- ( المسألة الثالثة ) واتفق الجمهور في الأيمان التي ليست أقساما بشيء وإنما تخرج مخرج الإلزام الواقع بشرط من الشروط مثل أن يقول القائل : فإن فعلت كذا فعلي مشي إلى بيت الله أو إن فعلت كذا وكذا فغلامي حر أو امرأتي طالق أنها تلزم في القرب وفيما إذا التزمه الإنسان لزمه بالشرع مثل الطلاق والعتق . واختلفوا هل فيها كفارة أم لا ؟ فذهب مالك إلى أن لا كفارة فيها وأنه إن لم يفعل ما حلف عليه أثم ولا بد وذهب الشافعي وأحمد وأبو عبيد وغيرهم إلى أن هذا الجنس من الأيمان فيها الكفارة إلا الطلاق والعتق وقال أبو ثور : يكفر من حلف بالعتق وقول الشافعي مروي عن عائشة . وسبب اختلافهم هل هي يمين أو نذر فمن قال إنها يمين أوجب فيها الكفارة لدخولها تحت عموم قوله تعالى { فكفارته إطعام عشرة مساكين } الآية . ومن قال إنها من جنس النذر : أي من جنس الأشياء التي نص عليها الشرع على أنه إذا ألتزمها الإنسان لزمته قال : لا كفارة فيها لكن يعسر هذا على المالكية لتسميتهم إياها إيمانا لكن لعلهم إنما سموها أيمانا على طريق التجوز والتوسع . والحق أنه ليس يجب أن تسمى بحسب الدلالة اللغوية أيمانا فإن الأيمان في لغة العرب لها صيغ مخصوصة وإنما يقع اليمين بالأشياء التي تعظم وليست صيغة الشرط هي صيغة اليمين فأما هل تسمى أيمانا بالعرف الشرعي وهل حكمها حكم الأيمان ؟ ففيه نظر وذلك أنه قد ثبت أنه E قال " كفارة النذر كفارة يمين " وقال تعالى { لم تحرم ما أحل الله لك } إلى قوله { قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } فظاهر هذا أنه قد سمي بالشرع القول الذي مخرجه مخرج الشرط أو مخرج الإلزام دون شرط ولا يمين فيجب أن تحمل على ذلك جميع الأقاويل التي تجري هذا المجرى إلا ما خصصه الإجماع من ذلك مثل الطلاق فظاهر الحديث يعطي أن النذر ليس بيمين وأن حكمه حكم اليمين وذهب داود وأهل الظاهر إلى أنه ليس يلزم من مثل هذه الأقاويل أعني الخارجة مخرج الشرط إلا ما ألزمه الإجماع من ذلك وذلك أنها ليست بنذور فيلزم فيها النذر ولا بأيمان فترفعها الكفارة فلم يوجبوا على من قال : إن فعلت كذا وكذا فعلي المشي إلى بيت الله مشيا ولا كفارة بخلاف ما لو قال : علي المشي إلى بيت الله لأن هذا نذر باتفاق وقد قال E " من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصيه فلا يعصيه " فسبب هذا الخلاف في هذه الأقاويل التي تخرج مخرج الشرط هو هل هي أيمان أو نذور ؟ أو ليست أيمانا ولا نذورا ؟ فتأمل هذا فإنه بين إن شاء الله تعالى