( تابع . . . 1 ) : - والأصل في هذا الباب قوله تعالى { ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة .
وأما إذا قتل العبد خطأ أو عمدا على من لا يرى القصاص فيه فقال قوم : عليه قيمته بالغة ما بلغت وإن زادت على دية الحر وبه قال مالك والشافعي وأبو يوسف وهو قول سعيد ابن المسيب وعمر بن عبد العزيز . وقال أبو حنيفة ومحمد : لا يتجاوز بقيمة العبد الدية وقالت طائفة من فقهاء الكوفة : فيه الدية ولكن لا يبلغ به دية الحر ينقص منها شيئا . وعمدة الحنفية أن الرق حال نقص فوجب أن لا تزيد قيمته على دية الحر . وعمدة من أوجب فيه الدية ولكن ناقصة عن دية الحر أنه مكلف ناقص فوجب أن يكون الحكم ناقصا عن الحر لكن واحدا بالنوع أصله الحد في الزنى والقذف والخمر والطلاق ولو قيل فيه إنها تكون على النصف من دية الحر لكان قولا له وجه : أعني في دية الخطأ لكن لم يقل به أحد . وعمدة مالك أنه مال قد أتلف فوجب فيه القيمة أصله سائر الأموال . واختلف في الواجب في العبد على من يجب ؟ فقال أبو حنيفة : هو على عاقلة القاتل وهو الأشهر عن الشافعي وقال مالك : هو على القاتل نفسه . وعمدة مالك تشبيه العبد بالعروض . وعمدة الشافعي قياسه على الحر . ومما يدخل في هذا الباب من أنواع الخطأ دية الجنين وذلك لأن سقوط الجنين عن الضرب ليس هو عمدا محضا وإنما هو عمد في أمه خطأ فيه . والنظر في هذا الباب هو أيضا في الواجب في ضروب الأجنة وفي صفة الجنين الذي يجب فيه الواجب وعلى من تجب ولمن يجب وفي شروط الوجوب . فأما الأجنة فإنهم اتفقوا على أن الواجب في جنين الحرة وجنين الأمة من سيدها هو غرة لما ثبت عنه A من حديث أبي هريرة وغيره " أن امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى فطرحت جنينها " فقضى فيه رسول الله A بغرة عبد أو وليدة " واتفقوا على أن قيمة الغرة الواجبة في ذلك عند من رأى أن الغرة في ذلك محدودة بالقيمة وهو مذهب الجمهور هي نصف عشر دية أمه إلا أن من رأى أن الدية الكاملة على أهل الدراهم هي عشرة آلاف درهم قال : دية الجنين خمسمائة درهم ومن رأى أنها اثنا عشر ألف درهم قال : ستمائة درهم .
والذين لم يحدوا في ذلك حدا أو لم يحدوها من جهة القيمة وأجازوا إخراج قيمتها عنها قالوا : الواجب في ذلك قيمة الغرة بالغة ما بلغت وقال داود وأهل الظاهر : كل ما وقع عليه اسم غرة أجزأ ولا يجزئ عنده القيمة في ذلك فيما أحسب . واختلفوا في الواجب في جنين الأمة وفي جنين الكتابية فذهب مالك والشافعي إلى أن جنين الأمة عشر قيمة أمه ذكرا كان أو أنثى يوم يجنى عليه وفرق قوم بين الذكر والأنثى فقال قوم : إن كان أنثى فيه عشر قيمة أمه وإن كان ذكرا فعشر قيمته لو كان حيا وبه قال أبو حنيفة ولا خلاف عندهم أن جنين الأمة إذا سقط حيا أن فيه قيمته وقال أبو يوسف : في جنين الأمة إذا سقط ميتا منها ما نقص من قيمة أمه . وأما جنين الذمية فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة : فيه عشر دية أمه لكن أبو حنيفة على أصله في أن دية الذمي دية المسلم والشافعي على أصله في أن دية الذمي ثلث دية المسلم ومالك على أصله في أن دية الذمي نصف دية المسلم . وأما صفة الجنين الذي تجب فيه فإنهم اتفقوا على أن من شروطه أن يخرج الجنين ميتا ولا تموت أمه من الضرب . واختلفوا إذا ماتت أمه من الضرب ثم سقط الجنين ميتا فقال مالك والشافعي : لا شيء فيه وقال أشهب : فيه الغرة وبه قال الليث وربيعة والزهري . واختلفوا من هذا الباب في فروع وهي العلامة التي تدل على سقوطه حيا أو ميتا . فذهب مالك وأصحابه إلى أن علامة الحياة الاستهلال بالصياح أو البكاء وقال الشافعي وأبو حنيفة والثوري وأكثر الفقهاء : كل ما علمت به الحياة في العادة من حركة أو عطاس أو تنفس فأحكامه أحكام الحي وهو الأظهر . واختلفوا من هذا الباب في الخلقة التي توجب الغرة فقال مالك : كل ما طرحته من مضغة أو علقة مما يعلم أنه ولد ففيه الغرة وقال الشافعي : لا شيء فيه حتى تستبين الخلقة . والأجود أن يعتبر نفخ الروح فيه أعني أن يكون تجب فيه الغرة إذا علم أن الحياة قد كانت وجدت فيه .
وأما على من تجب ؟ فإنهم اختلفوا في ذلك فقالت طائفة منهم مالك والحسن بن حي والحسن البصري : هي في مال الجاني وقال آخرون : هي على العاقلة وممن قال بذلك الشافعي وأبو حنيفة والثوري وجماعة . وعمدتهم أنها جناية خطأ فوجبت على العاقلة . وما روي أيضا عن جابر بن عبد الله " أن النبي A جعل في الجنين غرة على العاقلة الضارب وبدأ بزوجها وولدها " . وأما مالك فشبهها بدية العمد إذا كان الضرب عمدا . وأما لمن تجب ؟ فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة : هي لورثة الجنين وحكمها حكم الدية في أنها موروثة وقال ربيعة والليث : هي للأم خاصة وذلك أنهم شبهوا جنينها بعضو من أعضائها ومن الواجب الذي اختلفوا فيه في الجنين مع وجوب الغرة وجوب الكفارة فذهب الشافعي إلى أن فيه الكفارة واجبة وذهب أبو حنيفة إلى أنه ليس فيه كفارة واستحسنها مالك ولم يوجبها . فأما الشافعي فإنه أوجبها لأن الكفارة عنده واجبة في العمد والخطأ . وأما أبو حنيفة فإنه غلب عليه حكم العمد والكفارة لا تجب عنده في العمد . وأما مالك فلما كانت الكفارة لا تجب عنده في العمد وتجب في الخطأ وكان هذا مترددا عنده بين العمد والخطأ استحسن فيه الكفارة ولم يوجبها . ومن أنواع الخطأ المختلف فيه اختلافهم في تضمين الراكب والسائق والقائد فقال الجمهور : هم ضامنون لما أصابت الدابة واحتجوا في ذلك بقضاء عمر على الذي أجرى فرسه فوطئ آخر بالعقل . وقال أهل الظاهر : لا ضمان على أحد في جرح العجماء واعتمدوا الأثر الثابت فيه عنه A من حديث أبي هريرة أنه قال E " جرح العجماء جبار والبئر جبار والمعدن جبار وفي الركاز الخمس " فحمل الجمهور الحديث على أنه لم يكن بالدابة راكب ولا سائق ولا قائد لأنهم رأوا أنه إذا أصابت الدابة أحدا وعليها راكب أو لها قائد أو سائق فإن الراكب لها أو السائق أو القائد هو المصيب ولكن خطأ .
واختلف الجمهور فيما أصابت الدابة برجلها فقال مالك : لا شيء فيه إن لم يفعل صاحب الدابة بالدابة شيئا يبعثها به على أن ترمح برجلها وقال الشافعي : يضمن الراكب ما أصابت بيدها أو برجلها وبه قال ابن شبرمة وابن أبي ليلى وسويا بين الضمان برجلها أو بغير رجلها وبه قال أبو حنيفة إلا أنه استثنى الرمحة بالرجل أو بالذنب وربما احتج من لم يضمن رجل الدابة بما روي عنه A " الرجل جبار " ولم يصح هذا الحديث عند الشافعي ورده . وأقاويل العلماء فيمن حفر بئرا فوقع فيه إنسان متقاربة قال مالك : إن حفر في موضع جرت العادة الحفر في مثله لم يضمن وإن تعدى في الحفر ضمن وقال الليث : إن حفر في أرض يملكها لم يضمن وإن حفر فيما لا يملك ضمن فمن ضمن عنده فهو من نوع الخطأ . وكذلك اختلفوا في الدابة الموقوفة فقال بعضهم : إن أوقفها بحيث يجب له أن يوقفها لم يضمن وإن لم يفعل ضمن وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة : يضمن على كل حال وليس يبرئه أن يربطها بموضع يجوز له أن يربطها فيه كما لا يبرئه ركوبها من ضمان ما أصابته وإن كان الركوب مباحا . واختلفوا في الفارسين يصطدمان فيموت كل واحد منهما فقال مالك وأبو حنيفة وجماعة : على كل واحد منهما دية الآخر وذلك على العاقلة وقال الشافعي وعثمان البتي : على كل واحد منهما نصف دية صاحبه لأن كل واحد منهما مات من فعل نفسه وفعل صاحبه . وأجمعوا على أن الطبيب إذا أخطأ لزمته الدية مثل أن يقطع الحشفة في الختان وما أشبه ذلك لأنه في معنى الجاني خطأ وعن مالك رواية : أنه ليس عليه شيء وذلك عنده إذا كان من أهل الطب ولا خلاف أنه إذا لم يكن من أهل الطب أنه يضمن لأنه متعد وقد ورد في ذلك مع الإجماع حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله A قال " من تطبب ولم يعلم منه قبل ذلك الطب فهو ضامن " والدية فيما أخطأه الطبيب عند الجمهور على العاقلة ومن أهل العلم من جعله في مال الطبيب ولا خلاف أنه إذا لم يكن من أهل الطب أنها في ماله على ظاهر حديث عمرو بن شعيب .
ولا خلاف بينهم أن الكفارة التي نص الله عليها في قتل الحر خطأ واجبة . واختلفوا في قتل العمد هل فيه كفارة ؟ وفي قتل العبد خطأ فأوجبها مالك في قتل الحر فقط في الخطأ دون العمد وأوجبها الشافعي في العمد من طريق الأولى والأحرى وعند مالك أن العمد في هذا حكمه حكم الخطأ . واختلفوا في تغليظ الدية في الشهر الحرام وفي البلد الحرام فقال مالك وأبو حنيفة وابن أبي ليلى : لا تغلظ الدية فيهما وقال الشافعي : تغلظ فيهما في النفس وفي الجراح . وروي عن القاسم بن محمد وابن شهاب وغيرهم أنه يزاد فيها مثل ثلثها وروي ذلك عن عمر وكذلك عن الشافعي من قتل ذا رحم محرم . وعمدة مالك وأبي حنيفة عموم الظاهر في توقيت الديات فمن ادعى في ذلك تخصيصا فعليه الدليل مع أنهم قد أجمعوا على أنه لا تغلظ الكفارة فيمن قتل فيهما . وعمدة الشافعي أن ذلك مروي عن عمر وعثمان وابن عباس وإذا روي عن الصحابة شيء مخالف للقياس وجب حمله على التوقيف ووجه مخالفته للقياس أن التغليظ فيما وقع خطأ بعيد عن أصوال الشرع وللفريق الثاني أن يقول إنه قد ينقدح في ذلك قياس لما ثبت في الشرع من تعظيم الحرم واختصاصه بضمان الصيود فيه