فرق بين الدنيئة والشريفة فاعتبر في ذلك العرف والعادة . وأما المطلقة فلا رضاع عليها إلا أن لا يقبل ثدي غيرها فعليها الإرضاع وعلى الزوج أجر الرضاع هذا إجماع لقوله سبحانه وتعالى { فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن } ( والجمهور على أن الحضانة للأم إذا طلقها الزوج وكان الولد صغيرا لقوله E " من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة " ولأن الأمة والمسبية إذا لم يفرق بينها وبين ولدها فأخص بذلك الحرة . واختلفوا إذا بلغ الولد حد التمييز فقال قوم يخير ومنهم الشافعي واحتجوا بأثر ورد في ذلك وبقي قوم على الأصل لأنه لم يصح عندهم هذا الحديث والجمهور على أن تزويجها لغير الأب يقطع الحضانة لما روي أن رسول الله A قال " أنت أحق به ما لم تنكحي " ومن لم يصح عنده هذا الحديث طرد الأصل . وأما نقل الحضانة من الأم إلى غير الأب فليس في ذلك شيء يعتمد عليه ) . ( ما بين القوسين لم يوجد في النسخة الفاسية ولا المصرية وهو موجود بالنسخة الخطية تعلق أحمد بك تيمور ا ه مصححه )