- ( وأما أحكام الإمام الخاصة به ) فإن في ذلك أربعة مسائل متعلقة بالسمع : إحداها هل يؤمن الإمام إذا فرغ من قراءة أم القرآن ؟ أم المأموم هو الذي يؤمن فقط . والثانية متى يكبر تكبيرة الإحرام ؟ والثالثة إذا أرتج عليه هل يفتح عليه أم لا ؟ والرابعة هل يجوز أن يكون موضعه أرفع من موضع المأمومين . فأما هل يؤمن الإمام إذا فرغ من قراءة أم الكتاب فإن مالكا ذهب في رواية ابن القاسم عنه والمصريين أنه لا يؤمن وذهب جمهور الفقهاء إلى أنه يؤمن كالمأموم سواء وهي رواية المدنيين عن مالك وسبب اختلافهم أن في ذلك حديثين متعارضي الظاهر : أحدهما حديث أبي هريرة المتفق عليه في الصحيح أنه قال : قال رسول الله A " إذا أمن الإمام فأمنوا " والحديث الثاني ما خرجه مالك عن أبي هريرة أيضا أنه قال E " إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا أمين " فأما الحديث الأول فهو نص في تأمين الإمام . وأما الحديث الثاني فيستدل منه على أن الإمام لا يؤمن وذلك أنه لو كان يؤمن لما أمر المأموم بالتأمين عند الفراغ من أم الكتاب قبل أن يؤمن الإمام لأن الإمام كما قال E " إنما جعل الإمام ليؤتم به " إلا أن يخص هذا من أقوال الإمام : أعني أن يكون للمأموم أن يؤمن معه أو قبله فلا يكون فيه دليل على حكم الإمام في التأمين ويكون إنما تضمن حكم المأموم فقط لكن الذي يظهر أن مالكا ذهب مذهب الترجيح للحديث الذي رواه لكون السامع هو المؤمن لا الداعي وذهب الجمهور لترجيح الحديث الأول لكونه نصا ولأنه ليس فيه شيء من حكم الإمام وإنما الخلاف بينه وبين الحديث الآخر في موضع تأمين المأموم فقط لا في هل يؤمن الإمام أو لا يؤمن فتأمل هذا . ويمكن أيضا أن يتأول الحديث الأول بأن يقال : إن معنى قوله " فإذا أمن فأمنوا " أي إذا بلغ موضع التأمين وقد قيل إن التأمين هو الدعاء وهذا عدول عن الظاهر لشيء غير مفهوم من الحديث إلا بقياس : أعني أن يفهم من قوله " فإذا قال غير المغضوب عليهم ولا الضالين فأمنوا " أنه لا يؤمن الإمام . وأما متى يكبر الإمام فإن قوما قالوا : لا يكبر إلا بعد تمام الإقامة واستواء الصفوف وهو مذهب مالك والشافعي وجماعة . وقوم قالوا : إن موضع التكبير هو قبل أن يتم الإقامة واستحسنوا تكبيره عند قول المؤذن قد قامت الصلاة وهو مذهب أبي حنيفة والثوري وزفر . وسبب الخلاف في ذلك تعارض ظاهر حديث أنس وحديث بلال . أما حديث أنس فقال : " أقبل علينا رسول الله A قبل أن يكبر في الصلاة فقال : أقيموا صفوفكم وتراصوا فإني أراكم من وراء ظهري " وظاهر هذا أن الكلام منه كان بعد الفراغ من الإقامة مثل ما روي عن عمر أنه كان إذا تمت الإقامة واستوت الصفوف حينئذ يكبر . وأما حديث بلال فإنه روى " أنه كان يقيم للنبي A فكان يقول له : يا رسول الله لا تسبقني بآمين " خرجه الطحاوي . قالوا : فهذا يدل على أن رسول الله A كان يكبر والإقامة لم تتم . وأما اختلافهم في الفتح على الإمام إذا أرتج عليه فإن مالكا والشافعي وأكثر العلماء أجازوا الفتح عليه ومنع ذلك الكوفيون . وسبب الخلاف في ذلك اختلاف الآثار وذلك " أنه روي أن رسول الله A تردد في آية فلما انصرف قال : أين أبي ألم يكن في القوم ؟ " أي يريد الفتح عليه . وروي عنه E أنه قال " لا يفتح على الإمام " والخلاف في ذلك في الصدر الأول والمنع مشهور عن علي والجواز عن ابن عمر مشهور . وأما موضع الإمام فإن قوما أجازوا أن يكون أرفع من موضع المأمومين وقوم منعوا ذلك وقوم استحبوا من ذلك اليسير وهو مذهب مالك . وسبب الخلاف في ذلك حديثان متعارضان : أحدهما الحديث الثابت : " أنه E أم الناس على المنبر ليعلمهم الصلاة وأنه كان إذا أراد أن يسجد نزل من على المنبر " والثاني ما رواه أبو داود أن حذيفة أم الناس على دكان فأخذ ابن مسعود بقميصه فجذبه فلما فرغ من صلاته قال : ألم تعلم أنهم كانوا ينهون عن ذلك أو ينهى عن ذلك ؟ . وقد اختلفوا هل يجب على الإمام أن ينوي الإمامة أم لا ؟ فذهب قوم إلى أنه ليس ذلك بواجب عليه لحديث ابن عباس أنه أقام إلى جنب رسول الله A بعد دخوله في الصلاة ورأى قوم أن هذا محتمل وأنه لابد من ذلك إذا كان يحمل بعض أفعال الصلاة عن المأمومين وهذا على مذهب من يرى أن الإمام يحمل فرضا أو نفلا عن المأمومين