ولا يعني ذلك البداء أو التناقض ولكنه أمر بأمر وحكم بحكم وهو يريد أن يوجبه إلى وقت ويريد أن يأمر بتركه بعد ذلك الوقت فلم يزل مريدا للفعل الأول إلى الوقت الذي أراد نسخه وإيجاد بدله ولا ينسخ أمره ولكن ينسخ المأمور به بمأمور آخر وذلك موجود بين العباد على تقدم الإرادة منهم فيما أمروا به أولا ثم نهوا عنه وأمروا بغيره من غير بدو ولا جهل وذلك كأن يأمر الرجل غلامه ليعمل في أرضه وهو يريد أن يعمل فيها وقت الزراعة ثم يصرفه بعد ذلك إلى خدمته في منزله وكلاهما قد تقدمت به الإرادة منه .
ثم ذكر أن المعتزلة رغم ضلالهم وافقوا أهل السنة في امتناع نسخ الأخبار وجواز نسخ الأحكام لكنهم أفضوا من هذه المقدمة السليمة إلى نتيجة فاسدة هي .
القول بخلق القرآن .
ولهم على ذلك حجتان .
أن كلام الله مخلوق لأنه ينسخ كلامه بكلامه فيما أمر به ونهى عنه ولو لم يكن مخلوقا ما جاز عليه النسخ ولا التبديل .
وقد رد عليهم الحارث بأن هذا التفسير منهم للنسخ تمحل وجهل بالمعنى الحقيقي إذ أن الله لم ينسخ كلامه وإنما نسخ مأمورا به بمأمور به فأبدل أحدهما مكان الآخر وكلاهما كلامه وإنما ينسخ كلامه الأول بكلام منه ثان الكاذب الراجع عما قال فأما إذا كانا جميعا منه حق وصدق فلا نسخ إلا في المأمور والله سبحانه يقول لا مبدل لكلماته ويقول يريدون أن يبدلوا كلام الله فدل الله D بذلك أن في تبدل كلام الله إيجاب الكذب والله D لا يبدل كلامه ولا ينسخ قوله وإنما ينسخ فرضه بفرض آخر