- فأما حكمها فذهبت طائفة منهم الظاهرية إلى أنها واجبة وذهب الجمهور إلى أنها سنة وذهب أبو حنيفة إلى أنها ليست فرضا ولا سنة وقد قيل إن تحصيل مذهبه أنها عنده تطوع . وسبب اختلافهم تعارض مفهوم الآثار في هذا الباب وذلك أن ظاهر حديث سمرة وهو قول النبي E " كل غلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويماط عنه الأذى " يقتضي الوجوب وظاهر قوله E وقد سئل عن العقيقة فقال " لا أحب العقوق ومن ولد له ولد فأحب أن ينسك عن ولده فليفعل " يقتضي الندب أو الإباحة فمن فهم منه الندب قال : العقيقة سنة ومن فهم الإباحة قال : ليست بسنة ولا فرض وخرج الحديثين أبو داود ومن أخذ بحديث سمرة أوجبها .
وأما محلها فإن جمهور العلماء على أنه لا يجوز في العقيقة إلا ما يجوز في الضحايا من الأزواج الثمانية . وأما مالك فاختار فيها الضأن على مذهبه في الضحايا واختلف قوله هل يجزي فيها الإبل والبقر أو لا يجزي ؟ وسائر الفقهاء على أصلهم أن الإبل أفضل من البقر والبقر أفضل من الغنم . وسبب اختلافهم تعارض الآثار في هذا الباب والقياس . أما الأثر فحديث ابن عباس " أن رسول الله A عق عن الحسن والحسين كبشا كبشا " وقوله عن الجارية شاة وعن الغلام شاتان " خرجهما أبو داود . وأما القياس فلأنهما نسك فوجب أن يكون الأعظم فيها أفضل قياسا على الهدايا .
وأما من يعق عنه فإن جمهورهم على أنه يعق عن الذكر والأنثى الصغيرين فقط وشذ الحسن فقال : لا يعق عن الجارية وأجاز بعضهم أن يعق عن الكبير . ودليل الجمهور على تعلقها بالصغير قوله E " يوم سابعه " . ودليل من خالف ما روي عن أنس " أن النبي E عق عن نفسه بعد ما بعث بالنبوة " ودليلهم أيضا على تعلقها بالأنثى قوله E " عن الجارية شاة وعن الغلام شاتان " . ودليل من اقتصر بها على الذكر قوله E " كل غلام مرتهن بعقيقته " . وأما العدد فإن الفقهاء اختلفوا أيضا في ذلك فقال مالك : يعق عن الذكر والأنثى بشاة شاة وقال الشافعي وأبو ثور وأبو داود وأحمد : يعق عن الجارية شاة وعن الغلام شاتان . وسبب اختلافهم اختلاف الآثار في هذا الباب . فمنها حديث أم كرز الكعبية خرجه أبو داود قال : سمعت رسول الله A يقول في العقيقة " عن الغلام شاتان مكافأتان وعن الجارية شاة " والمكافأتان : المتماثلتان . وهذا يقتضي الفرق في ذلك بين الذكر والأنثى وما روي " أنه عق عن الحسن والحسين كبشا كبشا " يقتضي الاستواء بينهما .
وأما وقت هذا النسك فإن جمهور العلماء على أنه يوم سابع المولود ومالك لا يعد في الأسبوع اليوم الذي ولد فيه إن ولد نهارا وعبد الملك بن الماجشون يحتسب به . وقال ابن القاسم في العقيقة : إن عق ليلا لم يجزه . واختلف أصحاب مالك في مبدأ وقت الإجزاء فقيل وقت الضحايا : أعني ضحى وقيل بعد الفجر قياسا على قول مالك في الهدايا ولاشك أن من أجاز الضحايا ليلا أجاز هذه ليلا وقد قيل يجوز في السابع الثاني والثالث .
وأما سن هذا النسك وصفته فسن الضحايا وصفتها الجائزة أعني أنه يتقي فيها من العيوب ما يتقي في الضحايا ولا أعلم في هذا خلافا في المذهب ولا خارجا منه .
وأما حكم لحمها وجلدها وسائر أجزائها فحكم لحم الضحايا في الأكل والصدقة ومنع البيع وجميع العلماء على أنه كان يدمي رأس الطفل في الجاهلية بدمها وأنه نسخ في الإسلام وذلك لحديث بريدة الأسلمي قال " كنا في الجاهلية إذا ولد لأحدنا غلام ذبح له شاة ولطخ رأسه بدمها فلما جاء الإسلام كنا نذبح ونحلق رأسه ونلطخه بزعفران " وشذ الحسن وقتادة فقالا : يمس رأس الصبي بقطنة قد غمست في الدم واستحب كسر عظامها لما كانوا في الجاهلية يقطعونها من المفاصل . واختلف في حلاق رأس المولود يوم السابع والصدقة بوزن شعره فضة فقيل هو مستحب وقيل هو غير مستحب والقولان عن مالك والاستحباب أجود وهو قول ابن حبيب لما رواه مالك في الموطأ " أن فاطمة بنت رسول الله A حلقت شعر الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم وتصدقت بزنة ذلك فضة "