باب أحكام المرتدين .
قال : وإذا ارتد المسلم عن الإسلام والعياذ بالله عرض عليه الإسلام فإن كانت له شبهة كشفت عنه لأنه عساه اعترته شبهة فتزاح وفيه شره بأحسن الأمرين إلا أن العرض على ما قالوا غير واجب لأن الدعوة بلغته .
قال : ويحبس ثلاثة أيام فإن أسلم وإلا قتل وفي الجامع الصغير : المرتد يعرض عليه الإسلام حرا كان أو عبدا فإن أبى قتل وتأويل الأول أنه يستمهل فيمهل ثلاثة أيام لأنها مدة ضربت لإبلاء الأعذار وعن أبي حنيفة و أبي يوسف رحمهما الله : أنه يستحب أن يؤجله ثلاثة أيام طلب ذلك أو لم يطلب وعن الشافعي C : أن على الإمام أن يؤجله ثلاثة أيام ولا يحل له أن يقتله قبل ذلك لأن ارتداد السلم يكون عن شبهة ظاهرا فلا بد من مدة يمكنه التأل فقدرناها بالثلاثة ولنا قوله تعالى : { فاقتلوا المشركين } [ التوبة : 5 ] من غير قيد الإهال وكذا قوله E : [ من بدل دينه فاقتلوه ] ولأنه كافر حربي بلغته الدعوة فيقتل للحال من غير استمهال وهذا لأنه لا يجوز تأخير الواجب لأمر موهوم ولا فرؤق بين الحر والعبد لإطلاق الدلائل وكيفية توبته أن يتبرأ عن الأديان كلها سوى الإسلام لأنه لا دين له ولو تبرأ عما انتقل إليه كفاه لحصول المقصود قال : فإن قتله قاتل قبل عرض الإسلام عليه كره ولا شيء على القاتل ومعنى الكراهية ههنا ترك المستحب وانتفاء الضمان لأن الكفر مبيح للقتل والعرض بعد بلوغ الدعوة غير واجب .
وأما المرتدة فلا تقتل وقال الشافعي C : تقتل لما روينا ولأن ردة الرجل مبيحة للقبل من حيث إنه جناية مغلظة فتناط بها عقوبة مغلظة نوردة المرأة تشاركها فيها فتشاركها في موجبها ولنا أن النبي E نهى عن قتل النساء ولأن الأصل تأخير الأجزية إلى دار الآخرة إذ تعجيلها يخل بمعنى الابتلاء وإنما عدل عنه دفعا لشر ناجز وهو الحراب ولا يتوجه ذلك من النساء لعدم صلاحية البنية بخلاف الرجل فصارت المرتدة كالأصلية قال : ولكن تحبس حتى تسلم لأنها امتنعت عن إيفاء حق الله تعالى بعد الإقرار فتجبر على إيفائه بالحبس كما في حقوق العباد .
وفي الجامع الصغير وتجبر المرأة على الإسلام حرة كانت أو أمة والأمة يجبرها مولاها أما الجبر فلما ذكرنا ومن المولى لما فيه من الجمع بين الحقين ويروى : تضرب في كل أيام مبالغة في الحل على الإسلام .
قال : ويزول ملك المرتد عن أمواله بردته زوالا مراعى فإن أسلم عادت إلى حالها قالوا هذا عند أبي حنيفة C وعندهما لا يزول ملكه لأنه مكلف محتاج فإلى أن يقتل يبقى ملكه كالحكوم علهي بالرجم والقصاص وله أنه حربي مقهور تحت أيدينا حتى يقتل ولا قتل إلا بالحرب وهذا يوجب زوال ملكه ومالكيته غير أنه مدعو إلى الإسلام بالإجبار عليه ويرجى عودة إليه فتوقفنا في أمره فإن أسلم جعل العارض كأن لم يكن في حق هذا الحكم وصار كأن ل يزل سلما ولم يعمل السبب وإن مات أو قتل على ردته أو لحق بدار الحرب وحكم بلحاقه استقر كفره فيعمل السبب عمله وزال ملكه .
قال : وإن مات أو قتل على ردته انتقل ما اكتسبه في إسلامه إلى ورثته المسلمين وكان ما اكتسبه في حال ردته فيئا وهذا عند أبي حنيفة C وقال أبو يوسف و محمد رحمهما الله : كلاهما لورثته وقال الشافعي C : كلاهما فيء لأنه مات كافرا والسلم لا يرث الكافر ثم هو مال حربي لا أمان له فيكون فيئا ولهما أن لكه في الكسبين بعد الردة باتق على ما بيناه فينتقل بموته إلى ورثته ويستند إلى ما قبيل ردته إذ الردة سبب الموت فيكون توريث المسلم من المسلم و لأبي حنيفة C أنه يمكن الاستناد في كسب الإسلام لوجوده قبل الردة ولا يكن الاستناد في كسب الردة لعدمه قبلها ومن شرطه وجوده ثن إنما يرثه من كان وارثا له حالة الردة وبقي وارثا إلى وقت وته في رواية عن أبي حنيفة C اعتبارا للاستناد وعنه أنه يرثه من كان وارثا له عند الردة ولا يبطل استحقاقه بموته بل يخلفه وارثه لأن الردة بمنزلة الموت وعنه أنه يعتبر وجود الوارث عند الموت لأن الحادث بعد انعقاد السبب قبل تمامه كالحادث قبل انعقاده بنزلة الولد الحادث من المبيع قبل القبض وترثه امرأته المسلمة إذا مات أو قتل على ردته وهي في العدة لأنه يصير فارا وإن كان صحيحا وقت الردة والرتدة كسبها لورثتها لأنه لا حراب منها فلم يوجد سبب الفيء بخلاف الرتد عند أبي حنيفة C ويرثها زوجها السلم إن ارتدت وهي ريضة لقصدها إبطال حقه وإن كانت صحيحة لا يرثها لأنها لا تقتل فلم يتعلق حقه بمالها بالردة بخلاف الرتد .
قال : وإن لحق بدار الحرب مرتدا وحكم الحاكم بلحاقه عتق مدبروه وأماهات أولاده وحلت الديون التي عليه ونقل ما اكتسبه في حال الإسلام إلى ورثته من المسلمين وقال الشافعي C : يبقى ماله موقوفا كما كان لأنه نوع غيبة فاشبه الغيبة في دار الإسلام ولنا أنه باللحاق صار من أهل الحرب وهم أوات في حق أحكام الإسلام لانقطاع ولاية الإلزام مكما هي منقطعة عن الموتى فصار كالموت إلا أنه لا يستقر لحاقه إلا بقضاء القاضي لاحتمال العود إلينا فلا يد من القضاء وإذا تقرر وته ثبتت الأحكام المتعلقة به وهي ما ذكرناها كما في الموت الحقيقي ثم يعتبر كونه وارثا عند لحاقه في قول محمد C لأن اللحاق هو السبب والقضاء لتقرره تقطع الاحتمال وقال أبو يوسف C : وقت القضاء لأنه يصير موتا بالقضاء والمرتدة إذا لحقت بدار الحرب فهي على هذا الخلاف وتقضى الديون التي لزمته في حال الإسلام ما اكتسبه في حال الإسلام وما لزمه في حال ردته من الديون يقضى مما اكتسبه في حال ردته قال العبد الضعيف عصمه الله : هذه رواية عن أبي حنيفة C وعنه أنه يبدأ بكسب الإسلام وإن لم يف بذلك يقضى من كسب الردة وعنه على عكسه وجه الأول : أن الستحق بالسببين مختلف وحصول كل واحد من الكسبين باعتبار السبب الذي وجب به الدين فيقضى كل دين من الكسب المكتسب في تلك الحالة ليكون الغرم بالغنم وجه الثاني : أن كسب الإسلام ملكه حتى يخلفه الوارث فليس بمملوك له لبطلان أهلية الملك باردة عنده فلا يقضى دينه منه إ'لآ إذا تعذر قضاؤه من محل آخر فحينئذ يقضى منه كالذممي إذا مات ولا وارث له يكون ماله لجماعة المسلمين ولو كان عليه دين يقضى منه كذلك ههنا وجه الثالث : أن كسب الإسلام حق الورثة وكسب الردة خالص حقه فكان قضاء الدين منه أولى إلا إذا تعذر بأن لم يف به فحينئذ يقضى من كسب الإسلام تقديما لحقه وقال أبو يوسف و محمد رحمهما الله : تقضى ديونه من الكشبين لأنهما جيمعا لكه حتى يجري الإرث فيهما والله أعلم .
قال : وما باعه أو اشتراه أو أعتقه أو وهبه أو رهنه أو تصرف فيه من أمواله في حال ردته فهو موقوف فإن أسلم حصت عقوده وإن مات أو قتل أو لحق بدار الحرب بطلت وهذا عند أبي حنيفة C وقال أبو يوسف و محمد يجوز ما صنع في الوجهين اعلم أن تصرفات الرتد على أقسام : نافذ بالاتفاق : كالاستيلاد والطلاق لأنه لا يفتقر إلى حقيقة اللك وتمام الولاية .
وباطل بالاتفاق : كانكاح والذبيحة لأنه يعتمد اللة ولا ملة له .
ووقوف بالاتفاق : كالمفاوضة لأنها تعتمد المساواة ولا ساواة بين السلم والمرتد ما لم يسلم .
ومختلف في توقفه وهو ما عددناه لهما أن الصحة تعتمد الأهلية والنفاذ يعتمد الملك ولا خفاء في وجود الأهلية لكونه مخاطبا وكذا الملك لقيامه قبل موته على ما قررناه من قبل ولهذا لو ولد له ولد بعد الردة لستة أشهر من امرأة مسلمية يرثه ولو مات ولده بعد الردة ققبل الموت لا يؤرثه فيصح تصرافته قبل المدة إلا أن عند أبي يوسف C تصح كما تصح من الصحيح لأن الظاهر عودة إلى الإسلام إذ الشبهة تزاح فلا يقتل وصار كالمرتدة وعند محمد C تصح كما تصح من المريض لأن من انتحل إلى نحلة لا سيما معرضا عما نشأ عليه قلما يتركه فيفضي إلى القتل ظاهرا بخلاف المرتدة لأنها لا تقتل و لأبي حنيفة C أنه حربي مقهور تحت أيدينا على ما قررناه في توقف الملك وتوقف التصرفات بناء عليه وصار كالحربي يدخل دارنا بغير أمان فيؤخذ ويقهر وتتوقف تصرفاته لتوقف حالهن فكذا المرتد واستحقاقه القتل لبطلان سبب العصة في الفصلين فأوجب خللا في الأخلية بخلاف الزاني وقاتل العمد لأن الاستحقاق في ذلك جزائ على الجناية وبخلاف المرأة لأنها ليست حربية ولهذا لا تقتل فإن عاد المرتد بعد الحكم بلحاقه بدار الحرب إلى دار الإسلام مسلما فما وجده في يد ورثته من ماله بعينه أخذه لأن الوارث إنما يخلفه فيه لاستغنائه وإذا عاد مسلما احتاج إليه فيتقدم عليه بخلاف ما إذا أزاله الوارث عن ملكه وبخلاف أمهات أولاده ومدبريه لأن القضاء قد صح بدليل صحح فلا ينقض ولو جاء مسلا قبل أن يقضي القاضي بذلك فكأنه لم يزل مسلما لما ذكرنا .
وإذا وطئ المرتد جارية نصرانية كانت له في حالة الإسلام فجاءت بولد لأكثر من ستة أشهر منذ ارتد فادعاه فهي أم ولد له والولد حر وهو ابنه ولا يرثه وإن كانت الجارية مسلمة ورثه الابن إن مات على الردة أو لحق بدار الحرب أصحة الاستيلاد فلما قلنا وأما الإرث فلأن الأم إذا كانت نصرانية والولد تبع له لقربه إلى الإسلام للجبر عليه فصار في حكم المرتد والمرتد لا يرث المرتد أما إذا كانت ممسلمة فالولد مسلم تبعا لها لأنها خيرهما دينا والمسلم يرث المرتد وإذا لحق المرتد بماله بدار الحرب ثم ظهر على ذلك المال فهو فيء فإن لحق ثم رجع وأخذ مالا وألحقه بدار الحرب فظهر على ذلك المال فوجدته الورثة قبل القسمة رد عليهم لأن الأول : مامل لم يجر فيه الإرث والثاني : انتقل إلى الورثه بقضاء القاضي بلحاقه فكان الوارث مالكا قديما .
وإذا لحق المرتد بدار الحرب وله عبد فقضى به لابنه وكاتبه الابن ثم جاء المرتد مسلما فالكتابة جائزة والمكاتبة والولاء للمرتد الذي أسلم لأنه لا وجه إلى بطلان الكتابة لنفوذها بدليل منفذ فجعلنا الوارث الذي هو خلفه كالوكيل من جهته وحقوق العقد فيه ترجع إلى الموكل والولاء لمن يقع العتق عنه .
وإذا قتل المرتد رجلا خطأ ثم لحق بدار الحرب أو قتل على ردته فالدية في مال اكتسبه في حال الإسلام خاصة عند أبي حنيفة C وقالا : الدية فيما اكتسبه في حالة الإسلام والردة جميعا لأن العواقل لا تعقل المرتد لانعدام النصرة فتكون في ماله وعندهما الكسبان جميعا ماله لنفوذ تصرفاته في في الحالين ولهذا يجري الإرث فيهما عندهما وعنده ماله المكتسب في الإسلام لنفاذ تصرفه فيه دون المكسوب في الردة لتوقف تصرفه ولهذا كان الأول ميراثا عنه والثاني فيئا عنده .
