قوله تعالي : { ولا تزر وازرة وزر أخرى } الآية أخرج ابن عبد البر بسند ضعيف عن عائشة [ قالت : سألت رسول الله A عن أولاد المشركين فقال هم مع آبائهم ثم سألته بعد ذلك فقال : الله أعلم بما كانوا عاملين ثم سألته بعد ما استحكم الإسلام فنزلت { ولا تزر وازرة وزر أخرى } وقال : هم على الفطرة أو قال في الجنة ] .
قوله تعالى { وإما تعرضن } الآية أخرج سعيد بن منصور عن عطاء الخراساني [ قال : جاء ناس من مزينة يستحملون رسول الله A فقال : لا أجد ما أحملكم عليه فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ضنوا ذلك من غضب رسول الله A ] فأنزل الله { وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة } الآية وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال : نزلت فيمن كان يسأل رسول الله A من المساكين .
قوله تعالى : { ولا تجعل يدك } الآية ( ك ) أخرج سعيد بن منصور عن سيار أبي الحكم قال : أتي رسول الله A بر وكان معطيا كريما فقسمه بين الناس فأتاه قوم فوجدوه قد فرغ منه فأنزل الله { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها } الآية .
وأخرج ابن مردويه وغيره عن ابن مسعود [ قال : جاء غلام إلى النبي A فقال : إن أمي تسألك كذا وكذا قال ما عندنا شيء اليوم قال فتقول لك اكسني قميصك فخلع قميصه فدفعه إليه فجلس في البيت حاسرا ] فأنزل الله { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا } .
( ك ) وأخرج أيضا عن أبي أمامة [ أن البني A قال لعائشة أنفق ما على ظهر كتفي فقالت لا يبقي شيء ] فأنزل الله { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك } الآية وظاهر دلك أنها مدنية .
قوله تعالى : { وآت ذا القربى } الآية أخرج الطبراني وغيره عن أبي سعيد الخدري قال : لما نزلت { وآت ذا القربى حقه } دعا رسول الله A فاطمة فأعطاها فدك قال ابن كثير : هذا مشكل فانه يشعر بأن الآية مدنية والمشهور خلافه وروى ابن مردويه عن ابن عباس مثله .
قوله تعالى : { وإذا قرأت القرآن } الآية أخرج ابن المنذر عن ابن شهاب قال : كان رسول الله A إذا تلا على مشركي قريش ودعاهم إلى الكتاب قالوا : يهزؤون به { قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب } فأنزل الله قولهم { وإذا قرأت القرآن } الآيات .
( ك ) قوله تعالى : { قل ادعوا } الآية أخرج البخاري وغيره عن ابن مسعود قال : كان الناس من الأنس يعبدون ناسا من الجن فأسلم الجن واستمسك الآخرون بعبادتهم فأنزل الله { قل ادعوا الذين زعمتم من دونه } الآية .
قوله تعالى : { وما منعنا } الآية أخرج الحاكم و الطبراني وغيرهما عن ابن عباس [ قال : سأل أهل مكة النبي A أن يجعل الصفا لهم ذهبا وأن ينحي عنهم الجبال فيزرعوا فقيل له إن شئت أن تستأني بهم وإن شئت تؤتهم الذي سألوا فإن كفروا أهلكوا كما أهلكت من قبلهم قال : بل أستأني بهم ] فأنزل الله { وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون } الآية .
وأخرج الطبراني و ابن مردويه منها عن الزبير نحوه أبسط منه .
قوله تعالى : { وما جعلنا } الآية أخرج أبن يعلي عن أم هانئ أنه A لما أسري به أصبح يحدث نفرا من قريش يستهزئون به فطلبوا من آية فوصف بيت المقدس وذكر لهم قصة العير فقال الوليد بن المغيرة : هذا ساحر فأنزل الله { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس } وأخرج ابن منذر عن الحسن نحوه .
وأخرج ابن مردويه عن الحسين بن علي أن الرسول A أصبح يوما مهموما فقيل له مالك يا رسول الله لا تهتم فإن رؤياك فتنة لهم فأنزل الله { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس } وأخرج ابن أبي حاتم من حديث عمرو ابن العاص ومن حديث يعلي بن مرة ومن مرسل سعيد بن المسيب نحوها وأسانيدها ضعيفة .
قوله تعالى : { والشجرة الملعونة في القرآن } الآية أخرج ابن أبي حاتم و البيهقي في البعث عن ابن عباس قال : ذكر الله الزقوم خوف به هذا الحي من قريش قال : أبو جهل هل تدرون ما هذه الزقوم الذي يخوفكم به محمد ؟ قالوا : لا قال الثريد بالزبد أما لئن أمكننا منها لنزقمنها زقما فأنزل الله { والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا } وأنزل { إن شجرة الزقوم * طعام الأثيم } .
