- ( المسألة الخامسة ) أجمع جمهور العلماء على أن النساء ليس لهن مدخل في رواثة الولاء إلا من باشرن عتقه بأنفسهن أو ما جر إليهن من باشرن عتقه إما بولاء أو بنسب مثل معتق معتقها أو ابن معتقها وأنهن لا يرثن معتق من يرثنه إلا ما حكي عن شريح . وعمدته أنه لما كان لها ولاء ما أعتقت بنفسها كان لها ولاء ما أعتقه مورثها قياسا على الرجل وهذا هو الذي يعرفونه بقياس المعنى وهو أرفع مراتب القياس وإنما الذي يوهنه الشذوذ . وعمدة الجمهور أن الولاء إنما وجب للنعمة التي كانت للمعتق على المعتق وهذه النعمة إنما توجد فيمن باشر العتق أو كان من سبب قوي من أسبابه وهم العصبة . قال القاضي : وإذ قد تقرر من له ولاء ممن ليس له ولاء فبقي النظر في ترتيب أهل الولاء في الولاء . فمن أشهر مسائلهم في هذا الباب المسألة التي يعرفونها بالولاء للكبر مثال ذلك : رجل أعتق عبدا ثم مات ذلك الرجل وترك أخوين أو ابنين ثم مات أحد الأخوين وترك ابنا أو أحد الابنين فقال الجمهور : في هذه المسألة أن حظ الأخ الميت من الولاء لا يرثه عنه ابنه وهو راجع إلى أخيه لأنه أحق به من ابنه بخلاف الميراث لأن الحجب في الميراث يعتبر بالقرب من الميت وهنا بالقرب من المباشر العتق وهو مروي عن عمر ابن الخطاب وعلي وعثمان وابن مسعود وزيد بن ثابت من الصحابة . وقال شريح وطائفة من أهل البصرة : حق الأخ الميت في هذه المسألة لبنيه . وعمدة هؤلاء تشبيه الولاء بالميراث . وعمدة الفريق الأول أن الولاء نسب مبدؤه من المباشر . ومن مسائلهم المشهورة في هذا الباب المسألة التي تعرف بجر الولاء وصورتها أن يكون عبد له بنون من أمة فأعتقت الأمة ثم أعتق العبد بعد ذلك فإن العلماء اختلفوا لمن يكون ولاء البنين إذا أعتق الأب وذلك أنهم اتفقوا على أن ولاءهم بعد عتق الأم إذا لم يمس المولود الرق في بطن أمه وذلك يكون إذا تزوجها العبد بعد العتق وقبل عتق الأب هو لموالي الأم . واختلفوا إذا أعتق الأب هل يجر ولاءه بنيه لمواليه أم لا يجر ؟ فذهب الجمهور ومالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم إلى أنه يجر وبه قال علي Bه وابن مسعود والزبير وعثمان ابن عفان . وقال عطاء وعكرمة وابن شهاب وجماعة : لا يجر ولاءه . وروي عن عمر وقضى به عبد الملك بن مروان لما حدثه به قبيضة بن ذؤيب عن عمر بن الخطاب وإن كان قد روي عن عمر مثل قول الجمهور . وعمدة الجمهور أن الولاء مشبه بالنسب والنسب للأب دون الأم . وعمدة الفريق الثاني أن البنين لما كانوا في الحرية تابعين لأمهم كانوا في موجب الحرية تابعين لها وهو الولاء وذهب مالك إلى أن الجد يجر ولاء حفدته إذا كان أبوهم عبدا إلا أن يعتق الأب وبه قال الشافعي وخالفه في ذلك الكوفيون واعتمدوا في ذلك على أن ولاء الجد إنما يثبت لمعتق الجد على البنين من جهة الأب وإذا لم يكن للأب ولاء فأحرى أن لا يكون للجد . وعمدة الفريق الثاني أن عبودية الأب هي كموته فوجب أن ينتقل الولاء إلى أبي الأب ولا خلاف بين من يقول بأن الولاء للعصبة فيما أعلم أن الأبناء أحق من الآباء وأنه لا ينتقل إلى العمود الأعلى إلا إذا فقد العمود الأسفل بخلاف الميراث لأن البنوة عندهم أقوى تعصيبا من الأبوة والأب أضعف تعصيبا والإخوة وبنوهم أقعد عند مالك من الجد وعند الشافعي وأبي حنيفة الجد أقعد منهم . وسبب الخلاف من أقرب نسبا وأقوى تعصيبا وليس يورث بالولاء جزء مفروض وإنما يورث تعصيبا فإذا مات المولى الأسفل ولم يكن له ورثة أصلا أو كان له ورثة لا يحيطون بالميراث كان عاصبه المولى الأعلى وكذلك يعصب المولى الأعلى كل من للمولى الأعلى عليه ولادة نسب : أعني بناته وبنيه وبني بنيه . وفي هذا الباب مسألة مشهورة وهي : إذا ماتت امرأة ولها ولاء وولد وعصبة لمن ينتقل الولاء ؟ فقالت طائفة : لعصبتها لأنهم الذين يعقلون عنها والولاء للعصبة وهو قول علي ابن أبي طالب وقال قوم : لابنها وهو قول عمر بن الخطاب وعليه فقهاء الأمصار وهو مخالف لأهل هذا السلف لأن ابن المرأة ليس من عصبتها .
تم كتاب الفرائض والولاء والحمد لله حق حمده .
( بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما )