باب استيلاء الكفار .
وإذا غلب الترك على الروم فسبوهم وأخذوا أموالهم ملكوها لأن الاستيلاء قد تحقق في مال باح وهو السبب على ا نبينه إن شاء الله تعالى فإن غلبنا على الترك حل لنا ما نجده من ذلك اعتبارا بسائر أملاكهم .
وإذا غلبوا على أموالنا والعياذ بالله وأحرزوها بدارهم ملكوها وقال الشافعي C : لا يلكونها لأن الاستيلاء محظور ابتداء وانتهاء والحظور لا ينهض سببا لملك على ما عرف من قاعدة الخصم ولنا الاستيلاء ورد على مال مباح فينعقد سببا لملك دفعا لحاجة المكلف كاستيلائنا على أموالهم وهذا لأن العصمة تثبت على منافاة الدليل ضرورة تمكن المالك من الانتفاع فإذا زالت المكنة عاد مباحا كما كان غير أن الاستيلاء لا يتحقق إلا بالإحراز بالدار لأنه عبارة عن الاقتداء على المحل حالا ومالا والحظور لغيره إذا صلح سببا لكرامة تفوق الملك وهو الثواب الآجل فما ظنك بالملك العاجل فإن ظهر عليها المسلمون فوجدها المالكونه قبل القسمة فهي لهم بغير شيء وإن وجدوها بعد القسمة أخذوها بالقيمة إن أحبوا لقوله E فيه : [ إن وجدته قبل القسمة فهو لك بغير شيء وإن وجدته بعد القسمة فهو لك بالقيمة ] ولأن المالك القديم زال ملكه بغير رضاه فكان له حق الأخذ نظرى له إلا أن في الأخذ بعد القسمة ضررا بالمأخوذ منه بإزالة ملكه الخاص فيأخذه بالقيمة ليعتدل النظر من الجانبين والشركة قبل القسمة عامة فيقل الضرر فيأخذه بغير قيمة وإن دخل دار الحرب تاجر فاشترى ذلك وأخرجه إلى دار الإسلام فمالكه الأول بالخيار إن شاء أخذه بالثمن الذي اشتراه به وإن شاء تركه لأنه يتضرر بالأخذ مجانا وألا ترى أنه قد دفع العوض بمقابلته فكان اعتارد النظر فيما قلناه ولو اشتراه بعرض يأخذه بقيمة العرض ولو وهبوه لمسلم يأخذه بقيمته لأنه ثبت له ملك خاص فلا يزال إلا بالقيمة ولو كان مغنوما وهو ملقى يأخذه قبل القسمة ولا يأخذه بعدها لأن الأخذ بالمثل غير مفي وكذا إذا كان موهوبا لا يأخذه لما بينا وكذا إذا كان مشترى بملثله قرا ووصفا قال : فإن أسروا عبدا فاشتراه رجل وأخرجه إلى دار الإسلام ففقئت عينه وأخذ أرشها فإن المولى يأخذه بالثمن الذي أخذ به من العدو أما الأخذ بالثمن فلما قلنا ولا يأخذ الأرش لأن الملك فيه صحيح فلو أخذه بمثله وهو لا يفيد ولا يحط شيء من الثمن لأن الأوصاف لا يقبلها شيء من الثمن بخلاف الشفعة لأن الصفقة لما تحولت إلى الشفيع صار المشتري في يد المشتري بمنزلة المشترى شراء فاسدا والأوصاف تضمن فيه كما في الغصب أما ههنا الملك صحيح فافترقا وإن أسروا عبادا فاشتراه رجل بألف درهم فأسروه ثانيا وأدخلوه دار الحرب فاشتراه رجل آخر بألف درهم فليس للمولى الأول أن يأخذه من الثاني بالثمن لأن الأسر ما ورد على ملكه .
وللمشتري الأول أن يأخذه من الثاني بالثمن لأن الأسر ورد على ملكه ثم يأخذه المالك القديم بألفين إن شاء لأنه قام عليه باثمنين فيأخذه بهما وكذا إذا كان المأسور منه الثاني غائبا ليس للأول أن يأخذخ اعتبارا بحال حضرته .
ولا يملك علينا أهل الحرب بالغلية مدبرينا وأمهات أولادنا ومكاتبينا وأحرارنا ونملك عليهم جميع ذلك لأن السبب إنما يفيد الملك في محله والمحل المال المباح والحر معصوم بنفسه وكذا من سواه لأنه تثبت الحرية فيه من وجه بخلاف رقابهم لأن الشرع أسقط عصمتهم جزاء على جنايتهم وجعله أرقاء ولا جناية من هؤلاء .
وإذا أبق عبد لمسلم فدخل إليهم فأخذوه لم يملكوه عند أبي حنيفة C وقالا : يملكونه لأن العصمة لحق المالك لقيام يده وقد زالت ولهذا لو أخذوه من دار الإسلام ملكوه وله أنه ظهرت يده على نفسه بالخروج من دارنا لأن سقوط اعتباره لتحقق يد المولى عليه تمكينا له من الانتفاع وقد زالت يد المولى فظهرت يده على نفسه وصار معصومام بنفسه فلم يبق محلا للملك بخلاف المتردد لأن يد المولى باقية عليه لقيام يد أهل الدار فمنع ظهور يده وإذا لم يثبت الملك لهم عند أبي حنيفة C يأخذه المالك القديم بغير شيء موهوبا كان أو مشترى أو مغنوما قبل القسمة وبعد القسمة يؤدي عوضه من بيت تالمال لأنه لا يمكن إعادة القسمة لتفرق الغانمين وتعذر اجمتاعهم وليس له على المالك جعل الآبق لأنه عامل لنفسه إذ في زعمه أنه ملكه وإن ند بعير إليهم فأخذوه ملكوه لتحقق الاستيلاء إذ يد للعجماء لتظهر عند الخروج من دارنا بخلاف العبد على ما ذكرنا وإن اشرتاه رجل وأدخله دار الإسلام صاحبه يأخذه بالثمن إن شاء لما بينا فإن أبق عبد إليه وذهب معه بفرس ومتاع فأخذ المشركون ذلك كله واشترى رجل ذلك كله وأخرجه إلى دار الإسلام فإن المولى يأخذ العبد بغير شيء ولافرس والمتاع بالثمن وهذا عند أبي حنيفة C وقالا يأخذ العبد وما معه بالثمن إن شاء اعتبارا لحالة الاجتماع بحالة الانفراد وقد بينا الحكم في كل فرد .
وإذا دخل الحربي دارنا بأمان واشترى عبدا مسلما وأدخله دار الحرب عتق عند أبي حنيفة C وقالا : لا يعتق لأن الإزالة كانت مستحقة بطريق معين وهو البيع وقد انقطعت ولاية الجبر عليه فبقي في يده عبدا و لأبي حنيفة C : أن تخليص المسلم عن ذل الكافر واجب فيقام الشرط وهو تباين الدارين مقام العلة وهو الإعتباق تخليصا له كما يقام مضي ثلاث حيض مقام التفريق فما إذا أسلم أحد الزوجين من دار الحرب .
وإذا أسلم عبد لحربي ثم خرج إلينا أو ظهر على الدار فهو حر وكذلك إذا خرج عبيدهم إلى عسكر المسلمين فهم أحرار لما [ روي أن عبيدا من عبيد الطائف أسلموا وخرجوا إلى رسول الله E فقضى بعتقهم وقال : هم عتقاء الله ] ولأنه أحرز نفسه بالخروج إلينا مراغما لمولاه أو بالالتحق بمنعة المسلمين إذا ظهر على الدار واعتبار يده أولى من اعتبار يد المسلمين لأنها أسبق ثبوتا على نفسه فالحاجة في حقه إلى زيادة توكيد وفي حقهم إلى إثبات اليد ابتداء فلهذا كان أولى والله أعلم بالصواب