ذكر مالك يوم الدين ينطوي على فائدتين عظيمتين في تفضيل مجاري الرحمة .
احداهما تلتفت الى خلق رب العالمين فانه خلق كل واحد منهم على أكمل أنواعه وأفضلها وآتاه كل ما يحتاج اليه فأحد العوالم التي خلقها عالم البهائم وأصغرها البعوض والذباب والعنكبوت والنحل .
فانظر الى البعوض كيف خلق أعضاءها فقد خلق عليها كل عضو خلقه على الفيل حتى خلق له خرطوما مستطيلا حاد الرأس ثم هداه الى غذائه الى أن يمص دم الآدمي فتراه يغرز فيه خرطومه ويمص من ذلك التجويف غذاء وخلق له جناحين ليكونا له آلة الهرب اذا قصد دفعه .
وانظر الى الذباب كيف خلق أعضاءه وخلق حدقتيه مكشوفتين بلا أجفان اذ لا يحتمل رأسه الصغير الأجفان والأجفان يحتاج اليها لتصقيل الحدقة مما يلحقها من الأقذاء والغبار وانظر كيف خلق له بدلا عن الأجفان يدين زائدتين فله سوى الأرجل الأربع يدان زائدتان تراه اذا وقع على الأرض لا يزال يمسح حدقتيه بيديه يصقلهما عن الغبار وانظر الى العنكبوت كيف خلق أطرافها وعلمها حيلة النسج وكيف علمها حيلة الصيد بغير جناحين اذ خلق لها لعبا لزجا تعلق نفسها به في زاوية وتترصد طيران الذباب بالقرب منها فترمي اليه نفسها فتأخذه وتقيده بخيطها