وإذا قطعت يد المسلم عمدا فارتد والعياذ بالله ثم مات على ردته من ذلك أو لحق بدار الحرب ثم جاء مسلما فمات من ذلك فعلى القاطع نصف الدية في ماله للورثة أما الأول فلأن اسراية حلت محلا غير معصوم فأهدر بخلاف ما إذا قطعت يد المرتد ثم اسلم فمات من ذلك لأن الإهدار لا يلحقه الاعتبار أما المعتبر فقد يهدر بالإبراء فكذا بالردة وأما الثاني : وهو ما إذا لحق ومعناه إذا قضى بلحاقه فلأنه صار ميتا تقديرا والموت يقطع السراية وإسلامه حياة حادثة في التقدير فلا يعود حكم الجناية الأولى فإذا لم يقض القاضي بلحاقه فهو على الخلاف الذي نبينه إن شاء الله تعالى قال : فإن لم يلحق وأسلم ثم مات فعليه الدية كاملة وهاذ عند أبي حنيفة و أبي يوسف رحمهما الله وقال محمد و زفر : في جميع ذلك نصف الدية لأن اعتراض الردة أهدر السراية فلا ينقلب بالإسلامم إلى الضمان كما إذا قطع يد رتد فأسلم ولهما أن الجناية وردت على محل معصوم وتمت فيه فيجب ضمان النفس كما إذا لم تخلل الردة وهذا لأنه لا معتبر بقيام العصمة في حال بقاء الجناية وإنما المعتبر قيامها في حال انعقاد السبب وفي حال ثبوت الحكم وحالة البقاء بمعزل من ذلك كله وصار كقيام الملك في حال بقاء اليمين .
وإذا ارتد المكاتب ولحق بدار الحرب واكتسب مالا فأخذ بماله وأبى أن يسلم فقتل فإنه يوفي مولاه كاتبته وما بقي فلورثته وهذا ظاهر على أصلهما لأن كسب الردة ملكه إذا كان حرا فكذا إذا كان مكتبا وأما عند أبي حنيفة فلأن الكابت إنما يلك أكسابه بالكتابة والكتابة لا تتوقف باردة فكذا أكسابه ألا تسى أنه لا يتوقف تصرفه بالأقوى وهو الرق فكذا بالأدنى بطريق الأولى .
وإذا ارتد الرجل وامرأته والعياذ بالله ولحقا بدار الحرب فحبلت المرأة في دار الحرب وولدت ولدا وولد لولدهما ولد فظهر عليهم جميعا فالولدان فيء لأن المرتدة تسترق فيتبعها ولدها ويجببر الولد الأول على الإسلا ولا يجبر ولد الولد وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله : أنه يجبر تبعأ للجد وأصله التبعية في الإسلام وفي رابعة أربع مسائل كلها على الروايتين والثانية صدقة الفطر والثالثة جر الولاء والأخرى الوصية بالقرابة .
قال : وارتداد الصبي الذي يعقل ارتداد عند أبي حنيفة و محمد رحمهما الله ويجبر على الإسلام ولا يقتل وإسلامه إسلام لا يرث أبويه إن كانا كافرين وقال أبو يوسف : ارتداده ليس بارتداد وإسلامه إسلام وقال زفر و الشافعي رحمهما الله : إسلامه ليس بإسلام وارتداده ليس بارتداد لهما في الإسلام أنه تبع لأبويه فيه فلا يجعل أصلا ولأنه يلزمه أحكاما تشوبها المضرة فلا يؤهل له ولنا فيه أن عليا Bه أسلم في صباه وصحح النبي E إسلامه وافتخاره بذلك مشهور ولأنه أتى بحقيقة الإسلام وهي التصديق والإقرار معه لأن الإقرار عن طوع دليل على الاعتقاد على ما عرف والحقائف لا ترد وما يتعلق به سعادة أبدية ونجاة عقباوية وهي من أجل المنافع وهو الحكم الأصلي ثم يبتنى عليه غيرها فلا يبالى بشوبه ولهم في الردة أنها مضرة محضة بخلاف الإسلام على أصل أبي يوسف C لأنه تعلق به أعلى المنافع على ما مر و لأبي حنيفة و محمد رحمهما الله فيها أناه موجودة حقيقة ولا مرد للحقيقة كما قلنا في الإسلام إلا أنه يجبر على الإسلام لما فيه من النفع له و لا يقتل لأنه عقوبة والعقبات موضوعة عن الصبيان مرحمة عليهم وهذا في الصبي الذي يعقل ومن لا يعقل من الصبيان لا يصح ارتداده لأن إقراره لا يدل على تغير العقيدة وكذا المجنون والسكران الذي لا يعقل والله أعلم بالصواب