قوله تعال : { وإن كادوا ليفتنونك } الآية أخرج ابن مردويه و ابن أبي حاتم من طريق أسحق عن محمد عن عكرمة عن ابن عباس قال : خرج أمية بن خلف وأبو جهل بن هشام ورجال من قريش فأتوا رسول الله A فقالوا يا محمد تعال تمسح بآلهتنا وندخل معك في دينك وكان يحن إسلام قومه فرق لهم فأنزل الله { وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك } - إلى قوله - { نصيرا } قلت : هذا أصح ما ورد في سبب نزولها وهو إسناد جيد وله شواهد أخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير [ قال : كان رسول الله A يستلم الحجر فقالوا : لا ندعك تستلم حتى تلم بآلهتنا فقال رسول الله A : وما علي لو فعلت والله يعلم مني خلافة ] فنزلت وأخرج نحوه عن ابن شهاب وأخرج جبير بن نفير : أن قريشا أتوا النبي A فقالوا إن كنت أرسلت إلينا فاطرد الذين اتبعوك من سقاط الناس ومواليهم فنكون نحن أصحابك فركن إليهم فنزلت .
وأخرج عن محمد بن كعب القرظي : أنه A قرأ { والنجم } - إلى قوله - { أفرأيتم اللات والعزى } فألقى عليه الشيطان : تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجي فنزلت فما زال مهموما حتى أنزل الله { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله } الآية وفي هذا دليل على أن هذه الآيات مكية ومن جعلها مدنية استدل بما أخرج ابن مردوبه من طريق العوفي عن ابن عباس أن شعبا قال للنبي A : أجلنا سنة حتى يهدي إلى آلهتنا فإن قبضنا الذي يهدي للآلهة أحرزنا ثم أسلمنا فهم أن يؤجلهم فنزلت وإسناده ضعيف .
قوله تعالى : { وإن كادوا ليستفزونك } الآية أخرج ابن أبي حاتم و البيهقي في الدلائل من حديث شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم [ أن اليهود أتوا رسول الله صل الله عليه وسلم فقالوا : إن كنت نبيا فالحق بالشام فإن الشام أرض المحشر وأرض الأنبياء فصدق رسول الله صلى الله عليه ما قالوا فغزا غزوة تبوك يريد الشام فلما بلغ تبوك أنزل الله آيات من سورة بني إسرائيل بعد ما ختمت السورة { وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها } وأمره بالرجوع إلى المدينة قال له جبريل : سل ربك فإن لكل نبي مسألة فقال : ما تأمرني أن أسأل ؟ قال : { وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا } فهؤلاء نزلن في رجعته من تبوك ] هذا مرسل ضعيف الإسناد وله شاهد من مرسل سعيد بن جبير عن ابن أبي حاتم ولفظه : قالت المشركون للنبي A كانت الأنبياء تسكن الشام فمالك والمدينة فهم أن يشخص فنزلت وله طريق أخري مرسلة عند ابن جرير أن بعض اليهود قاله له .
قوله تعالي { وقل رب أدخلني } أخرج الترمذي عن ابن عباس قال : كان النبي A بمكة ثم أمر بالهجرة فنزلت عليه { قل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا } وهذا صريح في أن الآية مكية وأخرجه ابن مردوبه بلفظ أصرح منه .
قوله تعالى : { ويسألونك عن الروح } الآية أخرج البخاري عن ابن مسعود : كنت أمشي مع النبي A بالمدينة وهو متوكئ على عسيب فمر بنفر من قريش فقال بعضهم : لو سألتموه فقالوا : حدثنا عن الروح فقام ساعة ورفع رأسه فعرفت أنه يوحي أليه حتى صعد الوحي ثم قال : { الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا } .
وأخرج الترمذي عن ابن عباس قال : قالت قريش لليهود علمونا شيئا نسأل هذا الرجل فقالوا : سلوه عن الروح فسألوه فأنزل الله { ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي } قال ابن كثير يجمع بين الحديثين بتعدد النزول وكذا قال الحافظ ابن حجر أو يحمل سكوته حين سؤال اليهود على توقع مزيد بيان في ذلك وإلا فما في الصحيح أصح قلت ويرجع ما في الصحيح بأن راوية حاضر القصة بخلاف ابن عباس .
قوله تعالى : { قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا } الآية أحرج ابن إسحاق و ابن جرير من طريق سعيد أو عكرمة عن ابن عباس قال : أتى النبي A ابن مشكم في عامة من اليهود سماهم فقالوا : كيف نتبعك وقد تركت قبلتنا وإن هذا الذي جئت به لا نراه متناسقا كما تناسق التوراة فأنزل علينا كتابا نعرفه وإلا جئناك بمثل ما تأتي به فأنزل الله { قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله } الآية .
