فائدة : في الدعاء لرفع الطاعون .
فائدة : .
في الدعاء برفع الطاعون : سئلت عنه في طاعون سنة تسع وستين وتسعمائة بالقاهرة فأجبت بأني لم أره صريحا ولكن صرح في الغاية وعزاه الشمني إليها إذا نزل بالمسلمين نازلة : قنت الإمام في صلاة الفجر وهو قول الثوري و أحمد وقال جمهور أهل الحديث : القنوت عند النوازل مشروع في الصلاة كلها انتهى وفي فتح القدير أن مشروعية القنوت للنازلة مستمر لم ينسخ وبه قال جماعة من أهل الحديث وحملوا عليه حديث [ أبي جعفر عن أنس Bهما ما زال رسول الله صلى الله عليه و سلم يقنت حتى فارق الدنيا ] أي عند النوازل وما ذكرنا من أخبار الخلفاء يفيد تقرره لفعلهم ذلك بعده A وقد قنت الصديق Bه في محاربة الصحابة Bهم مسيلمة الكذاب وعند محاربة أهل الكتاب وكذلك قنت عمر Bه وكذلك قنت علي Bه في محاربة معاوية وقنت معاوية في محاربته انتهى .
فالقنوت عندنا في النازلة ثابت وهو : الدعاء برفعها ولا شك أن الطاعون من أشد النوازل قال في المصباح : النازلة : المصيبة الشديدة تنزل بالناس انتهى وفي القاموس النازلة : الشديدة انتهى وفي الصحاح : النازلة : الشديدة من شدائد الدهر تنزل بالناس انتهى وذكر في السراج الوهاج : قال الطحاوي : ولا يقنت في الفجر عندنا من غير بلية فإن وقعت بلية فلا بأس به كما فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم فإنه قنت شهرا فيها يدعو على رعل و ذكوان و بني لحيان ثم تركه كذا في الملتقط انتهى .
فإن قلت هل له صلاة ؟ قلت : هو كالخسوف لما في منية المفتي قبيل الزكاة : .
في الخسوف والظلمة في النهار واشتداد الريح والمطر والثلج والإفزاع وعموم المرض يصلى وحدانا انتهى ولا شك أن الطاعون من قبيل عموم المرض فتسن له ركعتان فرادى وذكر الزيلعي في خسوف القمر أنه يتضرع كل واحد لنفسه وكذا في الظلمة الهائلة بالنهار والريح الشديدة والزلازل والصواعق وانتشار الكواكب والضوء الهائل بالليل والثلج والأمطار الدائمة وعموم الأمراض والخوف الغالب من العدو ونحو ذلك من الأفزاع والأهوال : لأن كل ذلك من الآيات المخوفة انتهى .
فإن قلت : هل يشرع الاجتماع للدعاء برفعه كما يفعله الناس بالقاهرة بالجبل ؟ قلت : .
هو كخسوف القمر وقد قال في خزانة المفتين : والصلاة في خسوف القمر تؤدى فرادى وكذلك في الظلمة والريح والفزع لا بأس بأن يصلى فرادى ويدعون ويتضرعون إلى أن يزول ذلك انتهى فظاهره أنهم يجتمعون للدعاء والتضرع لأنه أقرب إلى الإجابة وإن كانت الصلاة فرادى .
وفي المجتبى في خسوف القمر : وقيل الجماعة جائزة عندنا لكنها ليست سنة انتهى .
وفي السراج الوهاج : يصلي كل واحد لنفسه في خسوف القمر وكذا في غير الخسوف من الأفزاع : كالريح الشديد والظلمة الهائلة والخوف من العدو والأمطار الدائمة والأفزاع الغالبة وحكمها : حكم خسوف القمر كذا في الوجيز وحاصله : أن العبد ينبغي له ان يفزع إلى الصلاة عند كل حادثة فقد كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا حزبه أمر صلى انتهى .
وذكر شيخ الإسلام العيني C في شرح الهداية : الريح الشديدة والظلمة الهائلة بالنهار والثلج والأمطار الدائمة والصواعق والزلازل وانتشار الكواكب والضوء الهائل بالليل وعموم الأمراض وغير ذلك من النوازل والأهوال والأفزاع إذا وقعن صلوا وحدانا وسألوا وتضرعوا وكذا في الخوف الغالب من العدو انتهى .
فقد صرحوا بالاجتماع والدعاء بعموم الأمراض وقد صرح شارحو البخاري و مسلم والمتكلمون على الطاعون كابن حجر بأن الوباء اسم لكل مرض عام وأن كل طاعون وباء وليس كل وباء طاعونا انتهى .
فتصريح أصحابنا بالمرض العام بمنزلة تصريحهم بالوباء وقد علمت أنه يشمل الطاعون وبه علم جواز الاجتماع للدعاء برفعه لكن يصلون فرادى ركعتين بنية ركعتي رفع الطاعون وصرح ابن حجر بان الاجتماع للدعاء برفعه بدعة وأطال الكلام فيه .
وقد ذكر شيخ الإسلام العيني C تعالى في شرح البخاري سببه وحكم من مات به ومن أقام في بلده صابرا محتسبا ومن خرج من بلد هو فيها ومن دخلها وبذلك علم أن أصحابنا رحمهم الله لم يهملوا الكلام على الطاعون وقد أوسع الكلام فيه الإمام الشبلي C تعالى قاضي القضاة من الحنفية كما ذكره شيخ الإسلام ابن حجر في كتابه المسمى بذل الماعون في فوائد فصل الطاعون وقد طالعته في تلك السنة من أوله إلى آخره وقد ذكر فيه أن المرجح عند متأخري الشافعية : أن الطاعون إذا ظهر في بلد أنه مخوف إلى أن يزول عنها : فتعتبر تصرفاته من الثلث كالمريض وعند المالكية : .
روايتان والمرجح منهما عندهم : أن حكمه حكم الصحيح وأما الحنفية فلم ينصوا على خصوص المسألة ولكن قواعدهم تقتضي أن يكون الحكم كما هو المصحح عند المالكية وهكذا قال لي جماعة من علمائهم انتهى .
قلت : إنما كانت قواعدنا أنه في حكم الصحيح لأنهم قالوا في باب طلاق المريض : .
لو طلق الزوج وهو محصور أو في صف القتال لا يكون في حكم المريض فلا ميراث لزوجته لأن الغالب السلامة بخلاف من بارز رجلا أو قدم ليقتل بقود أو رجم فإنه في حكم المريض لأن الغالب الهلاك انتهى .
وغاية الأمر في الطاعون : أن يكون من نزل ببلدهم كالواقفين في صف القتال : فلذا قال جماعة من علمائنا لابن حجر : إن قواعدنا تقتضي أن يكون كالصحيح يعني : قبل نزوله بواحد أما إذا طعن واحد فهو مريض حقيقة وليس الكلام فيه إنما هو فيمن لم يطعن من أهل البلد الني نزل بهم الطاعون .
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن حجر C تعالى في ذلك الكتاب : المسألة الثالثة تستنبط من أحد الأوجه في النهى عن الدخول إلى بلد الطاعون وهو منع التعرض إلى البلاء .
ومن الأدلة الدالة على مشروعية الدواء : التحرز في أيام الوباء من أمور أوصى بها حذاق الأطباء مثل : إخراج الرطوبات الفضلية وتقليل الغذاء وترك الرياضة والمكث في الحمام وملازمة السكون والدعة وأن لا يكثر من استنشاق الهواء الذي هو عفن وصرح الرئيس أبو علي ابن سينا بأن أول شيء يبدأ به في علاج الطاعون : الشرطة إن أمكن فيسيل ما فيه ولا يترك حتى يجمد فتزداد سميته فإن احتيج إلى مصه بالمحجمة فليفعل بلطف وقال أيضا : يعالج الطاعون بما يقبض ويبرد وبأسفنجة مغموسة في خل وماء أو دهن ورد أو دهن تفاح أو دهن آس ويعالج بالاستفراغ بالفصد بما يحتمله الوقت أو يؤجر ما يخرج الخلط ثم يقبل على القلب بالحفظ والتقوية بالمبردات والمعطرات ويجعل على القلب من أدوية أصحاب الخفقان الجائر .
قلت : وقد أغفل الأطباء في عصرنا وما قبله هذا التدبير فوقع التفريط الشديد من تواطئهم على عدم التعرض لصاحب الطاعون بإخراج الدم حتى شاع ذلك فيهم وذاع بحيث صار عامتهم تعتقد تحريم ذلك وهذا النقل عن رئيسهم يخالف ما اعتمدوه والعقل يوافقه كما تقدم أن الطعن يثير الدم الكائن فيهيج في البدن فيصل إلى مكان منه ثم يصل أثر ضرره إلى القلب فيقتل ولذلك قال ابن سينا لما ذكر العلاج بالشرطة والفصد : إنه واجب انتهى كلام شيخ الإسلام C .
وفي البزازية : إذا تزلزلت الأرض وهو في بيته يستحب له الفرار إلى الصحراء لقوله تعالى : { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } وفيه قيل : الفرار مما لا يطاق : من سنن المرسلين انتهى وهو يفيد جواز الفرار من الطاعون إذا نزل ببلدة .
والحديث في الصحيحين بخلافه [ وروى العلائي في فتاواه أنه صلى الله عليه و سلم مر بهدف مائل فأسرع المشي فقيل له : أتفر من قضاء الله تعالى ؟ فقال E : فراري إلى قضاء الله تعالى أيضا ] انتهى