- ( أما المسألة الأولى ) فإن العلماء اختلفوا فيها فذهب الجمهور إلى أنها سنة أو فرض على الكفاية . وذهبت الظاهرية إلى أن صلاة الجماعة فرض متعين على كل مكلف . والسبب في اختلافهم تعارض مفهومات الآثار في ذلك وذلك أن ظاهر قوله E " صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة أو بسبع وعشرين درجة " يعني أن الصلاة في الجماعات من جنس المندوب إليه وكأنها كمال زائد على الصلاة الواجبة فكأنه قال E : صلاة الجماعة أكمل من صلاة المنفرد . والكمال إنما هو شيء زائد على الإجزاء وحديث الأعمى المشهور حين استأذنه في التخلف عن صلاة الجماعة لأنه لا قائد له فرخص له في ذلك ثم قال له E : أتسمع النداء ؟ قال : نعم قال : لا أجد لك رخصة " هو كالنص في وجوبها مع عدم العذر خرجه مسلم . ومما يقوي هذا حديث أبي هريرة المتفق على صحته وهو " أن رسول الله A قال : والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلا فيؤم الناس ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عظما سمينا أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء " وحديث ابن مسعود وقال فيه " إن رسول الله A علمنا سنن الهدى وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه " وفي بعض رواياته " ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم " فسلك كل واحد من هذين الفريقين مسلك الجمع بتأويل حديث مخالفه وصرفه إلى ظاهر الحديث الذي تمسك به . فأما أهل الظاهر فإنهم قالوا : إن المفاضلة لا يمتنع أن تقع في الواجبات أنفسها : أي إن صلاة الجماعة في حق من فرضه صلاة الجماعة تفضل صلاة المنفرد في حق من سقط عنه وجوب صلاة الجماعة لمكان العذر بتلك الدرجات المذكورة . قالوا : وعلى هذا فلا تعارض بين الحديثين واحتجوا لذلك بقوله E : " صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم " وأما أولئك فزعموا أنه يمكن أن يحمل حديث الأعمى على نداء يوم الجمعة إذ ذلك هو النداء الذي يجب على من سمعه الإتيان إليه باتفاق وهذا فيه بعد والله أعلم لأن نص الحديث هو أن أبا هريرة قال " أتى النبي A رجل أعمى فقال : يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فسأل رسول الله أن يرخص له فيصلي في بيته فرخص له فلما ولى دعاه فقال : هل تسمع النداء بالصلاة . قال : نعم قال : فأجب " وظاهر هذا يبعد أن يفهم منه نداء الجمعة مع أن الإتيان إلى صلاة الجمعة واجب على كل من كان في المصر وإن لم يسمع النداء ولا أعرف في ذلك خلافا . وعارض هذا الحديث أيضا حديث عتبان بن مالك المذكور في الموطأ وفيه أن عتبان بن مالك كان يؤم وهو أعمى وأنه قال لرسول الله A " إنه تكون الظلمة المطر والسيل وأنا رجل ضرير البصر فصل يا رسول الله في بيتي مكانا أتخذه مصلى فجاءه رسول الله A فقال : أين تحب أن أصلي فأشار له إلى مكان من البيت فصلى فيه رسول الله A "