- ويتعلق بالذبح المختص بالضحايا النظر في الوقت والذبح . أما الوقت فإنهم اختلفوا فيه في ثلاثة مواضع : في ابتدائه وفي انتهائه وفي الليالي المتخللة له . فأما في ابتدائه فإنهم اتفقوا على أن الذبح قبل الصلاة لا يجوز لثبوت قوله E " من ذبح قبل الصلاة فإنما هي شاة لحم " وأمره بالإعادة لمن ذبح قبل الصلاة وقوله " أول ما نبدأ به في يومنا هذا هو أن نصلي ثم ننحر " إلى غير ذلك من الآثار الثابتة التي في هذا المعنى . واختلفوا فيمن ذبح قبل ذبح الإمام وبعد الصلاة فذهب مالك إلى أنه لا يجوز لأحد ذبح أضحيته قبل ذبح الإمام وقال أبو حنيفة والثوري : يجوز الذبح بعد الصلاة وقبل ذبح الإمام . وسبب اختلافهم اختلاف الآثار في هذا الباب وذلك أنه جاء في بعضها " أن النبي E أمر لمن ذبح قبل الصلاة أن يعيد الذبح " وفي بعضها " أنه أمر لمن ذبح قبل ذبحه أن يعيد " وخرج هذا الحديث الذي فيه هذا المعنى مسلم فمن جعل ذلك موطنين اشترط ذبح الإمام في جواز الذبح ومن جعل لذلك موطنا واحدا قال : إنما يعتبر في إجزاء الذبح الصلاة فقط . وقد اختلفت الرواية في حديث أبي بردة ابن نيار وذلك أن في بعض رواياته " أنه ذبح قبل الصلاة فأمره رسول الله A أن يعيد الذبح " وفي بعضها " أنه ذبح قبل ذبح رسول الله A فأمره بالإعادة " وإذا كان ذلك كذلك فحمل قول الراوي أنه ذبح قبل رسول الله A وقول الآخر ذبح قبل الصلاة على موطن واحد أولى وذلك أن من ذبح قبل الصلاة فقد ذبح قبل رسول الله A فيجب أن يكون المؤثر في عدم الإجزاء إنما هو الذبح قبل الصلاة كما جاء في الآثار الثابتة في ذلك من حديث أنس وغيره " أن من ذبح قبل الصلاة فليعد " وذلك أن تأصيل هذا الحكم منه A يدل بمفهوم الخطاب دلالة قوية أن الذبح بعد الصلاة يجزئ لأنه لو كان هنالك شرط آخر مما يتعلق به إجزاء الذبح لم يسكت عنه رسول الله A مع أن فرضه التبيين ونص حديث أنس هذا قال : قال رسول الله A يوم النحر " من كان ذبح قبل الصلاة فليعد " واختلفوا من هذا الباب في فرع مسكوت عنه وهو متى يذبح من ليس له إمام من أهل القرى ؟ فقال مالك : يتحرون ذبح أقرب الأئمة إليهم وقال الشافعي : يتحرون قدر الصلاة والخطبة ويذبحون وقال أبو حنيفة : من ذبح من هؤلاء بعد الفجر أجزأه وقال قوم : بعد طلوع الشمس وكذلك اختلف أصحاب مالك في فرع آخر وهو إذا لم يذبح الإمام في المصلى فقال قوم : يتحرى ذبحه بعد انصرافه وقال قوم : ليس يجب ذلك . وأما آخر زمان الذبح فإن مالكا قال : آخره اليوم الثالث من أيام النحر وذلك مغيب الشمس . فالذبح عنده هو في الأيام المعلومات يوم النحر ويومان بعده وبه قال أبو حنيفة وأحمد وجماعة وقال الشافعي والأوزاعي : الأضحى أربعة يوم النحر وثلاثة أيام بعده . وروي عن جماعة أنهم قالوا : الأضحى يوم واحد وهو يوم النحر خاصة وقد قيل الذبح إلى آخر يوم من ذي الحجة وهو شاذ لا دليل عليه وكل هذه الأقاويل مروية عن السلف . وسبب اختلافهم شيئان : أحدهما اختلافهم في الأيام المعلومات ما هي في قوله تعالى { ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام } فقيل يوم النحر ويومان بعده وهو المشهور وقيل العشر الأول من ذي الحجة . والسبب الثاني معارضة دليل الخطاب في هذه الآية لحديث جبير بن مطعم وذلك أنه ورد فيه عنه E أنه قال " كل فجاج مكة منحر وكل أيام التشريق ذبح " فمن قال في الأيام المعلومات إنها يوم النحر ويومان بعده في هذه الآية ورجح دليل الخطاب فيها على الحديث المذكور قال " لا نحر إلا في هذه الأيام " ومن رأى الجمع بين الحديث والآية وقال لا معارضة بينهما إذ الحديث اقتضى حكما زائدا على ما في الآية مع أن الآية ليس المقصود منها تحديد أيام الذبح والحديث المقصود منه ذلك قال : يجوز الذبح في اليوم الرابع إذ كان باتفاق من أيام التشريق ولا خلاف بينهم أن الأيام المعدودات هي أيام التشريق وأنها ثلاثة بعد يوم النحر إلا ما روي عن سعيد بن جبير أنه قال : يوم النحر من أيام التشريق . وإنما اختلفوا في الأيام المعلومات على القولين المتقدمين . وأما من قال يوم النحر فقط فبناء على أن المعلومات هي العشر الأول قال : وإذا كان الإجماع قد انعقد أنه لا يجوز الذبح منها إلا في اليوم العاشر وهي محل الذبح المنصوص عليها فواجب أن يكون الذبح إنما هو يوم النحر فقط