قوله تعالى : { وقالوا لن نؤمن لك } الآية أخرج ابن جرير من طريق ابن إسحاق عن شيخ من أهل مصر عن عكرمة عن ابن عباس : [ أن عتبة وشيبة ابني ربيعة وأبا سفيان بن حرب ورجلان من بني عبد الدار وأبى البحتري والأسود بن المطلب وربيعة بن الأسود والوليد بن المغيرة وأبا جهل وعبد الله بن أمية وأمية بن خلف والعاصي بن وائل ونبيها ومنبها ابني حجاج اجتمعوا فقالوا : يا محمد ما نعلم رجلا من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك لقد سببت الآباء وعبت الدين وسفهت الأحلام وشتمت الآلهة وفرقت الجماعة فما من قبيح إلي وقد جئته فيما بيننا وبينك فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تريد مالا جمعنا لك من أموالنا أكثر مالا وإن كنت إنما تطلب الشرف فينا سودناك علينا وإن كان هذا الذي يأتيك بما يأتيك رئيا تراه قد غلب بذلنا أموالنا في طلب العلم حتى نبرئك منه فقال رسول الله A : ما بي مال تقولون ولكنه الله بعثني إليكم رسولا وأنزل علي كتابا وأمرني أن أن أكون لكم مبشرا ونذيرا قالوا : فإن كنت غير قابل منه ما عرضنا عليك فقد علمت أنه ليس أحد من الناس أضيق بلاد ولا أقل مالا وأشد عيشا منا فلتسأل لنا ربك الذي بعثك فليسير عنا هذه الجبال التي ضيقت علينا ولببسط لنا بلادنا وليجر فيها أنهار كأنهار الشام والعراق وليبعث لنا من قد مضى من آبائنا فإن لم تفعل فسل ربك ملكا يصدقك بما تقول وأن يجعل لنا جنانا وكنوزا وقضورا من ذهب وفضة نعينك بها على ما نراك تبتغي فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس النعاش فإن لم تفعل فأسقط السماء كما زعمت أن ربك إن شاء فعل فإنا لن نؤمن لك إلا أن تفعل فقام رسول الله A عنهم وقام معه عبد الله بن أبي أمية فقال : يا محمد عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله منهم ثم سألوك لأنفسهم أمورا ليعرفوا بها منزلتك من الله فلم تفعل دلك ثم سألوك أن تعجل ما تخوفهم به من العذاب فوا لله لا أومن حتى تتخذ إلى السماء سلما ثم ترقي فيه وأنا أنظر حتى تأتيها وتأتي معك بنسخة منشورة ومعك أربعة من الملائكة فيشهدوا لك أنك كما تقول فانصرف رسول الله A حزينا ] فأنزل عليه ما قاله عبد الله بن أبي أمية { وقالوا لن نؤمن لك } - إلى قوله - { بشرا رسولا } .
وأخرج سعيد بن منصور في سننه عن سعيد بن جبير في قوله { وقالوا لن نؤمن لك } : نزلت في أخي أم سلمة عبد الله بن أبي أمية مرسل صحيح شاهد لما سبقه يجبر المبهم في إسناده .
قوله تعالى : { قل ادعوا الله } الآية وأخرج ابن مردوبه وغيره عن ابن عباس قال : صلى رسول الله A بمكة ذات يوم فدعا فقال في دعائه : يألله يا رحمن فقال المشركون : انظروا إلى هذا الصابئ ينهانا أن ندعو الهين وهو يدعو ألهين فأنزل الله { قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى } .
قوله تعالى : { ولا تجهر } الآية أخرج البخاري و غيره عن ابن عباس في قوله { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها } قال : نزلت ورسول الله A مختف في مكة وكان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن فكان المشركون إذا سمعوا القرآن سبوه ومن أنزله ومن جاء به فنزلت .
وأخرج البخاري أيضا عن عائشة : أنها نزلت في الدعاء وأخرج ابن جرير من طريق ابن عباس مثله ثم رجح لكونها أصح سندا وكذا رجحها النووي وغبره قال الحافظ بن حجر : لكن محتمل الجمع بينهما بأنها نزلت في الدعاء داخل الصلاة وقد أخرج ابن مردويه من حديث أبي هريرة قال : كان رسول الله A إذا صلى عند البيت رفع صوته بالدعاء فنزلت .
وأخرج ابن جرير و الحاكم عن عائشة قالت : نزلت هذه الآية في التشهد وهي مبينة لمرادها في الرواية السابقة ولابن منبع في مسنده عن ابن عباس كانوا يجهزون بالدعاء : اللهم ارحمني فنزلت فأمروا أن لا يخافتوا ولا يجهروا .
قوله تعالي : { وقل الحمد لله } الآية أخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي قال : إن اليهود والنصاري قالوا أتخذ الله ولدا وقالت العرب : لبيك لا شريك لك إلا شريكا وهو لك تملكه وما ملك قال الصايئون والمجوس : لولا أولياء الله لذل فأنزل الله { وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك }